أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح2














المزيد.....

رواية (السوارية) ح2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6310 - 2019 / 8 / 4 - 21:33
المحور: الادب والفن
    


الطين والماء ... حياة
على يمين السوارية وأنت متجه نحو الجنوب وعلى أمتداد المجرى نشأت منطقة (النزيزة) من بقايا المنخفض الأرضي التي كانت تغمره المياه قبل إنحسار الماء عنها، ليتكون شط السوارية بمجراه العميق وليتخذ شكل النهر وينحت وجهها، لذا كانت الأرض رطبة تنز بالماء كلما أرتفع المنسوب في قلب الشط، سكنها الفقراء والوافدون الجدد للمدينة الصغيرة الناشئة على الأطراف بموجات متلاحقة وأولهم (المعدان) أهل الجاموس على شكل مجموعات متفرقة ما لبثت أن توسعت وأصبحت مجمع سكني له خصائص وميزة منفردة عن المدينة الأم.
في أربعينات القرن الماضي شهدت السوارية وهو الاسم الأول لمدينة المشخاب الحالية أول موجات النزوح فسكنت جدتي وسط المكان قريبا وبعيدا عن النهر، لم يكن هناك ملاكون للأرض الجديدة ومتاح لكل من يأت أن يسكن في أي جزء ظاهر من الأرض دون المبالات ببقايا الماء المتجزر والذي ركد وأصبح موئلا للحشرات ومكانا مناسبا لتربية بعض الطيور الداجنة من الإوز العراقي والخضيري وحتى الدجاج كان يمرح ويسرح دون أن يحتاج إلى من يوفر له الطعام، الغالب في البيوت التي نشأت هو ما يعرف بالـ (الجرداغ)، بيوت من قصب وسعف وبقايا البردي، وقليلا من البيوت الطينية سرعان ما تحولت إلى غرف مبنية من الطابوق عند الذين أمكنتهم الظروف أن يشيدوا واحدة منها في أماكن متفرقة حتى منتصف السبعينيات كانت هناك بعضا من هذه الجراديغ، لكن المنطقة أصبحت منتظمة أكثر وعم فيها البناء وشق فيها شارعين على طول المنطقة وبموازة مجرى النهر.
كل العناوين ترتبط بالشط وكل دلالة لا بد ان يكون الشط ومسمياته جزء منه، (ركبة الجسر) و (ذاك الصوب) و (الحدة) وهي زاوية شط السوارية حين يتفرع من شط المشخاب ليستقل بنفسه ويتجه جنوبا، الناس تعرف الجغرافية من مجرى النهر أكثر مما تعرفه من دلالات أخرى ربطت ذاكرتها به وصارت حتى في تحديد وجهتها تشير إليه، فالنازل جنوبا (حداري مع النهر) ومن يغرب أو يتخذ من الشمال هدفا فهو مغرب عكس مجرى الماء، يتجمعون عصرا بالمقاهي على حافة النهر وفي النهار سوق تجد فيه كل شيء من (التمن العنبر) وبيض الدجاج والفواكه والخضر وحتى الحلاقين المتجولين يتخذون من ضفافه محلا لترزقهم، كم هو عظيم هذا النهر الذي جمع الناس من حوله ليكونوا مدينة لها طعمها الخاص بها ويحتويهم كعيال تنتظر راعيها بشغف كل يوم ودون ملل.
وسط المدينة المحصور بين ضفتي شط المشخاب والسوارية هو الأكثر إستقرارا والأكثر تنظيما ابتداء من مدخل المدينة من جهة الشمال عبر جسر الدبينية حيث ينشق الفرات المشخابي عن فرع مهما من فروعه التي تحتضن المدينة من جوانبها الثلاث وصار حدا إداريا لها يفصلها عن ريفها ويعلن أول حدود بلديتها، المستشفى على الجادة قريبا من الكراج الذي تتواصل عبره مع العالم الخارجي، ثم المكتبة العامة على الضفة الأخرى من الشارع المعبد الذي يقسم المدينة، وعلى الجانب الاخر ثانوية العزة ومدرسة العزة وبيوت كبار الموظفين وبيت مدير الناحية ثم الفلكة المستديرة التي تمثل قلب السوارية ومجمع الناس في مواعيدهم.
تتفرع من الفكة المدينة جنوبا وشرقا إلى حافات الشطين من بداية شارع السيد وصولا لأطراف النزيزة، وعلى أمتداد النهر حيث نركز الشرطة وسجد سيد نور وسوق العرب لنصل إلى (ركبة الجسر) مرة أخرى، ومن مركز الشرطة حيث منطقة (ذاك الصوب) (راك الحصوة) عبر (جسر الدوب) الذي لوحده حكاية ورواية حينما تفلت الحبال الفولاذية من معقلها وتنحدر الدوب صوب ناظم المشخاب فينقطع وصل المدينة، الجميل أن هذا الجسر له حارسان ينبه أحدهما الأخر عند مرور سيارة أو عربة فهو لا يتسع إلا لواحدة، فيمر من هو الأسبق وعلى الأخر الأنتظار لحين عبور الأخر، الأخطر عندما يكون وقت الفيضان فيرتفع الجسر فوق المياه كأنه بطن حامل منفوخ للأعلى وخطر أن تجازف بالعبور أن تكون أنت على ظهر دوبة أو تسقط وسط الماء المتدفق بقوة.
هكذا أرتبطت حركة الناس بالماء وما يرتبط به في سلسلة من العلاقات التخادمية، وهكذا تحكم النهر بحرتهم حتى داخل المدينة ففرض عليهم الشط قانونه ومزاجه وإرادته وعلى الناس أن تتوافق معه شاءت أم أبت، النهر ليس جغرافية في منطقة السوارية وليس حياة تمنح الوجود أسبابها بل أيضا تحكمت في تقرير مصير المدينة فصارت السوارية رمزا لها بالرغم من أن البعض يظن أن النهر مجرد ماء وطين وجرف يسترزق منه الناس، حين تتكوم المدينة حول السوارية كعقدة تتحرك معه وبه وترسم خطواتها كيفما، يسير أعرف أن الماء هنا هو أكثر من حياة .....هو قانون جبري على الإنسان أن يطيعه بكل أحترام.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية (السوارية) ح1
- القانون بين وجوبية التطبيق ورغبة الخارجين عنه.
- العبودية وامتهان كرامة الإنسان
- هل لنا أن نجعل الدين ديمقراطيا في الواقع؟
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج1
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج2
- أساليب النهج الكهنوتي في رسم دائرة الوعي الديني
- العقل الجمعي بين الوعي المختار وهوس الجماعة
- الحاجة الفعلية للديمقراطية وحصاد الربيع العربي
- الأستحمار الفكري والمعرفي وعلاقته بمفهوم العقل الجمعي
- نداء...إلى متظاهر في شوارع البصرة
- قانون التداولية والمطلق المحال....
- الديمقراطية التوافقية الإشكالية والمشكلة
- ((وجعلنا في التراب كل شيء))
- القراءة الإشكالية وإشكاليات القراءة في النص الديني
- الفكر التنويري بين العودة المشروطة وبين التخلي عن نقطة البدا ...
- بين الإلحاد واللا دينية مشتركات ومفاهيم مغلوطة
- الشعور الديني او مظهرية الدين في الذات الإنسانية
- ليس كل الشعر كلمات
- الإعلام العربي ومشكلة الوظيفة وإشكاليات السلطة


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح2