أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - الطائر الصاعد .... فصل من روايتي (حين يحزن القمر)















المزيد.....

الطائر الصاعد .... فصل من روايتي (حين يحزن القمر)


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5661 - 2017 / 10 / 6 - 18:58
المحور: الادب والفن
    



تهيأ كريم وأستير لرحلة المساء التي ستطول حتى صباح الغد في جو بارد يقترب من برودة أيام الشتاء، تواعد الجميع الحضور في محطة القطار بأنتظار القطار الصاعد متوجهين في رحلة لا يتوق أحد منهم أن تنتهي وفق رؤية معقولة، أبو سامر حجي حميد وزوجته أم ثامر وأبنهما الصغير أركان أول الواصلين، كل شيء مهيأ ومعد للرحلة مع الزحام الشديد فالسفر مساء الجمعة بالتأكيد يختلف تماما عن باقي الأيام حيث الجميع في رحلة العودة إلى بغداد.
عساكر وطلاب جامعات وموظفون والكثير ممن لديه أعمال خاصة في العاصمة أو المدن التي يمر بها القطار، أحتشدوا للحصول على مقعد مناسب، الغالب هنا هم من يرتدوا الزي العسكري والذين يمكنهم الجلوس أو حتى الوقوف طيلة ساعات الليل أو متنقلين بين عربات القطار في محاولة لتقطيع أوصال هذا الوقت الممل والمصاحب لضجيج أحتكاك القطر بسكته في صفاء الليل وأجترار الأحلام والأماني، أبو سامر كان يحمل ست تذاكر تحصل عليها بطريقة ما لكنها تكفي للجميع أن ينعموا برحلة مستقرة.
مما عشقته سميرة ذكرياتها في هذا القطار الصاعد وهي تستقله مرتين في الشهر وأحيانا أكثر عندما كانت طالبة في أكاديمية الفنون الجميلة، الجزء الأكبر من ذكرياتها المدونة تدور على رحلة القطار ودونتها بعنوان الطائر الصاعد الطائر النازل، لم يتذوق كريم ما كتبته سميرة عن أيام السهر الطويل لأنه لم يجرب مرة أن يكون محشوا في عالم رهيب ولمدة قد تصل إلى نصف يوما مع عالم متعدد الأحلام والألوان والهويات دون أن يمكنه أن يخرج كما كان قبل الرحلة، سميرة ترى في القطار عراق يتنقل من مكان لمكان على ظهر عجلات حديد ليثبت لوجوده أنه حي.
أم ثامر جسدت حبها للسفر وهي ذاهبة للبحث عن بقية ناس تعرف أنهم جزء منها من تأريخها، جزء وإن كان بعيد وأحيانا يمكن أن تصفه بالمهمل ولكنه عزيز، حملت الكثير مما تحب أن يكون معها لمن سيكون القادم الذي ستلتقيه، قد تصحو في صباح الغد لتجد أن ما نقله كريم مجرد حلم وأنتهى، أو لربما أن ما حدث قبل أن يصل لهم قد تم على خير دون أن يدري الرجل بما جاء من أجله، أحلام وأمال ممكن أن تنتهي ببداية رحلتها التي لا تعلم كم ستطول، كم سيكون مؤلما إن لم تجد لهم أثر، لذا حملت معها مؤنة الطريق وكأنها ستسافر إلى مكان خال من الطعام والشراب، إنه الكرم البصري يتنقل مع أصحابه حيث وجد وحيث يوجد.
بإنتظار أن يصل القطار على رصيفه سأل كريم أم ثامر ممازحا عن شيء يبدو له غريب....
_ يا خالتي هل لي بسؤال؟
_ نعم سل ما يبدو لك فأنت كأبني ثامر وهذا الذي جالس قربك أخر العنقود.
_أسمع أن الحاج ينادونه أبو سامر وينادوك بأم ثامر، هل أنا مخطئ أو في الأمر شيء أخر...
_صحيح سامر هي الولد البكر للحاج وأنا الذي ربيته ورضعته والأعز من أبنائي بعد أن توفيت أمه وهو ما زال رضيعا، إنها صديقتي وجارتي التي كانت بمثابة أخت لي، نشأنا مع بعض في بيت يمكنك أن تقول إنه واحد، سامر هو زوج سميرة المرحومة والذي لم أنل منه إلا كلمة أمي التي لم أجد أحلى وأنغم منها عند أولادي وبناتي، كان حنينا حد الموت.
_فهمت الآن...
_وكيف تعرف على سميرة وتزوجها؟ ....
_دخل الأثنان أمتحان البكلوريا سوية في سنة واحدة وحيث كانت القرية بعيدة نسبيا عن البصرة فقد سكن في بيت عمته رزيقة، في هذه الفترة كانت سميرة أيضا تؤدي أمتحان البكلوريا.....
_اهااااااااااااااااا إذا كان لا يعرفها سابقا.
_ لا كان يعرفها ولكن ليس بالشكل الذي مر عليهما خلال الأسبوعين فهي كانت تتردد مع أمها على بيتنا وأنا الحاج نقربها نسبا وسميرة أقرب لي من أمها من جهة النسب.
صفير القطار الطويل والمتقطع القادم للتهيؤ لرحلة الصاعد قطع الحديث فيما الجميع يقترب من حافة الرصيف بحثا عن رقم العربة، أستير والحاج وأركان تقدموا للأمام حاملين معهم الأمتعة فيما كان كريم يماشي السيدة أم ثامر نحو الأمام ليكون أقرب للعربة، ما إن أستقر القطار وفتحت أبوابه وإلا تسلق الناس الأبواب كأنهم يتزاحموا على بوابة الدخول للجنة، طالما أن هناك نظام الأرقام فلا داع للعجلة وأنتظر قليلا أما البوابة الخلفية للعربة حتى يستطيع أن يساعد السيدة بالصعود، الجميع تقريبا أستوعبهم القطار ولم يبقى إلا أفراد قليلون على الرصيف وبعض من الشرطة ورجال الأنضباط العسكري.
إنساب القطار كأنه حية يتلوى على سكة لا تبدو أنها تنتهي بمكان والضجيج محتدم بين حركات المسافرين وما زال البحث عن مكان، رجال ونساء شباب بمختلف الأعمار باعة الشاي واللفات، شرطة تمر بين الممرات تبحث عن أنتهاك هنا أو تجاوز، الجميع متسمر في مكانه حين جاء (التيتي)، عرف كريم أن هذه المظاهر هي ذاتها يوميا تتكرر كأنها طقوس مفترضة، جلس حجي حميد مع كريم في مقعدين متجاورين فيما جلس أركان وأستير في المقعد الذي يلي، وحدها الحجية أم ثامر كانت تجلس مع الكثير من الأكياس واللفائف التي لا يعرف أحد ما فيها إلا من جمعها جمعا.
سرح كريم بخياله وهو يتأمل سامر وسميرة وهما في رحلة الصعود والنزول الشهرية بين البصرة وبغداد، لا بد أنهما عرف بعضهما بعضا بما لا يمكن أن يختفي خلف الظن شيء، كطائرين على غصن واحد جمعهما القدر وفرقهما القدر، فتركها كعصفورة تلوذ بالمجهول من غضبة الموت حين سرق منها الجمال كله، بل سرق منها الحياة، الغريب في كل المذكرات التي قرأها مرات ومرات لم تتطرق سميرة لحياتها وزواجها بالقدر الذي أسهب بسرد ذكريتها في القطار.
كانت البصرة بالنسبة لها ليست مدينة أولدتها الصدف أن تكون هكذا، كانت تعتقد أن تغييب وجه البصرة الحقيقي وراءه قضية تريد أن تقول إن مدينة العشق والموسيقى والبحر، لم تكن إلا مجرد صحراء مصرها الأعراب القادمون من عمق الرمال على خيل جامحة يسوقها ملك الأموات عزرائيل ليجعلها قاعدة لجمع الغنائم، البصرة التي أدماها أهل الصحراء بقسوة وأفراط لم تفرط بهويتها أبد مذ كانت تستقبل وتودع سفن السومريين وهي تغزو البحار البعيدة وتعود بالجمال من أرض الإنسان البعيدة.
الحديث مع أبو سامر حول البحر والبحارة وسفن الصيد وسفن الرحلات والعبارات التي تتنقل بين ضفتي شط العرب لم ينتهي، وكلما أجتمع معا في الليالي والأيام الثلاث السابقة يعود الحديث عن البحر والشط والصيد والغوص، كان والد عبد الحميد أشهر نجار مراكب في البصرة كلها بضفتيها، ركب البحر بسفنه الصغيرة التي صنعها ووصل للبحرين وإلى عمان، تاجر بجميع أنواع الخشب وعرف كل الموانئ والمدن التي كانت تنام على ساحل الخليج أو على أطراف الشط.
صوت عجلات القطار يصل إلى أذان راكبيه كأنه أنين ليلي لا ينقطع عن معاناة ووجع الراحلين والمرحلين بقدر أو بإرادة الهروب، أنين معبر وبوح خفي كثيرا ما حرك المشاعر وأخرج مكنون الروح من عقالها فولدت قصائد من زمن الألم والحسرة، حاول كريم أن يستغل بعض الهدوء الذي خيم على العربة وقد بلغ التعب مبلغه على المسافرين، منهم من أستغرق في نومه عميقه ومنهم من يجاهد على أن ينال نصيبا منها، الجميع صامت إلى من بعض الأحاديث شبه الصامتة من هنا وهناك.
أبو سامر الذي أسترخى وجعل من معطفه السميك وسادة له على زجاج العربة ليريح جسده الستيني المنهك بسمرة شط العرب ووجع الفقدان والألم وهو يتذكر سامر ولده البكر الذي كان بعناده وعصاميته مفخرة لم ينالها أحد من قبله ولا بعده، تذكر تلك السنين الجميلة خاصة حينما ودعه وزوجته سميرة على نفس هذا القطار وعلى ذات السكة لقضاء شهر العسل في الموصل، كانت الدموع تنصب على خديه وقلبه يرقص طربا وهو على رصيف المحطة يرسم بخياله الواسع صورة لتلك العائلة الجميلة التي سيراها يوما وقد منحته السعادة الكاملة، سامر وسميرة نجمان من سماء الخيال خرجا معا وغادرا معا والحسرة ألم يعصر قلوب المحبين.
البعض ما زال يتنقل من عربة إلى عربة أخرى من خلال الممر الطويل والأبواب الموصلة بينها، منهم من يحمل هما لا يكاد يستريح وآخرون يحاولون تمزيق جسد الليل الطويل، البعض يبحث عن فرصة ليغازل أو يتغازل مع حبيب مجهول أو وجه التقاه صدفة، كريم يتابع وكأنه مكتشف لهذا العالم الذي يعيشه لأول مرة، عالم محدود لكنه حقيقي وواقعي وجميل بحزنه وفرحه لمن يعيشه كمراقب، أخرج دفتره الصغير متأملا كل الوجوه التي مرت به أو مر بها وهو يحاول أن يبدأ في سياحته الروحية مع الذكريات....
الليل أفعى تبتلع كل شيء
يعتريها الجوع دائما ولا من شبع
هكذا يبدا ساعاته مع المتعبين من حمل النهار
وأيضا
يبدأ مؤانسة عشاقه في زمنهم الأثير
الليل لا يستحي أن يكون شريكا لمن يسرق الفرح
في لحظة عبث وشرود
ولا يأبه أن يستمع بلا هوادة لأنين مكتوم
إنه الليل المغمس دوما بكأس خمرة النسيان
فيذهب في أتجاه واحد ثملا
فيتخلى عن كل محبيه
وكل من حمل له آيات الكره والضغينة
لينام تحت ظل الشمس المحرقة
حتى تتعب هي الأخرى
فتنام تحت ظله المعتم
هكذا نولد وهكا نرحل
وهكذا نموت
لا شيء مهم في هذا المنوال
المهم ألا تقطع على الليل
سلسلة أفكاره المجنونة
حين تنادي الصباح وهو نائم في أخر عربة القطار.
أم ثامر التي كانت أول المبادرين إلى الغوص العميق في مرحلة السبات الليلي كانت أيضا أول من بادر لليقظة المبكرة أنتظار لفجر يوم آت، رفعت رأسها تتفحص من يمكنه أن يكون يقظا في هذا الوقت ولتطمئن على زوجها وجدت أن كريم ما زال كما تركه في أول الليل يتفحص الوجوه، ويكتشف الأشياء من حوله في لمحة استغراقية لم تتعودها من أحد من قبل سوى ما تعرفه عن قرب عن أبنها سامر، نهضت من مكانها والقت التحية عليه وذهب لتنزع عن وجهها أثر الليل والنعاس.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية الفردية وإشكالات المعنى والدلالة
- الحرية الفردية وإشكاليات المعنى والدلالة
- فصل أخر من روايتي (حين يحزن القمر)
- فوبيا الظلم والمظلومية
- فصل جديد من روايتي (حين يحزن القمر)
- فصل من روايتي (حين يحزن القمر)
- لعبة القتل الحميد.......!
- فصل من روايتي (أيام الفردوس)
- تحديات الواقع للعقل الإسلامي ومجتمعه في ظل عالم متطور
- الحوار المفتوح........ ج22
- ترهات عربي ملحد
- العراق بين مطرقة الأستفتاء وسندان عجز الحكومة
- الحوار المفتوح........ ج21
- الحوار المفتوح........ ج20
- الحوار المفتوح........ 19
- الحوار المفتوح........ ج18
- الحرية الدينية وميزان المنطق العقلي فيها
- الحوار المفتوح........ ج17
- الحوار المفتوح........ ج16
- الحوار المفتوح........ ج15


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - الطائر الصاعد .... فصل من روايتي (حين يحزن القمر)