الدولة و دور الطبقة العاملة في العراق الجزء الثالث: الرؤية و برنامج العمل للتغيير..


نادية محمود
2008 / 10 / 10 - 09:59     

في المقالتين السابقتين سعينا الى توضيح أن الدولة كيان يتأسس، جهاز يتشكل و يتكون من قبل الطبقة المسيطرة، و القادرة على فرض ارادتها، الرأسمالية او الطبقة العاملة. قلنا ان الدولة ليست شكلا مقدسا ولا ابديا، و لا هو هرم، جئنا فوجدناه امامنا، نرحل عن الدنيا، و يبقى بعدنا. انه امر قابل للتغيير. و قلنا في المقالة الثانية، ان التغيير اصبح " مطلب" في العراق، و ان الناس تبحث عن بديل، و ان ايجاد البديل امر ممكن.

هذه المقالة ستتطرق الى ضرورة وجود "رؤية" لاخراج المجتمع العراقي من هذه الاوضاع والى تحديد عناصر القوة و المصادر في المجتمع ، والى وجود برنامج عمل يشتغل كل يوم، و في كل مكان من اجل تنفيذ تلك الرؤية.
اي مشروع مهما كبر او صغر بحاجة الى معرفة عدد من الشروط الاولية: واقعيته، مطلبوتيه، امكانية تحقيقه، و الشرط الاساسي الثاني فيما اذا كان هنالك طيف من البشر عاقدين العزم على تنفيذه. ان المثل القديم " اعطني منظمة من الثوريين، اعطيك انقلابا في الاوضاع" لازال صحيحا وساري المفعول، الان، كما كان في الماضي.

المشروع في حديثنا هذا هو تغيير الوضع في العراق، وهذا يعني: ماء نظيف، و كهرباء 24 ساعة في اليوم، امان، اشباع لحاجات الانسان، الطعام، العمل، الراحة النفسية و الجسدية.

اصبحت هذه اهداف "القوى الاشتراكية"، حيث ان الرأسمالية التي نفذت تلك الاهداف في مراحل زمنية معينة، لفرط رجعيتها و مناهضتها للانسان، تراجعت تراجعا منظما عنها. في نظام صدام حسين كان هنالك ماء و كهرباء. الان، و بعد الاحتلال، يعطون الكهرباء مثل حبات مسكنات الالم، كل اربعة ساعات حبة حتى لا "ينفجر المريض".

الان، هذه الاهداف( الماء و الكهرباء) موضوعة على طاولة القوى الاشتراكية، و يجب ان تتحرك الى تنفيذها، الى انتزاعها من الدولة. هذا لن تقدمه السلطة الينا. يجب ان ننتزعه منها. انها اصبحت او جعلوا منها، مطالب اشتراكية.

الازمة المالية العالمية اليوم، توضح حقيقة واحدة، لا اقتصاد رأسمالية الدولة، و لا اقتصاد سوق الحر، انقذا البشرية من الدمار الاقتصادي. انهما يضعا العامل وجها لوجه مع بشاعة الرأسمالية، يضعانه امام مهمة التدخل، التحرك و اخذ المبادرة. هذه الازمة، ستسدل الستار على كل احاديث حول حقوق انسان و دولة الرفاه، و الديمقراطية في الدول التي ولدت فيها، في مراكزها الاساسية في اميركا و بريطانيا. فما الذي يرتجى ان يحدث في العراق؟ اية نسخة من اقتصاد السوق الحر، و الخصخصة يريد المالكي و الطالباني ان يكرروها في العراق او في كردستان؟

هذه امور بدأت تدخل متاحف التاريخ، سيصادروها بالجملة بعد ازمة انهيار السوق الحر في الدول الام.

فاية خيارات تركت لنا؟

جربت رأسمالية الدولة في زمن صدام حسين( تحت شعارات الاشتراكية) كما جرى تجريبها على صعيد عالمي و انهزمت كما هللوا امام السوق الحر. و الان السوق الحر ينهار بفعل تناقضاته في دول المنشأ، فماذا سيكون الحال في الدولة التابعة مثل العراق؟

ان هذه الازمة المالية قد وضحت الرؤية بشكل كريستالي، ليس هنالك من سبيل غير السعي الطبقي العمالي، لاحلال ألبديل الاقتصادي الاشتراكي العمالي محل الاشكال الاقتصادية الرأسمالية المنهارة. و لانجاز هذه المهمة، لا بد من حزب عمالي طبقي اشتراكي لخوض هذه الحرب.

الطبقات تتصارع عبر احزابها السياسية، ليس عبر النقابات، و لا المنظمات المهنية، و لا الحقوقية – وان كان لكل منها دور- بل باحزاب سياسية. بدون حزب سياسي، لا يمكن التدخل في تغيير الاوضاع. لم يضع الشيوعيون هذه الفرضية، بل وضعتها احزاب الطبقة الرأسمالية قبلنا. في امريكا يتصارع الجمهوريون مع الديمقراطيون، و في بريطانيا، يتواجه العمال مع المحافظين و الحال كلهم ممثلي لطبقة واحدة، الطبقة الرأسمالية. هذه هي الوسيلة التي بايدينا من اجل التدخل في تغيير الاوضاع في العراق. التحزب. هذه الجريمة التي يقتل فيها الرأسماليون الاشتراكيين ، تسمح الرأسمالية لنفسها ان تتحزب، و يسيطروا على السلطة باسم احزابهم، الا انهم يمنعون الشيوعيون من التحزب اولا بقوة السلاح و القتل و التعذيب، و ثانيا، بالخداع و التضليل و الترويج "لحرية الفرد" اي ابقائه خارج الصراع الحزبي، او خارج الصراع الطبقاتي المنظم.

الحزب هو الاداة و هو الوسيلة لتعقب تلك الرؤية و العمل لتنفيذها. ان عنصر من عناصر قوتنا في العراق هو وجود ألحزب الشيوعي العمالي العراقي، بغض النظر عن نقاط ضعفه و نواقصة، الا ان البديل الاشتراكي الطبقي العمالي مرفوع منذ سنوات و العمل جاري منذ سنوات، ما نحتاج اليه، هو تصعيد النضال، و رفع استعدادات طبقتنا.

وجود الاحزاب الشيوعية العمالية في العراقwww.wpiraq.net و كردستان و ايران، هي ريادة عالمية على مسار تحزب العامل الاشتراكي، و نضاله من اجل انتزاع السلطة من الطبقة الرأسمالية، لاقامة سلطته.

اليسار البريطاني في مؤتمره الاخير في مانجستر " لازال" يناقش، هل من الضروري تشكل حزب عمالي يساري ام لا؟ البعض يقول نعم، و الاخر يقول لدينا " حزب العمال"، و يجب تغييره من الداخل، كم من السنوات ينبغي ان تتصرم قبل ان يتمكن العامل البريطاني من اصلاح حزب العمال "من الداخل" ان كان هنالك ادنى امل، بان يدر الثور عليك بشيء ان حلبته.

ان عناصر قوتنا هي الحركة العمالية الحية، لقد كان شهرا اب و ايلول، اشهر العمال، تظاهرات و احتجاجات متواصلة من اجل اقالة وزير الكهرباء، من اجل اعادة الزيادات المخصومة، و سلسة من المطالب.

المجتمع يتطلع للتغيير، في كل حدب و صوب، في كل مكان، في كل شارع و زاوية، الناس تريد بديل، هذه الرغبة الكامنة و العلنية للناس، بانها ستصطف مع من يقدم لها حلا، انها تبحث عن قيادة. هذه نقطة قوة يجب البناء عليها. الناس بحاجة الى للتنظيم، بحاجة الى ان ترى اناسا، حزبا قادرا على تنظيمهم و قيادتهم، و ستكون معه.

الذي لم نقم به، الذي لم نجربه لحد الان كشيوعيين في العراق هو المعركة على السلطة. لقد دافعنا عن عشرات القضايا عن المرأة، العمال، الاطفال، بائعات الجسد، كركوك، حق السكن، ضد الاحتلال، ضد الحصار الاقتصادي.. و العشرات غيرها. الا ان اية منظمة خيرية يمكنها ان تقوم بهذا ايضا و براحة بال. منظمات من قبيل منظمة العفو الدولي قد تبز احزابا سياسيا بحملاتها للدفاع عن عدد من تلك القضايا.

لا ينفع ان نكون جماعة ضغط، او على هامش الاحداث، لا ينفع ان نكون" معارضة"، لقد ترك للجماهير خيار واحد لا غير: تحضير نفسها لانتزاع السلطة بيدها، ليس في العراق فحسب بل قلب العالم المتقدم. العالم الذي سيشهد اما هبة عمالية ثورية اوربية، او فاشية قل نظيرها.

ان لم نشأ ان ندع الرأسمالية تعيد انتاج نفسها،باللجوء الى أشكال فاشية جديدة، لتديم وجودها، امامنا اتجاه واحد لاغير. الطريق نحو الاشتراكية. نحو الشيوعية. في العراق، كما في العالم المتقدم.

هذا زمن التحزب و زمن العمل الثوري! التحضير للتغير، العمل اليومي والمبرمج لتنظيم الجماهير و تنظيم العمال و رباب البيوت، وطلاب الجامعات للضغط من كل الاتجاهات، من اجل انتزاع ما يمكن انتزاعه وفرض ما بالامكان فرضة، و من اجل انتزاع السلطة السياسية. حين يكون هنالك غليانا في المجتمع، فان اية شرارة، اية حركة يمكن ان تطلق ثورة بكاملها، هكذا تعلمنا التجارب الثورية السابقة، كومونة باريس و ثورة اكتوبر.

لأوجز ما قلت: ان الدولة التي نعمل على تاسيسها هي دولة الطبقة العاملة، رؤيتنا هي البديل الاشتراكي، و سبيلنا هو التحزب والتنظيم لخوض هذه الحرب، و مصادرنا هي مجتمع باكمله ساخط و يبحث عن بديل. بالامكان ان نصنع البديل.