متى سيتحقق شعار الصحة للجميع ؟


غالب زوايدة
2011 / 11 / 19 - 21:09     

التعليم والرعاية الطبية والضمان الاجتماعي والبيئة النظيفة حق لكل مواطن. والتعليم مجاني وإلزامي حتى انتهاء مرحلة التعليم الأساسي. ويجب أن تعمل الدولة على تحرير المجتمع من الجوع والأمية وتوفير التنمية الاجتماعية والاقتصادية بشكل متوازن وعادل. وتلك هي أهم متطلبات الحرية والديمقراطية الحقيقية. فلا معنى لحرية الإعلام بكل أشكاله إذا لم يترافق مع ديمقراطية توزيع مكاسب التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

والصحة للجميع من اوجب واجبات الدول الديمقراطية. وعلى النقابات تقع مسؤولية كبرى في رسم وتوجيه السياسة الصحية والضغط باتجاه تصويب النظام الصحي، وهو غير منعزل عن النظام السياسي للبلد. والفساد في السياسة الصحية هو جزء من الفساد العام، ومسؤوليته لا تقتصر على جهة دون أخرى، رغم أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الحكومات.

المتابع للوضع الصحي في الأردن يلاحظ تحولا كبيرا باتجاه التخلي التدريجي للدولة عن دورها في دعم القطاع الصحي العام وتحولها إلى سياسة الخصخصة، وما يرافق ذلك من غياب العدالة، وهدر كبير في الموارد الشحيحة أصلا، وتفاقم لكثير من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية. .

لقد أقرت منظمة الصحة العالمية عام 1979 في آلما آتا عاصمة كازاخستان أن الهدف الاجتماعي الرئيسي للحكومات هو بلوغ جميع شعوب العالم مستوى صحياً يمكنها من أن تحيا حياة منتجة اجتماعياً واقتصادياً " واعتبار هذا الهدف في الوقت نفسه حق من حقوق الإنسان الأساسية واحتياجاته . دون تمييز بسبب عنصر أو دين أو مذهب أو حالة اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية " وحددت عام 2000 تاريخا لانجاز هذا الهدف ووقعت على هذا الإعلان معظم دول العالم بما فيها الأردن.

مسوغات شعار الصحة للجميع:‏

1- الفجوة الصحية بين الشمال والجنوب ، بين الأغنياء والفقراء ، بين الحضر والريف‏
2- عزل التخطيط الصحي عن التنمية الاجتماعية والاقتصادية‏
3- تجمع الموارد الصحية في المدن وافتقار الريف‏
4- كلفة المعالجة أعلى من المردود الصحي‏

مكونات تحقيق هدف الصحة للجميع:‏

1- تطوير هيكل أساسي فعال للنظام الصحي وقائم على أسس علمية صحيحة‏
2- اعتبار الحكومات مسؤولة عن صحة شعوبها‏
3- ضمان الالتزام السياسي على أعلى المستويات الوطنية لتحقيق الدعم اللازم لتضييق الفجوة بين البلدان المتقدمة والنامية والمدينة والريف والأغنياء والفقراء‏
4- للشعب الحق في الصحة ولكن عليه واجب المساهمة أفرادا وجماعات في التخطيط الصحي والتنفيذ ..‏
5- لتحقيق هدف الصحة للجميع يجب مشاركة جميع القطاعات الحكومية وغير الحكومية والنقابات (صحة، تعليم، زراعة، مياه )...‏

استراتيجيات تحقيق هدف الصحة للجميع.

- الرعاية الصحية الأولية وذلك باعتبارها:
1- مستوى الاتصال الأول بين الأفراد والأسر والمجتمع بالنظام الصحي الوطني‏
2- كونها جزء أساسي من عملية التنمية الاجتماعية والإقتصادية الشاملة..‏

- دور العاملين الصحيين: ‏
1- تقييم الحالة الصحية للأفراد والمجتمعات‏
2- تعبئة مشاركة المجتمع في نشاطات الرعاية الصحية الأولية‏
3- تقديم الرعاية الصحية المتكاملة ( تطويرية، وقائية، علاجية، تأهيلية ) .‏
4- المراقبة الوبائية
5- التدريب والإشراف

إن شعار الصحة للجميع عام 2000 كان له دور في تحفيزنا في نقابة الأطباء الأردنية للعمل والضغط على صاحب القرار باتجاه تحقيق هذا الهدف. وكان عقد الثمانينات حافلا بالنشاط النقابي والإعلامي في هذا الاتجاه. وكانت مجلة السماعة في تلك الفترة حافلة بالمواضيع التي تصب في هذا الاتجاه.لقد أدت خطوه وزاره الصحة، التي كان وزيرها رئيسا لمنظمة الصحة العالمية آنذاك، إلى تعزيز البناء الهرمي للنظام الصحي وبداية إنشاء المراكز الطبية الشاملة لتخفيف العبء عن المستشفيات.

ولكن للأسف ورغم التطورات الكبيرة في حقل الطب والتكنولوجيا الطبية، وتزايد أعداد الأطباء والكوادر الصحية الأخرى خلال العقدين الأخيرين، حدث تراجع نسبي للقطاع العام الصحي، وانحراف عن هدف الصحة للجميع، وسادت فلسفة تخلي الدولة عن دورها القيادي في المجال الصحي، كما المجالات الاقتصادية الأخرى. فتضخم القطاع الصحي الخاص وازدادت الفوارق لصالحه، لا بل أن السياسة الصحية أصبحت تخضع لقوى السوق.

لقد أضحت السياسة الصحية الوطنية تتأثر بمراكز القوى في القطاع الخاص، وتستجيب لرغباتها. وتراجعت الاعتبارات الأخرى الاجتماعية والمهنية إلى مستويات اقل بكثير من السابق. إن العملية العلاجية أصبحت بحاجة ماسة إلى تقييم حقيقي يعيدها إلى أصولها الحقيقية المعتمدة على نظام صحي هرمي ضمن الأولويات الصحية الوطنية. وهدا يتطلب إعادة النظر في السياسة الصحية على أساس إعادة الاعتبار لدور القطاع العام وضرورة تحسين الخدمات العلاجية والتدريبية بصورة جذرية ووقف الهدر وازدواجية الخدمات وتوحيد نظم الإدارة ومعايير الجودة والحوافز.

الممارسة اليوم بحاجة إلى إعادة تقييم موضوعي يأخذ العامل الاجتماعي والكلفة العلاجية، حيث أصبح للإعلام الطبي وبرامج الصحة على الفضائيات تأثير كبير على السلوك العلاجي للجمهور. وأصبح المواطن عرضة للاحتيال وهدر ماله وصحته. كما أن التعليم الطبي المستمر والسياسة العلاجية أصبحت تحت نفوذ الشركات الكبرى وأصبحنا نرى موضة علاجية بحاجة إلى تمحيص في فوائدها العلاجية والاجتماعية.

أمثلة على السلوك العلاجي الضار

1- المكملات الغذائية التي يعج بها السوق، وهي مرتفعه الأسعار وليس لها أية قيمة علاجية تذكر، وتسوق عبر وسائل الأعلام بطريقة احتيالية في معظم الأحوال.
2- موضة وضع كل شخص عنده هبوط في مستوى الوعي Cognitive decline على علاج cholinergic agent لتجنب ازدياد مرض الزهايمر على الرغم من عدم توفر دليل سريري يثبت فاعلية هذا العلاج. ويصبح الشخص تحت تأثير الأعراض الجانبية للعلاج مثل زيادة كثافة مفرزات القصبات والغثيان وكثرة التبول والإسهال.
3- موضة تنزيل مستوى الكولسترول منخفض الكثافة LDL تحت مستوى 70ملغ في مجال الوقاية الأولية Primary prevention على الرغم من الفائدة الطفيفة لهكذا إجراء والكلفة الباهظة له.
4- موضة الضبط الشديد لمستوى السكر التراكمي تحت مستوى 6.5 أدت إلى زيادة عدد الوفيات عند مرضى السكري من النوع الثاني.
5- علاج الربو ب LABAتبين أن له محاذير بعد ثلاثين عاما من الاستعمال وزيادة نسبة الوفيات، ولا نزال نشاهد مرضى بما فيهم الأطفال يستعملونه قبل استعمال بخاخ كورتيزوني؟
6- موضة استعمال العلاج الهرموني التعويضي عند النساء وما رافقها من حمله إعلاميه كبرى، على الرغم من أن الدراسات لم تثبت الفوائد التي يسوق العلاج من اجلها والكلفة الباهظة لها.

نحن الأطباء والجمهور أصبحنا رهن سلطة وسائل الإعلام. ولكن علينا مسؤولية الانتباه لعدم تعريض المواطن للضرر من وسائل علاجية لم تثبت سلامتها أو فائدتها بصوره قطعية.

الصحة للجميع شعار جميل يجب أن يسعى الأطباء لتحقيقه، فهل لنقابة الأطباء دور في ذلك؟