محاضرة لفلاح علوان رئيس اتحاد المجالس و النقابات العمالية في العراق في ندوة الكوادر النقابية في البصرة


اتحاد المجالس و النقابات العمالية في العراق
2004 / 11 / 2 - 09:23     

عقدت في مدينة البصرة يوم22102004 ندوة للكوادر العمالية والقادة النقابيين في قاعة فندق حمدان، وقد حضرها جمع من القادة النقابيين وممثلي اللجان التحضيرية، الذين يمثلون عدة صناعات وفروع في المحافظة،فقد حضر ممثلو العمال من قطاعات النفط والأسمدة والموانئ والنقل والكهرباء والبناء والميكانيك وصناعة الأغذية والعمال الزراعيين ومخازن الحبوب(السايلو) والبتروكيماويات. وجاءت الندوة كإعداد وتحضير للمؤتمر الموسع المزمع عقده والذي يضم ممثلي العمال من كل المهن والاختصاصات.

كان محور الندوة هو دور العمال في بناء المجتمع المدني، ومفهوم وحدة العمال، وبناء المنظمات العمالية.
ترأس الندوة السيد علي عباس ممثل اللجنة التحضيرية للمجالس العمالية فرع البصرة، وقدم المحاضرة فلاح علوان رئيس اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق.

شهدت الجلسة نقاشات معمقة حول مستلزمات بناء منظمات عمالية مقتدرة تمثل مطالب وأهداف العمال وتكون أداة بأيديهم لتحقيق مطالبهم. وقد استمرت الجلسة أكثر من ساعتين، جرى خلالها مناقشة مداخلات الفعالين والقادة العماليين، التي تناولت العديد من المحاور الأساسية والملحة.

وهذا نص البحث الذي قدمه فلاح علوان رئيس اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق:

( الأوضاع الراهنة ودور العمال في رسم المصير السياسي للمجتمع)

أدت الحرب الأخيرة التي شنتها أمريكا وحلفاؤها إلى مجازر وخراب ودمار واسعين في البلاد، وأدت في الوقت نفسه إلى زوال النظام ألبعثي وبدء مرحلة جديدة هي مزيج من الانفلات الأمني والاحتراب والمذابح اليومية، واتساع البطالة من جهة ومن جهة أخرى هي زوال الفاشية كجهاز دولة شمولي، وفراغ السلطة وانطلاق الصراعات بين مجموع القوى السياسية في العراق سواء الموجودة في السلطة أو في الساحة السياسية.
وتبعا للمضمون السياسي والاجتماعي لكل حزب أو حركة سياسية، انكشف أسلوبها في العمل السياسي وشكل تعبيرها عن نفسها.
فالحركات والأحزاب التي تطابقت سياساتها وآفاقها مع أمريكا وحلفائها هي ألان في السلطة، في حين سعت مجاميع من القوى التي خسرت مواقعها التي كانت تتمتع بها أيام النظام البائد، وعدد من القوى المناوئة لسياسات أمريكا إلى الدخول في مواجهات عديدة مع القوات الأمريكية والمتحالفين معها، مما أدى إلى العديد من المجازر في صفوف الأبرياء من السكان المدنيين. وتوقف العديد من المصانع والمعامل ومصادر معيشة السكان في العديد من الأماكن في العراق.
وخلال أكثر من سنة مرت منذ انهيار النظام ألبعثي برزت إلى السطح مسالة اشتركت في صياغة ملامحها العديد من القوى السياسية في العراق على اختلاف تسمياتها واتجاهاتها، هي تعريف الإنسان حسب المذهب أو الدين أو اللغة التي يتكلم بها. واعتبار هذا التعريف هو الرافعة السياسية للعديد من القوى، وهو التقسيم الذي تسعى هذه القوى إلى تكريسه.
وتمكنت بعض هذه القوى من فرض هيمنتها على العديد من الأقاليم، وفرض قالبها السياسي، متسببة في إحداث تقسيم للمجتمع وتفتيت للقوى الجماهيرية التي تصطدم مطالبها وتطلعاتها بسياسات هذه الأحزاب والقوى السياسية يوميا.
وقد خلقت هذه السياسات مع الخراب الواسع الذي حل بالمؤسسات والمشاريع والمصانع ومجمل الأسس التي يرتكز عليها المجتمع المدني، أوضاعا كارثية، تهدد بزوال كل أسس المدنية، مما سيعزز من قدرة القوى المعادية للجماهير، التي تعتاش من تدهور الأوضاع الحياتية والاجتماعية، وتديم سياساتها ضمن أجواء الفوضى والانفلات الأمني، لسبب واضح هو ان مصالح الجماهير ليست أمرا يعني سياسات هذه الأحزاب والقوى، وان ما يعنيها تحديدا هو استغلال وجود قوات الاحتلال واتساع الرفض الجماهيري لها لتضع نفسها في موضع المواجهة مع أمريكا بقصد ملء فراغ السلطة في العراق، وتثبيت مواقعها السياسية، وبكلمة السعي لتحديد نصيبها من السلطة في العراق.
وفي مواجهة هذه الأوضاع وهذه القوى السياسية، تقف القوى الداعية للتحرر والمدنية ورفض التقسيم القومي والطائفي والديني، والقوى الداعية للعلمانية وبناء المجتمع المتمدن والمساواة التامة بين المرأة والرجل، أي باختصار كل القوى التي تشكل خندقا واحدا مع العمال في بناء المجتمع القائم على الحرية والمساواة.
المسألة الجوهرية فيما يخص الطبقة العاملة اليوم لا تكمن في بناء نقابات تتمتع بعلاقات طيبة مع السلطة وتكون مرخصة حكوميا، وتمتلك مقرات ومكاتب وهيكل إداري ومكتب تنفيذي وغيره، أي الشكل التقليدي للنقابات الصفراء المكروهة، التي تمرر سياسات الأنظمة السائدة بينما ترتدي ثياب العمال.
إن حجم الدور الراهن للعمال في المعادلات السياسية لا يتناسب إطلاقا مع وزن الطبقة العاملة السياسي والموقع الاجتماعي والاقتصادي الذي تحتله في الواقع، أي إن دور العمال مازال هامشيا في العملية السياسية. بل إن العمال لم ينزلوا إلى الميدان بهويتهم الطبقية ويصطفوا حول أهدافهم العليا ومصالحهم بالدرجة التي يشكلون معها قطبا رئيسيا في رسم المصير السياسي للمجتمع.
إن القوى السياسية هي التعبير المكثف عن مصالح اجتماعية معينة، وبالتالي فالمصالح الاجتماعية للعمال يجب إن يكون لها قطبها وممثلها في المعادلة السياسية.
العملية السياسية، والتي تعني تنافس القوى السياسية وبالا حرى صراعها من اجل نصيبها في ميزان القوى. يجب إن يكون ثقل الطبقة العاملة هو الكفة الراجحة وهو ما يغير توازن القوى.
وهذا لن يحصل ما لم تدخل الطبقة العاملة الميدان بشخصها وهويتها متخطية حدود التعريفات القومية والدينية والمذهبية، ومتخطية في الوقت نفسه الشعارات التي تطرحها باسم العمال وباسم المساواة قوى سياسية لا تشترك مع العمال بأي جذر اجتماعي وليس موضوع حقوق العمال سوى شعار لجر الجماهير وراء سياساتها واتخاذها رافعة توصلها إلى السلطة، أو إلى أهدافها السياسية.
المعضلة الأساسية في العراق اليوم هي إعادة تنظيم المدنية في مجتمع يتجه نحو الاحتراب والتقسيم، والخراب، وصراع المليشيات والكتل السياسية.
إن تنظيم المدنية هو القضاء على البطالة، هو مساواة المرأة بالرجل، هو إلغاء التمييز بين البشر على أساس الهوية القومية أو الدينية أو المذهبية أو العشائرية.
تنظيم المدنية هو منع انزلاق المجتمع نحو الحرب القومية أو الطائفية ورفض التقسيم والتشتت.
إعادة تنظيم المدنية هي وضع حاجات الإنسان أولا، نعم الإنسان أول،، السلام، الأمان، الرفاهية، توسيع الحقوق المدنية والحياتية للبشر، إلغاء الظلم القومي، والتعصب ألاثني.
إن كل هذه المهام تقع في مقدمة مطالب وأهداف الطبقة العاملة. فالدور التاريخي للعمال، والمهمة التاريخية هي في لعب هذا الدور، هي في أن تصبح في طليعة القوى الداعية للتمدن والتحرر، هي في إن تقود القوى التحررية في هذه الأوضاع المأساوية والكارثية.
وهذا يتطلب ما هو ابعد من الأمنيات والأحلام إن هذا يتطلب العمل الدءوب لفرض الإرادة السياسية للعمال.
يتطلب اصطفاف العمال حول أهدافهم ومصالحهم العليا، يتطلب بناء منظمات العمال الفعالة والمقتدرة، يتطلب بروز صف من القادة العماليين الذين يجعلون هذه الأهداف والتطلعات مطالب يومية.
إذا استطاع العمال لعب هذا الدور، حينها ستصبح المعادلة السياسية في نقطة توازن بعيدة عما هي عليه اليوم، أي إن توازن القوى لا تقرره السياسات الخارجة عن إرادة العمال، بل إن كل تلك القوى ستكيف سياساتها وحساباتها على أساس التوازن الذي فرضته الطبقة العاملة.
سيقول العديد، وحتى من بين العمال أنفسهم، إن تحسين الأوضاع المعاشية هي المسألة الأساسية وان العامل المهدد في كل يوم بفقدان مصدر معيشته ليس بامكانه التدخل في المعادلة السياسية.
وجوابنا لهم ، هو إن العامل، منتج الثروة الاجتماعية بالكامل، تصبح حياته رهن إشارة القوى التي تتحكم بحياته وتفرض عليه مستوى متدن من ظروف العيش، سيكون بامكانه تغيير ظروف حياته ومعيشته إذا غير توازن القوى لصالحه، وحينذاك فقط يمكن الحديث حقا وفعلا عن إمكانية واقعية لتحسين ظروف عمل وحياة العامل.

مادام العمال جمهورا مبعثرا، فان ظروف حياتهم رهن مشيئة السلطات او الملاكين. على العمال بناء

منظماتهم واتحادا تهم التي ترفع فورا المطالب الأساسية للعمال. يجب ان تكون المنظمة العمالية هي التعبير المكثف عن تطلعات القسم الطليعي من العمال وتكون رايتها هي رفع مطالب العمال ومواجهة السياسات المعادية للعمال، وتوسيع رقعة الحركة المطلبية وتقوية الصف العمالي كقطب في مواجهة القوى التي تدفع بالمجتمع نحو هاوية الصراعات والاحتراب والسياسات المعادية لجماهير العمال.
إذا استطعنا بناء منظمات عمالية كمجالس ونقابات بهذا الشكل، نكون قد رسخنا تقليدا داخل الحركة العمالية يغير توازن القوى ويحول العمال من موقع الدفاع ضد إلحاق الضرر بمستوى حياته إلى متطلع لمستوى حياة أفضل، إلى متطلع لتوسيع مستوى حقوقه وحرياته المدنية.
وبهذا وحده يمكن فرض إرادة العمال في بناء مؤسسات المجتمع المدني.
يجب أن نبني اتحادات عمالية مقتدرة، لتنهي والى الأبد تردد العامل من الاشتراك في الاحتجاج، خشية الفصل من العمل أو مواجهة العقاب.
لننهي والى الأبد التقاليد الفاشية التي تعتبر الاتحادات العمالية جزءا من بنية السلطة ولا يسمح لها بالعمل دون ترخيص الحكومة. أي تحويل الحركة العمالية إلى ملحق لسياسة السلطة.
وبهذا تكون الطبقة العاملة قد امتلكت أداتها التي ترفع مطالبها من خلالها وتفرض إرادتها وتواجه السياسات المعادية للعمال.
ليكن شعار قوة الطبقة العاملة في وحدتها وتنظيمها، دليلا ومرشدا لهذه الحركة.
إن وحدة العمال لا تعني تجميع منظمات غير متجانسة وذات مصالح وأهداف متباينة. كما إن وحدة العمال لا تعني جمعا عدديا واسعا تحت شعارات وتسميات تطلقها هذه الحركة أو تلك.
لقد كان جميع عمال العراق مجبرين على اعتبار الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق وهو الاتحاد الممثل لسياسة البعث داخل الطبقة العاملة، ولم يكن يعني وحدة الطبقة العاملة.
وليس تمييع الحدود بين الممثلين الحقيقيين للعمال والاتحادات التي تسعى إلى الهيمنة وفرض السيطرة على العمال، هو شكل من أشكال الوحدة.
إن الوحدة تعني ببساطة ووضوح التفاف العمال حول أهدافهم ومصالحهم العليا.
إن من مصالح وأهداف العمال، هو التحسين المتواصل لمستوى الأجور. وهو ايضا تحسين ظروف العمل بصورة مستمرة. وبناء منظمات العمال دون وصاية من احد ودون تدخل السلطات.
كما تعني الوحدة أيضا قدرة العمال على رسم المصير السياسي للمجتمع وبالتالي لهم كطبقة تضم الملايين، وتقوم بإنتاج كامل الثروة في المجتمع.
وإنجاز هذه المهام لا يكمن في وصف وشرح قضايا الطبقة العاملة ومهام الناشطين الطليعيين.
إن المهمة تكمن في فهم المسائل الأساسية وفي إنجازها.
المهمة الأساسية هي أن نشرع بالعمل فورا وبدون إبطاء، وليكن لقاؤنا هذا خطوة واسعة باتجاه انطلاقنا نحو إنجاز المهام الملحة والجوهرية. وشكرا