أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - المنصور جعفر - الماركسية الجديدة وصناعة تجميد الإشتراكية في القالب الفطير لأعمال ما قبل ماركس وإنجلز ولينين وستالين والسائرون على خطهم نقداً وتعديلاً وإضافة















المزيد.....



الماركسية الجديدة وصناعة تجميد الإشتراكية في القالب الفطير لأعمال ما قبل ماركس وإنجلز ولينين وستالين والسائرون على خطهم نقداً وتعديلاً وإضافة


المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)


الحوار المتمدن-العدد: 1805 - 2007 / 1 / 24 - 12:25
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


المنصور جعفر

الثــورة العلميـة وعلم الـثـورة: مفاهيم الأزمات وأزمات المفاهيم:

تَُخيل "الثـورة العلميــة-التكنولوجية" في الإعلام السائد كعدو للثورة الإجتماعية وكنهاية للصراع الإجتماعي الطبقي وأيضاً كنهاية للتاريخ ولعلومه، وكوصفة جاهزة ضد تطور الإشتراكية من خيال الى علم!! كما يفتعل نوع علومي من العداء ضد الإشتراكية العلمية، رغم ان ما يسمى ثورة علمية هو عبارة عن حلقة من حلقات تطور ومرحلة من مراحل سيرورة إنتظام المعارف وانتاج العلم الممتدة في التاريخ.


فبدءاً من إكتشاف النار وأدوات الصيد والزراعة والكتابة ووصولاً لتطور أدوات الصناعة والتجارة وتفاعلاتهما في الحواسيب وما إليها، كانت سيرورة تطور العلم كلها عبارة عن ثورات تحقق وتلبي إحتياجات إجتماعية للإنسان من حال الإكتشافات الفردية العفوية والحرفية إلى حال "صناعة المعرفـة وتسليعها" التي نشأت بتأثير حاجات الصناعة والتجارة وسيطرتهما وهيمنتهما على الحياة.


فإحتياجات الزراعة والإصطناع وتبادل منافعهم ومعاملاتهم مثلت القوة المركزية الدافعة في التاريخ لحركة الكشوف العلمية ولما يسمى حالاً بـ"الـثورة العلـميـة". رغم الإختلافات وإستمرار الصراع بالعالم حول "معنى" أو"حقيقة" أو"صحة" "مفهوم" أو مضمون كلمة ‌العلم وكافة الكلمات الكنهية التي وضعناها بين المزدوجات.


كما ان الإستخدام السياسـي المبتذل لمفهوم الثورة العلمية لإعاقة علم الثورة الاجتماعية لايتفق والمفاهيم الأولية للعلم سواء تلك المتعلقة بوجوده الخام أو بمعرفته، أو بتقييماته الأخلاقإجتماعية، أو بمفاعيله. ولتحديد مدى التوافق والتعارض الموضوعي في الطبيعة بين وجود الإنسان ووجود معرفته ووعيه وإتساقهما مع صيرورة تقدمه وحتميتها سنفحص بعض الكلمات المرتبطة بهذا الوضع:



فـكلمة "العلـم"، رغم إختلاف المفاهيم عنها وتطورها، تعبر عن حال نشاط عقلي منظم يتكون فقط بمعرفة الأشياء بواسطة الحواس والذهن بحساب مكوناتها وأبعادها وأسبابها وآثارها وإمكانات تقديرها والتحكم بها وتغييرها تلبية لحاجات الإنسان ونفعه، بصورة تميز المناهج النظرية للمعرفة والاستخلاص وفق أسلوب دراستها وفهمها هذه الأشياء.


وبنية العلم الأساس هي وحدة لكل من الدراسـات التجريبيـة كالعلوم الطبيعية والإجتماعية، والدراسـات التجريديــة التي تشمل الرياضيات والفلســفة وكذلك الإعتقادات، بالرغم من تصوير الإعلام السائد، للعلم كموضوع مضاد لهندسة الإجتماع وفلسفة التاريخ وقوانينه العامة.


ونهـج الـعلـم الذي يماثل عقـل الـعلـم يتكون بالتدليل المجرد على أية فكرة سواء بالبرهان المنطقي الذي توصل له أرسطو وأنجزه أقليدس هندسياً أو بالكشوف التجريبية التي بدأها الفلاسفة والعلماء العظام في الحضارات الأقدم و(الإسلام) وبوبها بيكونRoger Beckon، بمنطق.



والمنطق كعظم للمنهج هو عملية عقلية جامعة بشكل معين لعدد من العمليات العقلية الأولية لمعرفة الموضوع وإبرازه للعقل: كعملية تحديد الموضوع، وعملية إستقراء أبعاده وحركته، وعملية إستنتاج طبيعة عناصره أو علاقاته او حركته، وعملية إستخراج قوانين الموضوع بمافيها من تعميم للمتكرر وتخصيص للإستثناء، إضافة لعملية تدوين هذه العمليات بلغة تثبت الفكرة المعينة عن موضوع البحث بصورة ترتبط بقواعد اللغة في الخبر والإنشاء في الزمان، والقيام بشرح وتفسير ماهو ماضي والتقديم المعلل لماهو مضارع.. وإلى ذلك تقعيد أسئلة الموضوع وإجاباته بشـكل بارع يبقيها قاعدة راسخة للتعامل معها والإنطلاق منها ويبقي موضوعها مجالاً مفتوحاً للدرس.


وحال الأمر كله بأسسه ونهجيته ونطقه كحال أسس الإشتراكية العلمية في المادية الجدلية والتاريخية اللتين تستشفان لنفسهما البنى والقوانين العامة للطبيعة والمجتمع وتاريخه، وآليات تطور هذه البنى والمظاهر العامة جداً لهذا التطور، بفلسفتها الثورية لتغيير وضع الإنسان فيه من مهمش ومستغل إلى وضع أفضل يع الإنسان فيه حريته وأسبابها.


وطبيعــة العلــم كحال حسية إحصائية مادية جدلية تاريخية ونسبية تتجسد ببنى ومجالات عديدة العناصر والعلاقات والأشكال، متماشجة ومتناسقة شكلاً، وفكرة، ولغة، ونظرية، وهندسة، وعلاقات رياضية، وتركيبا ماديا، ونتاجاً. لذا، فالبناء المادي للفكرة وتجسيدها التاريخي وتطبيقها في ظروف متشابهة أو مختلفة يساعد على التعامل العلمي مع الموضوع المدروس برصد عناصره وخصائصه وسيرورته.


ويقوم نسق البناء المادي القائم الآن لإستغلال الإنسان وتهميشه بوضع العلم فعلياً في مواجهة العقل، بربط تدرجي للعلوم بالتسيير الإمتلاكي للحياة المرادف للزيف والموت، وكمنتج أساسي لواقع الإستغلال والتهميش الذي يضع فيه نمو الإحتكارات العلم كضد للتحرر الثوري الإجتماعي لأسس عمل ومعيشة ووجدان وعقل الإنسان.


والعملية العلمية كوحدة للتعامل مع موضوعات البحث هي عبارة عن منتظمات متناسقة لـ: وصف وتصنيف الظواهر وتوضيح خواصها وصلاتها، وجمع النتائج وتقنينها، ووضع فروض منطقية وتقديرات، وتطبيقها، وكذلك تطويـر وتـنميـة موضوع البحث بل وتنمية العـمليـة العـلميــة ذاتها وكذلك علمها نـفسه وفلسفته ومنطقه.

ولأن العملية العلمية في مجملها وفي تفاصيلها تتأثر بالبيئة الإجتماعية التي توجد بها، لذا تقل واقعاً درجة الحياد في العلوم الإجتماعيـة وفي الأنساق والتطبيقات الإجتماعية للعلوم الطبيعية، وتتفاوت فيها وبها التقديرات لإمكانات الثورات الإجتماعية السياسية وعلاقاتها بالتغير وبالتغيير الإقتصادي والثقافي للطبيعة في شكلها الإجتماعي.


ويتماشج تطـور العـلـم وتقدمه مع الظروف الإجتماعية-الإقتصادية لنشوئه بتـلافـيـف عملية الإنتاج حيث يصبح الإنتاج وتقدم أفكاره والإكتشافات المتعلقة به وبنشاطه ومواضيعه وأدواته وعلاقاته هو النواة والعصب المركزي/ الثمبـثـاوي، لوجود العلم وتقدمه. فقد نشأت علوم الطبيعة وتكونت بتراكم المعارف بالزراعة وسقوط أمطارها ورفع المياه ونقلها بأنواع الري، وكذلك بمتطلبات البناء والملاحة والنسيج والتعدين، وبولادة الصناعة والتجارة للحواسيـب.


وكذلك كان لوجود العلم وتطوره علاقة ماديـة وعقليـة بوجود وتقسيم وفصل العمل الذهني عن العمل العضلي ونتائجــه، وقد نشأت هذه العلاقة بسياق تطور المجتمعات وتقسيم العمل فيها بربط الأعمال العقلية من درس للواقع وتحديد للأهداف والوسائل، بالطبقة المسيطرة إجتماعياً ومشاريعها للسيطرة على الحياة ومألآتها. وبهذا الإرتباط الذي نشأ منذ القدم بين سيطرة طبقة معينة على حياة المجتمع وبين تحدد علم المجتمع بواقعه وحاجاته وأهدافه ووسائل تلبيته لها وكيفيته، تأثر تكون العمليات والمؤسسات العلمية.


وقد نشأت في دراسة ومعرفة الظواهر الطبيعية والإجتماعية إتجاهات تصف عناصر الظواهر في جمودها وسكونها، وبعضها مغرق في التحليل المادي بما يصل إلى حال تصوير الحياة كلها ظاهرة مادية فيزياوية مجردة أو بيولوجية محضة! وكذلك برزت إتجاهات تعتبر الأشياء ظواهر فكرية ولغوية تسمي بها الأشياء وفق نوازع دفينة كامنة في وضع الذهن وذات الإنسان لا أثر فيها لموضوعية وجود هذه الأشياء في الطبيعة أو للوجود الموضوعي للعقل الإنساني في الطبيعة في تسميتها وصياغتها.


وتقوم بعض هذه الإتجاهات في تحيزها الطبقي بتحوير جوانب من عملية العلم أو بعض نتائجه، وفقاً لمصالحها، وتقوم باستخدامها كمواد مضادة للتحرر الثوري للبشريــة الكادحة.


وتوفر هذه الإتجاهـات العلمية قوة متعددة الأشكال مادية ومعنوية منضبطة ومتحركة بشكل يضاد تحرر العقل البشري من الإعتقاد بنظام التملك الخاص لوسائل الإنتاج والخدمات الإجتماعية العامة وإستئثار الملاك بمعظم عائدات إنتاج وعمل الكادحين على هذه الوسائل، وهو أصلاً شكل من التفكير في الوجود الطبيعي والإجتماعي يتصور هذا الوجود حالأ جمد معزول عن نمو وتطور وتغير أحوال الإجتـماع والإقتصاد والسياسة الشيء الذي تعززه عبر التاريخ بعض التصورات الدينية والعلموية الخاطئة.


فإستخدام الإحتكارات العدو ية لشيوعية الإنتاج وخيراته في المجتمع، بعض الفقرات العلمية في تناولات مختلفة، بأسلوب بتر جزء من الكل لتوجيهه إلى غير وجهته، كما بمأثور نزع القول من سياقه في الآية القرآنية (ولاتقربوا الصلاة)، مستغلة إعتقاد بعض الناس بأن التملك الخاص للوسائل العامة وخيراتها هو قدر إلهي مؤبد ودائم خلقه الله تعالى (الذي لايظلم نفس شيئاً) لطبقة إجتماعية معينة بتملكاتها، وترببها على الناس وطغيانها لإجبارهم على العمل عندها، ولصالح النظام الإمبريالي الذي ولدها، وبمقابل يقل عن قيمة عملهم في السوق!


وباللجاجة بالعلم والعلمية تدعم هيمنة الإعلام الرأسمالي قبول البسطاء لتهميش وجودهم ومجهوداتهم عند توزيع ثروة وسلطة مجتمع هذا الإنتاج والإكتفاء منه بالفتات الذي يلقى لهم.


وعادة ما تتشكل الأفـكار العـلميـة من إكتشافات مادية محددة وكمية من التصورات، لذا فهي تتكون وتنشأ متنازعة بأساليب التفكير والوضع الجدلي للحياة الإجتماعية والطبيعة المعكوس في العقل بآليات الحواس والتاريخ والثقافة والآيديولوجيا، مما يسم العلم بطابعين عمومي ونسبي، يسمان بدورهما عددياً ونوعياً، مجمل البنى العلمية بطابع أو إتجاه معين كالإتجاه الـحيوي أوالإتجاه الميكانيكي السكوني، أو الجدلي التاريخي، أو الإتجاه اللـغـوي الذي يرى الواقع مجرد ظاهرة لغـوية تسمي فيه العقول الأشياء حسب ماتهوى.

وكماسبقت الإشارة، فعادةً ما تستخدم الرأسمالية حججاً نسبية وسكونية لـنفي العلمية التاريخية والإجتماعية لسيرورة وشموليـة وحركية الثورة الإجتماعية، ولعزل وجودها عن الطبيعة والتاريخ والوعي. وأكثر مايكون ظهور هذا النفي السكوني وتصوره للحياة وكل ما يتعلق بالثورة الإجتماعية ومقوماتها وصيرورتها وأثارها وتنميتها فبالدعاية العلمية للرأسمالية ضد "الإشتراكيــة العلميــة".


وبهذا النوع من الدعاية السياسيـة ضد الشيوعيـة وتحرر المجتمعات الذي تتبناه قوى التجديد العلماني والديني تشيد المؤسسات والتوكيلات التجارية للعلم والإعلام بجميع أنواع الثورات في الحياة بل وتؤكد مستوى التغيير الجذري الذي أحدثته في مجالاتها بحرفي الألف واللام كما بصياغتها ونشرها مفاهيم ومصطلحات: الثورة الصناعيـة، والثورة الزراعية والثورة التكنولوجية، والثورة التعليمية، والثورة الجنسية وثورات العلاج والإتصالات والفضاء والأزياء والسياحة والألعاب الألكترونية والتصوير وحتى ثورة النانوكمبيوتر، بينـما ترفض هذه الإتجاهات (العلمية) في ذات الوقت التغييـر العقلاني الجذري لأسس العمل في المجتمع وتحريره من التملك الخاص وآثاره الوخيـمة.


فعملياً توافق إتجاهات العلوم العدو يـة للتغيير الجذري للمجتمع على إمتلاك بعض الناس لموارد ووسائل الإنتاج الإجتماعية وإستئثارها بمعظم عوائد عمل المجتمع وتحكم شركاته الخمسمائة الأكبر بنظام إنتاج محدد لأنواع وكميات وأسعار السلع ومقتر للأجور ومحدد بالتالي لحجم الضرائب التي توفرها للحكومات ولحيـاة البشر وظروف معيشتهم مما يجبر الناس واقعياً على خدمة رأس المال على حساب تنمية ذواتـهم وأسـرهم وآمـالهم.


وإتجاه التفكير السكوني في الدعاية ضد الشيوعيـة وضد مؤسساتها في عقل التحرر الإجتماعي، يبتذل ثورات العلم نفسها بتأبيده العمل المضني والحرمان في حياة البشر ويتجاهل أن هذه الثورات إرتبطت بتاريخ وعلم البشرية السابق لها وبالعلماء المهجرين (إختيارياً) وبظروف البلاد والمجتمعات التي ربت طاقاتهم وحرمت منها بفعل نظام العمل المحلي والدولي، وهذا الإبتذال والتجاهل يرتبط بالتناقض الجذري لهذا الإتجاه السكوني في الحياة مع دعايته المتبجحة عن تحكمه بكل هذه الثورات، إذ يدين ممارسة الثـورة الإنسانيــة!!


وعلامتي التنبيه والتعجب من الأمر فلأنه نقيض منطقه وتاريخه، فمادام هذا الإتجاه السكوني يقبل ويدبر حدوث الثورة في كافة البنيات الجزئية من المجتمع فمن الأولى عليه قبول الثورة الكلية للإنسان بهذا المجتمع.


وتنمية لهذا التأول نناقش بعض أولياته في الوجود الإجتماعي للعلم وتأثيره وتأثره بعلاقات الإنتاج الإجتماعي وقواه وبمجمل الصراع الطبقي وتشكلاته في الإنتاج والمعرفة والوعي بالأشياء، كما نناقش توازن أو خلل توزيع الجهود والمنافع الجماعية والفردية في العمل والمعيشة، والنظام السياسي الذي يصوغ هذا التوازن والإختلال في المجتمع، وموقف وآيديولوجيا كل طبقة تجاهه وطبيعتها ومضموناتها المحافظة الخرافية أو الثورية العلمية تجاه هذا التوازن أو الخلل وممارستها له ووقوعها فيه.
………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………
في الماركسيــة الجديدة:

هي بنية كتابة وحركة ماركسية-(لينينية) لطيفة ودقيقة منعقدة وقائمة بكينونة "الوعي|المركز ومجالاتهما" في بنية إتسقت بهذي الكينونة في وطابعها النظري القارئي والشارح أكثر مما هو قائم بالأعمال. وفي تحليل (مجتمعي) سوسيولوجي و(علم معرفي) إبستمولوجي لموقع هذه البنية في المجتمعات التي نشات فيها نسقياتها وبنيتها النظرية يمكن الإشارة إلى أن الأعمال التي تعطى صفة "الماركسية الجديدة" نشأت بتناقض المدرستين الفلسفيتين العقلانية والإنطباعية التجريبية وتحول وعي ماركس من الهيجيلية إلى الهيجيلية الثورية إلى الشيوعية، أي من البنية الذاتية والتأملية المغلقة لكمون الفكرة والروح في العالم، إلى المعرفة الثورية لتغيير العالم. حيث حركة الوعي ونموه هي المركز المحرك للوعي والمولد للوعي الثوري الجديد. كجملة لتطور ووجود نظرية الثورة الإجتماعية، وكنوع أدق من الفلسفة المادية التاريخية، بل وفلسفة عليا للماركسية Meta-Marxism، وببعض الأحيان أوليـة Prior، (تعطيها) السمات الإجتماعية الدقيقة، والطابع الفردي للوجود العام، تحولها أو تتحول بها إلى محولات كهرنظرية أو إلى بلازما للمعارف والعلوم والفلسفات أو ميكروشيبسات في كمبيوتر الماركسية.

وقد تواشج وجود الماركسية الجديدة بالصراعات الأساسية والتأسيسية لمفاهيم وعمليات العلم والمعرفة في ذاتها وموضوعها، وصراعات الوجود الأول لفكر ماركس وأنجلز نفسهما، ثم صراعات مفاهيم وأنشطة المعارف وتطبيقاتها وتعارضاتها في تقييم القيمة في المجتمع وظلالها في عمليات الثورة والدولة والعلاقات الدولية، مما تميز بخلافات لينين وتروتسكي وستالين وتروتسكي، بإعتبارهم وليدو بيئات عرقية وطبقية وفكرية مختلفة، مما ألطف عرضه وبيانه بكتاب كارل مناحيم عام 1929 المسمى "علم إجتماع المعرفة" Sociology of Knowledge ثم بإنعقاد "مؤتمر العلم" في لندن عام1931 وما تلاه من تقدير لعملية إتساع وتحدد معايير وموضوعات وبنى المعرفة والعلم وتطبيقاتهم وفق تطورات المنطق وعلوم النفس والمخ والإجتماع والمعرفة والثقافة.

فمن تناقض المدرستين الفلسفيتين العقلانية والإنطباعية التجريبية في الفلسفة والعلوم والمعارف والأنشطة الحياتية أحدث الوعي الثوري تطورات كمية ونوعية في العلم ترتبط جذورها وفروعها بـالآتي:


1- جهود "مدرسة وارسو" في المنطق ورائدها لوكاتشفيتزLukasiewicz الذي جعل من النصف (0.5) حقيقة ثالثة مع حقيقتي "الصحة" و"الخطأ".

2- كشف كواين Quine للـجانب الميتافيزيقي من المنطق بإثباته وجود ميتافيزيقيا بكل تنظير العلمي وعناصر فكرية أولية شارحة (بداهات).

3- أعمال ستراسون Strason في "فلسفة العناصر"

4- "النظرية النقدية" في علم الإجتماع بمدرسة فرانكفورت

5- اعمال دي سوسر وألتوسير في "البنيويـة"

6- العوامل الطبيعية في التحليل النفسي. مدرسة فيينا."الماركسية التحليلية"

7- أعمال جولدمان في التحليل الإجتماعي البنيوي للنصوص الأدبية

8- أعمال برتراند رسل في "إستقلالية المنطق"

9- تطور كتلة من علوم المخ وعلم النفس والسلوك واللغة وعلاقاتها بالكبت والحرية واللغة مما تناولته أعمال بافلوف وفرويد ونقاده وشومسكي.

10- تطور فلسفة الإدارة الشعبية بنظريات ماو في الصين وجيلاس اليوغسلافي وعلم السودان جعفر محمد علي بخيت في "الحكم الشعبي" و"اللامركزيـة"ونفي الدولـة

11- تطور الإعلام والإتصال بنظريات باكارد، وماكلوهان، وهيبرماس

12- تطور فلسفة التعليم بنظريات إسرائيل شافيير في التعليم الخلاق. والتعليم الشعبي، ونفي المدرسة

13- إرتقاء نظريات الثقافة بنشوء "الحسـاسيـة الجـديـدة" و"الوعـي الجـديـد" و"المابعدية" بطاقات جورج لوكاتش في"الوعي الطبقي"، وباشلار في "القطع"، واوسكار لانغ في "الكتل والأجزاء" وسوسر والتوسير في "البنيوية"، وسارتر في "الوجودية"، وماكدونالد في الثقافة الجماهيرية، وماركوز في "التحرر"، وفوكو ودريدا "حفر النصوص" و"التفكيك"، وكذلك سميرأمين وشومسكي وإدوار سعيد في نقض امبرياليـة العقل ومركزيته الأنجلوساكسونية.

14- تطور علوم السياسة والإجتماع بظهور الأمم المتحدة، وتنظير ماو لصراع الريف والمدينة، وظهور عدم الإنحياز الإيجابي، و"اليسار الجديد"، وتأسيس "الجباه والحركات الشعبية" في جهة سياسية. وفي جهة أخرى: تواشجت تطورات علم الإجتماع السياسي بموضوعات "المجتمع المدني"، ودعاوى الكينونة الذاتية للفرد كواحد متميز ثم سربل مفهوم الكينونة بموضوعات الثورة الجنسية والحضور الجنسي كمكون أساسي للفرد والمجتمع، وقد طور هذا الحضور الجنسي أكاديميا ًإلى قضايا نظرية وعملية للتحليل الجنساني، تعالج كبـت وقمع وحجاب هذا الوجود الجنسي، وإجتماعياته.

15- نظريات دي سـوسـر، وشومسكي في اللغة، + ظهور لاهوت التحرير.

16- الذوقيات الجديدة في الشعر والفن والأدب الجديد كالسوريالية والتعبيرية ومسرح اللامعقول والواقعية السحرية وفن القمامة.

17- بروز اعمال سويزي وباران وأندريه جندر فرانك وسمير أمين في علم الإقتصاد السياسي وتوسع مفاهيم المركز والهامش، والحركة الشعبية، والقطع وفك الإرتباط مع الإستعمار. في جهة و في جهة اخرى ظهور مفاهيم الماكرو إقتصاد التي تهتم كينزياً بالدخول العامة والنمو والتوازن الذاتي، ومفاهيم الميكروإقتصاد المهتمة بعلاقات متخذي القرار الإقتصادي كالمستهلك والمنتج والأسعار.

18- بروز أعمال دي سوسر وفوكو ودريدا في مجالات السفسطة الحديثة وقطع التواتر وكسر النمطية والتصورات الخطية المفردة، وكشف الوجود الكلي للعقل كلغة والكتابة كخيال وتصور مغلق ومفتوح في آن واحد معاً

19- نظرية "الإستقلال الثقافي" بجهود شارلس موراي Charles Murray

20- النشر الكثيف لفلسفتي النسبية والفوضى في علم الإجتماع السياسي

21- التنظير الجديد لليبرالية (السوق، والمجتمع المدني، وحقوق الإنسان)

22- نشـاط حركة النسوية/الأنثوية بتياراتها

23- ظهور موضوع "البيئـة" كـ"فلسفة للطبيعة" وكمحور للتنمية المستدامة

24- توسع علوم العلاقات العامة والتسويق وإدارة الأزمات

25- "التوجه الإشتراكي" لـ"نظرية العدالة" بجهود الأستاذ جون راولز John Rawls

26- نمو علوم الفلك، الفيزياء، الكيمياء، الأحياء (فوضى، بلازما، جينات)


فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية التي كانت معركة بين الوجهات القومية والوجهات الإمبريالية لرأس المال، برزت هذه التطورات في الإعلام والمؤسسات البرجوازية للبحث العلميورافقت إشتداد الصراع في العالم بين قوى التـحرر في جهة وقوى الإحتـكارات في جهة ضد حول ما يرتبط بنفي أو تعزيز وجود الماركسيـة-اللينينيـة كبنية نظرية فاعلة في تطور العلم بـفضل:

1- فهم الأسس والعوامل المادية للطبيعة، والنظر التاريخي للمجتمعات

2- المنطق الجدلي الصاعد لعناصر الطبيعة والوجود الإجتماعي

3- أسلوب طرحها الشمولي (التفكيكي والتركيبي) للأجزاء والكتل والعلاقات

4- المدارس والإتجاهات الراسخة لها بكل مجال علمي أساسي

5- تشديدها على الطبيعة الموضوعية التاريخية والإجتماعية للعلم والمعرفة

6- إثرائها الإجتماعي للظواهر النظرية والمادية من حيث نقدها أو النفع بها

7- وجودها السياسي الذي يعمم تنظيم وتخطيط إنتاج العلوم والمعارف وتطبيقها

فبهذه العناصر السبعة يمكن التوكيد على أن الماركسية-اللينينية مثلت بشكل عام حضوراً موجباً ومباشراً أكثر من أي بنية سياسية أو علمية أخرى في بنية التطورات النظرية والعلمية والثقافية في العالم.

بيد ان العامل الأساس في فهم دور هذه التطورات في إحداث تغيير متناسق مطور أو مشوه مدمر للطبيعة الإجتماعية يكمن في فهم وضعها الطبقي. فـالشيوعيـة كعلم تـحرير للبروليتـاريا، تهتم بالطبيعة الإجتماعية للأشياء ووضعها في سياق العملية التاريخية لتحرر المجتمع البشري من نظم التمييز والإستغلال واستلاب الوعي.


لذ فان العرض الستعشريني السابق للمفردات الأبرز بعملية تطور أجزاء وكتل من المعارف والعلوم القديمة، يؤشر إلى ان جدل وتتال عمليات النقد والتجاوز والقطع والبناء المعرفية والعلمية ولد في زمن الإتصالات السريعة تنظيرات جديدة في كل مجال بما يرتبط أفقياً ورأسياً بعملية جدلية لتقعيد الإشتراكية علمياً أو تشريك التقعيدات العلمية، او لمحو الإشتراكية العلمية من الأذهان.


وتختلف الحالة الجدلية لإعتبار الإشتراكية العلمية في تطور العلوم حسب الظروف الموضوعية والذاتية لكل مجال ومفرداته وعلاقاته، لكنها تفوق بالطبع وضع "أ" من الأنشطة النظرية ضد "ب" من الأنشطة النظرية. كأن توضع الفيزياء ضداً للتاريخ، أو الجغرافيا ضداً لعلم لإجتماع، فلكل منها مجال، وطبيعة، تستبطنه ويستبطنها، ولكل بنيته وحركيته وعلاقاته وسيروراته في المجرى العام لتطور المجتمع ولتفتح العقل البشري على قوانين الطبيعة والمجتمع وعناصره..


وعلى ضوء ما تناوله كريس هيرمان Criss Herman في كتابه المسمى "نظريـات وتقديـرات" Theories and Narratives و و مافيه من وزن لفظي مواشج للعنوان معاكس لعنوان كتاب عدو الشيوعية الأشهر كارل بوبر: "نظريات ودحوض" يمكن التأشير إلى إن التنظيرات والأعمال المسماة بإسم "الماركسيـة الجديـدة" تقوم في تنقيتها أو تخليصها أو تثويرها أو تحريرها أو تنميتها لأعمال ماركس أو (تجاوزها) للماركسية-اللينينية بعملية : تأسيس متنوع لبلورات وطنية )خالصة( لكائن فكري جديد متعدد الأشكال يسميه البعض باسم "الماركسية"مثلما في أوربا، أو "الحرية" كما في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أو"الإسـلام" كما هو إسم للتحرر" في عالم القرءآن من التعددات الزور في القيم ومن الربوبيات الزائفة في المجتمع المرتبطة بهذا التعديد ووربوه. وقد برزت في عالم الإسلام، قيامات سوسيولوجية لأجزاء من ما يسمى "الماركسية الجديدة" ببعض أعمال فيلسوف الباكستان محمد إقبال، والجزائري مالك بن نبي، والإيراني علي شريعتي، والمعلم الكيني علي مزروعي، والمصري سيد عويس، والمغربي طه عبدالرحمن، وغيرهم ممن كشفوا التناقض بين عالمهم(الحق) وعالم الإمبريالية.
فقد نظرت الوشائج الماركسية الجديدة في جوانب من أعمالهم لتحرير الوعي من حال وأسار البنية الهيجيلية- التي تنظر للوجود كحال مغلقة ثلاثية المراحل تتكون إرتقاءاً من عناصر ثلاث هي:
1-الوعي، 2- الإستلاب والإغتراب، 3- الدرس والتامل وتجلي الوعي.


لذا فإن تلك الماركسية الجديدة تعمد بشكل لينيني دقيق لإعتبار الوجود السائد في الأذهان عن العالم المعاصر وتفاصيله بما فيه من نظرات الصراع الطبقي، جزءاً من بنية الوعي المغترب الذي ولده التملك الخاص لوسائل الإنتاج والخدمات العمومية، لذا ترى الماركسية الجديدة ان الفكاك من الإستعمار يرتبط بتأسيس مستقل ذاتياً لمجمل تنظيرات وممارسات التحرر، وليس بتقليد مرجعية تحرر. ولعل لهذا التصور (الخاص) صلة بفكرة فرادة المعرفة، والرغبة في إنتاج وطني خالص للأفكار والتنظيرات الإجتماعية. وهي فكرة تنفي وحدة الوجود البشري وخبرته المشتركة العامة. ففكرة مايسمى باسم "الفكر الذاتي الخالص" تتعامل مع الفكر والوعي بإعتبارهما ذوي أقانيم ثابتة متصلة بمجالات جغرافية وعرقية وثقافية معينة.


ووفقاً لهذا التقعيد العنصري للفكر يضحى التغيـر الإجتماعي خروجاً عن المفاهيم والأعراف والتقاليد الوطنية، وتعد الدعوة لتغييرات إجتماعية تخريجات تخالف ما أجمعت عليه الأمة وعقيدتها، لا عمليـة إنسانية عقليـة ترمي لتغيير معين لمصلحة طبقة معينة في المجتمع. كما إن إهمال تغيير العلاقات الصناعية باعتبار ان المجتمع مازال متخلفاً!، يشكل نبذاً لأهمية الصناعة في تطوير المجتمع، ويسفه المركزية الموضوعية للإنتاج الصناعي المخطط وعلاقات الإنتاج في تقدم المجتمعات من حال النقص والعشواء في تلبية الحاجات إلى حال من الإكتفاء والتوزيع المنظم للموارد.

ولكن إن إستبعدنا هذا التفكير السالب من عملية تحليل أبعاد تكون "الماركسية الجديدة" وحصرناها في المجال الثقافي-السياسي الممتد من لوكاتش والوعي الجديد وحتى نظرات وتجارب الطريق الثالث، وصولاً إلى عدو اة العولمة والمنتديـات الإجتماعيــة الراهنة، أي حصرناها فى مستوى الإنتاج الرأسمالي السائد للفلسفة والنظريات والأنشطة الثقافية والسياسية والمدنية المرتبطة بها، نجدها تعمل على تأسيس ماسمي عندها بـالوعي الجديد بعمليتين مترابطتين هما:

1- نفي مركز البنية المتعامل معها كمؤسسة وسيطرة ونفي أهمية ذاك المركز في الوجود.سواء أكانت هذه البنية مجتمعاً أوطبقة أو حزباً، نظام سياسي أو دولة

2- نفي أهمية المركز الداخلي لهذه المؤسسة |السيطرة وعلاقات توليده. أيما كان هذا المركز ديمقراطياً أو رأسمالياً، ثورياً أو رجعياً

وهو نفي يرتبط بتنظير "القطع" في عملية المعرفة، لجاستون باشلار Bachlar وتلميذه جونجلهايم Gongelhaim حول لزوم القطع مع الأطر القديمة لتأسيس الجديد، مما أثر على مفاهيم "الظاهرة والوجود" وأثرى به لويس التوسيير البنيوية، وساعد فوكو في حفرياته العقلية وتفكيكه لخطية النصوص وسلطتها المركزية الخفية.


وبتطور الوعي بمسائل المركز والبنية والتفكيك والتساؤل الإبداعي والسفسطة الحديثة وتشكلاتها بمجالات الفن والأدب، والأكاديميا، والبنى والأحوال الدولية والإجتماعية والفردية والإنسانية وعموم نظم الإعتقادات والثقافة، تبلورت ظاهرة النفي داخل الماركسية-اللينينية.فقد تجلت هذه الظاهرة بدعوات إلى "تنقية الماركسية" [..من اللينينية] وذاعت هذي الدعاو باسم "الماركسيـة" التي امتدت كظاهرة منذ خلاف المناشفة مع لينين وستالين وحتى عملية التجديد الراهنة.


وكان مفهوم )الماركسية( المعزول من سياقه التغييري قد نشأ كظاهرة ملتبسة بصراعات سوسيولوجية ودولية ذات جذور داخل الحركة التقدمية في أوربـا وروسيـا بين كتلة إشتراكية -قبل ظهور ماركس كشمس للعدالة الإجتماعية- كانت قد إرتبطت باتحاد العمال اليهود "البوند" ورأت في "الثورة" مجرد ناسفة للإقطاع فقط ومولدة لمجتمع الحداثة الذي يرادف عندها مجتمع الإصلاح المضطرد حيث دأبها المتصل فيه هو إصلاح تطوره الرأسمالي، بينما قامت ضدها منذاك الزمان كتلة ماركسية-تغييرية رأت ضرورة وموضوعية النفي الحاسم لكل أشكال الإستغلال والإستلاب بفرض السيطرة المباشرة للقوى المستغلة والمهمشة على تنظيم الموارد والسلطات العامة وقيادة عملية التقدم الإجتماعي.


وإذ كانت معارضة لاسال LaSalle قائد الدولية الثانية لدعاوى ماركس ذات منحى تخفيضي|خفاضي للطابع العلمي الجديد للإشتراكية الذي حاول ماركس وانجلز إطفاءه على الوجود القديم للإشتراكية المشوب بتصورات ذهنية مجردة وتعصبات قومية|يهودية ضيقة. فكذلك كانت معارضة المناشفة للينين، تعتبر "اللينينية" أيضاً تحديداً للماركسية، ثم عدتها صيغة ستالينية لتحول "الماركسية" لبنية استبداد [عدوة منتجيها لليهود] كما ترى أن البنية التقنينية العامة للماركسية-اللينينية تمثل بنية جامدة تتناقض مع حال تحرر الوعي الذي جسده ماركس، مفضلة وجود "الماركسية" كحال نفي مستدام لعملية ليننة ماركس وتصنيمه وتحويله إلى [مجرد] حزب شيوعي يتمركز وسكرتيره العام في قيادة العملية السياسية بدلاً عن أن يضحى الواقع السياسي...[البرجوازي] ببنوكه ورأسماليته موجهاً للماركسية!! مما يتعلق بفهم بحوثي للماركسية.


فبطرح نار الماركسية بديلاً لرمضاء الشيوعية حيث يتجلى هذا النوع من "الماركسية" بتحويل أعمال ماركس من كينونتها الثورية الإجتماعية إلى روح فكرة وفضاء معرفي مفتوح للهيام العقلي والتأمل والكشف. وحيث تتحول عملية التغيير الإجتماعي من حال موضوعية بآليات محددة لنفي آليات محددة أخرى للقمع والإستغلال والتهميش، إلى حال ذوقيـة من الإستحضارات وفضاءات للتجريب وإلى إرتقاءات وجدانية تشابه عملية تكريس الإيمان بأكثر من إتصالها بعملية تنظيم عملية ثورية سياسية!! وقد صبغت هذي الفلسفة الظاهرية تعامل الماركسية مع الماركسية-اللينينية مع تجلي الرؤية الهيجيلية الجديدة بكتابات باشلار ولوكاتش وما سمى بـ الوعي الجديد بتحول "وعي ماركـس" و"الوعي بماركس" عبر مراحل أو عمليات قـطع مع البنية القديمة كوسيلة لتطور الوعي وليس كنتيجة له.


وقد تجلت نزعات التفكير المثالي وتناوله السكوني لظاهر الأحداث بالشكل في تناول جورج لوكاتش، الدارس بعمق لـ(هيجل الشاب)، لموضوع تحول وعي ماركس كتحول لبنية تفكير عبقري لإرتباطه فقط بإتجاهات العلم وبالثقافة البروليتارية ولإقترانه ببنية ثنائية ذات طرفين محددين هما (الإضطهاد والإستلاب + والتحرر منه).

والصورة الرأسمالية السائدة لماركس كعالم يفتح له العلم طريق التحرر، صورة شبه ميكانيكية غالت في إعتبار عبقرية ماركس وفضل العلم و "الثقافة البروليتارية" ومهمشة لإعتبار إرتباط وعي ماركس بمسألة ذات اهمية في تاريخ تحـررالإنسـان كالدور الطبيعي-الإجتماعي للطبقة العاملة وعموم الكادحين وتنظيمهم الثوري في قيادة عملية تحرير ذاتهم ومجتمعهم من الإمتـهان.


ولعل صعوبة المسألة الجذرية في فهم "الماركسية الجديدة" أن هذه "الماركسية الجديدة" لا تعكس مجموعة متناسقة من الأراء بل هي أسم أطلقته مؤسسات البرجوازية في حربها ضد الشيوعية على مجموعة متنوعة وفي بعض الأحيان متناقضة من الجهود النقدية الإجتماعية والثورية المعرفية المرتبطة بمسائل البنى العامة والخاصة والمنطق والعلاقات والمركز والهامش، والخصائص الإجتماعية والنفسية والذوات والظروف والشكول المحلية والدولية للتراث الإنساني والتصورات والإبداعات والتطبيقات الشعبيـة لمفاهيم "التحرر" و"التقدم" و"الوطنية" و"العدالة" و"الديمقراطية"، مما ظهر بشكول متنوعة كتنظيرات وموضوعات وأنشطة بالجامعات والمؤسسات الثقافية بدول البرجوازية الكبرى وأيضاً كذلك في مايمكن تسميته بـ(هامش) النضال السوفييتـي الماركسي-اللينيني من ماو الى مارلو

وزعمي في موضوع تكون هذه "الماركسية الجديدة" هو إرتباط تكونها بتطويرات عدداً في علوم المنطق والمعرفة والنفس والإجتماع كما بأعمال "مدرسة فيينا" في علوم النفس و"مدرسة فرانكفورت" في علم الإجتماع، و"مدرسة وارسو" في علم المنطق، وأعمال باشلار في فلسفة المعرفة وبإنفتاح التحليلات السوسيولوجية، وبالتمحيصات المادية البحتة التي أثرتها فلسفات وعلوم الطبيعة. وهو ما يختلف في طابعه البحثي والأكاديمي والثقافي ومشدوهيته العقلية لإدامة البحوث وفتح التنظيرات على التفكير وفتح التفكير على التنظيرات في دائرة عقلية مغلقة، إختلافاً ملحوظاً عن إهتمام الماركسية-اللينينية بالصراع الطبقي والثورة، وبالنضال للتغيير كوسيلة واقعية لتطوير كافة البنى الإجتماعية وضمنها التفكير والتنظير.

وإضافة لتشابه خطى المعرفة والمعالجة التي كرستها المدارس الثلاث فبالإمكان الإشارة إلى إحتمال وجود صلات سياسية بينها تشير إليها حركات ولقاءات أرنست ماخ وكاوتسكي وتروتسكي وجورج لوكاتش وباشلار بحلقات فينا وفرانكفورت ووارسو وروابطهم بالحلقات التقدمية في العالم الأوربي-الأمريكي للتنظير العلمي خصوصاً مع تصاعد عداء ستالين وهتلر للمسألة اليهودية بعد إزدهار الرأسمالية والدور البارز لبعض اليهود فيها.

ويرجع أصل المسألة اليهودية في التاريخ الأوربي الحديث لقهر نظم الملكية الإقطاعية المقدسة لليهود (الأغراب) وحرمانهم من حقوق أهل الملة وأصحاب الأرض الشائعة آنذاك مما ربطهم بسكنى المدن والإشتغال بالحرف الفنية والنظرية. ونتيجة لذاك الوضع كان لعدد كبير من اليهود آنذاك دور خلاق وفاعل في تاريخ الصناعة وفي صناعة الأفكار والنظريات التحررية لأجل تحررهم من السوم والإضطهاد في أوربا الإقطاعية والإنتقال بها وبأنفسهم من حال القهر والحرمان الى حال الحرية والتقدم الإجتماعي في تلبية الحاجات وتأسيسهم للحركات النقابية والسياسية والمدارس العلمية، وتنظيراتها.


وقد ذاعت"المسألة اليهودية" بتدمير السوفيت للنظام القيصري الإقطاعي، وكذلك إبان تحول الشيوعيون بقيادة ستالين الى سياسة الترويس. وفيما بعد المؤتمر العشرين مع تكون "الطبقة الجديدة العازلة" (الموظفين-التجار) في مجتمعات الشيوعية. ومع إنتشار أفكار مسارياك Masaryk الماسونية المتأخرة عن "الإنسـانيـة" وما سماه (نية الروس لإستعباد للعالم بالشيوعية)، بشكل أثر في تقدير الوعي القومي لطبيعة الشيوعيـة كعملية تحرر شامل خاصة مع تخيل تروتسكي لحال "الإشتراكية العالمية اللابيروقراطية" بمعنى الخالية من ستالين.

وعامةً فقد كانت "المسألـة اليهوديـة" مسألة مركزية عالمية في ظل وجود ظاهرة المركزية الأوربيـة، وظاهرة الوجود اليهودي الكبير في أوربا.


وقد شكل وجود وأعمال ومصالح عدد من اليهود في أوربا محاور هامة في تاريخ تقدم الحرف والتجارة وفي تكوين المذهب البروتستانتي بطابعه الثقفي الحنبلي، وفي إثراء الجدل العقلي حول قراءة الوجود الطبيعي والإجتماعي، ورفعة شأو العقل والعلم والتاريخ وفحص العلاقة بين أساليب المعيشية والتفكير في عصر النهضة، وتطور الصناعة، وتقدم الحياة المدنية، منذ ثورات البرجوازية ومارافقها من تطور ظواهر الإعتداد المجتمعي في الداخل و "الإستعمار" في الخارج ومابينهما من أحوال "المسألة القوميـة" فالحربين العالميتين ونشاط اللوبيات اليهودية بالولايات المتحدة وبريطانيا، وتدمير الإتحاد السوفييتي وبقية النظم الإشتراكية في أوربا وصولاً لتمزيق يوغسلافيا وبروز التحالف الأنجلو-امريكي بتطور الإستعمار الحديث من ما وراء منابع النيل إلى ما وراء الفرات شرقاً وغرباً، فإعلان الحرب على الإرهاب.


وإضافة لتأثير "المسألة اليهودية" أسهم إضمحلال التشدد في مركزية العمل الشيوعي في تبلور أحوال لتشكل ماسمي بـالماركسية الجديدة التي تختلف عن الماركسية اللينينية بطابع موغل في الأكاديمية وبالنسق التجريبي الثقافي الذي يعتني بخصوصية ثقافة كل مجتمع ويبتغي بلوغ آفاق الإشتراكية من خلال العناية بالشفرات الثقافية التقليدية للقوى (الثورية) في كل مجتمع في ظل حال شاملة من تطور الصراع والقمع العالمي مع نشاط الإمبريالية وتراجع الأحزاب الشيوعية عن آيديولوجياتها الثورية بعد المؤتمر العشرين ثم تمزق حركات التحرير بهذه التراجعات وتصاعد الانتقادات لسياسات المؤتمر العشرين بتفارق أوضاع الأحزاب الشيوعية الداخلية أو السوسيولوجية عن مبادئها الآيديولوجية بإعادتها الإعتبار لمفاعيل التبادل النقدي للمنافع محلياً ودولياً على حساب العقلانية الإدارية للبطاقات البديلة للنقود.


وقد تزامن تكون وأعمال "الماركسية الجديدة" مع إشتداد الحرب الباردة ضد الشيوعية وضمنها الحرب الفكرية والآيديولوجية التي كان أشهرها كتابات فيخنشتاين في "الثورة المضادة" وكارل بوبر في "المجتمع المفتوح وأعدائه" وأزايا برلين في تأريخه الصوري للثقافة الروسية وفي روايته الخبيثة الحذقة المسماة "القنفذ والثعلب".
وقد كانت كلها إعمال رفضت الشيوعية بحجة "حريــة الإنسان" في مجتمعات تمتلك فيها البرجوازية موارد الإنتاج والعيش ووسائله إمتلاكاً خاصاً! إضافة لتحكم البرجوازية في الخدمات العامة وتحديدها مستوى المعيشة وحياة الدولة من خلال تحكمها في الأسعار والأجور والضرائب!!


ولكن بهذا الإطار الميتاماركسي أو اللاماركسي أو الجزءلينيني إتسعت "الماركسيـة الجـديـدة" بنواحيها التقدمية المضادة للتمركز لأجزاء من كتابات في الإقتصاد والإدارة والإجتماع رفدتها أعمال نظرية مهمة لكل من: بول باران، وبول سويزي، أندريه جندر فرانك، سمير أمين، ومهدي عامل، وعبدالرحمن بابو، وصلاح العمروسي، وأليكس كولازنتكيس، وجعفر محمد علي بخيت، ومحمود عبدالفضيل، وبيار بوردو، وسيد حريز، وسيد عويس...وأخرين.

وفي ثقافة الماركسية الجديدة يمكن صف عدد هائل من المثقفين الثوريين و(المتفردين) من شاكلة بوردون أو وليام موريس بدءاً من لوكاتش وجرامشي وباشلار إلى مارلو والتوسير وسارتر وفانون وماركوز ومزروعي وشريعتي وشومسكي، وإدوار سعيد، وإقبال، إسماعيل المهدوي، وأحمد صادق سعد، ومالك بن نبي، وطه عبدالرحمن.إلخ.

وفي الجانب الثقافي-السياسي الحركي والتنظيمي لتشكل الماركسية الجديدة كحال فكرية في واقع العالم الثالث تختلف بنزعة الخصوص الثقافي عن الماركسية-اللينينية تبرز أعمال ورؤى لكل من دوس، إقبال، إدريس كوكس، جيمس التريندادي، محمد حسين ريحان، أحمد فؤاد، أحمد حمروش، محمد حسنين هيكل، راشد البراوي، جعفر كرار، عبدالله زكريا، محمد أبوالقاسم حاج حمد، وتلابير ولد مريام.

وبشكل ناسب أعباءهم السياسية أثرت الأعمال النظرية لعدد من المناضلين الذين تمركزوا برئاسات الحركات السياسية والدول في تكوين كتابات ضد-مركزيــة في المستوى الدولي كأعمال روزا، وتروتسكي، ثم ماو، وتيتو، وبرلنجوير، وسوكارنو، وناصر، وبن بركة، وبن بيلا، ونكروما، ونيريري، وكابرال، وجيفارا، وجورج حبش، وقسطنطين زريق، ومارسيل إسرائيل، وفهد، وجوناثان (جو) سلوفو، وجوزيف قرنق، وجون قرنق..إلخ حيث رفدت أعمالهم كتابات تميزت بإستهداف تفكيك علاقات التمركز والإحتكارات مع تباين في أساليبها.

والرابط الذي نعتقد وجوده بين "المسألة اليهودية" وتشكل مايسمى بـ"الماركسية الجديدة" جسده كارل ماركس في كتابه "المسالة اليهودية" الذي كان ينتقد فيه كتاب "المسألة اليهودية" لبرونو باور الذي صدر عن براونشفايغ سنة 1843، وإدعى فيه برونو أن تحرر اليهود كأقلية من هيمنة الدين ووضعيتهم الدينية على تفكيرهم السياسي سيحرر الدولة والمجتمع بأسره! حيث قام ماركس بدحض تصور بورنو، مقيماً "المسألة الموضوعية" بدلاً عن المسألة اليهودية"، مبيناً فيها نقطتين:
 مسألة علاقة الدين بالدولة
 التناقض بين التحيز الديني والتحرر السياسي.

ثم عزز ماركس دحضه ضد برونو بتساؤل نورد نصه:
(( لا يكفي بأية حال من الأحوال أن نبحث: من الذي سيقوم بالتحرِر ومن الذي سيحرر؟ فعلى النقد أن يقوم بشيء ثالث. عليه أن يسأل: بأي نوع من التحرر يتعلق الامر؟ أي شروط تقع في صلب التحرر المطلوب؟

إن نقد التحرر السياسي نفسه هو النقد النهائي للمسألة اليهودية وذوبانها الحقيقي بـ"مسألة العصر العامة"، و لأن باور لم يرفع المسألة إلى هذا المستوى فإنه يسقط في التناقضات...أنه لم يتناول بالبحث العلاقة بين التحرر السياسي والتَحرر الإنساني ، وهو بذلك يضع لا يمكن تفسيرها إلا بخلط غير نقدي بين التحرر السياسي و التحرر الإنساني العام....لا ندعي أن عليهم أن يتخلوا عن محدوديتهم الدينية، ليزيلوا حواجزهم الدنيوية بل نزعم أنهم سيتخلون عن محدوديتهم الدينية حالما يزيلون حواجزهم الدنيوية. إننا لانحول المسائل الدنيوية إلى مسائل لاهوتية، وإنما اللاهوتية إلى دنيوية. نحل الغيبيات في التاريخ، بعد أن إنحل التاريخ وقتا كافيا في الغيبيات………………………..

وحيث تبدو حدود التحرر السياسي في الحال في قدرة الدولة على تحرير نفسها من حاجز لا يكون الإنسان متحررا منه فعلا، وفي أن الدولة يمكن أن تكون دولة حرة [تلاعب لفظي على كلمة Freistaat|Free State التي تعني أيضا جمهورية] دون أن يكون الإنسان حرا. فإن باور نفسه يعترف ضمناً بذلك حين يضع الشرط التالي للتحرر السياسي: «يجب إلغاء كل امتياز ديني بوجه عام بما في ذلك احتكار الكنيسة التمتع بالامتيازات، وإذا كان البعض أو العديد أو الغالبية العظمى لا تزال تعتقد أن عليها أن تؤدي واجبات دينية، فإِن هذا الأداء مسألة خاصة تماما متروكة لها.» وهكذا يمكن للدولة أن تكون قد إنعتقت من الدين، حتى حين تكون الغالبية العظمى متدينة. ولا تكف الغالبية العظمى من خلال ذلك أن تكون متدينة، بأن تكون متدينة في حياتها الخاصة.((


كذلك تبدو في خضم نصوص نقد ماركس لكتاب "المسألة اليهودية" لبورنو إرتباط (إتساع) أو غلو الأفكار القومية اليهودية أو أفكار "اليهودية السياسية" بمنظور محدود لإمكانات الثورة الإجتماعية وإعتبارهم إياها مجرد عملية خاصة نشأت في ظرف تاريخي خاص للتخلص فقط من الإقطاع وسطواته الدينية-الدنيوية وفتح الطريق لحياة حرة للإنسان لا سبيل فيها لممارسة (العنف) ضد المظالم العامة. وبهذا المنظور المحدود نشأ الإعتقاد بإن الثورة كعملية سياسية خاصة نجحت في القيام بمهمتها ولم يبق لمجتمعات البشر سوى ممارسة دائبة لإصلاح النظام الحديث الذي نشأ بعد الإقطاع وهو النظام الرأسمالي لتوزيع الموارد والجهود والثمرات الضرورة لمعيشة الناس، وهو إصلاح يرتبط حسب هذا المنظور بتحسين أحوال التعليم والرقي بالممارسة الإنتخابية والبرلمانية، وبتوسيع النشاط الرأسمالي أفقياً ورأسياً، وتحسين شروط العمل، وهي إصلاحات تتناقض في طبيعتها وبنيتها مع طبيعة وبنية النظام الرأسمالي المهلكة للأسس والأفاق الإجتماعية. ولكن بورنو إسترسل موصلاً تقدم الحالة اليهودية بالحالة الإستعمارية! وإزاء رسملة بونو للمسألة اليهودية، قام ماركس بتوضيح وقتية هذا الإرتباط وجلبه كثير من المصائب على العالم وعلى اليهود مستقبلاً فبتركيزهم ثروات هذا النظام بين أيديهم، ونشرهم الفقر في ماحولهم يسببون فيه الظلم ويغامرون بأن يكونوا محل غضب عمال العالم وشعوبه المستغلة بأسرهم، وأن يكونوا هدفاً لثورتهم للتخلص من الظلم.

ولكن، وفق ظروف تطور الرأسمالية والإستعمار و..الصهيونية سادت في العالم مقترحات بورنو وتركزت في أغلب دول العالم رأسمالية حيث أصبحت البنوك العظمى المملوكة للبرجوازية اليهودية السطوة الكبرى في تقرير كافة شؤون معيشة الناس، في كافة الدول وأضحت للأفراد المرتبطين مجتمعاً وثقافة بقوى هذه البنوك سطوة أكبر في مجتمعاتهم حيث شغلوا المناصب الهامة والمواقع المائزة في الحكومات الحديثة وهو ما عمق في التنظيرات الغربية للماركسية أساليب التهادن والإصلاح، وجر الحال الماركسية من حال الثورة الطبقية والنضالات الشعبية المتقدة للتحرر الشامل إلى حال متنوع من التنظير والبحث الأكاديمي المحدود ضمن سياق الثقافة البرجوازية الاوربية مقترن بحال من المطالبة الميتة بإصلاحات يعرف الجميع أن المؤسسة البرجوازية تواصل تفتيتها والتحايل عليها،

وفي هذا السياق المحدود لتناول الوعي والثورة كقضايا نظرية مفصولة عن كينونتها الحزبية الطبقية والأممية في الصراع الإجتماعي ضد الإمبريالية العالمية نشأت في الجوانب الاوربية من العالم حالة من تحررية محدودة سميت "الماركسية الجديدة" وهي حال تختلف في سعة وجزئية تناولاتها الجزئية لموضوعات الجنس والموسيقى والموسيقى وحماية البيئة وحقوق الإنسان وحقوق اللاجئين إختلافاً واضحاً عن حال الماركسية الجديدة التي تتبين في النصوص والممارسات النضالية الأمريكية الجنوبية والأسيوية والأفريقية حيث نشأت متقدة وقداحة في الأدب السياسي المنعقد بالتطورات الثورية في أمريكا الجنوبية والصين وكوريا وبعض نواحي النضال الأفريقي.


وعلى ذلك ففي مواجهة الصلابة الطبقية الإجتماعية الوطنية والدولية لحال"الإشتراكية العلمية" أيام ماركس وإنجلز وفي مواجهة نفس الصلابة في "الماركسية اللينينية" في عهد البناء الستاليني للإتحاد السوفيييتي ونجاحه في مواجهة الدعاوى الإقطاعية القيصرية والدعاوي القومية الشوفينية والدعاوى الإمبريالية، نشأت حالة الماركسية الجديدة زمن الحرب الباردة حال نظرية وعملية منفتحة بخطوط علم إجتماعية.



الماركسية الجديدة والمحافظة الجديدة

مما سبق عرضه يمكن القول بإن للماركسية الجديدة منابت عددا ومسارب شتى، كما يمكن عقدها برؤية ذاتية للمصالح البرجوازية تبناها كثير من دعاة التحرر اليهودي في مواجهة ماركس أولاً ثم في مواجهة الماركسية-اللينينية منذ ماقبل قيام الثورة الإشتركية العظمى في سنة 1917 وحتى اليوم.


وكانت أشهر حلقاتها في فرانكفورت، وفيينا، و وارسو، حيث إصطف العلماء اليهود يدافعون بأمانة شديدة عن إمكان تعدد النظرات للواقع وتباين المداخل والتطبيقات بشأن الإشتراكية تجاه المفاهيم الماركسية والماركسية الللينينية التي قامت بربط علم تحرير البروليتاريا بقواعد الفلسفة العلمية الماردية والتاريخية والمحركات الأكثر موضوعية في الحياة كالمجتمع البشري ونشاطه العملي ونظامه وعلاقاته الإنتاجية واوضاعه الطبقية وحركة هذه الطبقات ضمن وضد هذا النظام .


وقد جسد تروتسكي بشكل واضح التعبير السياسي المميز عن هذه التوجهات في مواجهة المسار الوطني والعسكري الذي خاض به لينين ثم ستالين (معركة) مواجهة التخلف والإستغلال في روسيا والمستعمرات والدفاع عن الإشتراكية والقيم الإنسانية في مواجهة الإستعمار والنازية والفاشية.

وفي نيويورك التي يمكن لبعض الناس عدها القاعدة الخارجية لتروتسكي في العشرينيات والثلاثينيات كان بمعهدها قاعاتان للطلاب يجتمع في الأولى التروتسكيون وتنظيمهم "الرابطة الإشتراكية" وكانت الثانية للطلاب اللينينيون-الستالينيون وتنظيمهم "الرابطة الشيوعية". وبرز من القاعة الأولى أرفينغ كريستولIrving Kristol باعتباره أحد قادة حركة المحافظة المحدثة بعدما نشر مذكراته بعنوان إنطباعات محافظ محدثReflections of a Neoconservative في عام 1983 وكان فصلها الأول بعنوان "مذكرات تروتسكي".وكان تروتسكي خصماً عنيداً للينين ولستالين ثم للإتحاد السوفييتي كله ثم عدوا للشيوعية.


ومنذ الخمسينيات كان كريستول مع ماكس شاخمانMax Shachman أحد قادة الحزب الإشتراكي -التروتسكي- قد بدأ بتردد وحذر التحول إلى نظام الحزبية-الرأسمالية الأمريكية وأضحيا مع جاكسون Henry. S. Jackson ومورافيشك Muravchik بناة ورعاة لقادة "اليمين الجديد" New-Conservativism في الولايات المتحدة مثل بول وولفتيز، وبيرل، وديك شيني، الذين قادوا إقامة نظام عالمي إمبريالي جديد وقاموا مع المنشفيك الجدد في روسيا وحزب السوفييت بعملية تفكيك الإتحاد السوفييتي، وبدأوا الهجوم الإعلامي والإقتصادي والعسكري على الدول الرافضة لخصخصة مواردها وشنوا الحملة ضلالية دموية على العراق واعلنوا عداءهم لحركات الشيوعية ولحركات الإسلام ولحركات القومية ولحركات السلام ولحركات البيئة-الخ



ومن أهم مثيويولوجيات اليمين المحدث هي ميثيولوجيا"نهاية الإيديولوجيا" التي كنف عليها في الولايات المتحدة جيش من بحاثة المخابرات وعلى رأسهم سيمور ليبست Symour Lipset و بال Daniel Pal، مستندين في هذا النوع من البحوث على تناول صوري للغة ونسبيتها واللغو بهذه النسبية والصورية لنفي القوانين العامة للتفكير ونفي ضرورة القوالب الفكرية لإصطناع الإصطلاحات وتحويل الوقائع الطبقية الحية الى مفردات وصور ورموز ذهنية.


و إبان عام 1950 كان كريستول Irving Kristol قد أسس في برلين ما سمى بـأسم : "مؤتمر الحرية الثقافية" Congress for Cultural Freedom، كما اسس في لندن في عام 1953 نشرة الثورة المضادة | المحافظة المسماة إنكاونترEncounter )التواشج) التي خصصت لحشد كتاب عددا ضد الإتحاد السوفييتي وكانت ألمعهم حنا أرندت Hanah Arndt عاشقة مُنظر النازية وصاحبة كتاب ليبرالية السوق "أصول التوليتارية" Origins of Totalitarianism الذي غدا في واقع العالم مبرراً لهيمنة قوى السوق في السياسة وتخفيت طغو الإمبريالية، وتلوين الحروب الدموية وحصارات التجويع والقمع ضد المجتمعات والدول والحركات التقدمية. وكانت الحرية بمفهومها البرجوازي|الفردي اللاإجتماعي هي المفردة المركزية في حركة المحافظة الجديدة وإعتداداها بالقوتين الأمريكية والإسرائيلية كسبيل رئيس لصياغة العالم وفق ماتراه.


الماركسيــة- اللينينيــة نقطــة تحــول التاريــخ والمعرفــة :

بسياق معلن للأزمة المزدوجة، يظهر في الأحزاب الشيوعية إقتراح تجريبي بإعتبار "الماركسيـة" [غير الماركسية اللينينية] مجرد واحدة من مصادر المعرفة في برنامج الحزب ؟! دون أن يقدم الإقتراح حدوداً أو علامات تميز وتشرح طبيعة هذه المعرفة وأسسها وأهدافها الطبقية. والمقترح قد يكون دافعه مواجهة أزمة النظرية بعد إنكسار وتكسير الدولة السوفييتية، وهو حدث يعطي التعامل الحدسي معه نتائج خاطئة ككل تعامل ردود الفعل العفوية والتلقاء مع أحداث التاريخ، بينما التعامل الإنجع بالجدل مع التاريخ ككل يكون في صيرورته الطبقية الداخلية الممتدة، لا مع لحظة من لحظاته، فالتاريخ (ككل) هو وحده الذي يعطي إمكانية أكبر للعقل لفهم الأحداث في جملتها، ولتجديد المعرفة الثورية في كلية تكونها من وفي التاريخ، كمعرفة مرتبطة بمضمون التاريخ لا بالتأثر الإنطباعي بمظاهره المتغيرة وتقييمها خارج قوانينه الرئيسة.

والماركسية-اللينينية التي تنتقص مقترحات التجديد مكانتها المصدرية في برامج الأحزاب الشيوعية تمثل في تاريخ المعرفة نقطة تحول وقطع وتجاوز للتراكم العفوي والبرجوازي للأفكار للنظريات والمعارف والفلسفات التي صاغها الإنسان للمستقبل.


فقد كانت الماركسية-اللينينيــة مؤثل ومحرك وماكينة الطبقة العاملة وعموم الكادحين لتأريخ المعرفة، وتكوين المجتمع والعقل الإنساني، فبعد اليونان وإبن طفيل وديكارت وسبينوزا وكانط وليبنز وفصلهم الشديد بين أحوال الطبيعة والمادة والظاهرة والمعرفة والتغيير أسست الماركسية-اللينينية تحويل العقل من حالة العفوية والتأمل والتجريب والتناقضات المنطقية الهيكلية والإجرائية في المعرفة وموادها وتطبيقاتها إلى نطاق مادية الطبيعة وعناصرها في تاريخيتها وجدليتها. وإندغم هذا التحويـل الذي أشر ماركس وأنجلـز ولينين نقاطه المعاصرة في العلم الحديث مثلما إندغم العلم بهذا التحويل وبمفرداته بعلوم عددا منها الفلسفة والفيزياء، والرياضيات، والأحياء، والتاريخ، والإقتصاد، والإجتماع، والسياسة، والحقوق، والنفس، والمعرفة، والأدب، والجمال.


وبعد هذا الجدل في تاريخ المعرفة الإنسانية بين الإندغام والتفرد في موضوعات المادية والجدل والتاريخ والعلم والمجتمع والماركسية اللينينية، تتحول عملية فرز المعرفة الإنسانية أو الفكر الإنساني برمته وتقديمها أو تقديمه كمصدر خالص لبرنامج الحزب، تتحول إلى عملية إرتداد لمراحل قديمة من تاريخ تطور الفكر والمعرفة، كان فيها الوعي العلمي والوعي الإجتماعي في مرحلة ماقبل المعايير. كما إن الإقتراح بسحب المكانة المصدرية للماركسية اللينينية يخلق سوقاً موازية لـ وإستغنائية عن: تنمية الفكر والمعرفة الثورية، فالإقتراح بأخذ مجمل الفكر الإنساني يقوم بتعويم علم الثورة الإجتماعية، الذي كان من المتوجب الإعتناء باستراتيجياته وتاكيتيكاته على المستويات النظرية والعملية المتنوعة.


والماركسيــة-اللينينيــة كأسلوب فكري وعملي نضالي طبقي عمالي وثوري لمعرفة جدل التأريخ وتغييره، أثرت جدل هذا الجدل وساهمت في تفتح النقد الخطي والنقد البنيوي للأفكـار والموضوعات والمطالبة إما بفتح أو بتعيين أو بمد خطوطها وحدودها وأبنيتها ونقاطها حتى أصبح الفكر العلمي المعاصر بمكوناته المختلفة وتكويناته متصلاً ومتحركا ومندغماً مع الصراع الإجتماعي، بلاحياد متوهم، وأصبح من المتعذر جمع نواصيه ومصادره خارج تخصصات معينة وفلسفات جامعة، دعك عن ممارسة التغيير الطبقي به.


إن إقتراح بناء نظرية ثورية جديدة بما يسمى إعتبار الماركسية )مجرد مصدر( مماثل لمصادر المعرفة الإنسانية الأخرى هو إقتراح مختل، فالماركسية-اللينينية بحد ذاتها ليست قائمة في الواقع السياسي كمصدر للمعرفة العامة، بل هي آلة معرفـــة وممارسة جديدة وهي المعرفـة والممارسة الثوريـة الإجتماعيـة التي تكسب وتكتسب من بعض المعارف والممارسات العامة حيويتها الإجتماعية. وكان ضرورة لإقتراح المساواة الإعتباطية بين السياقات العلمية والنضالية تبيين مفهوم هذه "المعرفــة الإنسانيـة" وتعيين حدود عناصرها وبنيتها وشكل وطبيعة وجودها في كل البرامج السياسية لنقدر بها الفائدة التقدمية الإجتماعية للماركسية-اللينينية بكر لطيـف لعنوان كتب العداء للشيوعية: "الماركسيـة في الميــزان"*.

فوضع الماركسية-اللينينية في (الميزان) يحتم تقديرها موضوعاً بالقيام بمعرفة وحساب ومسطرة ميزان الفلسفات والبرامج الحزبية الآخرى كمناهج وشرائع سياسية للشرائح والطبقات الإجتماعية التي تكون الواقع ودورها كبوصلة مرشدة لهذه المصالح الإجتماعية في غابات وصحاري العمل والسوق والحكم.


وبشيء مكثف من تلك المقارنة والبحث أكد المؤتمر الأيديولوجـي للحـزب الشيوعـي الأمريكــي الذي عقد في الولايات المتحدة في أكتوبر 1999 قبل إنتفاضة سياتل: ((إن الماركسية-اللينينية هي التكنولوجيا الإجتماعية الأرقى بإستمرار في تاريخ البشرية)) وفي هذا السياق الفلسفي التقني-السياسي جاءت طروح الأحزاب الشيوعيــة الأوربيــة والحزب الشيوعـي اليابـــاني.


ويمكن القول بإن توكيد المؤتمر وتوكيدات الأحزاب الشيوعية الأوربية والآسيوية لكون الماركسية اللينينية تمثل أقصى التطورات الجمعية لفلسفات التغيير الإجتماعي واشج أسس الفهم المادي للطبيعة والتاريخ بطابعها الجدلي الثابت والمتحول وبسيروراتها المتوالية وطفراتها وتوكيدها صحة العناصر المادية التاريحية الجدلية المتنوعة التي تشكل بنية الماركسية اللينينية من نقاط وعلاقات وتمثلات وصور وأحوال مثل:

(المادة والحركة والتناقض، والتغير والتطور، والعمل والإنتاج، توزيع الموارد والجهود والثمرات والطبقات الإجتماعية وعلاقات الإنتاج، وبنيات البنى التحتية والبنى الفوقية، والصراع الطبقي، وعلم الجمال، إضافة للتشكيلات الإقتصادية-الإجتماعية، ودور الجماهير في التاريخ، والتاريخ نفسه، وحقيقة ظواهر ومفاعيل الرأسمالية والإستعمار والإمبريالية، والتحرر الوطني وحق تقرير المصير وحكم الشعب، والثورة، وتوحيد وتنظيم الكادحين في حزب شيوعي|ثوري ركن حرب للطبقة العاملة والجيش (السياسي) الثوري للكادحين الذي يهدف لتدمير وقمع الإحتكارات وإشاعة وسائل الإنتاج والخدمات العمومية والجمال).



وقد نتجت كل هذي العناصر بتفتح العلم منذ إكتشاف النار وحتى فلسفة الفلسفة وبنضالات شعوب العالم منذ ثورات العبيد والإقنان والثورات الأمريكية والفرنسية وكميونات باريس ومارسيليا وصولاً إلى الثورة الإشتراكية الأولى ومتوآلياتها القامعة للإحتكارات بديكتاتورية الطبقة العاملة. لذا فوجود عناصر الماركسية اللينينية بواقع الحياة الإجتماعية ليس بنقيض أدلوجي للمعرفة أو للثورة لأنها تتقدم في ذاتها وتشكيلاتها بفعل جدل الحياة نفسه الكامن فيها والقائمة به، مما يدفع بالسـؤال المرير في هذه الزمن الإحتكاري:

 ماهو الشيء الضـروري للمعرفة الذي يحتم تقليل مكانة الماركسية-اللينينية في برنامج حزب شيوعي؟

 ما هـو المعيــار المتفوق أو العدو ل لها الذي أستخدم أو يستـخدم كأداة لتثقيفها أو لثلمها؟ أهي الفلسفة النفعية؟ أو هي أفكار الإصلاح الإجتماعي ؟

أن محاولة الاجابة الموضوعية تتطلب تقدير البنية الثورية الاجتماعية للمادية التاريخية في الوعي والواقع كضرورة للتحرر من الإستغلال والتهميش المحلي والإمبريالي.وهي ضرورة تتطلب تثبيت وجود الأحزاب الشيوعية وتثبيت المكانة المركزية للماركسية اللينينية فيها.


ففلسفة الماركسية اللينينية هي الأداة العقلية لدراسة وتغيير الواقع والوعي المتصل به. كما ان برامج هذه الفلسفة تقدم أجذر التحليلات الموضوعية للواقع في ماديته وتاريخيته وجدليته، وهي بتقديمها الأسلوب الجذري لفهم وتغيير الواقع والوعي المتصل به، تمكن فعلاً من التغيير الجذري للوعي والواقع. كما فعلت من قبل بأشكال جزئية كبرى في روسيا والصين وعدداً من دول العالم الثالث، بالإعتماد على تنظيم الموارد الذاتية للشعوب والتخطيط العلمي لتطورها دون ان تقوم بأي عمليات إستعمار قديم كان أو جديد.


التنمية الآيديولوجية العلمية الثورية للعمل الشيوعي:

أن التحرر الشامل لبلادنا ومجتمعاتنا من القمع والإستغلال والتهميش يتطلب تنمية الحركة الشيوعية لأيديولوجيتها لا التخلي عنها، وذلك بـ:

1- تغيير أسلوب الفصل بين المصالح الوطنية والطبقية

2- نقد المباينـة بين تطوير قوى وعلاقات الإنتاج

3- إعادة النظر في الإنتنظام بتحالفات تقودها المصالح الجزئية لقوى البيروقراطية والبرجوازية المحلية والدولية.

كما يجب الإنتباه إلى أن محاربة ما يسمى بـ"مظاهـر الجمود" تتطلب أمراً أعمق من تقليل المكانة المصدرية المركزية للماركسية-اللينينيـة في برنامج الأحزاب الشيوعية أو محاولة إسقاط "اللينينيـة" من الإصطلاح الفلسفي وجر الماركسية بعيداً عن اللينينية إلىمواقع التأمل والتجريب، وتجاهل الحقائق المرتبطة بوجود صراع إجتماعي وطبقي والإرتباط بقضاياه الجذرية وقواه الطليعية وهي الطبقة العاملة ونبذ الإلتزام بالتغيير السياسي الإجتماعي التقدمي لأوضاعه.

وأظهر مايكون الجمود ففي جانب التنظيــر الإصلاحـي (للإنتقال من الأوضاع الأقل للأكثر أشتراكية) في ظروف الإمبريالية الجديدة. فالإجتهاد في وبنظرية هذا الإنتقال ضعيف: فلا إهتمام نظري يذكر بتكوين مجالس إنتاج أو بحال تمثيل الطبقة العاملة أو المناطق المهمشة أوالفئات العمرية أو المرأة أو التخصصات في الهيئات الحزبية الشيوعية والإجتماعية القائدة، كما لافعالية حزب في تحرير الحياة الإقتصادية لعضويته أو لجماهيره، الأمر الذي كلس بنية الحزب، وتكتيكاته نتيجة العزلة عن الطبقات الكادحة والقوميات المستعمرة، والإرتباط بمراكز وقوى السيطرة الإجتماعية-السياسية في الدولة بدلا من إندغامه بمهمشيها. وفي مايلي من صفحات سنحاول تناول الجزء البارز من ظواهر الجمود الفكرية ودعاويه التي يتستر بها:


بعض الدعاوى السياسية الجامدة أوالمستدعية للجمــود:

1- جعل الحزب قوة إجتماعية )لا قوة للثــورة الإجتماعية = ) ( عزله عن الكادحين(:
فجعل الحزب قوة إجتماعية وليس قوة للثــورة الإجتماعية، جمد حيوية علاقة الحزب مع الكادحين
فبناء القوة الجماهيرية في مجتمع تقليدي يختلف عن بناء قوة ثورية فيه. ونتيجة لهذا الإبتسار التضخمي إختلط عدة وعددا حابل الإصلاح بنابل السخط.

2- (الحلول الواقعية لمشاكل الجماهير) وهي خفاض لتطلعات الجماهير:
شعار الحلول الواقعية يفرض حلول تمارئي مضموناً أو أسلوباً الأوضاع والقوى السائدة، ويسكن قدرات الكادحين الجماهيرية، وذلك بـ(ـإقناعها)بقبول رضاء الدولة وقواها، كأساس فعال لتحقيق مطالبها.

3- (نقدالجمود/التجديد/الإنفتاح) وهي شعارات تواري الجمود الحقيقي:
الدعاوة المتصاعددا مذ هزيمة الجيش الأمريكي بفيتنام هي دعاوة نقد الجمود/التجديد/الإنفتاح وهي سلاح سياكودلوجي يدفع الى اللامعيارية واللامنهجية، ففي الواقع المادي لاتوجد نظرية متصلبة بل توجد ممارسة محددة لقراءاتها ولإستخراجاتها تفرضها مصالح طبقية و شرائحية معينة.



وإتهام الشيوعية بالتصلب والجمود بالمنطق الشكلي الجامد الذي تستخدمه بعض تنظيرات التجديد المطروحة بأسلوب: (إما.كذا..أو.الدمار) وبدلالة أحدية سقيمة هي( إما نار الإشتراكية القديمة بطريقها الواحد البيروقراطي-العسكري أو البرلماني، أو جنة إستنفاذ الرأسمالية لإمكاناتها !!) لكأنما لا مخرج من سوق أم درمان هذه، وألا مجال بهذا التناقض الماثل الذي نعيشه لتقدم ثوري إشتراكي للمجتمع؟!

وإذ تتحدث بعض موجهات تجديد برنامج الحزب الشيوعي السوداني عن البحث عن نظرية ثورية جديدة تراعي عدم إستنفاذ الرأسمالية لإمكانات تطورها كشكل نظر عملي جديد! فهذا دليل على حال إلتباس ولاتاريخية ولامنهجية ولامعيارية تسود مجتمعتنا، وعلى خلل سياسة قياداته الحزبية التي لاترى مخرجاً من سياسات التطور الرأسمالي المدنية أوالعسكرية .

وكانت الأقلية العدوة للثورة والشيوعية من حزب العمال الإشتراكي الديمقراطي الروسي (المنشفيك) مرتبطة بـ"إستنفاذ الرأسمالية لذاتها" وكذلك كان الحال في حزب العمال البريطاني (الإشتراكي الديمقراطي): فمنذ تأسيسه بداية القرن العشرين، إرتبط نصف قيادات وسياسات الحزب بهذا الطرح بينما إرتبط نصفه الأخر بدور "الدولـة" كصانع أعظم للتغيير والتجديد الإجتماعي-السياسي. وفي الكتاب التوثيقي المسمى "تاريخ حزب العمال البريطاني"، لاندرو ـثـورب Andro Thorpeفإن تيـار "إستنفاذ الرأسمالية لإمكانات تطورها" كان-ولم يزل- تياراً دافعاً للتطور الرأسمالي لحدوده القصوى، اللاإنسانية، بزعم ان رأس المال سيبتدئ بعد وصوله للحدود (القصوى) بالتحول للنقيض!! كما اللافتة المصرية الطريفة: بكره البيع بالمجان.


ومنطقاً فإن فلسفة هذا الإنتظـار للثورة تتجاهل بتجديداتها البرجوازية (الوضع الواقعي لديالكتيك "الحداثـة" و"الجمود") كقوة دفع للتطور الرأسمالي في الأحزاب الإشتراكية بنتائجه المروعة بأوربـا وأمريكا، وفي عالمنا المستضعف، جاءت مقترحات التجديد في مقدم القرن الواحد والعشرين متابعة لمقررات للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي الذي إنعقد في فبرايرعام 1956 إذ ذهب ذاك المؤتمر الذي صيغت عضويته وأٌعد تقريره لإستيعاب قوى وسياسات بقايا البرجوازية-والبيروقراطية داخل الحزب الشيوعي لإعادة تفعيل قانون القيمة-النقود في مجال حيازة المنافع والسلع في المجتمع دون تفعيل قوانين القيمة والنقود نفسها في مجالات الإنتاج والإدارة وعائدات العمل!


فبالتبعية لأعمال هذا المؤتمر تتجاهل مقترحات التجديد تأسس إتحاد السوفيت وإزدهار الإنتاج والخدمات العامة فيه وإنتصاره في الحرب العالمية وبلوغه أقطار السماوات والأرض، وفق أنسنة وعقلنة الإقتصاد والتخلص من نقوديته، وقدمت كل هذا التقدم الإنساني العظيم كـ(جمود في النظرية والنشاط السياسي) وألقت أعباء معاركه وسلبياته على سيكولوجيا شريرة لستالين معتبرة شخصه وأسلوب حكمه المخطط الذي أنتجته الشيوعية هو المصدر لكافة أخطاء ومصائب بناء الإشتراكية بمنطق إن وجود ثمرة تالفة يعني أن الشجرة كلها تالفة.

وتركز التهمة الجزافية والشماعة الشهيرة لتعليق تخلف بناء الحركة الشيوعية في بلادنا على أن الملخصات التي أعتمدت بإتحاد السوفييت في عهد ستاليـن بإسم "الماركسيـة-اللينينيـة" إختـزلت ثـراء الفكر الإشتراكي بمجلداته الضخمة وألقت عقلانيته مكتوفة في بحر الدوغما! والإتهام بالإختزال المخل به إفتراء: فالتلخيص عامةً هو مجرد عملية إختصار علمية معتادة مألوفة للأفكار والأعمال النظرية الواسعة، تقوم بجمع وضرب وجبر وحساب مثلثات وجذور الكلمات والعلاقات اللغوية الحاملة والمعبرة عن الفكرة مختزلة عناصرها وعلاقاتها وبنية مفاهيمها في صياغة لغوية أقل عدداً في كلماتها وأكثف في معانيها، كما في عملية الجبر في الرياضة أو عملية تصغير الخرائط أوعملية قمس المفاهيم في القواميس.


ومنطقاً يمكن القول أن الضرورة العلمية-السياسية لتبسيط وتركيز إتساع مؤلفات ماركس وأنجلـز ولينين وعدد من المفكرين والمنظرين الشيوعيين وصراعاتهم الفكرية إرتبطت بضرورة تقديم لب أعمالهم لجمهور الطبقة العاملة والزراع والحزبيين وراغبي الإطلاع مثلما قدمت القواميس النمطية ملخصات معرفة عصر الأنوار!!


ومن المعروف أن الإتحاد السوفييتي، وطن الإختصارالشهير، قد أعتنى في حين تأسيسه وإزدهاره بمفاهيم الماركسية-اللينينية بمحو الأمية وبالتربية والتعليم والبحث العلمي، مثلما أعتنى بالأدآب والفنون، كما أصبحت ممارسة التثقيف والنقد الذاتي والجماهيري في العهد المذكور طابعاً للحياة الحزبية والعسكرية الشيوعية. ويذكر أن إتحاد السوفييت قام بطبع وتقديم وترجمة ونشر المؤلفات العلمية للفكر الإشتراكي ونصوصه التأسيسية وتوزيعها، على الأقل من كتاب فردريك إنجلز الشهير: "تطـور الإشتراكيـة من خيال إلى علـم" وماركس بـ"نقـض برنامج غوتـا"، وحتى "رأس المال" حيث توسع الإتحاد في دراسات نصوص الأفكار والتطبيقات الإشتراكية إلى مستويات كمية ونوعية عالية.


ومازال مجال البحث الإشتراكي العلمي متقداً بالتنظيرات وبنضال الشعوب والحركات الثورية وجهود مثقفي الإشتراكية العلمية في انحاء الفكر والحياة. وإن اطفأت أليات الإمبريالية والإشتراكية الديمقراطية في الزمن الراهن الكثير من هذه الأعمال متجة لتجميد الإشتراكية في القالب الفطير لأعمال ما قبل ماركس وإنجلز ولينين وستالين والسائرون على خطهم نقداً وتعديلاً وإضافة.


وقد أسست عقول عديدة وساهمت بهذا العمل الأيديولوجي الكبير، وهي عقول أكاديمية وعلمية تأسست على النضال الشيوعي للكادحين والفلسفة الثوريـة المادية التاريخية والجدلية أشهرها عقول لوناشارنسكي ولوكاتش وبافلوف وحتى بوهر Niles Boher مؤسس ميكانيكا الكم. ولايعقل هؤلاء رد جمود أي فكر لمجرد وجوده مبسطاً وملخصاً وقاموسياً بين الناس، أو إلى نشر الناس له، كحق قرروه وناضلوا به، دعك عن أثر بلايين النسخ من روائع الأداب والفنون المثرية للوعي البشري بالحقيقة والجمال في إستيعاب مغازي الكلمات إن لم نرد الحديث عن أثر إرتفاع مستوى التعليم في عهد ستالين وإنمائه إمكانات الإطلاع على كافة مؤلفات ماركس ولينين وإغزار هذا التعليم لإمكانات إستيعاب وفهم الناس لها وإبداعهم منها في معارك البناء والدفاع عن الوطن والإشتراكية والإنتصار لها ضد أقوى دولة راسمالية في العالم آنذاك وهي ألمانيا النازية.


كذلك يمكن فهم السياق الديكتاتوري التجاري الذي حاصر هذه المؤلفات والإمكانات التي مثلتها في حاضر السوفييت جراء سياسات المؤتمر العشرين التي إنتصرت لجهة نظر المنشفيك وخروجهم على هذه الملخصات وإنفتاحهم الفكري والطبقي بالضرورة وهي جهة نظر موجبة لتقييم المنافع بالنقود، وما أفرزته من اوضاع سوقية في المجتمع والحزب والدولة إنتهت بها بعد عقود ثلاثة إلى حطام دولة كانت إحدي قوتين أعظم في العالم.



#المنصور_جعفر (هاشتاغ)       Al-mansour_Jaafar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشروع دراسة: -نقاط في تاريخ أمريكا الجنوبية وبعض المعالم الس ...
- بعد إعدام صدام، أهناك سبيل لقيام جبهة وطنية بين أحزاب الكورد ...
- الحزب الشيوعي العراقي والنضال المسلح ضد الإحتلال الأمريكي ال ...
- الحوار المسلح
- نقد عقلية -جرِب حظك- في تقويم وجود الحزب وافكاره
- في رحاب الأنفال الصليبية .....له الجلال ... قائدنا القتيل مي ...
- مقدمات تلخيص ستالين للفلسفة المادية التاريخية ونتائج الهجوم ...
- نقاط في التاريخ الثوري للسوفيتات والعوامل الإصلاحية والرأسما ...
- العولمة والخصخصة في تأثيل الفكر التنموي
- ما بعد الإيمان
- نقاط في علاقة المعرفة والمنطق والفلسفة والعلم والسياسة
- المنصور جعفر
- عزل الوضع السياسي عن المصالح الإجتماعية قاد إلى النفوذ الأجن ...
- محجوب شريف
- خزريات بابل ينشدن الزنج والقرامطة
- هوية الأزمة في موضوع أزمة الهوية: عناصر أولية
- المسألة اليهودية في السودان
- أفراح الحزب والدموع دجلة وفرات على وجه العراق
- إدانة الهجوم الدموي لجمهورية مصر العربية على لاجئين من السود ...
- أناشيد إسماعيلية لخزريات بابل المعاصرة


المزيد.....




- في ظل الحرب.. النفايات مصدر طاقة لطهي الطعام بغزة
- احتجاجات طلابية بجامعة أسترالية ضد حرب غزة وحماس تتهم واشنطن ...
- -تعدد المهام-.. مهارة ضرورية أم مجرد خدعة ضارة؟
- لماذا يسعى اللوبي الإسرائيلي لإسقاط رئيس الشرطة البريطانية؟ ...
- بايدن بعد توقيع مساعدات أوكرانيا وإسرائيل: القرار يحفظ أمن أ ...
- حراك طلابي أميركي دعما لغزة.. ما تداعياته؟ ولماذا يثير قلق ن ...
- المتحدث العسكري باسم أنصار الله: نفذنا عملية هجومية بالمسيرا ...
- برسالة لنتنياهو.. حماس تنشر مقطعا مصورا لرهينة في غزة
- عملية رفح.. -كتائب حماس- رهان إسرائيل في المعركة
- بطريقة سرية.. أميركا منحت أوكرانيا صواريخ بعيدة المدى


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - المنصور جعفر - الماركسية الجديدة وصناعة تجميد الإشتراكية في القالب الفطير لأعمال ما قبل ماركس وإنجلز ولينين وستالين والسائرون على خطهم نقداً وتعديلاً وإضافة