معركة الإنتخابات انتهت والمهام الكبيرة امامنا


جهاد عقل
2009 / 2 / 15 - 08:28     


- هل يذكر احد منّا تصريح واحد من قبل الأحزاب المتنافسة بخصوص الأزمة الإقتصادية؟.
- وسائل الإعلام تفرش البساط الأحمر لليبرمان في طريقه لوزراة المالية .
- ما هي الخطة الإقتصادية التي تم إعدادها في وزارة المالية ؟
- المعلومات تؤكد ان هذه الخطة سيتحمل وزرها العاملون والشرائح المُستضعفة في المجتمع.
- بالمقابل يتوقع أنها تحمل الدعم والحماية لزيادة ارباح الرأسماليين .




"المُنقذ قادم.." !!!؟؟

لم تهدأ المناكفات الكلامية الشخصية التي حملتها لنا المعركة الإنتخابية البرلمانية الأخيرة ، والتي تركزت على ظاهرة الهجوم الشخصي ، بينما لم تحمل في مضامينها اليومية أية تصريحات تتعلق ببرامج الأحزاب بالنسبة للحلول المطروحة لمواجهة الأزمة الإقتصادية الخطيرة التي حلت بالإقتصاد محلياً وعالميا.

الأسوأ من كل ذلك اننا ما زلنا حتى الآن نعيش هذه الأجواء دون أي طرح واضح لمواجهة تلك الأزمة ، بما في ذلك ظاهرة إغلاق اماكن العمل وفصل عشرات آلاف العمال في كل شهر ورميهم الى سوق البطالة .

مما يُثير الغضب في ظل هذا الوضع الغير طبيعي ، هو تلك التصريحات التي يقوم بها عدد لايُستهان به من محرري الزوايا الإقتصادية في الصحف ووسائل الإعلام المحلية ، بأن "المُنقذ" قادم !!! و"البلدوزر" سيصل قريباً الى وزارة المالية !!! وان "الموظفين في الوزارة يرتجفون خوفاً" منه !!! ؟؟؟ وما الى ذلك من تعابير تُثير القرف .

كيف ولا والحديث يدور عن الفاشي افيغدور ليبرلمان ، الذي رَكّزَ جُلَ حملته الإنتخابية على قضية واحدة. الا وهي بث سموم العنصرية – الفاشية ضد الجماهير العربية ...لدرجة ان إحدى المؤيدات له سمحت لنفسها بالقول عدة مرات ،من على شاشة التلفاز :"سأصوت ليبرلمان لأنه سيقوم بتنظيف البلاد من العرب " وعندما سألها المراسل :كيف ؟ أجابت :"سيقتلهم واحد واحد..وتصبح البلاد نظيفه منهم ." ماذا كان سيقول المراسل "الموضوعي" لو صدر هذا القول عن مواطنة ما في بلد ليبرلمان روسيا وبدلاً من العرب قيل "اليهود"!!؟؟؟

هذا هو "البلدوزر" الإقٌتصادي الذي تفرش له وسائل الإعلام الإسرائيلية البساط الأحمر نحو وزارة المالية .ليحمل فِكره اليميني المتطرف، وعنصريته ونيوليبراليته الإقتصادية الغير محدودة الى أروقة تلك الوزارة ،أي للصمام الإقتصادي المركزي في البلاد .


الميزانية ... كيف ستكون ...

رغم الأزمة الإقتصادية الغير عادية التي تحل بالإقتصاد الإسرائيلي والعالمي ، لم تتخذ الحكومة الحالية – السابقة – برئاسة ايهود أولمرت – خطوات فعلية وطارئة لمواجهة هذه الأزمة ، وحتى مشروع الميزانية للعام الحالي 2009 لم يجر إقراره حتى الآن، وتُرك الامر للحكومة التي سيجري تشكيلها ما بعد الإنتخابات ، وكاننا نعيش فترة إزدهار إقتصادي !!؟؟ .

واضح من المعطيات التي شملها مشروع الميزانية المُقترح للعام 2009 وقانون التسويات الذي نعتبره هو المشروع الحقيقي للميزانية ، بأن ما هو قادم علينا لايُبشر بالخير بتاتاً ، لأن ما تحمله بنود قانون التسويات من مضامين وقرارات إقتصادية يعني مواصلة النهج القائم في السياسة الإقتصادية منذ تولي اليمين الإسرائيلي، سدة الحكم قبل اكثر من ثلاثة عقود ،أي ضرب كافة مشاريع القطاع العام ، وخصخصتها لصالح قوى راس المال ، من جهة ، ومواصلة ضرب حقوق العاملين وأجورهم وتقليص تلك الحقوق من خلال إلغاء بنود في إتفاقيات العمل القائمة وإلغاء بنود أُخرى من قوانين العمل التي توفر الحماية الحد ادنى للعاملين وفق المعاهدات والإتفاقيات الدولية .
إن المناخ السياسي الذي أفرزته الإنتخابات التي جرت يوم العاشر من شباط 2009 يؤكد لنا ان ما هو قادم لا يُبشر بالخير للطبقة العاملة وللشرائح المُستضعفة ، وحتى لما يُسمى الطبقة الوسطى من اصحاب المداخيل المتوسطة وفوق المتوسطة ، والذين قاموا بدعم تلك الأحزاب اليمنية وبأكثريتهم الساحقة. خاصة وان بنود مشروع الميزانية وقانون التسويات المرافق لها ، فيه الكثير من الأعباء التي ستُلقى على كاهل اجور هذه الطبقة – المجموعة .

مليون اجير تحت اجر الحد الأدنى

مشروع قانون الميزانية هذا لا يعرض الحلول لضائقة حوالي ثُلث العاملين في البلاد ، أي حوالي مليون عامل وعاملة ممن يحصلون على اجر شهري بالكاد يصل الى أجر الحد الأدنى ، مما يؤدي الى وضعهم في ضائقة معيشية وإجتماعية شديدة البؤس ، وفي ظل تفاقم ظاهرة البطالة وفقدان فرص العمل ، تصبح ضائقة هؤلاء العاملين أشد قساوة ، بل تُعرضهم للإستغلال الفظيع من قبل أرباب العمل ، وكما يؤكد لنا عدد كبير من العمال يومياً ، بان الرد السائد اليوم من قبل أصحاب العمل ، على اي طلب لهم بخصوص تحسين الأجر او شروط العمل " هذا هو الحال اذا لم يُعجبك الأجر فإستقيل من العمل والله معك ..". هكذا يًصبح العمال ضحية أزمة إقتصادية ، من تسبب بها هم أصحاب رؤوس الأموال وحماتهم في الحكومات التي سارت في ركب بدعة السياسة الإقتصادية النيوليبرالية وعولمتها .

كي نؤكد على موضوعيتنا في هذه العُجالة لا بد من التاكيد على حقيقة مهمة في إفرازات المعركة الإنتخابية الأخيرة ونتائجها ،ألا وهي أن نجاح اليمين في هذه المعركة ،إتسم بحقيقة إستعماله شعارات فضفاضة ،تُثير الحميّة القومية ، وبذلك تغتال كافة الهموم الحقيقة التي تواجه الجمهور ومنها الهموم المعيشية والإقتصادية ،لقد نجح هؤلاء في عملية الإغتيال هذه ، ولم يطرحوا ما يحتاجه الجمهور من حلول لقضية تحسين الأجور ، ووقف الفصل من العمل ووقف التدهور الكبير نحو هوة الفوارق التي تتعمق وتتسع ما بين الفقراء والأغنياء في المُجتمع الإسرائيلي، وبذلك جسّدوا حقيقة مميزات اليمين التي تتسم بحمية المشاعر القومية حتى على حساب توفير لقمة العيش الكريم.

خطة المآسي الإقتصادية قادمة ...

لم يتورع المسؤولون في وزارة المالية عشية المعركة الإنتخابية – رغم انهم ووزير ماليتهم قرروا الصمت – وقاموا بالكشف عن بعض ما تحمله خطة الطوارئ الإقتصادية التي قام بإعدادها طاقم الوزارة ، لكنه ووفق التصريحات المحدود كلامياً والكبيره في معانيها ، أكدوا انهم إضطروا الى إجراء تعديل على خطتهم هذه ، بما يتناسب والمُستجدات التي طرأت ، وأدت الى إنفاق مالي كبير لم يُحسب حسابه قبل وقوعها .

قصد هؤلاء بالنسبة "للمستجدات" ، هو الحرب على غزة وتكاليفها ، فلا بد من دفع الحساب – الفاتورة لمصاريف تلك الحرب ، وعندها كشف هؤلاء المسؤولين، بان من سيدفع تلك التكاليف هم العمال على مختلف شرائحهم ، من خلال فرض ضرائب وتقليص اجور وما شابه ذلك من أعباء ستؤدي الى تكريس عملية الإغتيال المتواصلة لحقوق الطبقة العاملة في هذه البلاد ، وأكد حضرتهم أيضاً بان الخطة نفسها تمنح تسهيلات ضريبية للمستثمرين من اجل توسيع إمكانيات الإستثمار للنهوض من ركام الأزمة الإقتصادية القائمة .

هذه الخطة التي لم نحصل على كامل تفاصيلها حتى الآن ، واضح بانها خطة المآسي الإقتصادية القادمة علينا من قبل الحكومة التي ستتشكل ، خلال الأسابيع القادمة ، عندها سنشهد معاً مشاهد المؤتمرات الصحفية الطارئة التي ستُعرض من خلالها تلك الخطة المأساوية .

فقر ... وتكاليف معيشية مرتفعة ...

تقليص أجور العاملين ومواصلة ضرب مخصصات الرفاه الإجتماعي ، وتقليص الميزانيات للوزارات – ضمن تحمل تكاليف الحرب - ،يعني أن السواد الأعظم من المواطنين وفي مقدمتهم الطبقة العاملة هم .. هم ... فقط من سيدفع تكاليف الحرب والعدوان ، هم ... هم ... من ستزداد ضائقته المعيشية ، ليس فقط بسبب تقليص الأجور .. بل أيضاً .. بسبب تقليص الميزانيات مما يعني أقل خدمات وأقل تعليم وأقل تامين صحي وأقل بنى تحتية وأقل... وأقل ... وإذا نفذت الحكومة برامجها المخزونة في أدراج وزارة المالية – هذا هو المُتوقع - بخصوص خصخصة الجهاز الصحي والتعليمي وغيره ، فإن ذلك يعني المزيد من الضائقة والفقر للطبقة العاملة والمُستضعفين في المجتمع ، المزيد من العمال الفقراء ... المزيد من الإستقطاب الإجتماعي وما الى ذلك من مآسي إقتصادية وإجتماعية ، ومعها مواصلة الحربجة العسكرية وتكريس النزعة العنصرية الفاشية إتجاه الأقلية العربية الفلسطينية وإتجاه قوى اليسار الحقيقي الإسرائيلي.

مهام كبيرة ... ومسرولية لا حدود لها

في ظل هذا الخطر الداهم ... من قبل حكومة اليمين – حتى لو كان ضمنها حزب العمل – واضح ان المهام المُلقاة على عاتق الجبهة كقوة يسار حقيقي الأكبر في الشارع الإسرائيلي ، هي مهام كبيرة جداً ... تلازمها تحمّل مسؤولية لا حدود لها في تشكيل جبهة نضال واسعة لجميع المناوئيين للسياسة الكارثية التي ستأتي بها الحكومة الجديدة .

ولا بد لنا من التاكيد هنا انه يجب ان تاخذ الهستدروت كقوة نقابية هي الأكبر في البلاد دورها الناشط في مواجهة هذه السياسة الكارثية وان تقود المعسكر الإجتماعي - الإقتصادي المعادي لتلك الخطط الكارثية ولتلك السياسة التي ستاتي على الأخضر واليابس في هذه البلاد من خلال برنامج كفاحي نضالي ضد تلك السياسة .

أيامنا القادمة تحتاج الى المزيد من التكاتف على برنامج حد ادنى يقاوم الأخطار القادمة .هذا هو المطلوب الآن اكثر من أي وقت مضى.