مؤتمر العمل الدولي يضع تحديات كبيرة أمام الحركة النقابية العالمية


جهاد عقل
2009 / 6 / 7 - 10:51     

الأربعاء الماضي الثاني من شهر حزيران 2009 تم إفتتاح الدورة ال-98 لمؤتمر العمل الدولي في قصر المؤتمرات بالعاصمة السويسرية – جنيف وسط أجواء إحتفالية. كاد ان يكون هذا المؤتمر شبيهاً بالمؤتمرات السابقة للمنظمة، اوراق عمل ، تقارير، أبحاث وإنتخاب هيئات ، وهيا يا مندوبين لنشد الرحال عائدين الى الأوطان.

لكن تطور الأحداث في الآونة الأخيرة أدى الى تغيير أجندة المؤتمر ، بل تحول الى قبلة الخبراء والمهتمين بقضايا العمل والعمال وعلى وجه الخصوص النقابيين منهم ، خاصة وان الأزمة الإقتصادية التي عصفت بعالمنا وكانت بمثابة "تسونامي – إقتصادي" من النوع القاتل .

هذا "التسونامي –الإقتصادي" ضرب أول ما ضرب الطبقة العاملة ، حيث تؤدي هذه الأزمة الى قذف ملايين العمال الى سوق البطالة والفقر والإستغلال وعدد كبير منهم من أهم المهارات التقنية والخبرات الفنية على حد سواء.

وفق معطيات التقرير الصادر عن المنظمة والذي تم إعداده بشكل مُستعجل ، بعد وقوع الواقعة ،أي الأزمة ، حيث قرر مدير عام المنظمة خوان سومافيا وطاقمها إجراء تغيير في جدول الأعمال ووضع هذا الموضوع الساخن ،بل الحارق جداً على جدول الأعمال ، وتناوله من مختلف الجوانب ، والهدف على حد تعبير سومافيا هو مواجهة الأخطار القادمة والتي لم تسبق ان عصفت بعالم العمل منذ سنوات طويلة . وهناك من يعتقد –ربما بمبالغة ما – بأن الأزمة لم يكن لها مثيل منذ تأسيس المنظمة في العام 1919 أي منذ 90 عاماً.

يظهر من التقرير الخاص الذي تم إعداده وتناوله المدير العام سومافيا في كلمته الإفتتاحية للمؤتمر بأن الأزمة ستؤدي الى فقدان أكثر من 50 مليون عامل مكان عملهم خلال العام الحالي ، وأن اكثر من 200 مليون عامل وعاملة سينضمون الى قائمة العمال الذين يعيشون في فقر مُدقع ، وأن الأزمة ربما تستمر ما بين 6- 8 سنوات ، مما يعني أن 45 مليون عامل وعاملة معظمهم من الشباب ممن سينضمون الى القوى العاملة في كل عام ربما لايجدون فرصة عمل يعملون بها ، وهذا الوضع بحد ذاته بإمكاننا إعتباره بمثابة كارثة كبرى تحل بعالم العمل في عالمنا ، بل وبالطبقة العاملة في كل مكان ، فكيف سيكون الوضع في ظل عملية الفصل الجماعي التي يتعرض لها عمالنا وعاملاتنا في أرجاء المعمورة يومياً ؟؟ . وتنامي عدد العاطلين عن العمل بإستمرار؟؟.

الرد على هذه التساؤلات واضح ،إنه مؤلم جداً ، فالوضع سيكون مأساوي ، حيث ستتفاقم ظاهرة الفقر ، مما يعني اننا في مواجهة أزمة اعمق بكثير من الأزمة القائمة ، خاصة وأن كل ما تتناقله وسائل الإعلام من خطط تعلن عنها الحكومات المختلفة ، يتركز حول دعم قوى رأس المال ، المتمثلة بأصحاب الشركات الكبرى والمتمولين على مختلف أجناسهم . بالمقابل لم تتناقل تلك الوسائل – الإعلامية – أية خطة قامت بها حكومة ما من اجل توفير فرص العمل للعمال الذين إما يُفصلون فوراً أو يجري تقليص أجورهم – بسبب الأزمة – او ضرب حقوق حصلوا عليها على مدار نضالات طويلة خاضتها نقاباتهم على مر السنين .

أصاب مدير عام المنظمة في بيانه الإفتتاحي بقولة ان الأزمة تبلغ من الخطورة درجة تتطلب فيها بأن يقوم قادة الدول بإتخاذ إجراءات فورية من أجل مواجهة هذا الخطر الكبير ، والعمل على المبادرة لخطوات تضمن إيجاد فرص عمل تبادر لها الحكومات ،كي لا تكون نتائج هذه الأزمة كارثية ، حيث تؤدي الى أزمة عالمية خطيرة ليس فقط في مجال العمل ، بل وفي مختلف المشارب الحياتية ومنها قضية الوضع الإجتماعي.

علينا ان نُشير هنا الى حقيقة تاريخية وهي ان قضية البطالة والتَعَطُل عن العمل ، لا تعني فقط فقدان مكان العمل ،وما يعنيه من دخل يومي يعين رب الأُسرة على مواجهة متطلبات الحياة ، بل هو فقدان للذات والدخول في أزمة إجتماعية خطيرة ، قد تؤدي الى الجنوح والعنف وما تبعهما من مشاكل إجتماعية ونفسية تحتاج الى فترة طويلة من العلاج والمتابعه كي يخرج منها الشخص الذي سقط في هذه الهوة الإجتماعية الخطيرة.هنا نتساءل تُرى ما هي المبالغ التي ستحتاجها الحكومات من أجل مواجهة هذه الأزمة الإجتماعية التي لحقت بعشرات وربما مئات ملايين العمال على مختلف مهنهم ؟؟؟ .

إننا نعي ان دور منظمة العمل الدولية ، هو دور إستشاري فقط ، وليس دوراً تنفيذياً ، خاصة وانها تُمثل أطراف الإنتاج الثلاث ،أي الحكومات ،أربا ب العمل والإتحادات النقابية ، ونرى ذلك في تشكيل رئاسة المؤتمر فقد تم إنتخاب وزير العمل في بنغلادش كنديكار مُشَرَف حسين رئيسا للمؤتمر ونوابه المصري سمير حسن علاّم (ممثل أصحاب العمل) والنقابي الأوروبي جيرالد أ.زيلهويفر (ممثل النقابات) ، وهذا الإنتخاب يجري ضمن الأجواء التوافقية لأنظمة المنظمة. هذا الوضع يؤكد اننا بحاجة الى إتخاذ خطوات أخرى من أجل مواجهة اخطار الأزمة القائمة وبشكل مُستعجل .

عندما نقول – اننا بحاجة لإتخاذ خطوات – نقصد بذلك العمال بطبقتهم ونقاباتهم ، حيث يتضح لنا ومنذ نشوب الأزمة ان الطبقة العاملة ، هي أول من تلقى الضربة القاسية جراء الأزمة الإقتصادية ، ونشهد يومياً تبعات ذلك في مختلف مرافق العمل ، وعليه نتوجه بنداء صادق وحار الى النقابات العمالية في كل مكان أن هيا نعمل ودون تأخير من أجل مواجهة اخطار الأزمة الحالية ، من أجل إنقاذ زملاء لنا من العمال الحاليين وممن سينضمون الى سوق العمل لاحقاً من براثن قوى رأس المال التي أدت سياساتها الكارثية الى وقوع الكارثة وحدوث هذا – التسونامي- الكبير في علاقات العمل ، وقذف الملايين الى سوق البطالة ، وحدتنا ، وحدة الطبقة العاملة في عالمنا ، والخروج من القوقعة القومية الظلامية ، هما الطريق الحقيقي والسوي والناجح من أجل مواجهة هذه الأزمة . هذا هو التحدي المركزي القائم اليوم امام الحركة النقابية العالمية .