أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - عالم بلا معنى بلا آلهة















المزيد.....



عالم بلا معنى بلا آلهة


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 5443 - 2017 / 2 / 26 - 17:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- نحو فهم الحياة والإنسان والوجود (62) .
- تأملات وخواطر إلحادية – جزء إثنين وعشرون .

هى تأملات وخواطر قد تكون مبعثرة ولكنها لن تضل طريقها فى تأكيد أن المعنى والقيمة والغاية مفهوم وفعل إنسانى حصرى وأن الوجود والحياة والطبيعة لا تحمل معنى فى ذاتها , وهذا لا يعنى حالة صوفية زاهدة بل رؤية عدمية لا تعتنى بإحتقار العالم فنحن مطالبون بالإستمتاع بالحياة فى إطار خلق معانى لها شريطة أن ندرك بأن المعانى هى إنتاجنا حصراً ولا وجود لكيانات تُصدر لنا معانى ورسائل فهى معانينا ورسائلنا التى نغفل عنها لنخلق أوهامنا .

- إنت اللى شيطنت الشيطان .
يلح علىّ سرد هذا المشهد الذى مر عليه عدة ايام عندما تقابلت مع كاهن تطرق لمسامعه أفكارى الإلحادية اللادينية فأراد أن يقتحمنى بغية هدايتى أو إبراز مواهبه وقدرته على فرد العضلات لأنفرد به وأركزعلى نقد فكرة وجود إله بعد أن مررت سريعاً على نقد المغالطات واللامنطقية فى مرويات وأساطير ومفاهيم الكتاب المقدس ليقول لى بعد جلسة إستماع طويلة : إنت اللى شيطنت الشيطان . لأعتبر قوله هذا بمثابة دعابة وعجز لأرد بالقول : شوف أنا على أتم إستعداد التعاطى مع أى فكرة فى الوجود لأنفى منها وجود إله .
أردت ذكر هذا المشهد لأقول أن أى إنسان بتأملاته الحرة المنطلقة المتحررة من التغييب والإنبطاح والتلقين قادر أن يتفوق على أسطورة فكرة الشيطان .. ومن هنا أتناول مقالى هذا الذى يعتنى بفكرة المعنى بعد أن تناولت فى مقال سابق مقولة الغاية لأبدد منها فكرة وجود إله أيضا .

- لقد وُجدنا فى الوجود رغماً عن أنوفنا فأردنا هذا الوجود لننفق وجودنا فى البحث له عن معنى ولنتماهى فى المعنى والغاية التى أنتجناها لنبدد حياتنا فى غايات مُختلقة مُتعسفة وأصنام معانى متوهمة .

- ليس للقيمة والمعنى أى حقيقة موضوعية فهى تقييمنا وذوقنا وتعبير عن إسقاط لإنطباعاتنا وتصوراتنا للأشياء ليكون إختيار الإنسان لمعنى وقيمة ليس قرار ناتج من معرفة صارمة مستقلة تفرض نفسها , فالعلم لا يقدم قيّم أو إنطباع بل يقدم عالم مادى مجرد , لذا فالقيمة والمعنى قرار كيفى إنطباعى مرتبط برؤية شخصية .

- الطبيعة ليس لها معنى ولا غاية فهى غير واعية ولا مُدركة ولا مُرتبة ولا مُنظمة بل تلقى بصورها بعشوائية .. المعنى مفهوم واعي إنسانى جاء فى خضم منظومة ثقافية وبالتالي هو معنى ذاته .. المعنى الذي يبحث عنه الإنسان هو المعنى الذي يتوافق وينسجم مع متطلبات حدوده المعرفية والثقافية وإحتياجاته وتساؤلاته الإنسانية , فالطبيعة ليست لديها تساؤلات وبالتالي هى لا تفرز معاني .

- الإنسان بإعتباره كائن إجتماعى لا يحقق وجوده إلا من خلال علاقات مع الطبيعة وبني جنسه لنجده يشارك في صناعة المعنى والقيمة والغاية إذ لا يمكنه الإنفصال عن محيط العلاقات الإجتماعية , فالأنا تتحقق من خلال علاقات مع أنا الغير سواء سلباً أو إيجاباً .

- تتغذي الكائنات الحية علي ضوء الشمس والماء ثم تفترسها كائنات أخري في دورات مستمرة لتساهم القوي الفيزيائية فى تدمير وتحليل الجميع . فأين المعنى ؟ كذلك يعيش الإنسان متغذياً علي النباتات والحيوانات والماء وضوء الشمس ثم يموت ليلاقي مصير كل شيء ويذوب مساهماً فى وحدة وجودية أخرى , فأين المعنى والقيمة والغاية ؟ .

- عالم ما تحت البحار عالم ثرى لدرجة جنونية .. هو عالم مستقل بذاته تُمارس فيه كل أشكال الحياة فلا يعنينا هذا العالم إلا فيما نستفيد منه .. هو يمارس وجوده بإستقلالية عن وجودنا وينتج الحياة لذاته ويكون حضورنا هو تطفل على وجوده , لنمتلك بجوار هذا التطفل فكرة غبية كتوهم أن عالم البحار تواجد خصيصاً لتطفلناعليه , ولم نسأل عن معنى وجود الأسماك قبل وجودنا بملايين السنين .

- ما معنى أن أرزاق وحياة كل الكائنات لا تستقيم إلا بنزع حياة كائن آخر , فالكل يفترس الكل , فالحيوانات تعيش على افتراس حيوانات أخرى ونزع حياتها وبعض الحيوانات تعيش على نزع حياة النباتات , والإنسان يعيش على نزع حياة الحيوان والنبات .. عندما نعلن عن وجود حكمة مرتبة ذات معنى فسنجنى كل العبث من هذه الدورات المستمرة العبثية من الإفتراس والتطفل , ولكن هكذا هى الحياة بلا معنى .

- الإنسان بوعيه فارق الطبيعة ليتصادم مع وجود مادى ليصبح راصداً لهذا الوجود مدركاً فى أعماقه أن الوجود بلا معنى ولا غاية لذا خلق بشكل عفوى غايات ومعانى لتجعل للوجود معنى وهذا شئ جيد يهدف إلى خلق حالة توازن نفسى مع وجود غير معتنى , فالقلق والتوتر والعبثية والعدمية السلبية مصير من لم يمنح غاية ومعنى للوجود المادى , ولكن الإشكالية تكمن فى التعاطى مع المعنى والغاية بشكل صنمى وتصورها حالة منفصلة عن الذات مما يضع الغاية والمعنى فى حالة إستاتيكية إستقلالية لينبطح الفكر البشرى أمام صنم معنى وغاية إبتدعها وليتوقف عن إبداع غايات ومعانى جديدة ليرسى قواعد التزمت والإنغلاق .

- الإنسان هو الذى يسقط المعنى فكلمات اللغة ذاتها وحروفها لا تحتوى على معنى كامن فيها لنسقط نحن عليها معنى وإنطباع لنُعرف ونحدد ماهيتها أى نتفق على معنى وإنطباع نربطه بكل كلمة , فالشجرة والقلم والأسد كلمات سندركها أول ما يتبادر فى ذهننا أو عند الإشارة لها لنعى ما المقصود بها نظرا لوجود إسقاطات ذات معنى وإنطباع مُخزن فى أرشيف أدمغتنا .
مهد أى كلمة كان إطلاق إنسان قديم لذبذبات صوتية عشوائية على الأشياء بلا معنى ولكن أرفق معها إحساس وإنفعال ومعنى يريده .. هكذا كل وجودنا إتفاق على أشياء لنضع معانى وإنطباعات لها بينما الشئ ذاته متحرر من المعنى .

- تماهى الإنسان فى خلق المعنى ثم إنسلخ عنه ليؤسس فكرة أن وجوده ذات غاية ونظام صارم , لتصل الأمور إلى أن المشاهد العشوائية أصبح وراءها صاحب غاية فهناك من يُلقى بحجر من أعلى جبل على رؤوسنا أو يرمى بقشرة موز لننزلق عليها .. مشكلة الإنسان منذ البدء أنه رفض وجود العالم بلا معنى ولا غاية ليستصعب وجود غير مُعتنى ولا مُنظم فخلق من يُرتب ويلقى بقشرة الموز .

- إفترض الإنسان لذاته قيمة خيالية وهمية وصدق هذا الإفتراض فأخذ يسعى لتحقيق ما إفترض وجوده بينما قيمته الحقيقية لا تزيد عن قيمة أى كيان بيولوجى ينمو ويموت ولكن امتلاكه للوعى جعله يرصد نموه وحركته وتلك ميزته أو قل معضلته فى نفس الوقت .

- عدمية الحياة هى فقدان قضية إهتمام لتصبح الحياة عبثية بدون قضية تثير القلق والتوتر والامل .. نحن نخلق القضية ونطلب بلا وعى ما تثيره من قلق وغموض حتى نجعل لحياتنا معنى فى وجود ليس له معنى .. ليكون سعينا للإنطواء تحت قضية كالدفاع عن الحريات والوطن والديمقراطية والبروليتاريا وحق المرأة ونصرة دين هى رغبة عميقة فى خلق قضية تجعل لوجودنا معنى وغاية .

- الحياة كالألوان نمارس إسقاط مجموعة مختلفة من الألوان على ورقة بيضاء ولكن هل هناك معنى لأى لون ؟ .. لا يوجد أى معنى لأى لون إلا ما نسقطه عليه نحن بإحساسنا ولا يوجد معنى للون بدون وجود ألوان أخرى فنحن لن ندرك اللون إلا بوجود ألوان أخرى ليتكون الإحساس والإنطباع .
أن تلون لأنك تسعد بمداعبة أحاسيسك وكفى , فهذه هى الحياة أن تمارس مزج ألوان مع بعضها فتسعد بهذا المزج دون أن يكون لأى لون فيها معنى .. نحن من نمارس خلق معنى من مجموعة الألوان حتى يُمكن قبول الحياة والعيش فيها ولكن تذكر إنك من وضعت المعنى والإحساس على الألوان .

- الفنان لا يرى الأشياء كما هى بل يضع إحساسه وإنطباعه على كل خط ولون .. لذا نستطيع أن نفهم الحياة من خلال الفنان , ففى داخل كل منا رؤية فنان بلا إستثناء ولكن المهارات نسبية بالطبع .. فنحن نسقط إنطباعاتنا وأحاسيسنا على الأشياء لتعطى معنى ورؤية فلا نعرف العيش فى الحياة كعدسة كاميرا . ولكن مهلاً فالإنطباع والإحساس لا يعطى للأشياء كينونة مستقلة فى ذاتها .. قد يقول قائل أننا نتفق كثيراً على تقييم الأشياء وهذا صحيح لأننا بشر متشابهون فى تجاربنا وتكويننا البيولوجى وجيناتنا وثقافتنا وقدرتنا على تصدير مدراكنا وإستقبالها .

- أمتلك قدرات جيدة فى فن الرسم أتاحت لى ممارسة شئ طريف وهى القدرة على رسم لوحة منشأها شخبطة ليس لها معنى , فقد كنت أسمح لأحد من رفاقى أن يخربش على صفحة بيضاء أى شخبطة إرتجالية ثم أقوم بتكوين رسم على هذه الشخبطة بأن أضيف إليها من خيالى غير لاغى لأى خط من شخبطة زميلى لأعطى فى النهاية رسم له معنى لا تظهر فيه الشخبطة فقد ذابت فى العمل الفنى وأصبحت جزء منه .
هذا المثال له معنى كبير فى فهم الوجود , فالوجود شخبطة بلا معنى تكون وظيفة عقولنا هى إدماج شخبطات لإيجاد معنى لها , فالشخبطة الأولى حاضرة مثل رسم زميلى ليست بذات معنى لندمج شخابيط أخرى لتكون مشهد نعطى له معنى .. فلتنظر لأى مشهد وجودى فى مفرداته الصغيرة فلن تجد له معنى لتكون علاقتنا بالوجود هو محاولة إيجاد معانى لشخابيط وجودية مركبة يتهور البعض فيجعل لشخبطته معنى وغاية .

- لا تتطابق رؤية الأشياء فى داخلنا فلا يوجد إنسان يرى المشهد كما يراه غيره , فالرؤية هنا تمتزج بإنطباع وإحساس وموقف وظرف زمكانى لتتباين بالضرورة مع إنسان لآخر لذا يستحيل أن تتطابق رؤيتان ومن هنا نقول أن لنا رؤية ووجهة نظر ويمكن تلمس هذا فى الرسام الذى يرسم موديل لتجد رسمه يختلف عن زملاءه بالرغم أن الموديل واحدة بل لو رسم هو هذا الموديل عدة مرات فستتابين فى كل مرة .

- وأنا احتسى قهوتى سقطت قطرة من القهوة على أرضية البلاط السيراميك لأدوس عليها بدون أن أفطن ثم ألحظها فى اليوم التالى فأجد قطرة القهوة الجافة ترتسم على شكل وجه فتاة يابانية ذات ملامح أسيوية بزى الشادو.. شئ غريب وطريف ولكنه يعطى إطلالة رائعة لفهم الحياة والوجود .
منظر الفتاة اليابانية على أرضية البلاط السيراميك كان يمكن أن يكون بلا أى معنى لو أننى لا أحمل فى ذهنى صور سابقة لملامح الفتيات اليابانيات وقد لا يرى البعض نفس إنطباعى الذى فكرت فيه إما لعدم التدقيق أو إختلاف زاوية رؤيته عن رؤيتى أو لا يوجد فى ذهنه صور سابقة لملامح فتاة يابانية .
أشير لزوجتى إلى ملامح الفتاة اليابانية المتشكلة من قطرة القهوة الجافة وأشير لها بخطوطها فهكذا تنتقل الأفكار بتصورات وانطباعات وإحساس نحاول أن نرسله للآخرين بالتعاطى مع خطوطه .
قطرة القهوة التى تشكلت فى عشوائيتها لتعطينى ملامح فتاة يابانية تعطى فهم أن الصور فى الحياة غير متعمدة وعشوائية بل نحن من نسقط عليها إنطباعاتنا .. الصور بالحياة بلا معنى فنحن من نعطيها المعنى من إنطباعاتنا ثم نخزن كل صورة بإنطباع كى يمكن أن نأرشفها فى الدماغ فنحن لسنا آلة تصوير تلتقط الصور وتكتفى بل ترفق مع كل صورة إنطباع حتى ولو كان بسيطاً أو غير مدرك بشكل واع .

- الجمال من الأشياء التى أسقطنا عليها إنطباعاتنا وأحاسينسنا لنمنحها معنى وقيمة لننسى أننا أصحاب المعنى والتقدير والقياس ثم نتوهم أن الأشياء جميلة فى ذاتها , فالأشياء لا يوجد بها ذرات وجزيئات إسمها جمال , كما أن الجمال تقديرى نسبى متباين ليكون توافقنا مع مفردات جمالية بشكل نسبى هو أننا اصحاب تكوين بيولوجى واحد وبيئة اجتماعية وثقافية متقاربة .

- الحياة مثل السيجارة عندما تشتعل تنتج دخان ما يلبث أن يتبدد فى الهواء فلا يبقى له وجود .. نختلف عن بعض فى شكل الدخان فهناك من يُشكل دوائر انسيابية نراها رائعة ولكن فى النهاية الكل دخان يتبدد .
كل قضيتنا فى الحياة أن نجعل لدخان السيجارة معنى قبل أن يتبدد لنمجد من يصنعون دوائر جميلة من الدخان وليتمايز البعض بأنهم يتفنون فى حرق الدخان ولكن كل الدخان سيتبدد فى الهواء لنجد مدخنين يتوهمون أن بالإمكان أن يشعلون سجائرهم مرة ثانية بعد أن تحولت لرماد .

- المعنى من المفاهيم التى إختلقها الإنسان ثم نسى أنه من خلقها , , فلا وجود يحتوى على معنى فى ذاته بل نحن من نمنح المعنى للأشياء ثم نتوهم أن الاشياء ذات معنى , فالشجرة تقدم لنا الغذاء فتصبح ذات معنى وقيمة ثم نتوهم وجود كيان ذو غاية أوجدها لهذه الجدوى .. الشجرة متواجدة قبل حضور الإنسان بملايين السنين تطرح ثمارها ولا تنتظر الإنسان ان يأكل منها بل عندما تواجد تطفل عليها تحت حاجتة ليستحسن طعامها فتوهم أنها تواجدت خصيصاً من أجله ولم يلحظ أن هناك أشجار لا يستطعمها ولا يتحمل إنتاجها .

- مع إدراك وعينا للزمن ووجود لحظة قادمة تحمل معها المجهول والتوجس تبادر لذهننا سؤال "ماذا بعد" ولكننا نحاول أن نهمل التفكير فى "ماذا بعد" لأنه قد يصيبنا بالقلق والحيرة والعدمية واللامعنى .. "فماذا بعد" هذا المشوار من الحياة الحافلة بالألم واللذة المتكررة .. ماذا بعد هذا السيناريو الممل من الجوع والإشباع فى مسلسل متكرر ينتهى بالموت .
أبدعنا فكرة الخلود والجنه والجحيم خصيصاً لنعطى جواب ومعنى لماذا بعد , ولكن مازالت "ماذا بعد" تتحدانا , فماذا بعد مليارات السنين من التمتع بالطعام والخمور والتمرغ فى نهود الحوريات وتجرع مليارات الكؤوس من الزقوم .. ماذا بعد؟!
يتلاشى سؤال "ماذا بعد" عندما ندرك أننا وحدة وجودية كأى وحدة فى الوجود تحيا وتموت لنختلف عنها فقط فى إدراكنا للزمن والمستقبل والموت , ليطوف على وعينا سؤال " ماذا بعد" .

-الخير والشر حزمة من المعانى والتقييمات أبدعها الإنسان وأعطى لها معنى فلا يوجد شئ اسمه خير أو شر فى ذاته بل تقييمات بشرية لمجموعة من السلوكيات وفق ما تجلبه من منافع ومضار متلحفة بمصالح ورؤى النخب ليتصور البلهاء أن الخير والشر أشياء خارجة عن إبداع الإنسان ولتزداد بلاهتهم عندما يتصورون أن لها وجود حاضر مستقل وهناك من يقننها ويفرضها .

- أخلاق الإنسان وسلوكه ونظرته للوجود تكمن فى إنحيازه لتناقض على حساب تناقض , فالحياة والوجود لا يتواجدا إلا بوجود الضدين لنجد أنفسنا قد إخترنا الإنحياز لضد وإعتبرناه مثاليا ليكون الضد الآخر قبيحا .. أى هو تقييمنا واختيارنا نحن لأحد الضدين كالجمال والقبح , الخير والشر , فهى ليست بناموس ساقط من السماء أو خارج من جوف الارض بل تقييمنا الذى غفونا عن كونه إنتاجنا لنمنحه لكيانات وهمية .

- لا يوجد شئ اسمه مقدس بل نحن من نمنح الأشياء درجة من الإحترام والتوقير نطلق عليه مقدس , فلا يوجد شئ إسمه مكان وكتاب مقدس وأرض مقدسة كطبيعة فيزيائية خاصة متميزة , فالقداسة معنى وليس وجود ليسقطه الإنسان على الأشياء والدليل أن ما أراه مقدساً لا يراه غيرى كذلك بل قد يعتبره قميئاً .

- طفولية الإنسان جعلته يخلق عالم أخر ليس حباً فى البقاء فحسب ولكن ليجعل لحياته مغزى ومعنى فمن الصعب أن تدرك أنك ريشة فى الهواء مالم تكن قادر على إستيعاب ذلك وتحمله .

- هناك مقولة شعبية عبقرية تتردد على ألسنة المصريين تقول " إنت بتشتغل نفسك" أى تشاكس نفسك أى تخلق قضية من لا قضية لتعتنى بها وتثيرها .. هذا بالفعل حال الإنسان مع الحياة والوجود فهو يشتغل نفسه ليخلق قضايا ليست ذات معنى ليجعل منها معنى وغاية ليحس بوجوده وبمعنى الحياة من خلالها .

- مشكلتنا مع الوجود هو وعينا المفارق للطبيعة لننتج مفاهيم مغلوطة بإسقاط الأنا بتصور أن المسرح جاء من أجلنا , فالشمس يؤذن لها من أجلنا وهناك من يسمح بصنابير الأمطار وهناك من ينبت الزرع ويخلق الحيوان من اجل مائدة طعامنا .. هناك من يقسم الرزق ويعتنى بحجز مكان لنا فى منتجع سياحى خمسة نجوم أملاً فى الخلود والمتعة .. بل هناك من يوفقنا فى ركل الكرة .!
يرى الإنسان أن القمر والنجوم والشمس وعسل النحل والأنهار وغيرها موجودات وجدت لأجله ومنفعته في حين أنه هو الذي نشأ وتطور ليتكيف مع محيطه ، فكل هذه الموجودات وجدت قبله وستوجد بعده .

- النمل يخزن طعامه للشتاء من منتصف الصيف وعندما يتحرك ينحرف عندما تضع اصبعك فى طريقه ليقصد مسار آخر ليرى أصحاب المعانى المُسبحة المُحولقة هذا السلوك من أجل تعليمنا الحكمة فى التخطيط المستقبلى وإيجاد طرق بديلة عند المصاعب .. هكذا وصلت النرجسيه المحورية بتوهم بأن هناك دروس من السماء لكى نتعلم ولم نفكر فى سؤال لمن كان النمل يقدم دروسه قبل وجود الإنسان عندما كان يخزن طعامه وينحرف أمام حجر منذ ملايين السنين .

- تتغذى الزهور والنباتات على مواد عضوية متحللة من أجسادنا وأجساد حيوانات وديدان وحشرات لنتصور لكى تمنحنا الغذاء والدواء والرائحة الطيبة.. أجسادنا بعد موتها وتغفنها وتحللها ليس له أى معنى غير أنها تمنح الحياة لتربة ونبات ودودة أو تساهم فى نفط سيارة .. نحن نأتى من الطبيعة وإليها نعود لنساهم فى دورة حياة وجودية أخرى , فالبعث هو بعث الحياة فى وحدات وجودية أخرى سواء نبات أو حيوان أو إنسان ومن هنا المجد لتلك الطبيعة التى تمنع تفرد أحد بها .

- الكيانات الحية تمارس وجودها دون أن تنتظر اللحظة التى يستفيد منها الإنسان فهى تنمو وتتكاثر وتتصارع من أجل الحياة وكون تصادف وجودنا مع وجودها لنتطفل على وجودها فهذا لا يعنى انها تواجدت من أجلنا .
المطر والبركان والرياح منتجات طبيعية خضعت لظرفها الموضوعى المادى غير معنية بوجود الإنسان , فالسماء تمطر لأن هناك ظرف مادى أنتج المطر فكونك تستفيد من المطر أو تضار منه فهى غير معنية بذلك .. هناك رياح وأعاصير تهب فإما تقتلع بيتك أو زرعك أو تستخدمها لتوليد طاقة فليس هناك خطة وراء ذلك فهى رياح تهب وكونك تضار أو تستفيد منها فلكونك تواجدت أمامها فعانيت من فعلها أو عرفت كيف تروضها .

- الأمطار والرياح تواجدت قبل ظهور الإنسان على وجه الأرض بل قبل وجود الخلية الحية الأولى فهى تواجدت ومارست حضورها الوجودى بدون خطة مسبقة وليس لصالح أحد .. الماء تواجد قبل بناء الخلية الأولى ولكنه مساهم بقوة فى نشوءها ولكن الماء غير معنى بنشوء خلية فعندما توافر الماء ومواد طبيعية تكونت الخلية .

- فهمنا المغلوط للوجود أننا نعتقد أن الأشياء ذات معنى وغاية سواء فى داخلها أو هناك من يبث فيها المعنى والغاية .. نضع علامة إستفهام "لماذا" على الأشياء ونطلب غايتها بينما الأشياء وجودها فى ذاتها بلا معنى ولا غاية ولا هدف , نحن من نسقط المعنى والغاية والمبرر والهدف على الأشياء .
الإنسان عبر تاريخه إمتن لآلهته التي تجعل النهر يفيض والشمس تشرق , فهو أسقط حضوره الواعى المشخصن على الكون ليعتقد أن هناك من يشغل ماكينة الكون لصالحه .

- فى رؤيتى أن الإنسان الأرقى الأقوى الذي دعا إليه نيتشه ليست رؤية عنصرية كما فهمها البعض بل هو الإنسان الذي ينتج المعنى والقيمة ليس من إرادة الخضوع والضعف والتخاذل والمسكنه وليس من موقع إرادة الهيمنة والسطوة ، بل من موقع القوى الذاتية المتحررة القوية الشجاعة أي صياغة المعنى والغاية فى دعم الحياة لجعلها أكثر قبولا بروح الشجاعة والقوة .

- يجب أن نتعاطي مع الحياة بعمق وشجاعة بدلا من العيش بهذا الحزن والضعف والتدنى الذى أدى إلى إنكار واقع الأمور لنجتر أوهام قصص ما بعد الموت وكأنها تعزية للضعف الإنسانى .. تلك القصة المتهافته عن الموت كلعنة لعنها الإله لآدم بسبب أكله من شجرة غبية هى قصة بائسة تخلق منهج تفكير متخاذل عن الموت , بينما الموت هو الذى جعلنا ندرك الحياة وعليه فالأفكار القديمة عن الحياة اللذيذة الأبدية المتوهمة بعد الموت تجعلنا نتخاذل ونهمل الحياة الحقيقية لنبددها فداء عدم أى ننفق حياتنا للتجهيز لعدم .

- المعنى هو ما يسقطه الإنسان على الأشياء ليخفى كل معنى وراءه غاية لذا تصبح خطورة الثقافة المتمثلة فى الأساطير والخرافات أنها تعبر عن مجموعة معانى وإنطباعات وغايات إنسان قديم لتسقطها على واقع مغاير له معانيه وغاياته الخاصة , لتفرض المعانى والغايات القديمة نفسها على الواقع لتشله وتجمده وتصيبه بالإرتباك .

- الصراع الإنسانى لا يقوم على المصالح المادية فحسب بل على فرض مفاهيم المعنى والقيمة على الآخرين لتحقق مصالح مادية فى النهاية , ومن هنا أهمية الإعتناء بمفهوم المعنى وأنه تقدير إنسانى وإسقاط فكرى إنسانى على الأشياء .

- المعنى نتاج أحاسيسنا ومشاعرنا وإنطباعاتنا العاطفية ونوازعنا الداخلية التى نسقطها على الوجود المادى لنتصوره كما نريد لنخلق فى داخلنا إرتياحية خاصة ومعنى وقيمة لوجود مادى صارم غير مُعتنى وبلا مَعنى .
لا يوجد من يدرك حقيقة ضآلة قيمة الإنسان سوى الإنسان , لذا هو فى حالة نفى لمعرفته هذه ليكون همه وجهده منصباً على الإعتراف بقيمته الافتراضية من أخيه الإنسان ليحققها على حسابه , وهذا مبعث الصراعات الإنسانية منذ البدء وحتى الآن , فقيمة الإنسان لا تتحقق إلا على حساب إنسان مثله فتسليم الطرفين بتعادلهما في القيمة يعتبر بمثابة إنتفاء لقيمة الاثنين معاً لأن قيمة كلاً منهما تقاس بالنسبة إلى الآخر , وبالطبع هذا ما يرفضه الطرفان فيحتكمان إلى القوة المادية لتنشأ العداوات والحروب .

* الإله والمعنى .
- كل الصراع الحياتى من أجل إشباع حاجات الجسد ولكن الإنسان ليس حيوان للإشباع فقط وإن كان هذا دينامو سلوك وحراك البشر على مر الزمان , ليبقى هناك عقل يندفع يراقب يحس يسأل عن معنى الوجود وعن تلك الصور التى تمر أمامه ليخلق وجود خالق للجدوى ذو طبيعة إنسانية شخصانية ينسحق أمامه كبديل للطبيعة الجامدة .

- سر تواجد الخرافة أن الإنسان لا يرى الأشياء كما هى بل كما يريدها .. قد يكون من جَماليات العقل البشرى أنه ليس صارماً فهو يشكل الصور كما يريد أن يشاهدها خالقاً معانى وإنطباعات من ذاته ولعل هذا شئ جميل ولكن الإشكالية تأتى عندما يتصور أن عمليات ترتيب الصور ولصقها حقيقة متغافلاً أنه المنتج الوحيد لتلك الفكرة والتصور الفنتازى .

- أنظر لسؤال ما معنى وجود إله ستجد الإجابة فى ظاهرها وباطنها تُعلن عن رؤية الإنسان للإله ليسقط معانى ومفاهيم إنسانية على فكرة الإله , ولتلاحظ أن كلمة الله تفتقد لتعريف الماهية والذاتية والكينونة , فالفكرة الإلهية ليس لها معانى مستقلة بذاتها يمكن إدراك إستقلاليتها وتفردها والذى يثبت هذا أن كل المفردات التى يتم ذكرها عن الإله كصفاته وأسماءه هى مفردات إنسانية فى الأساس , يُضاف لذلك تلك المقولة الفلسفية أن " الله ليس كمثله شئ" فهى إذا كانت مقولة تحصن فكرة الإله فى برج عاجى إلا أنها تنفى كل المعانى الشائعةعن الفكرة الإلهية ليصير الإله فى النهاية لاشئ .

- من إدراكنا أن المعنى هو منتوج إنسانى بتفرد وليس لأى قوى خارجية أى مساهمة فى إنتاج المعنى تنتفى أهمية وجود إله .. ولكن لو إفترضنا أن الإله له معانيه الخاصة فهذا القول ينفى ويبدد الألوهية , فالمعنى إنطباع وتقييم نسبى يخضع للظروف المحيطة التى أنتجته وهذا يعنى أن الإله المُفترض يخضع لمؤثرات وظروف تنتج معانيه وإنطباعاته وهذا غير جائز فى مفهوم الألوهة .

- الإله بغض النظر عن عدم وجوده فهو كلمة لغوية فى النهاية شأن كلمة الشيطان وعروسة البحر أى أنها كلمة رسمنا صورها وإتفقنا على معنى لها كما ذكرت , ومن هنا ندرك أننا من إخترعنا آلهتنا ومنحناها معانى من تخيلاتنا وإفتراضاتنا وحاجتنا النفسية .

- الإنسان يؤمن بالميتافزيقا والآلهة لأنها تحقق له طفوليته وغروره بإحساسه بالتفرد بأنه محور الوجود والإهتمام ولا يكون الغرور والنرجسية هنا تعبير فج عن الغطرسة فحسب بقدر ماهو غرور الفكرة والنهج الذى يريح إنسان مضطرب عاجز مهمش فهى تعطى له دعم نفسى بأنه مازال متواجداً فاعلاً ضد التهمييش الوجودى , وإذا كان هذا يريحه فلن يسعفه فى التعاطى مع الوجود بهذا الفهم المغلوط , فالفهم الحقيقى هو أنه وحدة وجودية متطورة تتعاطى مع الوجود ليفهمه كماهو ويتناغم معه وعليه أن يتعامل معه هكذا بدون أى إضافات أو غايات صنمية تجعله يتوهم أنه محور الحياة .

- إذا كان لكلمة الإله معنى فهى تعبير عن الغموض والعجز فى إدراك الطبيعة والوجود , ففكرة الإله منذ نشأتها حتى الآن تعبير عن العجز والفشل فى إدراك الطبيعة لتحتل كل مربعات الجهل الإنسانى فى البدايات من فهم ظواهر سقوط الأمطار والأعاصير والبراكين ألخ .. لتتضائل تلك المربعات فى عصرنا لتقتصر على كيفية تكوين الخلية الأولى وليجد أصحاب التصميم الذكى مرتعاً يتحرك فى إطار الجهل والغموض والتعقيد الذى لا ندركه .

- فكرة الإله تعبير عن معانى إحباطات نفسية لكيان إنسانى أدرك الوجود والمستقبل فى عالم مادى غير عابئ بأحاسيسه المضطربة وإحباطاته المتتالية الناشئة من وعى إمتلك القدرة على التوقف والتأمل والدهشة فى وجود مادى غامض وقاسى ليخلق فكرة الإله ليبدد دهشته وغموضه .. فكرة الإله هى التعاطى مع الوجود كما نريد وليس كواقع وجود .

- فكرة الإله رغبة إنسانية لإنتشال الحياة من عبثيتها بمنح معنى لوجود بلا معنى وبقدر أنها أوحت بحل إلا إنها وضعت فكرة الإله فى قفص العبثية بديلا عن الإنسان , فكل الفلسفات والأفكار والأديان جاءت لتمنح معنى وحماس للحياة بخلق قضية تُحرر الوجود من عدميته ليكون الخلاف بين من يؤمنون بوجود إله ومن لا يؤمنون هى رؤية كل فريق لكيفية التعاطى مع الحياة , فهناك من لا يستطيع التخلص من غموضها وقسوتها بدون أن يعتمد على وجود صندوق أسود , وهناك من يرى أننا قادرون على خلق معانى متحررة نعيش بها الحياة بدون هذا الصندوق الأسود .

- إذا كانت فكرة الله لا تفى معنى وقيمة فهنا يصبح وجوده أو عدم وجوده ليس بذات أهمية , ولكن إذا إعتبرت وجوده ذو معنى فيلزم أن تفكر فى هل الحاجة والمعنى لهذه الفكرة أم يمكن تحقيقها من فكرة أخرى؟ .. أى أن تدرك بصدق بأن فكرة الإله هى بالفعل تقدم لك المعنى والحاجة , ولكن هيهات لهذا التصور أن يتحقق فكل المعانى يستحيل لها ان تتواجد خارج جمجمة الدماغ .. ومن هنا نقول بوهم فكرة الإله .

- أتصور بأن من أسباب خلقنا لفكرة الإله هى رغبة الإستمتاع بالغموض لنتعارك مع طواحين الهواء فنحس بأهمية وجودنا من غبار معارك وهمية .!!

- فكرة الإله هى فكرة أسقط عليها الإنسان معانى كثيرة وستفقد هذه الفكرة قيمتها ووجودها بدون المعانى المصاحبه لها متى وجدنا إجابة لسؤال كيف نفهم الوجود , و هل للوجود معنى وغاية أم نحن من نجعل للوجود معنى وغاية .؟!
مشكلة الإنسان مع الوجود أنه يفهم الوجود كما يريد وليس كما هو موجود .. أى أنه لا يكتفى بالتعاطى مع المشهد الوجودى وفق علاقاته المادية فقط بل مضيفاً له إحساسه وإنطباعاته ومشاعره المضطربة المتباينة ليخلق غاية ومعنى خاص لديه.

- ما فعله الإنسان قديماً بل حديثاً أيضا هو إسقاط سلوكه الموجه المدفوع بغايات وأهداف ومعانى مُسبقة على ما يحيط به , ليتخلص الوعى الإنسانى أخيراً من طفوليته عندما أزاح إسقاطاته النفسية وتصوراته الأخلاقية والجمالية المحددة عن الموجودات حوله , فالمادة لا تتحرك لغاية أو لحاجة أو لخطة مسبقة أو تصميم مُعد .. إنها تمارس وجودها دون أن تدرك وجودها .

- نجد متعتنا أن نشاكس الحياة لنطير طائرات ورقية فى السماء , ولكن السماء لا تحتفى بطائراتنا الورقية فتتمزق , فأين يقع الخلل هل فى السماء أم فى طائرتنا الورقية أم فى الوهم بأن طائرتنا الورقية ذات معنى وغاية .

- إذا كان العلم هو وسيلتنا الوحيدة لفهم الوجود , فالعلم يصف الطبيعة ولا يعطى معنى ولا غاية .. العلم غير معنى بسؤال "لماذا" الباحث عن المعنى والغاية فلن يقدم هنا إجابة لأن المادة غير واعية وليست لديها خطة تريد تقديمها ليتولى اللاهوتيين الإفتاء والإختراع والتضليل بوجود معانى وغايات مخفية .
العلم يتناول الوجود كما هو فهو يتعامل مع "لماذا" بتفسير العلاقات المادية فقط لنقرأ نحن الوجود بطريقة خاطئة بإسقاط غاية ومعنى .
تقدم الإنسان مرهون بقراءة المادة ووصفها وتحليلها والتعامل معها وفقا لحالتها بدون اضافة أشياء ليست منها .. نحن نقول بأن الحجر يسقط على الأرض بسبب الجاذبية فهو رصدنا للمشهد ولكن لا يصح القول لماذا الجاذبية تشد الأشياء للأرض فهنا نحن أمام كينونة مادة ليس لديها معنى وغاية تريد أن تصدره .

- خطورة وعينا المغلوط للوجود والحياة أننا ننتج إجابات خاطئة عن الوجود لنتصور ونتوهم أن الأشياء تتم وفق عناية وترتيب مُسبق بينما هو حظنا من المشهد الوجودى .. نتصور أن الأمور ذات شكل قدرى فيصعب حينها أن نُحلق خارج مفهومها أو بمعنى أدق مفهومنا المتصور .. نرى الأشياء ذات غاية ومعنى وننسى تماما أننا من منحنا الأشياء الإسم والتعبير والغاية والمعنى .

- بالفعل من الصعوبة بمكان أن نجرد الأشياء من المعنى فلسنا كاميرا أو قرص مدمج تسجل عليه الصور وتخزن بدون أن يصاحبها إحساس ومعنى ومن هنا تأتى خطورة الوعى المتعسف فى التعاطى مع الأشياء كونه يتناسى أنه من منح الأشياء القيمة والمعنى ليضعها فى أبراج معرفية كشئ مستقل يستقى منها بعد ذلك نهجه وطريقه .. فلنمنح للأشياء معنى ولنطرب بالموسيقى ولنحتفى بالجمال ولكن ليكن إدراكنا دوماً أنها معانى خلقناها لتعطى للوجود مذاق ونكهة وأننا قادرين دوماً أن نبدع معانى جديدة .

- هناك من يشيدون بروعة وجمال الكون , فهل رأيتم كوناً آخر تقارنونه بكوننا حتى تتغنون بروعته وجماله ؟ كيف نحكم على لوحة بعينها أنها أجمل اللوحات في حين أننا لم نرى غيرها .. نحن من خلقنا فكرة روعة الكون لنعطى لوجودنا معنى .

- لفهم الوجود والحياة يلزم أن ننظر للمشهد الوجودى كما هو بدون أن نحمله أشياء ليست فيه .. علينا التعامل مع الحياة بدون أن نسقط إنطباعات متعسفة عليه ولكن نظراً لإستحالة وجود مشهد حياتى واحد بدون أن نسقط عليه إنطباع لذا فلنقترب من فلسفة الوجود المادى ولا ننسى أن إنطباعاتنا هى إنطباعات وليست حكم نهائى على المشهد الوجودى .

- لا يكون وجودنا إلا إرادة الإندفاع نحو الحياة .. إرادة ليست بالضرورة واعية بإندفاعها فهى لا تحتاج لتخطيط أو إلهام ولكن عند اندفاعنا نحو الحياة لن نتوانى أن نجعل لكل شئ معنى لنهب مانجهله معنى ولو بتعسف .. عقولنا ليست أدوات ترتب وتنظم وتبدع أفكار مُحلقة فى الفراغ بل تتحرك بإرادة الحياة سواء أدركناها شعوريا أو لا شعوريا .

-المستمتعون بالحياة هم القادرون على خلق وإبداع صور جديدة متجددة للمعنى والغاية متحررة من الصنمية .. هم من الذكاء والمهارة بمنحهم صور وجودية المعنى للإستمتاع بالحياة .. هم يخلقون غايات متجددة ليصنعوا متعة الأمل والإشراق ليعرفوا كيف يستنزفون وجودهم فى الجمال مع إدراكهم أنهم من يخلقون المعنى والجمال ولا يعتبرونه صنم يعبدونه .

- الخلاصة أن كل المعانى والتقييمات هى فكر إنسانى محض ولا يوجد فى الأشياء والموجودات أى معنى خاص بها ومستقل عنها , ومن هنا ندرك أن مفاهيم و أفكار كالإله , والخير والشر , والقداسة والنجاسة , والحق والضلال ألخ من مفاهيم غير موجودة بذات إستقلالية عن وجودنا فهى إبداع وتقدير وتقييم العقل البشرى وبدون المعانى التى يختلقها العقل ويسقطها على تلك الأشياء فهى ليس لها أى وجود ومنها فكرة الإله ذاتها .

دمتم بخير .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " – أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .

- إستمراراً لما أتبعته من نهج جديد فمن لم يستمتع بالأفكار فليستمتع بموسيقى من مكتبتى الموسيقية .
Ocarina - Love songs
https://www.youtube.com/watch?v=FWto2lHCqZ8



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجود بلا غاية-نحو فهم الحياة والإنسان والوجود
- هل أنتم جادون أم تمزحون - تنبيط (5)
- تأملات فى معاناة وأسقام الفكر الإنسانى
- هتقفل الشباك أم هتفتحه-تناقضات قرآنية (4)
- ثقافة العجز والعجرفة والسب
- قليل من التأمل لن يضر
- قراءة فى دفتر الحياة-تأملات على أوراق ملونة
- إفتح ياسمسم-حجة62إلى71تُفند وجود إله
- وإحنا مالنا-الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- إعترافات ومعاناة إله-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم
- الكراهية فريضة إسلامية هكذا قوله وليس قولنا
- اللعنه على المادة أفقدتنى رومانسيتى
- هناك فرق .. فلتقرر أيهما أفضل
- أسباب وجذور تخلفنا
- وهم الحقيقة - تأملات وخواطر إلحادية
- مفاهيم وتعبيرات خاطئة-تأملات وخواطر إلحادية
- الإسلام الذى لا نعرفه-الأديان بشرية الفكر
- رباعياتى
- مفاهيم خاطئة شائعة-نحو فهم الحياة والإنسان والوجود
- مزاج إله سادى-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم


المزيد.....




- متى تتوقعون الهجوم على رفح؟ شاهد كيف أجاب سامح شكري لـCNN
- السعودية.. القبض على شخصين لترويجهما مواد مخدرة بفيديو عبر و ...
- مئات الغزيين على شاطئ دير البلح.. والمشهد يستفز الإسرائيليين ...
- بايدن يعلن فرض الولايات المتحدة وحلفائها عقوبات على إيران بس ...
- لماذا تعد انتخابات الهند مهمة بالنسبة للعالم؟
- تلخص المأساة الفلسطينية في غزة.. هذه هي الصورة التي فازت بجا ...
- شاهد: لقطات نشرها حزب الله توثق لحظة استهدافه بمُسيرة موقعًا ...
- ألمانيا تطالب بعزل إيران.. وطهران تهدد بمراجعة عقيدتها النوو ...
- مهمات جديدة أمام القوات الروسية
- مسؤول إيراني: منشآتنا النووية محمية بالكامل ومستعدون لمواجهة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - عالم بلا معنى بلا آلهة