أكبر إضراب عمالي لعمال البناء في دبي


جهاد عقل
2007 / 11 / 13 - 11:27     

• 35 الف عامل بناء يعملون في تشييد أعلى برج في العالم أعلنوا الإضراب.
• إنتفاضة العمال أتت على خلفية ظاهرة الإستغلال التي يتعرضون لها من قبل أرباب العمل .
• قائد شرطة دبي يؤكد على " سوء معاملة العمال اللاإنسانية ." من قبل الشركات والمقاولين.
• صمت عالمي وعربي على هذا الإستغلال الفظيع.
• أحد العمال يقول :" المشكلة في الأجور ،لأن اجورنا زهيدة..ربما مئة دولار.." في الشهر طبعاً .
• ما بين 4000 – 5000 عامل إنتفضوا إحتجاجاً وقاموا بالتظاهر وإغلاق الشارع المحاذي وإشتبكوا مع الشرطة .
• الحكومة تعترف بضائقة العمال وأصحاب العمال يعقدون إجتماع "لمواجهة مثيري الشغب ."
• "بناء الأبراج وخداعُ العمل – إستغلال عمال البناء المهاجرين في الإمارات العربية المتحدة."


عندما باشر عمال البناء في إمارة دبي العربية إضرابهم قبل أسابيع عدة(في الأسبوع الأخير من تشرين أول وإنتهي في الثامن من تشرين ثاني الحالي)، عن العمل ومن ثم إنتفاضتهم ،أثارت الأخبار التي تسربت عبر وسائل الإعلام العديد من التساؤلات ، ومنها أن هذه الإنتفاضة وهذا الإضراب هما إستمرار لتحركات عمالية سابقة قام بها العمال الوافدين أو "الآسيويين" كما يحلو لوسائل الإعلام المحلية تسميتهم ، وهم ما يعرف بعالمنا العمال – الأجانب- أو –المهاجرين- . حيث يواصل العمال المطالبة "بزيادة الرواتب" و"تحسين ظروف العمل ". لكن ما يواجهون به هو حملة تحريضية ماجنة يقوم بها أصحاب العمل وحلفاؤهم ممن سخّروا أقلامهم وضمائرهم لصالح قوى رأس المال وإبتعدوا عن قول كلمة حق في وجه سلطان ظالم مهما بلغ جبروته وفي حالتنا هذه هم أصحاب– رأس المال- المقاولين في إمارة دبي.
أطلقت وسائل الإعلام المحلية ومن ثم العالمية ،على هذا التحرك العمالي العفوي بأنه "أكبر إضراب عمالي في دبي".أو "أضخم الإضرابات العمالية بمنطقة الخليج" فقد شارك فيه حوالي 35 الف عامل يعملون لدى شركة "أرابتك" التي تقوم بتشييد أعلى برج – مبنى في العالم اليوم (إرتفاعه حتى الآن 512.10 متراً وما زال قيد البناء وصاحبة حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي أراد تسجيل رقم قياسي جديد لدى سجل جينس عل حد تأكيد الخبراء في هذا المجال.). ومن ثم شمل التحرك الإحتجاجي عمال آخرين لدى شركات أخرى ، وإنتفاضة عمالية حدثت خلالها مواجهات مع قوات الأمن والحراسة ،حيث تم إعتقال مئات العمال ممن وصفهم أصحاب العمل "العمال المُشاغبين".لأنهم قاموا بالتعبير عن إحتجاجهم من خلال القيام بالتظاهر ورفع الشعارات المعادية لإستمرار تعرضهم لهذا الإستغلال البشع في وجه أصحاب الشركات التي تقوم بتنفيذ هذا الإستغلال بحقهم . إحتج العمال الوافدين وهم من عدة دول منها الهند والباكستان وبنغلادش ومصر وغيرها في هذا الإضراب والمظاهرة على شروط عملهم من أجور وشروط سكن في "المخيمات" التي يُحشرون فيها ك"سمك السردين" وظروف الصحة والسلامة وغيرها من القضايا.
أجور منخفضة... شروط معيشية خانقة ...وديون باهظة
أحد العمال نزع قناع الخوف وصرح لإحدى وسائل الإعلام بعد أن تاكد أنها لن تنشر إسمه عن ماهية السبب الحقيقي لهذا الإضراب والتظاهر وقال:" المشكلة في الأجور ،لأن اجورنا زهيدة..ربما مئة دولار.." في الشهر طبعاً ." والمبلغ الذي صرّح به العامل بالنسبة للأجر هو أقل بكثير مما تؤكده الجهات الرسمية في دبي كما سيظهر لاحقاً.
يجري إستقدام هؤلاء العمال – ومعظمهم من أصحاب المهن- من دولهم عبر مسار إستغلالي فظيع ، حيث يحصل هؤلاء العمال على تصريح عمل من قبل شركات "السمسرة"- مكاتب التوظيف- مقابل دفع مبلغ يتراوح ما بين 2000 – الى 5000 دولار امريكي يقومون بإستلافه من الأقارب والأصدقاء او البنوك مقابل رهن بيت أو قطعة أرض وغيرها. من ثم يترك العامل بيته وعائلته في الوطن وهي تعيش في ضائقة وتتحمل عبء القرض المالي الكبير ، على امل ان يربح الدخل الكافي الذي يضمن لهم دخلا ،يحقق للعائلة إمكانية العيش الكريم ،وإمكانية تسديد القرض الكبير .
يصل عدد هؤلاء العمال في دبي وحدها الى حوالي 700 ألف عامل بينما يصل عددهم في دولة الإمارات العربية الى حوالي 3 مليون عامل ويُشكلون أكثر من 85% من مجموع عدد سكان الإمارات العربية التي يصل عدد سكانها الى 4 مليون مواطن.
لكن ما يتضح لهؤلاء العمال بعد وصولهم الى "جنة الخليج" ،أن الأجر الذي سيحصلون عليه يتراوح ما بين 140-200 دولار(500-750 درهم) فقط مقابل ساعات عمل طويلة ، تخصم منها مصاريف الأكل والسكن والعلاج الطبي وغيرها من الضروريات التي يحتاجها العامل الوافد مع ان التقارير تؤكد ان معدل الدخل للعامل المحلي في الإمارات يتراوح ما بين 2000 – 2500 دولار أمريكي . ووفق شهادة العمال أنفسهم قد يصل أجر العامل في الشهر الى 100 دولار فقط لا غير وليس وفق ما تؤكده المعطيات الرسمية.
"بناء الأبراج وخداعُ العمال"
وكانت مؤسسة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان قد أصدرت قبل عام بالضبط – في شهر تشرين ثاني 2006 ، تقريراً بهذا الخصوص تحت عنوان :"بناء الأبراج وخداعُ العمل – إستغلال عمال البناء المهاجرين في الإمارات العربية المتحدة." إستعرضت فيه مختلف جوانب الإستغلال الذي يتعرض له العمال المهاجرين في هذه الدولة وبالتحديد في دبي التي تعيش طفرة عمرانية براقة تُثير إعجاب العالم . و تشير المنظمة الى فظاعة ما يتعرض له هؤلاء العمال من إستغلال على طول المسيرة في ظل هذا البريق العمراني وتقول:" وخلف هذا البريق والتألق والنعيم، تطل صورة قاتمة غير جذابة ترسم معالمها المحن والتجارب التي يقاسيها هؤلاء العمال المهاجرون – من الاستغلال والتحكم في الأجور والمديونية لأصحاب مكاتب التوظيف من عديمي المصداقية، والعمل في ظروف محفوفة بالمخاطر يمكن أن تودي حتى بحياة العمال. ولئن كان قانون العمل الاتحادي لدولة الإمارات يشتمل على عدد من ضمانات الحماية، فإن هذه الضمانات لا توضع موضع التنفيذ فيما يتعلق بالعمال المهاجرين في الأغلب والأعم."
ثم تنتقد المنظمة :" تقاعس الحكومة الاتحادية عن التصدي لهذه الانتهاكات " وما يتعرض له عمال البناء المهاجرين من استغلال تلخصة المنظمة في :" الانخفاض الشديد للأجور، وحجبها عن العمال لمدة شهرين على الأقل، ولجوء أرباب العمل لمصادرة جوازات سفرهم "كضمان" لمنعهم من ترك العمل. وبعد أن تتراكم على العمال الديون الباهظة المستحقة لمكاتب التشغيل في أوطانهم، لتغطية نفقات التأشيرات والسفر، يجد العمال أنفسهم مضطرين اضطراراً للبقاء في وظائفهم، بالرغم من انخفاض الأجور، بل وتأخر صرفها مدة طويلة في بعض الأحيان."
يتعرض هؤلاء العمال للخطرالدائم خلال ممارستهم العمل وعن ذلك تقول المنظمة في تقريرها هذا:" فإن العمال يقومون بعمل محفوف بالمخاطر، وهو بناء المباني المرتفعة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابة والموت بينهم فيما يبدو، في غياب أي ضمان يُذكر بأن يتكفل صاحب العمل بنفقات الرعاية الصحية اللازمة لهم. ويعد نقص الإحصائيات الشاملة والموثوق بها، بما في ذلك تقاعس السلطات عن التحقق من التزام الشركات بالإبلاغ عن الوفيات والإصابات، كما يقتضي القانون." ويكفي ان نذكر هنا حادث إنهيار الجسر في دبي الذي تزامن مع فترة إضراب العمال وإحتجاجهم ، حيث أعلنت مصادر أمنية إماراتية أنه تم إخلاء جثث سبعة عمال آسيوين و25 آخرين من المصابين جراء إنهيار جسر يوم الخميس 8 تشرين ثاني 2007 قيد الإنشاء في منطقة "الميناء السياحي" أو "المارينا" بالقرب من مدينة دبي الإعلامية. ويأتي هذا الحادث شهادة حية على ما يطالب به العمال من شركات المقاولة بتوفير وسائل الصحة والسلامة في ورشات العمل بفرع البناء . وتأكيد ىخر على ما جاء في تقرير منظمة هيومن رايتس .
مصادرة جوازات السفر ... والأجورأيضا ..
بعد مباشرة العمال الإضراب والتظاهر قام أصحاب العمل بالتحرك و"عقد ممثلو 8 شركات مقاولات تعاني من ظاهرة الإضرابات العمالية لقاءا تشاوريا .." كما جاء في وسائل الإعلام المحلية ، هذا الإجتماع عقد برعاية "جمعية المقاولين" لبحث سُبل مواجهة الإضرابات المُتصاعدة." وشكل أصحاب العمل لجنة "مصغرة لصياغة تصورات محددة للحل لعرضها على الجهات المسؤولة . لكن المُلفت للنظر التصريح الصادر عن رئيس جمعية – اتحاد المقاولين في الإمارات الدكتور أحمد سيف بالحصا الذي أكد فيه "ان الشركات تلتزم بعقود العمل الموقعّة مع العمال والتي وضعتها وزارة العمل رغم أنها تتضمن نصوصا متشددة ضد الشركات لصالح العمال .."!!!؟؟؟
عن أية عقود يتحدث الدكتور بالحصا يا ترى ؟ هل يتحدث عن "مصادرة" جوازات سفر العمال ؟؟؟.أم عن تاخير دفع رواتبهم لمدة شهرين بشكل متواصل ؟؟أم عن ظروف السكن الغير إنساني ؟؟ ام عن منعهم من تشكيل نقابات لهم ؟؟ .
لكن للأمانة نقول ان سيادته إعترف بأن "تحسين ظروف العمل المعيشية أمر مهم ،وأننا نلتزم بهذا الأمر ، وفي حال حدوث خروقات لذلك يتم التنبيه على الشركات." نعم سايدته يريد فقط "التنبيه" لمن يقوم بهذه المخالفة الغير إنسانية فقط.!؟
مقابل هذه التصريحات التهديدية للسيد الدكتور أحمد سيف بالحصا ومحاولته التملص من مسؤولية الظُلم اللاحق بعمال البناء وغيرهم من العمال المهاجرين . والتقليل من فداحة الإنتهاكات التي يقوم بها هو وغيره من المقاولين يأتي تقرير المنظمة الإنسانية المذكور أعلاه ويؤكد ما يلي:" وقال جميع عمال البناء الذين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش من أجل إعداد هذا التقرير إن أصحاب العمل صادروا جوازات سفرهم لدى وصولهم إلى الإمارات، وهو ما وصفه العمال أيضاً بـ"عرف" درج عليه أصحاب العمل في دولة الإمارات تحسباً لفرار العمال المهاجرين وتركهم العمل. ورغم أن المحاكم الإماراتية قضت بأن مصادرة رب العمل لجواز سفر العامل إجراء غير قانوني، فما برح أصحاب العمل يمارسون هذه الإجراء بمطلق الحرية، ودون أدنى خوف من أن تسعى الحكومة لتنفيذ القانون." هل سمعت بذلك الإنتهاك الفظيع يا سيادة الدكتور ؟؟.أم أنك ستنكره.؟؟
تحية ولكن ..
تصريحات الفريق ضاحي خلفان تميم القائد العام لشرطة دبي بخصوص ما يقوم به أصحاب العمل والمقاولين من تصرفات إتجاه العمال المهاجرين والتي تنم عن :"سوء معاملة العمال اللاإنسانية " حملت في طياتها التهديد الى أولئك المخالفين وقال بأنه:"لن يتوانى في جرجرة كل من يخالف النظم والأوامر ...فيما يتعلق بصون حقوق العمال..".
هذا التصريح من قبل قائد شرطة دبي اتي مغايراً للمناخ العام الذي ساد الرأي العام في الإمارة ، حتى بين زملاء له هو المسؤول عنهم ، حيث صدرت تهديدات قاتلة بحق العمال المضربين والمتظاهرين الذين إتهموا ب"الشغب" و"التخريب " وبصعوبة تم الإفراج عن قسم منهم .وكان وكيل وزارة العمل قد اكد أنه "سيتم تسفير المتمردين من العمالة.." يقصد العمال الذين مارسوا حقهم المشروع بالإحتجاج.
"من حقهم الإضراب عن العمل ، فهذا كفله لهم القانون، لكن أن تصل المسألة للتخريب، فهذا أمر خطير ولا ينبغي السكوت عنه." هذا ما قاله عبد الله رشيد مدير صحيفة "الإتحاد" الإماراتية ...واضح أن أقواله هذه فيها تهديد واضح للعمال الذين إستعملوا حقهم الشرعي في الإحتجاج ضد الظُلم الذييواجهونه يومياً من قبل أصحاب العمل في دبي.
كنّا نتوخى من السيد عبد الله رشيد أن يطرح هموم العمال وما يتعرضون له من قمع غير مبرر ، بل ومناف للمواثيق والإتفاقيات الدولية. من على صفحات صحيفته. وبذلك ربما يساهم بوقف ممارسات أرباب العمل ذات الطابع الإستغلالي البشع للعمال المهاجرين . كي تتوقف مسيرة العبودية والظلم هذه التي يتعرضون لها ، حيث يتحولون الى رهائن في أيدي مجموعة رأسمالية هدفها جني الأرباح العالية والثروات ، حتى لو كانت على حساب صحة وحياة البشر من العمال .وحتى لو كانت على حساب سُمعة وهيبة المجتمع العربي في إمارة دبي .
لقد عاد العمال الى أعمالهم بعد التوصل الى إتفاق لم تعلن بنوده حتى الآن. حيث أعلن الرئيس التنفيذي لشركة "أرابتك" رياض كمال عن التوصل الى هذا الإتفاق مساء يوم السبت 10-11-2007 . مؤكداً أن الإضراب إنتهى "بعد إجتماعات عدة مع المسؤولين في وزارة العمل وجمعية المقاولين والقيادة العامة لشرطة دبي واللجنة الدائمة لشؤون العمال في الإمارة." هلى حد تعبير وكالة النباء الإماراتية الرسمية .
كع التوصل لهذا الإتفاق ،توقفت بذلك موجة الإحتجاج الكبير – الأكبر في تاريخ الطبقة العاملة في الإمارات العربية بعد ، لكن هل حقاً سيجري إستخلاص العبر ؟؟؟ هل حقاً ستقوم وزارة العمل والحكومة في دبي برفع أجور عمال البناء في أبراج دبي ، وتوفير أماكن سكن تليق بالإنسان والإنسانية ؟؟.
هل حقاً ستقوم الشرطة وغيرها من أجهزة الدولة بمعاقبة المخالفين للقانون ولحقوق الإنسان من المقاولين وأصحاب العمل ؟؟.
قرارات مجلس الوزراء وحل الخلاف تحمل في طياتها حُلم ما ، لكن هذه القرارات وأمثالها تم إتخاذه بعيد وقوع هبات عمالية سابقة جرت قبل عامين وأكثرفي دبي ودولة الإمارات العربية.
لكن هذه الهبة العمالية اتت لتكشف للمجتمع العربي خاصة والعالمي عامة .مؤكدة أن جشع رأس المال وبشاعة بطشة في العمال وحقوقهم لا حدود لها .خاصة وأن دولة الإمارات وفي محورها إمارة دبي. تنعمان في "نعيم" الإقتصاد الحر والأسواق الحُرة ..وفق ما تُمليه منظمة التجارة العالمية ومعها البنك وصندوق النقد الدوليين ...فهل حرية الإقتصاد هذه ، وحرية الأسواق تعنيان في نظركم ،"حرية " إستغلال العمال .؟..بل فرض العبودية القسرية عليهم ؟؟. في ظل هذا التساؤل المَشروع، نعود ونصرخ عالياً بإسم هؤلاء العمال المظلومين في دبي وغيرها ، ان كفى لهذا الإستغلال ..كفي لهذه العبودية.