هل تبيع القيادات النقابية حق العمال في الإضراب ؟


المناضل-ة
2010 / 12 / 19 - 00:27     

استعداد لجولة "حوار اجتماعي" إضافية هذا الشهر، بعد جرجرة مديدة، وقعت القيادات النقابية محضر جدول أعمال حوارها مع الحكومة، متضمنا مشروع قانون الإضراب. ويُرتقب أن تنضم قيادة الكونفدرالية.د.ش بعد امتناعها عن المشاركة في التنسيق النقابي القائد للنضالات في الوظيفة العمومية، و إبدائها استعدادا أكبر للتفاهم مع الحكومة.

طبعا لا يُرجى، بالنظر إلى السياق العام المطبوع بفتور التعبئة وتخبط القيادات، أن يسفر "الحوار الاجتماعي" عن مكاسب فعلية لشغيلة الوظيفة العمومية، وحتى النزر الذي تلوح به الحكومة لن يكون إلا ذرا للرماد في العيون قياسا بأبعاد الهجوم العام الذي يستهدف الوظيفة العمومية، حتى نظامها الأساسي، وأنظمة التقاعد. هذا علاوة على رفض أرباب العمل القاطع لأي كلام عن زيادة الأجور.

ويجدر التذكير أن الحكومة لم تطبق بتاتا ما يتعلق بالحرية النقابية في اتفاق 30 ابريل الذي انصرمت 6 سنوات كاملة على توقيعه مع النقابات. فالمادة 5 من مرسوم فبراير1958 التي تجرم إضراب الموظفين، والتي وعد الاتفاق المذكور بإلغائها، لا تزال سيفا مرفوعا على رقابهم. والفصل 288 من القانون الجنائي المستعمل لسجن نقابيي القطاع الخاص، والذي وعد الاتفاق المذكور بتعديله، لا يزال ُيسقط ضحايا جدد، وقد استعمل مرارا هذه السنة لا سيما لردع المقاومة النقابية بالمزارع الرأسمالية بسهل سوس. أما ظهير التسخير الذي تُشهره الحكومة ضد المضربين استكمالا لترسانتها فلا أحد يأتي حتى على ذكره.

الأجدر بالاهتمام هو ما قد تحصل عليه الحكومة مقابل فتاتها، فقد راج في الصحافة أن الوزير الأول كان اشترط على القيادات النقابية قبول مناقشة مشروع قانون الإضراب لقاء تراجع الحكومة عن اقتطاع أجور الإضراب الأخير في بعض قطاعات الوظيفة العمومية. وقد كانت الحكومة هيأت مشروعا جديدا لقانون الإضراب، وعبر وزير التشغيل عن تمنيه تمكن البرلمان من المصادقة عليه في خريف 2009 .

و كان سلاح الإضراب مستهدفا دوما، لا سيما عند كل شروع في استعماله على نحو فعال، أي الإضرابات العامة. وقد بذل أرباب العمل وحكومتهم قصارى جهودهم لاستدراج القيادات النقابية إلى قبول وضع حق الإضراب على طاولة النقاش. وكانت منظمة أرباب العمل قدمت مشروع قانون إضراب، ومن جهتها أعدت الحكومة مشاريع عديدة متتالية.

ومن جانبها لم تبد القيادات النقابية الحزم اللازم بهذا الصدد، ولم تتوان عن التعبير للحكومة عن استعدادها للتضحية بحق العمال في الإضراب. مثال ذلك في الآونة الأخيرة ما قاله نائب الكاتب العام للفيدرالية.د.ش من وجوب "أن يأتي قانون الإضراب بعد تسوية بعض الملفات وتنقية الأجواء"، وقول الكاتب العام للكونفدرالية.د.ش لجريدة أخبار اليوم [عدد 16 مارس 2009] إن "قيادة ك.د.ش طرحت في لقائها مع الوزير الأول "ضرورة قانون تنظيمي للإضراب ما زالت الساحة العمالية تنتظره منذ أول دستور للبلاد".

و إنه لأبلغ من التصريحات سلوك تلك القيادات طيلة سنوات مديدة من تلويح الحكومة بقانون منع عملي للإضراب العمالي. إذ لم تُقدم قط أي قيادة على أدنى مبادرة عملية للتصدي للمشاريع البرجوازية المتوخية نزع سلاح الشغيلة، لا بالتنبيه الإعلامي إلى خطورتها، ولا بالشروع في تعبئة ميدانية لإسقاطها.

وإذ لم يتضح بعد مضمون المشروع الحكومي الجديد للإجهاز على حق الإضراب، لا يستبعد أن تلجأ الحكومة الى التدرج وشق الصف العمالي بالاقتصار، في طور أول، على القطاع الخاص، مستغلة في ذلك ما كرست البيروقراطيات النقابية من حواجز مصطنعة بين أقسام الطبقة العاملة. لكن كيفما كانت نوايا أعداء الطبقة العاملة، وتكتيكاتهم الحربية، يتعين على مناضلي طبقتنا التزام اليقظة و تخصيص اكبر قدر ممكن من جهودهم اليومية لإيقاظ أقسام إضافية من العمال إلى وعي الخطورة البالغة لما يُحضر بشكل حثيث للانقضاض على أهم الحقوق، ذاك الذي يصونها جميعا وينتزع المزيد منها.

إن الإجهاز على حق الإضراب خطوة ضمن عملية إجمالية لإحكام الطوق القمعي على كادحي المغرب، لا سيما أن التعدي على قوتهم ومكاسبهم الاجتماعية الطفيفة مقبل على أشواط أخرى تهدد بتدهور اجتماعي غير مسبوق سيلقي بأقسام إضافية من المغاربة إلى أهوال البؤس الأسود. فبقدر ما تبرز النتائج الكارثية لسياسات البنك العالمي والاتحاد الأوربي، و التي تمرر من غرفة تسجيل تدعى البرلمان، وبقدر اتضاح خواء السياسات الاجتماعية الترقيعية، يعزز الحاكمون ترسانة جبروتهم. فمن تكريس استبدادية قوانين الحريات العامة، إلى قانون تدجين الأحزاب، إلى قانون الإضراب، إلى قانون تطويع النقابات، وهلم جرا.

إن الرفض القاطع لأي مناقشة في موضوع حق الإضراب هو الموقف الوفي حقيقة لمصلحة الطبقة العاملة، وما دونه تواطؤ مع العدو سيدخل تاريخ نضال العمال من باب الخيانات العظمى. وهذا موقف مرتبط برفض قانون التدخل في شؤون النقابات، و برفض قوانين الحريات العامة وقانون الأحزاب، ومن ثمة النضال من أجل حريات ديمقراطية حقيقية. وهذا نضال تلتقي فيه قوى الطبقة العاملة بقوى الشبيبة المقهورة ، المتعلمة منها والعاطلة، وقوى كادحي الأرياف المناضلين ضد التهميش ومن أجل حياة لائقة، والذين يدفعون ثمن غياب الحريات كما شأن مكافحي افني الصامدين في سجون الاستبداد.

إن استسلام القيادات النقابية التام لا يزيد مناضلي طبقتنا الكفاحيين غير الاقتناع الراسخ بالطابع الملح لخط نضال معارض داخل النقابات، خط مستقل كليا عن البيروقراطيات، مدافع عن مصلحة العمال، حافز للنضالات الجزئية وساع إلى توحيدها ورفع مستوى الوعي العمالي عبر التجربة الميدانية.

فلنضاعف الجهود لإفشال نزع سلاح الإضراب، وللتقدم في تحقيق انتصارات جزئية تقوي الثقة في الذات، وتمنح طبقتنا القدرة على رد الهجوم البرجوازي الكاسح، والانتقال إلى هجوم مضاد.

لا لبيع حق الإضراب

نعم لأوسع وحدة عمالية وشعبية لإسقاط المشروع الحكومي

لنجعل مسيرات فاتح مايو المقبل صرخة عمالية مدوية ضد قانون الاضراب وباقي التعديات البرجوازية

جريدة المناضل-ة