أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - المكان الذي يعيد خلقنا روائياً: كتابي الأول غسق الكراكي















المزيد.....

المكان الذي يعيد خلقنا روائياً: كتابي الأول غسق الكراكي


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 5353 - 2016 / 11 / 26 - 11:47
المحور: الادب والفن
    


(غسق الكراكي) هي أول رواية فكرت بكتابتها.. أول رواية اكتظت بتفاصيلها روحي.. وشخصياتها هي الأقدم التي عاشت معي.. صحيح أنها اتخذت فيما بعد، في أثناء كتابتها، مسارات مضافة أكثر تعقيداً، لكن البذرة كانت هي الأولى، ولهذا أعدّها، على الرغم من أنني أصدرت قبلها كتباً؛ كتابي الأول.
................................
مبكراً سحرتني مفردة (الرواية)، وما تزال..
في شتاء العام 1973، بعد ما انتهيت من قراءة رواية (ميرامار) لنجيب محفوظ قلتُ في سرّي: "أريد أن أكون روائياً". غير أنني لم أفصح، ولزمن طويل، لأي أحد، عن سرّي هذا.. أبقيته لنفسي تميمةً، محرِّضاً، مصدراً للشغف، وعاملَ استفزاز. وما زلت أشك، حتى غِبَّ إنجازي لعدد من الروايات وفوزي بجوائز عنها في أنني اقتربت من تحقيق حلمي ذاك. وما زلت أرى أن من الوقاحة والإفراط في التبجح أن أدّعي بأنني روائي؛ الكلمة التي بها يُنعت تولستوي وبروست ووليم فوكنر وماركيز.
في كل رواية شظايا من طفولة كاتبها.. العالم الذي مضى كطيف يُستعاد بقوة الكلمة.. الكلمة بتلاوينها وظلال معانيها، وأفقها الراعش. وما يتبقى دوماً، بعدئذٍ، أكثر من أي شيء آخر، هو صور المكان.. حيث للمكان سطوته على الذاكرة وعلى الروح ومن ثمّ على اللغة. والمحزن في الأمر أننا لا نقدر على دخول المكان عينه مرتين.. المكان يهرب منّا، من مجسّات حواسِّنا أبداً.
أهي اللغة التي تستدعي صور الأمكنة وتخلقها، أم هي الصور التي تفتح شهية اللغة لتتمثل تلكم الصور وتحيلها إلى صور من نوع آخر؛ صور بلاغة مبدعة.
حين أستعيد البدايات؛ بدء وعيي للذات والعالم، وبدء ولعي بالكتابة، تنفتح في ذهني صور أمكنتي الراحلة كما لو أنني أحدِّق في صندوق الدنيا وأبصرُ عجائب تتشكل.. هكذا خبأتْ مراهقتي الحالمة فكرة أول كتاب تفتق عنها ذهني، الكتاب الذي سأختار له عنوان؛ (غسق الكراكي).. تلك الفكرة/ البذرة احتاجت لأكثر من عشرين سنة لاحقة، من الرعاية، لكي تنبت وتستوي شجرةً، لكي تُصبح كتاباً، تُصبح رواية.. كانت الرواية هذه تتبلور على مهلٍ في المنطقة الفاصلة والرابطة بين الذاكرة والوعي والخيال والحلم والشغف.
عشت طفولتي ومراهقتي وشطرا من شبابي في بلدة صغيرة اسمها السعدية (120 كم شمال شرق بغداد) في تماس مع الطبيعة.. مع البساتين والمزارع والحدائق والمواشي والطيور والنهر والسماء العريضة. وهناك، لطالما بهرني منظر الكراكي وهي تختال على عشب الربيع وحول الغدران التي يتركها المطر في الأرض الخلاء جنوب البلدة وغربها.
سألت أبي وقد صادفنا واحداً حلّق مبتعداً حالما اقتربنا منه:
ـ لم لا نرى كثيراً من هذه الطيور كما العصافير والزاغ والزرازير والغربان؟.
صفن قليلاً وقال شيئاً غريباً:
ـ لأنه جميل.. طائرٌ جميل.
ـ ربما لا يكون هذا موطنه.
ـ إنه يرحل، لا يحب السكن الدائم مثلنا.
هذا المشهد، هذه الصورة، هذا الحوار القصير، صار النواة التي منها تخلّقتْ روايتي (غسق الكراكي).. غسق الكراكي رواية هواجسي القديمة؛ ما ظلّ عارياً ونقيّاً من فسحة الطفولة وأساها. فهناك بزغت شخصية (كمال) التراجيدية وهي تسعى لمراوغة الموت بالكتابة..
الرواية تُستهل بهذا المقطع:
(قال لي:
"حلم حياتي الكبير أن أكتب رواية."
وحين لم أعلّق، مدارياً دهشتي بابتسامة، أردف:
"أجل، فالرواية تساوي الحياة، ومن لم يترك رواية قبل أن يموت، كأنه لم يعش.").
غير أن كمالاً سيستشهد في الحرب، فيقرر ابن عمّه/ الراوي الأول (محمد سعيد) كتابة رواية كمال:
(غادر كمال ولم يكتب روايته، غير أن روايته المؤجلة تكتبني الآن.. تفرض عليّ سلطتها الباهرة القاسية.. روايته/ الوصيّة تستدرجني إلى مغامرة البحث عنه. لكأنه على مسافة ممكنة منّي، وما عليّ إلاّ أن أسير باتجاهه؛ باتجاهه الملغز، المراوغ، المغري).
كانت رواية كمال المنتظرة ترتِّب روايتي من الداخل، وتمنحها زخمها الإبداعي.. كان كمال المتخيَّل قريني الذي عاش في خاطري سنة بعد أخرى حتى استحال إلى كائن يوهمني بأنه حقيقي.. كانت له حياته قبل أن يرحل في فاصلة مؤسية من تاريخ الوطن.. غدا كمال بسحره الخاص، بوسامته غير المعتنى بها كثيراً، بلاانتمائه المشوّش، بعناده وكبريائه وغيرته وحماقاته وسوء حظه، واقعياً جداً، حاضراً كأنه كان هنا حقاً.
كان كمال نتاج مخيّلة سردية، لكن المخيّلة السردية لا تقع فيما وراء العقل، ولا في الجانب الآخر من الوجود. فحتى نحن كائنات اللحم والدم والأعصاب بشخصياتنا ووعينا وقناعاتنا وسلوكنا، بطريقة ما، أبناء تخيّلات سردية.
المخيّلة السردية أحد صنّاع التاريخ، وهي التي ساهمت في تكوين عالمنا بخيره وشرّه. وهي التي مما نعول عليه، وبطبيعة الحال مع أشياء كثيرة أُخر، لإنقاذنا في نهاية المطاف.
وغسق الكراكي مثلما هي رواية شخصية، هي رواية مكان؛ مكان واقعي جرى صياغته في مختبر التخييل.. وأعتقد أن صدقها الفني هي التي جعلت أصدقاء يعرفون تفاصيل حياتي، وبعضهم أدباء ونقاد، يسألونني فيما إذا كانت أحداثها، في متنها الحكائي، واقعية، حصلت فعلاً؟ وقد بدت كذلك بالرغم من أن تقنيات بنائها لم تلتزم بالنسق التتابعي التقليدي.. كان هناك النسق الاسترجاعي والنسق الدائري والنسق المتداخل، والتكرار. وكانت هناك أحابيل الميتا سرد، حيث الراوي الذي يتصدى لكتابة رواية كمال يناقش طريقة كتابته للرواية مع قارئه.
فوجئت بعد أسابيع قليلة من صدور الرواية باحتفاء الأدباء والنقاد وجمهور القراء بها.. وقد حظيت منذ سنة صدورها في العام 2000 بعشرات المقالات والدراسات في الصحف والمجلات العراقية، فضلاً عن الاهتمام الأكاديمي بها، إذ أقامت كلية اليرموك الجامعة ندوة علمية عنها شارك فيها ثمانية من النقاد والأكاديميين، وجعلها الناقدان الدكتور شجاع العاني والمرحوم الدكتور عبد الإله أحمد مادة لتدريس طلبة الدراسات العليا والأولية في كليتي الآداب والتربية للبنات في جامعة بغداد خلال السنوات 2001، و2002، و2003، وأعادت الناقدة الدكتورة بشرى صالح تدريسها في العام 2013 لطلبة الدكتوراه في آداب الجامعة المستنصرية. وما زالت تُكتب عنها المقالات والدراسات ويُشار إليها في كثير من الأطاريح والبحوث الأكاديمية، وفي معظم الكتب التي تتناول الرواية العراقية الحديثة.
قلت إنني تعاطيت مع هذه الرواية لما ينوف على العشرين عاماً، في عقلي ووجداني، لكنني أنهيت كتابتها في شهرين.
كأنني لم أكتبها!! كأنها كانت هناك، طوال الوقت، قابعة في صدفة الروح مثل درّة. وما كان دوري سوى انتزاعها من مخبئها، وعرضها للعالم. ومع هذا بقي ذلك الهاجس يسكنني بأنني ربما تسرّعت قليلاً، وكان من الممكن الانتظار وقتاً إضافياً، لتولد روايتي بشكلٍ أفضل وأكمل.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتفاء بالرواية وازدهارها في كتاب (تطوّر الرواية الحديثة)
- اللغة والسرد
- بطل الرواية الحديثة
- -حلم غاية ما- الوجود رؤىً وولعاً وجمالاً
- هذا البهاءُ المرُّ (نصوص)
- كافكا وفوكو وبوتزاتي في المستشفى
- سوزان سونتاج في يومياتها: كما يسخَّر الوعي للجسد
- هل من ضرورة لوجود المثقف في المجتمع والعالم؟
- ما الذي يعيق قيام الدولة المدنية في العراق؟
- المثقف.. المجال السياسي.. الدنيوية
- الحرية.. هذه الكلمة الغامضة
- العراقي سعد محمد رحيم: نحن بحاجة إلى إعادة قراءة فكرنا وإغنا ...
- الرأسمالية وصناعة الإرهاب المعولم
- الذات والآخر في السرد: قراءة تحليلية لمعضلة الهوية في الرواي ...
- الذات والآخر في السرد: قراءة تحليلية لمعضلة الهوية في الرواي ...
- الذات والآخر في السرد: قراءة تحليلية لمعضلة الهوية في الرواي ...
- الويل لمن لا يترك قصة في العالم
- وعود التنوير
- صراع الهويات والعنف
- الدولة والهوية والعنف


المزيد.....




- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - المكان الذي يعيد خلقنا روائياً: كتابي الأول غسق الكراكي