العمل اللائق..يتحقق بالنضال اللائق...


جهاد عقل
2007 / 11 / 19 - 11:20     


في ظل أجواء الإضراب العمالي الذي يخوضه عمال النقل – القطارات – في كل من المانيا وفرنسا ، حيث يُضرب العمال هناك من اجل الدفاع عن حقوقهم. في مقدمتها قضية رفع الأجور وتحديد ساعات العمل(المانيا) وأخرى تتعلق بحقوق التأمين التقاعدي (فرنسا). هذه الإضرابات التي قد تَنتَشِر، كالنار في الهشيم، وتتسع لتشمل قطاعات عمالية إضافية خاصة في فرنسا . قد تؤدي الى إصابة الحياة بشلل تام ليس فقط في المانيا وفرنسا بل ربما تشمل دول افتحاد الأوروبي عامة.

في ظل ما تتناقله وسائل الإعلام عن الإنتهاكات التي تقوم بها العديد من الحكومات والشركات بالحقوق العمالية وخرق الإتفاقيات الجماعية القائمة ، والقيام بخطوات تعسفية إتجاه الناشطين النقابيين من إعتقال وقتل وقمع وغيرها . وفي ظل مواصلة الشركات المتعددة الجنسية خطواتها القائمة على أساس مواصلة سياسة الإِستغلال بحقوق العمال الذين يعملون في هذه الشركات والذين يصل عددهم الى حوالي مئة مليون عامل – هذا عدا عن العمال الذين يعملون في شركات تقدم الخدمات المختلفة للشركات العولموية هذه- .

نعم ... في ظل هذه الأجواء عقد مجلس إدارة منظمة العمل الدولية إجتماعه الدوري ايام 1-15 نوفمبر -تشرين ثاني 2007 في مقر المنظمة بمدينة جنيف السويسرية . وعلى جدول أعماله مختلف القضايا والهموم والبرامج المتعلقة بسوق العمل وعلاقات العمل وغيرها من القضايا التي تتعقلق بقضايا التقاعد والحقوق الإجتماعية وحرية التنظيم النقابي والصحة والسلامة وتغيير المناخ وما لذلك من تأثير على العاملين، والإنتقال الى "الوظائف الخضراء"، والمساواة بين الجنسين في عالم العمل ،ومناهضة مواصلة تشغيل الإطفال وإستغلالهم ، وتوفير العمل اللائق للجميع في عالم تُنتَهك فيه حقوق العمال ، بل يتعرضون فيه للعمل الجبري والإستغلال ، والعبودية القسرية، في عدد من دول العالم، التي "تنعم" بالحماية من قبل البيت الأبيض الأمريكي وقادته، رغم قيام زعماء هذه الدول والشركات متعددة الجنسية بالبطش بالعمال وفرض العبودية عليهم.

جميع هذه القضايا تؤكد على كِِبَر وعَظمة الهم العمالي القائم. في عالم تُهيمن عليه قوى رأس المال والعولمة الغير محدودة. الهادفة الى جني المزيد من الأرباح والثروات . طبعاً على حساب مواصلة توسيع رُقعَة الإستغلال القائم بحق العمال وحقوقهم .

وقد إنتبه أعضاء المجلس الى الدور السلبي الذي تلعبه منظمة التجارة العالمية وسياستها القائمة على أساس فتح الأسواق أمام البضائع التي تنتهجها قوى العولمة المُتَمثِله بالشركات متعددة الجنسية.

لقد بحث أعضاء مجلس إدارة منظمة العمل الدولية، في ورشات العمل التي عُقدت خلال أيام المؤتمر .مختلف القضايا التي تشغل بال القائمين على منظمة العمل الدولية ، الذين يحاولون جاهدين وضع أرضية صلبه لكل ما يتعلق بالسياسات الحالية والمُستقبلية لعالم العمل والعمال. من خلال التوفيق ما بين اطراف الإنتاج الثلاث ،أي الحكومات والنقابات واًصحاب العمل . في محاولة منها لتخطي التناقضات القائمة في المصالح – وهي كبيرة جداً- . ووضع حد ادنى من التصور الذي يستطيع التوفيق بين كافة الأطراف الثلاث.

جاء هذا التصور في بيان يحمل القرارات التي تم إقرارها في الإجتماع . ما يحمله البيان من قرارات مهم جداً . لكن علينا التأكيد ان المسيرة العمالية ما زالت طويلة وشائكة جداً.

بالإمكان توجيه التقدير الكبير لما جاء من تأكيد على الأُسس التي ذُكرت اعلاه بالنسبة لعالم العمل ، خاصة قضية النشاط الدؤوب من اجل ضمان العمل اللائق ،الذي تفتقده الأكثرية الساحقة من عمالنا ، في عالم العمل اليوم . هذا الأمر نشهده يوميا من خلال النضالات العمالية التي تندلع في مختلف الدول ،أو من خلال عمليات النَصب والإحتيال التي يقوم بها أصحاب عمل في مختلف الدول وفي ظل حكومات تؤكد ان لديها قوانين عمل تضمن الحقوق العمالية وتضمن حرية التنظيم العمالي.

كيف لا.. ونحن نشهد ظاهرة الإستغلال الغير محدود للعمال المهاجرين ، ونشهد أيضاً إستمرار التمييز إتجاه المرأة العاملة ، ونشهد عالم عمل يجري فيه إستغلال الأطفال والأولاد في سوق العمل ، ونشهد حالات السمسرة وبيع الأولاد والفتيات والنساء من قبل شبكات تجارة عالمية تسيطر على "سوق العبودية " الحديث، ترتبط بجهات تسيطر على الحكومات المختلفة في عالمنا.

نشهد أيضا في عالم العمل هذا ظاهرة فقدان الأمن التشغيلي وتزايد عدد الشباب الذين لا يجدون فرصة عمل لائق لهم جراء إنتشار ظاهرة البطالة،وان وَجدوا فرصة العمل هذه ، تكون الشروط فيها ،شروط عمل مؤقت وبأجر متدني وبدون شروط تأمين إجتماعي وضمانات .

المعطيات الإحصائية الصادرة عن منظمة العمل نفسها تؤكد ، ان 80% من عمال العالم يعملون بدون تأمينات إجتماعية ،والعمال الذين لديهم هذه التأمينات يتعرضون الى هجوم غير محدود من قبل الحكومات وأصحاب العمل ،محور هذا الهجوم هو "خطط إصلاح" تهدف الى تقليص التأمينات القائمة وضرب حقوق العمال المؤمنين ، كما نشهد في نضال عمال النقل والقطاع العام الفرنسيين هذه الأيام حيث تحاول الحكومة ضرب هذه الحقوق ،الأمر الذي ادى الى نشوب الإضراب والى حملة تضامن تشمل جميع العاملين في القطاع العام الفرنسي .
خطط "الإصلاح" هذه تشمل برامج أطلق عليها اسم "تغيير المبنى التشغيلي" في القطاع العام ،من اجل "تنجيع الخدمات العامة وغنهاء الترهل البيروقراطي" . إنها شعارات برّاقة جداً ، لكنها تحوي أمر واحد الا وهو القضاء على العمل المُنظم وعلى إتفاقيات العمل وما تضمنه من امن تشغيلي في الحاضر وأمن تقاعدي في المُستقبل .

قرارات مجلس إدارة منظمة العمل الدولية التي تُعتبر بمثابة توصيات. يقوم مجلس الإدراة القادم الذي سيعقد في شهر آذار 2008 بإقرارها نهائيا .ثم تُرفع الى مؤتمر العمل الدولي القادم في حزيران 2008 للمناقشة والإقرار النهائي وتُلزم جميع الدول الأعضاء في المنظمة .

ما كشفت عنه تقارير المنظمة التي طرحت على جدول اعمال هذا المجلس تؤكد مواصلة الإنتهاك للحقوق العمالية ، في العديد من الدول بما فيها دول متطورة . هذه القرارات والتقارير يجب ان تكون مُحفِزًاً للإتحادات النقابية في مختلف الدول ، وعلى رأسها الإتحاد الدولي للنقابات العمالية أن تضع الخطط الكفاحية الهادفة الى مقاومة الإنتهاكات القائمة اليوم في عالم العمل وبحقوق العمال . وأن تكون هذه الخُطط عولمية ،تشمل جميع النقابات العمالية في العالم. هدفها هو مواجهة الإنتهاكات التي تقوم بها الحكومات والشركات العولمية الداعمة لها ،والتي تعمل- الحكومات والشركات العولمية- بلا هوادة على ضرب حقوق العمال الحالية والمُستقبلية. لذلك نحن نحاجة لنضال عمالي "لائق"...تتجسد فيه الوحدة العمالية الحقيقية ، كي نواجه به هذا الهجوم الرأسمالي على حقوق العاملين في عالمنا اليوم.