أي دور للمعارضة النقابية في الإتحاد العام التونسي للشغل في مواجهة التحالف الحكومي السلفي الليبرالي


بشير الحامدي
2011 / 11 / 14 - 19:05     

أي دور للمعارضة النقابية في الإتحاد العام التونسي للشغل في مواجهة التحالف الحكومي السلفي الليبرالي
لابد من التوضيح في البداية أن الإتحاد العام التونسي للشغل وعبر بيروقراطيته المتنفذة كان أحد أدوات نظام بن علي في السيطرة على الحركة العمالية وتدجينها فعلى إمتداد فترة حكم الديكتاتور كان العمل النقابي في وجهه الرسمي البيروقراطي عملا ليس له من هدف غير تزكية السياسات القائمة بحيث تحولت البيروقراطية النقابية التي إندمجت مصالحها بمصالح النظام إلى حارس على العمال لصالح السلطة فبمشاركتها وبتزكية منها تمكن نظام بن علي من تمرير برنامج الإصلاح الهيكلي والذي بموجبه وقع التفويت في القطاع العام وبيع مؤسساته للمستثمرين الأجانب بالخصوص والتراجع في الكثير من القوانين وتغييرها لصالح الرأسماليين والتي لم يجن منها العمال وعموم الفئات الشعبية غير المزيد من البؤس والتفقير والتهميش والبطالة والتدهور في مستوى العيش. لقد إقترن كل ذلك بغياب كلي لأي ديمقراطية داخل هياكل هذه المنظمة وباحتكار مكتبها البيروقراطي المركزي لكل السلطات ومصادرة كل إمكانية لفرض إستقلالية االحركة النقابية. لكن وبرغم هيمنة الخط البيروقراطي على مجريات الفعل النقابي فإنه وبالتحديد في الأربع سنوات الأخيرة من حكم بن علي شهدت الساحة النقابية تجذرا نسبيا فنظمت عديد الإضرابات والإعتصامات كما تنامى وعي في صفوف قطاع مهمّ من النقابيين وخصوصا في الهياكل الأساسية بضرورة مواجهة الخط البيروقراطي وتشكل في إطار هذا الصراع خط معارضة نقابية واسع كانت له محطات نضالية عديدة تمكن عبرها ولو جزئيا من رسم قطيعة مع الإتجاه البيروقراطي المهيمن تمحورت حول الدفع في إتجاه النضالات المطلبية والعودة إلى الضغط بالإضراب وفرض نضالية وإستقلالية اللإتحاد وحول معارضة عزم المكتب المركزي البيروقراطي تحوير الفصل 10 من النظام الداخلي لتمكين غالبية أعضائه من ضمان حق الترشح مجددا لقيادة الإتحاد. هكذا كان الوضع بالإتحاد العام التونسي للشغل إبان إنطلاق الإحتجاجات في سيدي بوزيد والتي تطورت إلى أن أصبح الوضع ثوريا وأطاحت الجماهير بالديكتاتور في 14 جانفي 2011. ولئن كان للنقابيين المعارضين والمستقلين دور بارز في تنظيم وقيادة التحركات ودفع الحركة النقابية للإنخراط في المسار الثوري والمساهمة بفعالية وكفاحية في النضالات التي توجت بإسقاط بن علي فإن البيروقراطية النقابية ظلت وفية لنهج المشاركة وقامت بكل ما في وسعها للإنقاذ الديكتاتور حتى الساعات الأخيرة من حكمه.
بعد 14 جانفي لم يكن لبقايا الدكتاتورية ولحكومتي الغنوشي الأولى والثانية وحكومة الباجي قايد السبسي إلا أن يعتمدا على البيروقراطية النقابية لتمرير مشروع الإلتفاف على الثورة وفرض المسار الإنتقالي على قاعدة دستور 1959 الذي نصب رئيس برلمان بن علي رئيسا مؤقتا ووزيره الأول رئيسا للحكومة.
لقد كان يمكن أن يكون للإتحاد العام التونسي للشغل دور رئيسي في مواصلة الثورة والتصدي لمواجهة قوى الثورة المضادة وبقايا الدكتاتورية لو وعت مجموعات اليسار النقابي الإنتهازية مدى أهمية إنفصالها عن البيروقراطية النقابية ونقلت المعركة مع النظام إلى الساحة النقابية. لقد خير النقابيون المنتمون والمساندون لأحزاب اليسار الإنتهازي[حزب العمل الوطني الديمقراطي. حركة الوطنيين الديمقراطيين . حزب العمال الشيوعي التونسي] مهادنة البيروقراطية والخضوع لها والتحالف معها.
هذا الوضع أتاح للبيروقراطية النقابية أن تحافظ على موقعها داخل الحركة العمالية وعلى تحالفها مع بقايا الدكتاتورية فقد شاركت في حكومة الغنوشي الأولى بثلاث وزراء وساندت حكومته الثانية وإلتحقت بهيئة بن عاشورللإلتفاف على الثورة المسماة بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي ودعمت حكومة الباجي قايد السبسي وساندتها رافضة أي إمكانية تعبئة نضالية حول مطالب العمال بتعلة إنجاح المسار الإنتقالي والذي أفضى كما يعلم الجميع إلى تصعيد حزب النهضة وأحزاب ليبرالية إلى السلطة.
وعموما يمكن القول وبعد ما يقارب السنة من الإطاحة بالديكتاتور بن على ومن صراع الحركة الشعبية ضد بقايا الدكتاتورية أن الإتحاد العام التونسي للشغل وعبر بيروقراطية لم يكن في صف الثورة بل كان في صف الثورة المضادة وقوى الإلتفاف عبر بيروقراطيته وخط سياسته النقابية هذه البيروقراطية التي ترتب أمر خروج أغلب رموزها من الباب الواسع أثناء المؤتمر العام للمنظمة الذي حدد تاريخه في شهر ديسمبر القادم والإفلات من المحاسبة والمقاضاة تحديدا حول ملفين هامين هما ملف تورطها مع نظام بن علي وملف الفساد المالي.
إن المعارضة النقابية في الإتحاد وبإعتبار الوضع الذي هو عليه وسياساته القائمة وبعد 23 أكتوبر لمدعوة إلى نقل المعركة ضد قوى الثورة المضادة وبقايا الدكتاتورية وضد التحالف الحكومي السلفي الليبرالي إلى الساحة النقابية ولن يكون ذلك ممكنا إلا إذا وعت هذه المعارضة اليوم قبل غد ضرورة التشكل في تيار نقابي جذري واسع على قاعدة معارضة الخيارات الليبرالية التي ستنتهجها الحكومة ونقل المعركة ضد هذا التحالف إلى الساحة النقابية ودفع منتسبي هذه المنظمة إلى النضال على هذا الأساس في إطار مشروع نضالي تعبوي لا يفصل السياسي عن النقابي ولا يساوم في تحقيق مطالب الحركة العمالية. إن ذلك لابد أن يقترن بمشروع واضح أيضا في مستوى الرؤية لتحقيق الديمقراطية داخل هياكل هذه المنظمة يقطع مع التنظيم الهرمي البيروقراطي ومع حصر القرار بيد المكتب المركزي وبيد أمينه العام تحديدا كما هو قائم الآن . إن دمقرطة الإتحاد وفرض إستقلاليته ونضاليته لن يتحقق إلا بتجاوز لعبة الصراع على الموقع وتغيير قوانين الإتحاد لضرب الأساس الذي أنتج البيروقراطية والمركزة. إن النضال على قاعدة إستقلال القرارالقطاعي وتحويل الإتحاد إلى إتحاد نقابات على الشكل الكنفدرالي والقطع مع سياسة المشاركة والمساهمة والتحالف مع الحكومة لهو المشروع الذي على المعارضة النقابية اليوم بلورته والنضال من أجل تحقيقة. إن ذلك لهو الإمكانية الوحيدة الأكثر ملموسية اليوم لإعادة الإتحاد إلى صفوف قوى الثورة والتصدي لما يرتبه المكتب البيروقراطي الحالي لتمرير خطة توريث عناصر الصف الثاني من التيار البيروقراطي في القيادة وتمكينهم من الأغلبية المطلقة أثناء مؤتمر الإتحاد القادم الذي لا تفصلنا عنه إلا بضعة أسابيع.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
بشير الحامدي
تونس في 14 نوفمبر 2011