أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الخامس 2














المزيد.....

إلِكْترا: الفصل الخامس 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5875 - 2018 / 5 / 17 - 14:15
المحور: الادب والفن
    


" الموت، أشبه بكائن وحيد على الأرض؛ لا أعداء له ولا أصدقاء.. "
قال الأبّ بشيء من العصبية، فيما كان يدور حول نفسه وهوَ على الكرسيّ ذي العجلات. ثم استأنف يُخاطب أحدهم " إنه حالة موضوعية، كما يقال في العلم. وبلغ من حياديته، أنّ البشر يتقبلون وجوده بين ظهرانيهم بنفس سهولة وتلقائية عملية التنفس.. عملية، يدرك قلة منهم صعوبتها وتعقيدها من الناحية العلمية البحتة ". وبالنبرة نفسها، تابعَ سفسطته: " ملاك الموت، عزرائيل، لم يُلعن أبداً من جانب أتباع أيّ دينٍ كما كان حال شقيقه، ابليس، ملاك العصيان. إنّ البشرَ اتفقوا جميعاً على لعن الشيطان، مع كونهم على دراية تامة بقلة ضرره قياساً إلى الموت.. "
" إلا طائفة صغيرة، تُعرف بالإيزيدية، فإنها ترفضُ لعن الشيطان بل وتحرّم حتى لفظ اسمه بحالٍ من الأحوال "، قاطعه ذلك المُخاطَب مُصححاً. دمدم الرجلُ المقعد من بين أسنانه ببعض الكلمات غير المفهومة، بينما كان يوجّه عجلته نحوَ شرفة المنزل، المفتوحة على مشهد الريف. ما لبثت هيَ أن وقفت خلف الأب، مُرسلةً بدَورها بصرها نحوَ هذه السجادة الخضراء الخالدة، المزركشة بالمزارع والأكواخ والزرائب. إنها كذلك، وإذا بضجة تتناهى من مكانها الأول في الصالة. ميّزت صوتَ " فرهاد "، وكان يصرخ مغضباً. تطاولت برأسها من خلفَ إطار باب الشرفة، لتراه وهوَ يرفع بوجه والدته معطفاً أسود اللون: " لِمَ سيرتدي معطفي ذاك، الأحمر، مع معرفته الأكيدة بأنه كبيرٌ عليه؟ "، سألها بلهجة اتهام. كانت المرأة مرتبكة، تفرك يديها بحركة لا شعورية. عاد الابن الثائر ليهتفَ، موجهاً هذه المرة كلامه إليها هيَ؛ مَن تقف عند مدخل الشرفة: " رأيتِ سيامند حتماً، حينَ كان يتبختر بمعطفي قبل خروجه من المنزل. ومع ذلك، تركتِني نائماً ولم تنبهيني كي أمنعه. ألا تباً لكل شيء! ". هنا، صرخَ الأب من وراء ظهرها بذلك الابن الغاضب: " أتعلم لمَ أخذ معطفك..؟ لأنه كبير الحجم، وبوسعه أن يضمّ فيه ابنتك الصغيرة. إن لون المعطف أيضاً يروقها، فضلاً عن رائحتك الأليفة المتوطنة فيه ". لبثَ الشاب مبهوتاً مصعوقاً، قبل أن يبادر إلى مسك كتفيّ أمه بيديه ليهزها في قوة: " ابنتي..! هل وجدوها، أخيراً؟ ". طفقت المرأة المسكينة على صمتها، تتطلع إليه وقد دمعت عيناها من التأثر أو ربما من الألم في كتفيها. الجواب على سؤاله لم يتأخر، على أيّ حال. إذ صاحَ أحدهم من إحدى الحجرات، الموصدة الأبواب: " أوريكا..! وجدتها! ". ذلك كان صوتُ أخيه الأصغر؛ باعث غضبه بسبب مسألة المعطف. أظلم وجه " فرهاد "، وما لبثَ أن حمحمَ قائلاً بأنه سيقتله لا محالة لو تأكّد له أنه هوَ وراء حادثة اختطاف طفلته..

*
" يا إلهي، إنني بدأت أهذي وكأنني بالفعل محمومة "، فكّرت وهيَ تمسّ جبينها براحتها. كانت قد أفاقت على صوت طقطقة المطر فوق سطح حجرة المحترف، الشبيه بجلبة مطرقة الحداد. وجدت نفسها صباحاً هنا، ملمومة على الأريكة. نومها العشوائيّ، يشهدُ عليه فروة الخروف، المشدودة على جسدها كغطاءٍ. عند ذلك، استعادت تفاصيل الليلة الفائتة وما تهيأ لها أنها رؤيا. صوتُ وقع المطر على السقف، ربما أعانها على تذكّر إرهاصات واقعة الرؤيا، الموهومة. بدأ الأمرُ مساءً بصدى ضحكةٍ ساخرة رددتها ذبذبات الهاتف، هناك في صالون الشقة. ليتبعه على الأثر صدىً آخر، مُبهمٌ، لطبول ساحة جامع الفنا، البعيدة.. صدى، لم يكن في حقيقته سوى صوت الرعد الآتي من مكانٍ أكثر نأياً؛ لعله قمم الأطلس المكللة بالثلج الناصع، والمحيطة كسوارٍ ماسيّ بمعصم منطقة أوريكا.
" أوريكا..! "، هكذا هتفَ ذلك الإغريقيّ مُكتشف القانون الفيزيائيّ المعروف بنظرية الانغمار. وكان على السيّدة السورية تقمّص حالة " أرخميدس "، مفرخة مخاوفها، بعدما خيّل إليها أنها مريضة بالحمى أو ربما بما هوَ أسوأ منها. وهيَ ذي الآنَ تنهضُ نشيطة، لتذهب إلى الحمام. تستقبل بعدئذٍ خادمتها، المكفهرة الوجه، لتتناول منها فنجان القهوة بالحليب. ابتسمت لها على سبيل التنكيد، غير عابئة بمظهرها الصباحيّ الكئيب. كانت " للّا عيّوش " مُتقنعة بهذا المظهر مذ استبعدتها مخدومتها في خلال زيارتيها لفيللا الأسرة المحسنة، الراعية لحبيبتها الصغيرة.
وإنما في اللحظة ذاتها، أخذ شريطُ حلم الليلة الفائتة يتوالى مع صوره أمام عينيّ " سوسن خانم ". فانتقل قناع التجهم إلى سحنتها، فيما فكرة مشئومة تتسلل إلى رأسها المكلل بالشعر الأشقر، المتناثرة خصلاته بفوضى زادته جمالاً. تمتمت على الأثر: " آه، فرهاد المسكين! ". المرأة الملولة، وكانت ما تفتأ متسمرة عند مدخل الحجرة، نظرت إلى معلّمتها في دهشة مقرونة بالتساؤل. على أنّ الخانم سرعان ما ثابت إلى نفسها، لتطلب من خادمتها الانصراف. آبت إلى أفكارها، فيما ترشفُ من القهوة على مهل. ثم ما عتمت أن قلبت الفنجان على صحنه المنمنم، مثلما تفعل النسوة في المشرق بهدف قراءة حظهن من خلال خطوطه، الأشبه بدروبٍ تائهة في أعماق منجم للفحم الحجريّ. لعلها لجأت للعبة الحظ، وكانت تصفها عادةً بنموذج تخلف المرأة المسلمة، لعل ذلك عائدٌ إلى إدراكها بعجزها مجدداً عن الكتابة في دفتر المذكرات.
إلا أنها كانت متألقة المظهر، خالية من الأفكار المُثبطة للعزيمة، آنَ دخلت إلى مكتب أعمالها على الدور الأول من المقر. ما أن استوت وراء طاولة المكتب العريضة، إلا والمرافقة تتلقاها بالقول: " عشر سيّدات على أقل تقدير، طلبنك على الهاتف خلال الساعة المنقضية ". ألقت نظرة محددة على المرافقة، وقد انفجرت الهواجسُ ثانيةً في داخلها. نقلت من ثمّ عينيها إلى قائمة أسماء أولئك النسوة، المسجّلة على الصفحة المضيئة لشاشة الهاتف. لتتنبأ في لمحة واحدة بلغز تلك المكالمات، المتدفقة على غير العادة من جهة نساء لا يربطها معهن عملاً تجارياً: " أعتقدُ أنّ جليّة الأمر يتعلق بوضع الأميرة، الصحيّ؟ ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلِكْترا: الفصل الخامس 1
- إلِكْترا: الفصل الرابع 5
- إلِكْترا: الفصل الرابع 4
- سيرَة أُخرى 68
- إلِكْترا: الفصل الرابع 3
- إلِكْترا: الفصل الرابع 2
- إلِكْترا: الفصل الرابع 1
- إلِكْترا: الفصل الثالث 5
- إلِكْترا: الفصل الثالث 4
- إلِكْترا: الفصل الثالث 3
- سماءٌ منشقّة
- إلِكْترا: الفصل الثالث 2
- إلِكْترا: الفصل الثالث 1
- هيتشكوك المصريّ؛ مقاربة لأحد أفلامه
- إلِكْترا: الفصل الثاني 5
- إلِكْترا: الفصل الثاني 4
- إلِكْترا: الفصل الثاني 3
- إلِكْترا: الفصل الثاني 2
- إلِكْترا: الفصل الثاني 1
- إلِكْترا: الفصل الأول 5


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الخامس 2