في الذكرى العشرين لشهداء العمل – - الأحد الأسود - في عيون قارة ...


جهاد عقل
2010 / 5 / 20 - 18:33     

لا بد من المبادرة لتأسيس مشروع أرشفة تضحيات شهداء وجرحى العمل الفلسطينيين من أبناء الطبقة العاملة.

"الأحد الأسود" ، هذا ما قاله لي أحد الزملاء مُصَحِحاً ،عندما قُمنا بتبادل الذكريات عن مجزرة عيون قارة ، وشهداءها السبعة وجرحاها . 20 عاماً مرت على تلك المجزرة النكراء ، التي قام بإرتكابها فاشي إسرائيلي يُدعى عامي بوبر(21سنة) وهو يرتدي لباسه العسكري ويحمل رشاشه .
في صباح يوم الأحد المصادف 20/5/1990 ، توجه عدد كبير من العمال الفلسطينيين بواسطة الحافلات التي تنقلهم إلى أماكن تجمعاتهم على مداخل المدن الإسرائيلية ، ومنهم مجموعة كبيرة خرجت من منطقة خانيونس ورفح لتصل منطقة مفرق "الورود" ، الواقع على مدخل بلدة ريشون ليتسيون ،والتي تقع على أنقاذ البلدة الفلسطينية المهدومة والمُهجرة عيون قارة .
وصل العمال إلى مكان تجمعهم هذا حوالي الساعة السادسة من صباح هذا اليوم الربيعي ، لعرض قوة عملهم على أصحاب العمل ممن يبحثون عن عمال لهم ، وإنتظر هؤلاء العمال قدومهم كما في كل يوم أحد وفي أيام الأسبوع الأخرى . وكالعادة تبادلوا الأحاديث وما مر عليهم من أحداث خلال اليوم الذي قضوه في كنف عائلاتهم. ولم يتخيل أحد منهم أن جريمة ما سترتكب بحقهم بعد دقائق.
جميع ما نقلته وسائل الإعلام عن تفاصيل الجريمة وتحركات مرتكبها ،تؤكد انه قام بالتخطيط الدقيق لها ،بهدف قتل هؤلاء الأبرياء أو إصابتهم بجراح بالغة.... مفرق "الورود" يعجُ بالعمال الفلسطينيين ، وسط رائحة ورده الجوري التي تعبق مع نسمات الصباح الباكر ، ليصل هذا الفاشي حاملاً رشاشه ،حيث طلب من العمال التجمع في مكان واحد ، بل وقام بإيقاف سيارة كانت تقل آخرين وأنزل من فيها من عمال ، وضمهم إلى الباقين . وهو يصرخ – وفق ما أكده الجرحى خلال التحقيق معهم- "أريد أكبر عدد منكم لقتلهم ."
حوالي الساعة السادسة والربع بدأ القاتل بوبر بإطلاق نار رشاشه على صدور ورؤوس العمال الفلسطينيين ، ووفق رواية الشرطة الإسرائيلية قام بتفريغ خمس مجموعات من الرصاص من رشاشه الأوتوماتيك.وهذه كمية كبيرة من الرصاص وجهها إلى عمال أبرياء لا ذنب لهم سوى البحث عن لقمة العيش الكريم لعائلات تنتظر عودتهم إما في نهاية الأسبوع أو في نهاية اليوم نفسه.
أدى إطلاق النار من قبل هذا الفاشي وهو من أصل مغربي ، إلى إستشهاد سبعة عمال وإصابة العشرات بجراح منها ما أدى إلى إعاقة دائمة لديهم . والشهداء هم:
- عبد الرحيم محمد سالم بركة ( 23 عام ) من مدينة خانيونس

- زياد موسى محمد سويد ( 22 عام ) من مدينة رفح

- زايد زيدان عبد الحميد العمور ( 23 عام ) من مدينة خانيونس

- سليمان عبد الرازق أبو عنزة ( 22 عام ) من مدينة خانيونس

- عمر حمدان أحمد دهليس ( 27 عام ) من مدينة خانيونس
- زكريا محمد محمدان قديح ( 35 عام ) من مدينة خانيونس
- يونس منصور إبراهيم أبو دقة - من مدينة خانيونس

كُتب الكثير عن شهداء العمل ، من العمال الفلسطينيين الذين سقطوا في هذه الجريمة ، وعن مرتكبها الذي وصف بداية من قبل الشرطة الإسرائيلية بأنه "معتوه" يعاني من خلل نفسي ، بعدها قالوا انه تعرض لعملية إغتصاب جنسي في صغره من قبل عربي ويريد الإنتقام ، وإلى ما ذلك من روايات ، بهدف طمس بشاعة الجريمة التي إرتكبها بحق عمال أبرياء. قام بإغتيالهم الفاشي عامي بوبر ، في صباح يوم الأحد الموافق 20/5/2/1990 .
حُكم على مُرتكب الجريمة ، جريمة عيون قارة ،بالسجن عدة مؤبدات حُددت في وقت لاحق بفترة 40 سنة سجن وفق قرار رئيس الدولة يومها عيزر وايزمان .
لن نخوض في تفاصيل حياة الفاشي عامي بوبر والتسامح الذي حظي به من قبل إدارة السجون ، وخروجه إلى فترات عطلة بيتية طويلة وزواجه وهو في السجن وحادث السيارة التي قادها بدون رخصة وإرتكب حادث قتلت فيه زوجته الأولى وإبنه ، وزواجه من إمرأة أخرى. فهذا يحتاج إلى بحث شامل وتحقيق واسع لا مكان له في هذه العُجالة التي نستذكر من خلالها شهداء تلك الجريمة من شهداء العمل من العمال الفلسطينيين.
عقدين من الزمن مرا منذ إرتكاب هذه الجريمة وذكرى شهداءها تعشش في قلوبنا ، لنحمل وعائلاتهم الألم ، على هذا الفُراق القَسري .
عقدين من الزمن والقيادة النقابية الفلسطينية متمثلة بالإتحاد العام لنقابات عمال فلسطين تحتضن هذه الذكرى وتحييها ، كي لا ننسى أولئك الشهداء الذين سقطوا في يوم "الأحد الأسود" . جراء جريمة خَطَطَ لها ونفذها عُنصري مهووس ،كان همّه الوحيد قتل العرب ، وفي هذه الحالة عمال فلسطينيين أبرياء.
إننا ننتهز هذه المناسبة الأليمة بل الحزينة ، لنقول لا بد من أرشفة هذه المعلومات والتدقيق فيها ، وجمع المعلومات كاملة عن الشهداء وعائلاتهم الجرحى وما يواجهونه من آلام (خاصة وأننا لاحظنا تناقض المعلومات في الجانب الفلسطيني بخصوص هذه الجريمة وغيرها). وأن تتم عملية مسح دقيق لشهداء العمل على مدار سنوات الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة . خاصة وأن الطبقة العاملة الفلسطينية قد واجهت وما زالت تواجه حتى الآن القمع والتنكيل والملاحقة والإغتيال والإعتقال . ولا يكاد يمر أسبوع واحد بدون سقوط شهيد عمل فلسطيني .
لنحوّل هذه الذكرى لشهداء العمل الذين سقطوا بدم بارد في عيون قارة قبل عقدين من الزمن ،إلى إنطلاقة من أجل أرشفة دقيقة لمسيرة التضحية والعطاء العُمالي ،خاصة وأننا بحاجة ماسة لحماية التاريخ والذاكرة من المعلومات الدخلية التي تؤدي إلى تشويه الحقائق وطمس بعضها ، ربما من قبل جهات تعنى عناية بالغة في عملية محو الذاكرة الفلسطينية وطمس معالمها. فهل من مُجيب؟؟؟؟

20/5/2010