من أورام الرأسمالية ظاهرة عمل الأطفال - العمال الصغار


جهاد عقل
2010 / 5 / 19 - 14:46     

عندما نلتقي بهم في مكان عمل ما ،أو على قارعة الطريق ، وهم يعرضون بضاعة للبيع .أو نلتقي البعض منهم وهم يعملون في مختلف أماكن العمل .أو يقومون بالإنقضاض على السيارات "لتنظيف" الزجاج من أجل الحصول على أجر وليس التسوّل . تتمزق مشاعرنا ألماً على هؤلاء الأبرياء من الأطفال ، ممن جار عليهم الزمن وبدلاً من أن ينعموا بطفولتهم ، يلعبوا ، يجلسون على مقاعد الدراسة ، يمارسون هواياتهم ، ها هم قَذَف بهم شظف العيش إلى سوق العمل وهم في ريعان الطفولة البريئة ، ليواجهوا العديد من المظاهر البشعة التي يمتاز بها عالم الرأسمالية والجشع الغير محدود لها.
إنهم يدفعون ثمن موبقات هذا النظام الذي يحاول أن يؤكد لنا من يقومون على تنفيذه وبدعم وتأييد أولئك الذين يعيشون حالة من "التنويم المغناطيسي" التي تنفذها وسائل الترويج والإعلام لهذا النظام ، بأن هذا هو الحال ، في هذا النظام ، منافسة وذاتية ولا مسؤولية للدولة إتجاه مواطنيها ، ولا إتجاه الأطفال الذين لا يتمكن أهاليهم من توفير إمكانيات العيش الكريم والتعليم والوقاية الصحية لهم ، ولذا هم – الضحايا – يتحملون المسؤولية . أي مسؤولِيَة بؤسهم هذا وفقرهم وإستغلالهم ، وإلى ما ذلك من مقولات يرددها كبار المفكرين ممن يروجون للبضاعة الرأسمالية التي نعتبرها فاسدة وأيما فساد.
تقرير لا يدعو للتفاؤل
نتابع بإستمرار التقارير الصادرة عن منظمة العمل الدولية بخصوص عمالة الأطفال في عالمنا الإستهلاكي ، ورغم أن القائمين على هذه التقارير يحاولون زرع بذور الأمل والتفاؤل لدينا ، بتأكيدهم أن الأرقام التي تحملها - التقارير ، تهبط من تقرير للآخر ،ففي العام 2000 أي قبل عقد من الزمن كان عدد الأطفال في سوق العمل العالمي 245.5 مليون طفل ، مقابل 215 مليون في التقرير الحالي وهو يشمل أرقام سنة 2008 ، صدور التقرير الحالي قبل أيام من عقد المؤتمر الخاص الذي عقدته المنظمة أيام 10-11 أيار الحالي – 2010 في مدينة لاهاي الهولندية ،وأبحاث المؤتمر نفسه الذي شارك فيه أكثر من 450 مندوب وأخصائي في هذا المجال من 80 دولة. لم يغيرا كثيراً من مأساة بل كارثة عمل الأطفال وبشكل خاص، أولئك الذين يعملون في أعمال خطيرة .تعرض حياتهم للخطر الدائم ،حتى في سن متقدم . جراء تعاملهم مع مواد خطرة ،أو إستغلالهم في أعمال مُشينة من خلال شبكات تجارة المخدرات والجنس في هذا العالم الرأسمالي.
أكدت معطيات التقرير وكذلك أبحاث المؤتمر بأن حوالي نصف الأطفال في سوق العمل يعملون في أسوأ أشكال الأعمال مما يعرض صحتهم وسلامتهم للخطر ونقول ووضعهم النفسي كذلك.
سومافيا: الوضع يتطلب القيام بحملة نَشِطَة
في هذا السياق أبدى المشاركون في المؤتمر قلقهم من تزايد الهواجس في ظل الوضع الإقتصادي الحالي والأزمات التي تسود عالمنا اليوم ،من خطر تفاقم ظاهرة تشغيل الأطفال في السنوات القادمة وتراجع المجهود الذي تبذله المنظمة من أجل القضاء ،أو تقليص ظاهرة أسوأ أشكال عمل الأطفال حتى العام 2016. ضمن ذلك طالبت المنظمة دول العالم وحكوماتها تكثيف هذا المجهود ،وإلا ستكون العواقب وخيمة جداً في المستقبل على مختلف المجتمعات وعلى المجتمع الدولي عامة. وقد عبّر عن ذلك مديرها العام خوان سومافيا في بيان المنظمة بقوله :" الخطوات المُنجَزَة – في هذا المجال – غير منتظمة ،فهي ليست سريعة بما يكفي، كما أنها ليست واسعة بما يكفي، لبلوغ الأهداف التي حُدِدَتْ.". وأضاف سومافيا:" علينا أن نبذل جهوداً جديدة على نطاق واسع ، لأنَّ الوضع يتطلب القيام بحملة نشِطَة."
من جهتها قالت مديرة البرنامج الدولي للقضاء عمل الأطفال كونستانس توماس بخصوص العقبات وتراجع الجهود في مجال القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال :"ليس لدينا أي أعذار لأننا نعلم ما يتوجب عمله في معظم الحالات" . مع تأكيدها على أن الأزمة المالية الحالية قد تتسبب بوضع المزيد من العقبات أمام الجهود المبذولة من قبل طاقم البرنامج الدولي لتقليص ظاهرة تشغيل الأطفال في العالم.
80% من الأطفال لا يحصلون على أجرهم
التقرير شامل وفيه تفاصيل عن كل منطقة في العالم ، المُلفت للنظر فيه أن هؤلاء العمال الصغار "لا يتقاضون ثمن أتعابهم في معظم الأحيان، إذ أن 80% من الأطفال العاملين في العالم لا يتقاضون أجرًا ." أي أن حوالي 175 مليون طفل عامل لا يحصلون على أجرهم مقابل عملهم.
العالم العربي 10 ملايين طفل وأكثر في سوق العمل
ظاهرة عمل الأطفال ظاهرة عالمية ، أي سوق عمل قائم في مختلف الدول لكنها تنتشر بشكل كبير في الدول الأكثر فقراً ، ويكفي أن نُشير هنا إلى ما جاء في التقرير أن القارة الإفريقية فيها كل ولد رابع في سوق العمل وفي دولة مالي كل ولد ثان في سوق العمل . وفي العالم العربي الدراسات تؤكد على أن أكثر من 10 ملايين طفل يتواجدون في سوق العمل . ففي اليمن حوالي 24% من الأطفال يتواجدون في سوق العمل وليس على مقاعد الدراسة .
ما هو الحل؟؟؟؟
لا بد من توجيه التقدير والشكر للقائمين على هذا البرنامج الهام ،ومواظبتهم على إصدار هذا التقرير ،الذي يضع العالم الرأسمالي امام حقيقة نتائج سياساته الإقتصادية ، فعندما نتحدث عن 215 مليون طفل في سوق العمل (رغم أن الأرقام الحقيقة أعلى من ذلك بكثير) ، فإننا نتحدث عن عدد سكان دولة كبيرة لو تم جمعهم فيها .
قضية تشغيل الأطفال ليس مجرد قضية أجر أو شروط عمل ، بل هي قضية حاضر ومستقبل المجتمع الإنساني عامة ، فهذا الرقم يعني 215 مليون إنسان لهم مكانتهم ودورهم في المُجتمع .
لأرباب الفكر الرأسمالي نقول الإشتراكية الحقيقة هي الحل ، لأنها كانت ستوفر لكل طفل وسائل التعليم وأدوات تنمية فكره وشخصيته وحمايته من موبقات الرأسمالية التي لا تعنى بالإنسان ولا بطفولته ، بل همّها الوحيد تكديس الأرباح لشريحة ضئيلة العدد على حساب هؤلاء الأولاد . على حساب الفقراء . بل على حساب جهد وعرق أبناء الطبقة العاملة في عالمنا .
لكم يا أطفال العالم . لكم أيها العمال . لكم أيها الفقراء ، نؤكد أن الحل لهذه المآسي هو وحدتنا ونضالنا المُشترك من أَجْلِ وضع نهاية لبراثن الرأسمالية البغيضة التي تقوم على أساس إستغلال الإنسان حتى لو كان في ريعان الطفولة .
19/5/2010