أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نادية خلوف - سجن الرّوح-الحلقة الأخيرة-















المزيد.....

سجن الرّوح-الحلقة الأخيرة-


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 5871 - 2018 / 5 / 13 - 16:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قال لي: نزعوا إيماني عنّي، وتركوني على ناصيّة الطريق. هل لك أن تجلبي لي وجبة طعام مم طبختِ؟
هل يمكنني أن أرد طلب شخص يمارس طقوسه اليومية فوق قطعة كرتون على زاوية الشّارع؟ إنّني ضعيفة أمام الآخر الذي تلاحقني مأساته.
جلبت له صحن طعام وكأس ماء، فطلب منّي أن أجلب له الثلج أيضاً، فجلبته. جلست قربه على الحافة. نظر إلي وقال: ما ديانتك؟ لم أجب طبعاً، لذت بالصمت. أجاب عنّي: يبدو أنّك بلا دين وكما حدث معي حدث معك. نحن متشابهان، فقط أنت تبدين محترمة في نظر المجتمع، وأنا لا أبدو محترماً. رفع كأسه وقال: في صحتك!
قال لي أيضاً: أعرفك . سمعتك وأنت تخطبين في احتفالات الحزب بمناسبة عيد الجلاء. صوتك حاد، والجمهور غائب، وأنت تعوّين. آسف على التّشبيه، لكنّها الحقيقة. هل رأيتِ أبا باسل يقبّل تمثال الرّئيس؟ أنا مثله تماماً هو فقد عقله في فرع الأمن، وأنا فقدته في فرع الرّفاق، أتواصل معه كي نقوم بمسير إلى القرداحة لزيارة أضرحة ذوي الكرامات. نسيت أن أقول لك: ليس كلّ التعذيب هو جسدي. عذبوني ونكّلوا بي، وشهرّوا باسمي، ولم يحدثني بعد حملتهم تلك شخص واحد ، لذا لذت بالجنون كي أختصر عليهم الطريق، وقد ذهبت إلى الجامع كردّ فعل عليهم، لكنّهم يشبهونهم -أعني أئمة الجوامع-.
نزعوا عنّي أغطيتي، إيماني بالله، بالحياة، بالمستقبل، وأنا لست "محكوماً بالأمل" لو قدّر لي أن أكون مشهوراً مثلهم لاخترت جملة يردّدها الشّعب المعتوه مثلك ومثلي، كجملة" محكومون بالأمل "
كان ذلك قبل زمن طويل، حدثني به شخص معروف في المدينة أنه يسهر على " كرتونة" في زوايا الشّوارع، وينام حتى الصّباح في الشّارع. رأيته مرّة أخرى في شارع آخر لكن لم يجر بيننا حديث، وسمعت مؤخراً أنّه قد مات.
. . .
لا أخفيكم سرّاً لو قلت لكم أبحث عن شيء جميل لأقرأه فقد جافتني القراءة منذ ساعة حلّت فيها القضايا، وأصبح الحديث ممانعاً، أو مناضلاً، فأنا امرأة أبحث عن الجمال، ولم أستطع أن أصنعه لسبب بسيط أنّني كنت محاصرة بكم. نعم أتهمكم جميعاً فحتى هذه اللحظة تتحاربون مع أفكاري صنعتم حلفاً وطنياً في مواجهتي، وأنا وحدي أهيم بين النجوم أحياناً، وفي المقابر أحياناً. علني أقف على حقيقة واحدة.
أرغب أن ألتقي ببشر عاديين، ولا أجد ،فكلّ من ألتقي بهم في العالم الحقيقي، أو الافتراضي يثيرون غيرتي لعظمتهم. جميعهم عظماء. لا أعرف كيف لي أن أتخلّص من صداقة العظماء حيث يجب أن تكون البهيمة الوحيدة بينهم ليتندّروا بك كغبيّ.
لا أعرف أن أشرح كيف هو شعوري، لكن لو وصلت إلى شخص عادي سوف أطلب منه أن يعاملني كأنا فقط، وينسى من لهم علاقة بي من أي نوع.
. . .
كنت أحاول أن أكتب كما يكتب الكثير من السّوريين. إما عن الوطن، أو عن تمجيد الفقر، أو الحزن على الضحية، وفي أحسن الأحوال عن أمّي . أتلاعب بالكلمات، لكن لا أعرف إن كان من سوء حظي أم من حسنه أنّهم لم ينشروا لي، فقد أرسلت مرّة قصة أطفال مصورة لمجلة أسامة، ولم يأتني الرّد حتى الآن، نشرت في صوت المرأة التابعة لرابطة النساء-وليتك تعرف ماهي تلك الرابطة-لكنهم ينشرون لي بدون تذييل ما أكتب باسمي. لولا أنّني تماسكت لأصابني كما أصاب أبو باسل، أو ذلك الشّخص الذي قرأ لي الحياة على زاوية بيتنا. أمامك خياران هنا: أن تعلن جنونك، وعندها تعيش برضا، أو تغلق بابك، ولا يفوتك أي أمر فلا شيء تغير منذ ولادتي حتى اليوم، واخترت الحلّ الثاني.
التقيت بإحدى الرّفيقات، وكانت طالبة معي في دار المعلّمات. كنت أحسدها لآنها تستطيع أن ترسم بنات جميلات. دردشنا طويلاً. حسدتها هذه المرّة على ذكائها، فعندما أردت أن أحدثها عن مارسيل خليفة وشعر محمود درويش: قالت لي: رجاء. دعينا نكمل الجلسة دون أن نفقد صداقتنا. كدت أنسحب من الجلسة، فأنا تلك الثورية التي تحفظ كلمات الشّعراء عن ظهر قلب تهزّئني صديقة الشّباب الأوّل. ربتت على كتفي وقالت: سوف أمر مروراً سريعاً على ماكنت سوف تقولين ، وأترك لك الجواب بعدها:
لا أنكر أنك تملكين موهبة أحسدك عليها، وهي القدرة عن التّعبير، لكنّ موهبتك في حكم الميتة. لن أناقش أمرك، ولكن دعي كلامي يذهب كحلقة في أذنك. كلّ الذين طبعوا ونشروا على حساب اتحاد الكتاب كان لهم مفتاح، وكلّ مما انتشر من حديث عن عظمة الشعراء والكتاب روجته دوائر أمنية، والدائرة الأمنيّة ليست مقتصرة على الأجهزة الأمنية السّورية. بل على الأحزاب الفلسطينيّة، وعلى الموال
ين للرؤساء، فالقذافي يشتري أكبر كاتب ثوري على سبيل المثال-كان القذافي يومها على قيد الحياة-. بل هناك من يدافع عن جنونه. لو أردت أن نصنّف شهرتهم. مثلاً نزار قباني. كان دبلوماسياً سورياً، وأصبح مع ياسر عرفات وصدام فاشتهر، ونسي جميع القراء أنّ زواجه الثّاني كان كزواجه الأوّل تماماً، فقد كان أبو زوجته الأولى صاحب سلطة ومال، وكذلك كان والد زوجته الثانية. لا علاقة للحبّ بذلك.
هذا الحديث جرى حقيقة وكنا نحن الاثنتان قد تجاوزنا الأربعين من عمرنا ، وقلت لها يومها أنك تعمّمين، لا شكّ أن لدى هؤلاء موهبة. أجابت: أنا حزينة لأجلك يا صديقتي. لم يعد ذهنك منفتحاً. أنت تعيشين كذبهم، وتصدقينه. هم يبثون، ونحن نتلقى. أتمنى أن ألتقيك يوماً خارج سورية، فأنا عازمة على الرّحيل. طلقني زوجي، هو من طلّقني لأنّني كنت جبانة مثلك. اعتقدت أن الصبر مفتاح الفرج. وحصلت الآن على عقد تعليم في دبي، ولا أعرف أين مصيري بعد دبي، لكنّني سوف أفتح قلبي للعالم.
. . .
أكتب عن ألم بعض من عرفتهم، وليس عنّي. كنت أنا بلا ألم، وبلا فرح أيضاً. أراقب، أراوح مكاني، يؤرّقني الليل، ويطلب منّي أن أواجه نفسي، وواجهتها. قالت: كل ما فعلته على مدى عمرك متعلّق بكلمة واحدة هي السّذاجة. تكرّرين التّجربة ولا تستفيدين منها، فتكررينها ثانية، وثالثة ورابعة. . . وهكذا دواليك.
طبعاً اعتذرت لصديقتي بعد فوات الأوان لأنّني لم أفهمها، وقلت لها في محادثة على الفايبر. لقد طويت الماضي ووضعته في حفرة. منذ اليوم لا أصدّق أحداً سواء سمى نفسه معارضاً أو موالياً. لن يكون لي نصيب مع جيل تشوّه فكره، ولا يريد أن يصحو. إنّني منسحبة من كل القضايا، ومن كل الكلمات التي تحتوي كلمة الوطن، أو العبقري، أو العظيم. صفقت لي عن بعد. قالت نحن نتبادل الأدوار. مرّة تكونين أنت على صواب ومرّة أكون أنا، لكنني أسألك بكلمة واحدة هل لا زلت مع الثورة ؟
أجبتها: نعم لو عاد أولئك الشّباب من القبور، ورأيتهم يهتفون للحريّة لكتبت مرّة أخرى صباح الحرية. ولو أتى جيل يشبههم لكتبت لهم أيضاً. أما والأمر محصور بين من همشنا كنظام وأصبح معارضة فهمّشنا، فالأمر محسوم. أبحث الآن عن نفسي ضمن العالم. أرغب أن أتمتّع بحضوري في هذه الحياة. أرغب أن أنجز مع الغرباء ما رغبت بإنجازه مع الأحبّة ومانعوا في ذلك.
أرغب أن أختم ببعض مشاعري التي شعرت بها يوماً بأنّ سورية قد سجنت ليس روحي فقط. بل حجبت المعرفة عن عقلي، وسطّحت أفكاري، ووضعتني في دائرة تشبه السّلسلة لا أستطيع الانفكاك منها، ولا السّير برفقتها.



#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغرب غرب ولن يتحارب
- السّياسيون، ورجال الأعمال مخلوقات مستنقعيّة
- حملة مي تو تلاحق الأموات ، وتعرّف بعبقريّة الرّجال
- حرب تجارية بين ترامب وأوروبا تحت عنوان الملف النّووي ، فمن س ...
- سجن الرّوح-23-
- عصر سقوط النجوم
- سجن الرّوح 22
- من القصص الإنسانية
- في يوم الصّحافة
- سجن الرّوح-21-
- حركة نورديا النازية في شمال أوروبا هي معاون مطيع لروسيا
- سجن الرّوح -20-
- شجن الرّوح-19-
- المرأة خاطئة إلى أن يثبت العكس، واليوم تثبت العكس
- الحكم على بيل كوسبي
- سجن الرّوح -18-
- هذا الإرهاب ليس داعشياً.إنها مجموعة إنسيلز الكارهة للنساء وا ...
- سجن الرّوح-17-
- هل وسائل التواصل تكفي لبناء ديموقراطية ؟
- أمريكا تبحث عن مخلّص


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نادية خلوف - سجن الرّوح-الحلقة الأخيرة-