الحركة النقابية في اليابان


جهاد عقل
2009 / 2 / 24 - 10:18     


صدر عن الإتحاد الدولي لنقابات العمال في بروكسل في الثامن عشر من شهر شباط – فبراير 2009 (الحالي) تقرير شامل بخصوص السياسات النقابية في اليابان ، التي تعتبر من أكثر الدول تقدماً ، وهي من مجموعة الدول السبعة(او الثمانية) الغنية،التي تعتبر نفسها ممن يدافعون عن حقوق الإنسان وحق العمال بالتنظيم والمفاوضة الجماعية والإضراب وهي حقوق تعتبر من الحق الأساس من حقوق الإنسان ايضاً.

يكشف التقرير عن الإنتهاكات الفظة التي تتعرض لها المواثيق الدولية بخصوص حرية التنظيم النقابي ،الحق في الإضراب ،الحق بالحصول على عقود العمل ، الحق بالمساواة بالاجر وحق العمال بالعمل في بيئة عمل تضمن لهم الصحة والسلامة. الأسوأ من ذلك ان اليابان تعتبر من الدول التي يجري فيها تمييز فظ بحقوق المرأة العاملة أي تفتقد لحقها بالمساواة بالأجر وشروط العمل عن نفس الوظيفة بالمقارنة بالرجل الذي يعمل في نفس الوظيفة .

لن نتاول كافة ما جاء في هذا التقرير الذي نعتبره من التقارير الهامة التي تحمل لنا تفاصيل ما يجري في ظل المجتمعات والحكومات التي تعتمد الرأسمالية والعولمة الإقتصادية في سياساتها ، لكن علينا التأكيد أن ما سُمّي "النهضة الصناعية " الغير مسبوقة في اليابان منذ اواسط القرن الماضي دفع ثمنه العمال ،الذين يعملون بشروط قد تكون ذات بيئة عمل لامعة ولائقة ،لكنها في الحقيقة عبودية غير محدودة ، خاصة في مجال ساعات العمل الطويلة داخل "دفيئات" صناعية يجري داخلها إستغلال العمال (رغم ما يُشاع عن توفير وجبات أكل بمستوى جيد وغرف لياقة بدنية وما الى ذلك ..)، إلا ان الحقيقة التي تتجسد على ارض الواقع هي إستغلال كبير للعامل على مختلف مهنه .

حق التنظيم وحريته ما زال حلماً ...

وفق المعطيات الرسمية التي يستعرضها التقرير فإن 18.1% من القوى العاملة في اليابان منظمة في إتحاد عمال اليابان المعروف بإسم "رينغو"،أي أقل من خُمس الطبقة العاملة اليابانية . ورغم وجود تشريعات قانونية تسمح بالحق في التنظيم وتوقيع دولة اليابان على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية وحماية الحق في التنظيم في عام 1965 ، والاتفاقية رقم 98 بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية في عام 1953. الا أن الواقع مخالف لذلك.

تنشط اليابان في مختلف المحافل الدولية ومنها الإتحاد الدولي للنقابات ومقره بروكسل ،وتتبوأ رئاسة فرع الإتحاد في آسيا والباسيفك المعروف بإسم "آبرو"، لليابان أيضاً دور هام في نشاطات منظمة العمل الدولية وغيرها من المؤسسات التي ترعى قضايا العمل في العالم .

هذا النشاط الذي يقوم به ممثلو الهيئات اليابانية جعل العديد من الخبراء يعتقدون بان وضع العمال والطبقة العاملة والنقابات العماليه في اليابان جيد ،وبانها تعيش في ظل حرية النشاط النقابي ، إلا ان التقرير يكشف عكس ذلك ، بما في ذلك لم تصادق بعد على كافة المواثيق الدولية والإتفاقيات المنبثقة عن منظمة العمل الدولية ،بل " صادقت على ست من ثماني اتفاقيات العمل الأساسية لمنظمة العمل الدولية."كما جاء في مطلع التقرير.

وجاء ايضاً:"اليابان صادقت على الاتفاقية الأساسية لمنظمة العمل الدولية بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية ، واتفاقية الحريةالنقابية وحماية حق تنظيم. بيد أن العديد من العمال ممنوعة من الحق في التنظيم النقابي ، ومن الحق بالمفاوضة الجماعية والحق في الإضراب ، خاصة العاملين في القطاع العام. " وجاء في تلخيص التقرير بهذا الخصوص بأن ما يُسمح به للعمال لا يزال يقتصر :"على الحق في التنظيم ، وخاصة العاملين في القطاع العام والخدمة المدنية. كما توجد قيود فيما يتعلق بحقهم في المفاوضة الجماعية ، كما يفقد العاملين في القطاع العام الحق في الإضراب. ، في حين أن العاملين بالقطاع الخاص لا يُسمح لهم بالإضراب بما يسمى الخدمات الأساسية " مثل شركات توليد الطاقة الكهربائية ونقلها ، وسائل النقل والسكك الحديدية ، الاتصالات ، والرعاية الطبية والصحة العامة وينص قانون اعلان نزاعات العمل على ضرورة الإبلاغ عن أي إضراب –اذا تم وفق القانون – قبل عشرة ايام من موعده. رغم ان حق الإضراب معترف به لكن القيود تمنع إمكانية تحقيق هذا الحق مما يجعله شبه مستحيل.

وأشار التقرير الى عدد من الحالات والأمثلة التي يُمنع فيها على العمال بالتنظيم في النقابات بالقطاع العام وتعرض كل مبادر الى تشكيل لجنة عمالية او تنظيم نقابي في مختلف المرافق الرسمية الحكومية والبلدية ،الى العقاب بما في ذلك السجن لمدة ثلاث سنوات ،والحال يكون أسوأ من ذلك اذا قام نقابي بإعلان الإضراب في هذه المرافق ،لذلك أكدت توصيات التقرير في هذا الصدد ،توجيه دعوة الى" الحكومة لجعل التشريعات وفقا لاتفاقيات منظمة العمل الدولية رقم 87 ورقم 98 وإزالة القيود المفروضة على الحق في المساومة الجماعية والحق في الإضراب لعمال القطاع العام. "

المساواة في الإجور

يتناول التقرير موضوع مصادقة اليابان على الاتفاقية رقم 100 بشأن المساواة في الأجور في عام 1967 لكنها لم تصادق على الاتفاقية رقم 111 بشأن منع التمييز في الاستخدام والمهنة.
ويحظر القانون التمييز على أساس العرق أو الجنس ، أو الإعاقة، واللغة والمركز الاجتماعي. بيد أن التمييز لا يزال يمثل مشكلة في اليابان. وضمن هذا التمييز يجري الكشف على ان التمييز القائم بحق النساء بالأجر عن نفس العمل هو من الأعلى في العالم ، وان ظاهرة ضرب حقوق المرأة العاملة قائمة ، ،و"ظاهرة التحرش الجنسي ، لا تزال تمثل مشكلة في اليابان. ففي العام 2006 تم تسجيل 11.102 حالة تحرش جنسي." كما افاد التقرير ،هذا عدا عن الحالات التي لا يجري تسجيلها ،او عدم تقديم شكاوى فيها. هذا بالإضافة الى ظاهرة التمييز وعدم المساواة في الأجور إتجاه المعاقين والعمال الأجانب . وجاء في التوصيات للتقرير ما يلي:" التمييز في العمل والأجر محظور على نطاق واسع في اليابان. لكن ثمة ارتفاع في الفجوة بالأجور بين الجنسين ، وتتسع تلك الفجوة بشكل خطير بما يتعلق بتمثيل النساء في المناصب الإدارية مما يرفع بمستوى عال ظاهرة التمييز غير المباشر. وموضع التحرش الجنسي يمثل مشكلة أيضا."

العمال الأجانب والإتجار بالبشر

يؤكد التقرير ايضا الى ان ظاهرة استغلال العمال الأجانب ،قائمة في اليابان ، جيث يجري التعامل مع هؤلاء العمال بشكل مخالف للإتفاقيات الدولية ، وتشغيلهم بشروط سيئة وباجر باخس بالقياس لمستوى الأجور المحلية ، دون تسليم العمال عقود العمل التي يقومون بالتوقيع عليها مما يؤدي الى تغلغل ظاهرة الإستغلال القائمة اليوم إتجاه هؤلاء العمال .
وجاء في التقرير بهذا الخصوص بأن ظاهرة:"الاتجار بالبشر لأغراض الدعارة القسرية أو السخرة محظور ، ولكن الاتجار غير المشروع ما زال يمثل مشكلة. اليابان هي بلد عبور وهدف للرجال والنساء ، و الأطفال والاتجار بهم لأغراض الاستغلال الجنسي التجاري ، والمواد الإباحية والعمالة القسرية. النساء والأطفال الذين يتم الاتجار بهم لأغراض الدعارة القسرية يستقدمون من الصين ،وكوريا الجنوبية وجنوب شرق آسيا ، شرق أوروبا ، وروسيا ، وعدد قليل من أمريكا اللاتينية. "

بالرغم من توقيع اليابان ومصادقتها على الاتفاقية رقم 29 ، بخصوص أعمال السخرة في عام 1932، لكنها لم تصادق على الاتفاقية رقم 105 ، المتعلقة بمنع ظاهرة السخرة وما يتبعها من مظاهر إستغلال بشع للبشر.

تشغيل الأطفال ... إشادة وتقدير


صادقت اليابان على الاتفاقية رقم 138 ،وهي اتفاقية الحد الأدنى للسن في عامي 2000 و الاتفاقية رقم 182 ، المتعلقة بمنع أسوأ أشكال عمل الأطفال في عام 2001.

وفق التقرير يظهر بان اليابان تلتزم بهذه الإتفاقية ، بل وتوفر التعليم الإلزامي وتهتم بتطبيق هذا البند بأهمية كبرى ، مع ذلك يؤكد الطاقم الذي أعد التقرير بأنه توجد بعض الظواهر التي يقوم بها أطفال من ابناء العمال الوافدين الى اليابان من البرازيل ،يقومون بالعمل الغير شرعي لجيلهم ،لكن الحكومة وضعت برنامج خاص لإجتثاث هذه الظاهرة ويلخص الطاقم موضوع تشغيل الأطفال بأن :" عمالة الأطفال لا تحدث بصفة عامة في اليابان ومطبقة جيدا وفق التشريع. "

وقدم الطاقم في نهاية التقرير توصيات للجهات الدولية ،يدعو فيها للعمل بوتيرة عالية من أجل وضع حد للخروقات التي تقوم بها الحكومة اليابانية بما يتعلق بحقوق العمال ، وبشكل ينافي الإتفاقيات التي وقعت عليها الحكومة اليابانية وصادقت عليها الا أنه في بعض الحالات ووفق ما جاء في التوصيات والتقرير يجري خرق القوانين التي تم تشريعها من قبل الحكومة اليابانية .

إننا ندعو كافة الحكومات الى الإلتزام بإتفاقيات العمل وقوانين العمل ، وان تقوم النقابات العمالية والإتحادات التي تمثلها بدور نضالي مثابر من اجل مكافحة تفاقم ظاهرة ضرب الحقوق العمالية النقابية ، إن الدور النضالي هذا له اهمية خاصة في ظل الأزمة الإقتصادية الحالية . حيث نشاهد يومياً حالات الفصل من العمل او التهديد به ،ومطالية العمال بالتنازل عن حقوق لهم بل وتخفيض اجور لهم ،لهذا على القيادات النقابية والقوى الثورية في مختلف ارجاء العالم رص صفوفها لمواجهة هذا التهديد الرأسمالي الخطير على حاضر ومستقبل الطبقة العاملة .