لماذا يحذر اتحاد المجالس من اقتران اسمه بالمؤتمر العمالي، كما يحذر الطاعون؟


نادية محمود
2008 / 12 / 19 - 10:05     

وجه فلاح علوان رئيس اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق رسالة إلى مسؤول اللجنة التحضيرية للمؤتمر العالمي العمالي، يوضح فيها ان اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق لم يوفد أي مراقب أو ممثل أو أي حضور رسمي للاجتماع التحضيري للمؤتمر العمالي المزمع عقده في شباط 2009، موضحا موقفهم من ورود ذكر الاتحاد في الاجتماعات التحضيرية، مؤكدا اذا كان شخص ما قد حضر بصفته الشخصية من اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق إلى اجتماعكم فهذا أمر يخصه هو، وهو حر في الحضور أو عدم الحضور، على إن هذا لا يمثل وجهة نظر الاتحاد. طالبا في نهاية رسالته " سحب التعبير " الذي يشير إلى مشاركة " مراقبين " من اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق من بيان منظمي المؤتمر لأن اتحاد المجالس لم يوفد أي مراقبين، داعيا منظمي المؤتمر المنادين بوحدة الاتحادات باحترام إرادة الاتحادات، وعدم الحديث باسمهم بخلاف الحقيقة.

ان السؤال الذي يتبادر الى الذهن مباشرة: لماذا يحذر اتحاد المجالس من اقتران اسمه بهذا المؤتمر، كحذره من الطاعون؟

اتحاد المجالس لا يريد حضور المؤتمر. هذا حق له. لا جدال فيه من الناحية الحقوقية. نحن لا نحضر مؤتمر اذا ما وجدنا ان لا فائدة ترتجى من هذا المؤتمر او ذاك. البشر لا يضيعون وقتهم على اعمال لا نفع فيها لهم، بامكانهم ان يستفادوا من وقتهم بشكل مجدي. لا غبار على ذلك.

الا اننا كشيوعيين، لم نفوت اية فرصة دعينا للحديث فيها لتوصيل صوتنا و رسالتنا بان " البديل الشيوعي هو البديل": مقابلات في قنوات تلفزيونية، مؤتمرات تضم العشرات او المئات، تظاهرات تضم مئات الاف، جلسات مع اسلاميين في قلب العاصمة البريطانية، ملتقيات لا حصرلها في شتى انحاء العالم، و رسالتنا واضحة و واحدة: هذا الوضع غير قابل للاحتمال، و يجب تغييره، و نريد ان تكونوا معنا. و سعينا في كل فرصة اتيحت لنا للحديث فيها مع الناس من اجل ان نكسب الجمهورا الى صفنا، واغلب ظني، ان الرفيق فلاح لم يعمل بغير هذا، فما الذي يحدث الان؟

اطلعت على بيان معمر مجيد، المسؤول الاعلامي لاتحاد المجالس، ثم جاءتنا الرسالة الثانية الموجهة من فلاح علوان الى منظمي المؤتمر، و القائلة بان لا "تذكروا اسمنا". اني لا اناقش هنا، حقانية عدم وجوب ذكر اسم احد اذا لم يكن موجودا، او عدم ذكر ممثل لجهة معينة اذا لم تكن تلك الجهة قد ارسلت احدا يمثلها، ان هذا الكلام لا غير عليه من طرف الرفيق فلاح، الا ان السؤال هو لماذا هذا الحذر من ذكر اسمهم بهذا المؤتمر، حتى لو تاتي عن خطا من اصحاب المنظمين، و الطلب اليهم بان يسحبوا " التعبير".


التقت بي احد الصحف العمالية البريطانية في شهر ايلول المنصرم، و وجه لي مسؤول الصحيفة سؤالا حول ما هو الخلاف بين اتحاد المجالس و الاتحاد العام للمجالس: فاجبته: دعني اجيب على السؤال بتعداد ما يتفق عليه الاتحادان:

يتفق الاتحادان من الناحية السياسية على: انهاء الاحتلال، مواجهة حكومة المالكي، مواجهة سياسات صندوق النقد الدولي، مواجهة خصخصة الانتاج، معاداة مصالح الرأسمال العالمي في العراق، الاثنان يتفقان على فصل الدين عن الدولة، متفقان على المساواة بين الرجل و المرأة، يتظاهرون بنفس الشهر، و بنفس الاماكن ضد قانون النفط و الغاز، التصدي للاتفاقية العراقية- الاميركية.

يتظاهرون من الناحية المطلبية و" كل من موقعه" على: دفع فروقات الرواتب، صرف مخصصات الخطورة، تصعيد الحركة المطلبية، الزيادة في الرواتب، الغاء القرار 150 لسنة 87 ، عدم تدخل السلطات بالتنظيم النقابي ايضا و يحتفلون بذات المناسبات، و استذكار نفس الذكريات" اضراب عمال الزيوت" مثلا. اي باختصار يتفقان على الاهداف الاقتصادية و الاصلاحية و يتفقات على الاهداف الاستراتيجية لحكم الطبقة العاملة. فعلام يختلفان؟

نحن، في منظماتنا النسوية، نذهب للمشاركة في المؤتمرات، التظاهرات، الاجتماعات، ورش العمل، التي تنظمها المنظمات الفمنستية في بريطانيا، و الحال لدينا اختلاف جذري و مبدئي مع هذه المنظمات. هذه المنظمات الفمنستية ترى ان " الرجل" هو " عدو" المرأة. هو سبب ويلاتها و مصائبها و هو الذي يمارس العنف ضدها. مع هذا ذهبنا للتظاهر معهن، في اليوم العالمي ضد العنف ضد النساء، لقد رفضن، لضيق افاقهن، ان يصور تظاهراتهن احد زملائنا من المصورين لانه" رجلا" و سالن: " الا توجد معكن نساء ليقمن بالتصوير" والرجل كان داعية حقوق للنساء، و مؤيدا لهن، لكنهن، لعداوتهن للرجل، لكل رجل، صديقا كان ام عدو يرفضن ان يكون على مقربة من تظاهراتهن.

و مع هذا نشارك في النشاطات التي ينظمنها لسبب اساسي هو ان هذه التظاهرات كانت تطالب بوقف العنف ضد النساء. الهدف جعلنا ننخرط في تظاهراتهن، ثم نعود لبيوتنا، لنرسل لهن رسائل فيما بعد لنقول لهن، ان وصفكن للرجال بانهم اعداء هو خطأ، وان المجتمع الرأسمالي الذي يفرق بين البشر، بين الرجال و النساء، بين السود و البيض هو الخطأ و ليس الرجال، اي اننا ذهبنا، عملنا شاركنا و انتقدنا.

هل هنالك فرقا شاسعا بين هذا المثل الذي عشته في الايام الاخيرة، و ما اقراه من اتحاد المجالس. لا اظن.

ان كان هنالك سبب في هذا الحذر، فليس عائدا لاي اختلاف سياسي ، ليس مع الاتحاد العام للمجالس فقط- فهذا الاتحاد هو واحد من مجموعة اتحادات عمالية- تنظم المؤتمر، بل مع المؤتمر العمالي كله، للحد الذي لا يستطيعوا ان يروا اسمهم موجودا و ان بالخطأ مذكورا على محاضر اجتماعاته.

انهما يختلفان لانه: " كان يا ما كان، في قديم الزمان، كان هنالك اتحاد واحد، الا انه اليوم هنالك اتحادان".

فهل هذا امر قابل للتعايش معه؟

يقول المثل الانكليزي" لا حاجة لاعادة اكتشاف العجلة"،و تاريخ الحركة العمالية يعطينا ما لا نحتاج الى اعادة اكتشافة، و هو اين تصوب انظارك في عملك داخل صفوف حركتك، على من يقوم بالعمل، او ما هو العمل ؟

ان الحادثة التاريخية التي وجهت لينين الى القس المسيحي كابون، هو قيام الاخير بعمل كبير و لشهور على تنظيم العمال من اجل مصالحهم، و كان يبدأ اجتماعاته وينهيها بتلاوة صلاة و الدعاء للرب بالحفاظ على حياة قيصر. و ما ان طرد 4 عمال من احد المعامل التي يوجد فيها تنظيم الاب المسيحي في 3-1-1904، حتى نظم تظاهرة في يوم 9-1-1904، مرة اخرى رافعين الصلبان و مطالبين تدخل القيصر بارسال رجائهم له ليستقر عند قدمية راجين منه الاستجابة له في قصر الشتاء، الذي كان مطوقا ومحميا بالعسكر، فتحت النار على العمال المتظاهرين، فصاح الاب المسيحي "لا قيصر لدينا بعد اليوم" و نهر من الدم يفصل بيننا و بين القيصر.

الشيوعيين كانوا قد ارسلوا 500 روبل للجنة المنظمة للتظاهرة التي يقودها الاب المسيحي، و اوعزوا لكل اعضاءهم بالمشاركة في التظاهرة، كان لينين يشرح" العمال الذين لا يتجهون الى الحركة بفعل التحريض الاشتراكي، ياتون بفعل تاثيرات تحريض تيارات اخرى، وهؤلاء يشكلون القاعدة الواسعة، الا انهم ما ان يدخلوا قلب النضال العمالي، سيذهبوا بعيدا في نضالهم لحد الثورة" المهم ان يدخل العمال الى حلبة الصراع، اي بكلمة اخرى، لم يولي اية اهمية لكون الذي نظم التظاهرة ( قس مسيحي) يتضرع للرب و للقيصر بالاستجابة لمطاليب العمال، بل ما كان يشد لينين اليه هو انه يعتبره قائدا للعمال و هو في خندق واحد معه اليوم، و لأخلاص لينين لعمالية الاب المسيحي، مضى محاولا ان يشرح الماركسية له.

و الحال، ان منظمي المؤتمر ليسوا قساوسة، بل قادة عماليين، عدد منهم اشتراكيين و شيوعيين ايضا. و ما يسعون اليه كما قالوا في محاضر جلساتهم البحث عما يجمعهم و يقربهم خطوة من الوصول الى اهدافهم، بتعبئة قواهم وتوحيد صفوفهم.

ما كنت لاكتب هذه السطور، اذا كان اتحاد المجالس رد باعتذار عن المشاركة على المؤتمر دون ان يضطر الى شرح اية اسباب، لكن ان يطرح تلك الاسباب التي ادت به الى ان ياخذ موقفا " ليس ايجابيا" وهي " عدد المقاعد الخمسة التي قد تشق صفوف الحركة العمالية، ووثائق المؤتمر التي لم يتم استلامها" (يمكن قراءة رد توما حميد حول على بيان اتحاد المجالس و المنشور على صفحة الحوار المتمدن بهذا الخصوص ايضا)، ذلك لا يعتبر شرحا و سردا للاسباب الحقيقية. لقد شرحت نقاط الاتفاق السياسية، ان واحدة منها او اثنين تكفي لان تجلب اي اتحادين عملاقين ليعملان مع بعض، فكيف بتلك اللائحة التي تزيد على عشرة نقاط من الاتفاق.

كنت اتمنى من العزيز معمر مجيد ان يحدثنا عن الاسباب الحقيقية و هي ان هنالك صراعات شخصية و منافسات شخصية و خلافات شخصية، للاسف و للالم الشديد لا زالت تصرف الانظار عن النظر الى البعيد، الى ما يجمعهم الى الاهداف المشتركة، والعدو المتاهب و المدجج من الرأس الى اخمص الاقدام، كل الذي ينظرون له هو للاسف الشديد هو صغائر الامور.


ان ما لانحتاج الى اعادة اكتشافة هي الحقيقة التالية: اذا ما اردت ان تقوم بتغيير ميزان القوى و تدفع بعجلة نضالك للامام، عليك ان تنسى خلافاتك الشخصية و تركز على قضيتك السياسية، يجب ان لا ننسى ان نصوب انظارنا الى المهام البعيدة رغم انشغالنا بالمسائل اليومية، لدى كل الاتحادين و الاتحادات العمالية الاخرى اهدافا عظيمة من اجل الوصول اليها، فهل يتناسب النضال للوصول الى تلك الاهداف مع ذلك النوع من الانشغالات، من نوعية " الكشف عن الحقائق" و " التوضيحات" و " الارشادات" و" الحذر من عدم ذكر الاسماء"،و الطعن و التشكيك، وشق الصف، و بعثرة القوى.

من سيستفيد من ذلك، و من سيكون المنتصر في هذه المعركة؟

بالتاكيد لن تكون الطبقة العاملة هي المنتصرة بهذا النوع من الصراعات، فالصراع هو من العدو الطبقي، و ليس مع الرفيق الطبقي. اذا لم تكن هذه الحقيقة واضحة بعد، ستصح المقولة القديمة مرة اخرى بـ" ان الطريق الى جهنم معبد بالنوايا الحسنة".

18-12-2008