هل من مشروعية لتدخل الحكومة العراقية في شؤون النقابات العراقية؟


كاظم حبيب
2009 / 10 / 14 - 20:22     

تتكرر حالة التدخل الحكومي في شؤون الاتحادات والنقابات العراقية والمنظمات المهنية الأخرى. فقبل فترة وجيزة أعلنت الحكومة دون وجه حق أن رئيس اتحاد الصناعات العراقي, الأستاذ هاشم الأطرقچي لا يمثل الاتحاد المذكورو واثار ضجة مفتعلة ضده دون أدنى مبرر سوى الرغبة في السيطرة على الاتحاد لصالح طرف معين في الحكومة. واعتبر هذا الموقف من عدد كبير من النقابات والاتحادات تدخلاً فظاً في شؤون هذه الاتحاد ودوره في تنمية الصناعات العراقية. وهو موقف مناقض لأسس العمل النقابي والمهني والقانون الخاص بهذا المجال,
وها نحن اليوم أمام قرار جديد للجنة الوزارية العليا المشرفة على تنفيذ قرار مجلس الحكم رقم ( 3 ) لسنة 2004 تعلن فيه عن فتح باب الترشيح لتشكيل لجنة تحضيرية لانتخابات الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق تتولى التهيئة لانتخابات الاتحاد ولتشكيل ( مجلس إدارة دائمي ). فهل صدور مثل هذا القرار يدخل ضمن باب التدخل الفظ في الشأن النقابي أم يعتبر قراراً مشروعاً للحكومة العراقية؟
أصدر الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق بياناً توضيحياً استنكر فيه صدور مثل هذا الموقف عن اللجنة الوزارية, إذ أنه يتنافى مع القانون الخاص بتنظيم الانتخابات, كما "يتنافى كلياً مع ما نص عليه قانون التنظيم النقابي للعمال النافذ رقم ( 52 ) لسنة 1987 وما جاء في النظام الداخلي للاتحاد العام. حيث أكدت الفقرة ( سادساً) من المادة ( 27 ) من القانون: يتولى المكتب التنفيذي ما يأتي: إصدار التعليمات الخاصة بالإجراءات التنظيمية المتعلقة بانتخابات التنظيمات النقابية. وكذلك الفقرة ( ثانياً ) من المادة ( 44 ): تنظم بأنظمة داخلية يصدرها المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال ما يأتي: إجراء الانتخابات للتنظيمات النقابية". كما يتعارض مع ما التزمت به الوزارة في تنفيذ ما أصدرته من كتب رسمية وتعليمات ومنها كتاب وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني ذي العدد ج ق / 106 في 13 / 2 / 2008 وبناءً على الأمر الإداري الصادر عن المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال في العراق ذي العدد 3 في 2 / 1 / 2008 حيث شكلت لجنة تحضيرية مهنية ومحايدة تتولى الإعداد للانتخابات العمالية وتمارس واجباتها المحددة ومنها (التنسيق مع اللجنة الوزارية لإطلاق صرف الرواتب للموظفين العاملين في الاتحاد العام والاحتياجات الضرورية لإدامة عمل الاتحاد). وأصدرت اللجنة التحضيرية تعليماتها حول الانتخابات وحددت يوم 22 / 6 / 2008 ومن ثم الأول من آذار/2009 موعداُ لبدء العملية الانتخابية في جميع مواقع العمل في بغداد والمحافظات" . هذا ما جاء في بيان الاتحاد العام, وفيه إشارة صريحة وواضحة بأن موقف الوزارة يعتبر تدخلاً فظاً ومريباً وغير ديمقراطي بشان لا يخص الوزارة بل يمس العمال وحدهم واتحادهم العام.
ويحق لي أن أشير هنا إلى أن القرار الصادر عن الوزير المذكور لا يعبر عن رأي الوزير الخاص فحسب, بل يعبر من حيث المبدأ والواقع عن رأي وموقف رئيس الحكومة العراقية, إذ من غير المعقول أن يتصرف وزير دون العودة إلى رئيسه في قضية من هذا النوع وفي قضية مماثلة تتكرر كثيراً. وهذا الموقف يتناقض مع يبشرنا به رئيس الوزراء وناطقه الرسمي بأنه لم يعد شمولياً كالقوى الإسلامية السياسية الطائفية, وليس قومياً شوفينياً كالقوميين الشوفينيين السابقين أو الموجودين في العراق وفي الحكم أيضاً, وأنه ليس مستبداً بل ديمقراطياً ويسعى إلى تطبيق القانون, ولهذا السبب شكل قائمة في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة باسم دولة القانون وفاز بأصوات كثيرة لهذا السبب وليس لحزب الدعوة الذي يقوده, ويريد أن يدخل الانتخابات العامة بقائمة جديدة تحت نفس الاسم >دولة القانون", فهل مثل هذا التصرف من وزير في وزارته يعتبر تطبيقاً لدولة القانون أم تجاوزاً فظاً عليها من الحكومة التي تريد حفظ وحماية القانون وتطبيقه.
إن على الحكومة العراقية أن تعيد النظر بهذا الموقف الذي لا يبشر بالخير إن تواصل في الممارسة العملية, عليها أن تترك النقابات العراقية والمنظمات المهنية ومنظمات المجتمع المدني أن تمارس نشاطها وتجري انتخاباتها بشكل مستقل وبعيداً عن تأثير أي طرف مشارك في الحكومة, أو أي حزب من الأحزاب السياسية العراقية بحيث يتسنى لها وضع مصلحة العمال والاقتصاد الوطني والمجتمع نصب عينيها. إن على الحكومة أن تعي بأن مثل هذا التدخل يسقط كل الدعايات الحكومية بأنها تريد ممارسة الحياة الديمقراطية في العراق وتكريسها في حين تمارس التدخل في الشأن النقابي وبطريقة فجة لم يمارسها إلا البعثيون قبل ذاك وقادوا إلى تشويه العمل النقابي وجعلها في خدمة الحزب الحاكم وليس في خدمة العاملات والعمال في العراق.
أملي أن يقتنع رئيس الحكومة بخطورة هذا الإجراء من الناحية الديمقراطية وينبغي أن لا يسير على الطريقة البراغماتية القائلة: " أن الغاية تبرر الواسطة", أي غاية السيطرة على النقابات وإخضاعها لحزب الدعوة يبرر سلوك هذا الطريق البائس الذي يتعارض مع أبسط مبادئ الديمقراطية وحقوق النقابات.
إن على العمال أن يساندوا موقف اتحادهم المبدئي ويدافعوا عن حقه في تنظيم انتخاباته دون أي تدخل من طرف الحكومة أو من غيرها وأن يمارس الدفاع العادل عن حقوق العمال.
15/10/2009 كاظم حبيب