أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - الديمقراطية في العراق - خطوة إلى الأمام















المزيد.....

الديمقراطية في العراق - خطوة إلى الأمام


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1275 - 2005 / 8 / 3 - 11:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن الافتعال السياسي لفكرة الفيدرالية القومية في العراق هو أولا وقبل كل شيء نتاج لتداخل أربع أسباب كبرى لعبت وما تزال تعلب دورا مؤثرا وأحيانا حاسما في تحديد مواقف وأساليب تخطيط وفعل الأحزاب والقوى السياسية المؤثرة حاليا في العراق.
الأول وهو زمن التخريب الهائل لبنية الدولة والمجتمع والثقافة الذي ميز عهد الجمهوريات وانقلاباتها العسكرية واستحكام السيطرة التامة للتوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية.
والثاني وهو ضعف القوى السياسية والاجتماعية العراقية، بمعنى ضعف الأبعاد الوطنية العراقية الذي كان بدوه نتاجا لمرحلة الانحطاط السياسي والتجزئة السياسية والجهوية والطائفية والقومية. من هنا الغياب شبه الكامل للرؤية الإستراتيجية الوطنية العراقية في برامج الأحزاب السياسية الكبرى في العراق.
والثالث وهو استفحال الرؤية العرقية والطائفية بوصفها الوجه الآخر المكمل لتقاليد التوتاليتارية والدكتاتورية. وبغض النظر عن أن استفحال الرؤية العرقية والطائفية في الحركات "المعارضة" للدكتاتورية كان في اغلبه رد فعل على سياسة السلطة الدكتاتورية إلا أن إصابة هذه الحركات بعدوى الأبعاد الجهوية والطائفية والعرقية يعكس ضعفها الذاتي. وهو ضعف جعلها مستعدة لقبول الأفكار العرقية والطائفية.
ورابعا تدخل القوى الأجنبية، الإقليمية منها والدولية. فقد كانت جميع القوى المعارضة للدكتاتورية في العراق مرتبطة بقوى إقليمية ودولية ذات مصالح ضيقة في العراق. فاغلب الحركات الشيعية كان وثيق الارتباط بإيران وخاضعا لها من الناحية المعنوية ومتأثرا بها من الناحية السياسية. بينما كانت الحركات القومية الكردية خاضعة في بداية الأمر لضغوط القوى الإقليمية المتنازعة (تركيا وإيران) ثم تابعة بصورة شبه مطلقة للسياسة الأمريكية ومتعاونة مع إسرائيل ومتأثرة بأساليب الصهيونية وذهنيتها المغامرة. أما القوى الأخرى من ليبرالية ووطنية وقومية عربية، فإنها كانت أما خاضعة للتأثير الأجنبي (الأمريكي البريطاني) أو مشتركة معه بالتخطيط والتنسيق بأشكال ومستويات متباينة تتسم عموما بالتبعية بسبب حجمها ووزنها الذاتي.
مما سبق ويتضح بان التأثير الفعلي للقوى السياسية المشار إليها أعلاه يرتبط أساسا بحالة الضعف الطارئ للعراق وانحلال السلطة المركزية واحتراب المجتمع العربي العراقي وتشتته المؤقت. ومن ثم ليس له أية علاقة عضوية بفكرة الديمقراطية "المستوردة" أو المجلوبة على دبابات الغزو الأمريكي البريطاني.
إن حقيقة الديمقراطية تتعارض من حيث الجوهر مع مضمون الفكرة العرقية. وبالتالي لا يمكن للديمقراطية أن تكون مصدرا للفيدرالية القومية ولا معينا لها ولا داعما لها. على العكس! وهي الحالة التي سوف تسود بالضرورة في العراق. بمعنى سيادة الحل الواقعي والعقلاني لمشاكل الأقليات القومية عبر ضمان حقوقها الثقافية. أما الأسلوب الأمثل لذلك فهو إرساء أسس الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي. وليس اعتباطا أن نرى الآن المحاولات الواعية وغير الواعية لإضعاف أسس ومرجعية الشرعية والقانون والديمقراطية الاجتماعية. من جانب "القوى الأكثر تأثيرا" في الظرف الحالي للعراق، أي القوى الطائفية والعرقية.
طبعا أن ذلك لا يعني أن الديمقراطية سوف تحل كافة المشاكل دفعة واحدة، لكنها الأكثر كفاءة فيما يتعلق بأسلوب وإدارة حل الخلافات الممكنة في مختلف الميادين بما في ذلك في ميدان العلاقات القومية. وفي نفس الوقت تشكل الديمقراطية أحد المصادر الضرورية لظهور المشاكل نفسها مثلما هو الحال بالنسبة للحرية، بوصفها أيضا منتجة المشاكل المثيرة لإبداع العقل والوجدان. وبالتالي، فإن القضية الآن لا تقوم في ظهور المشاكل، بل في كيفية التعامل معها وحلها. لاسيما وأن ظهور المشاكل هو الأسلوب الواقعي لوجود الدولة والمجتمع والفرد والثقافة والعلم، باختصار لظهور كل شيء جديد. والعراق يقف دون شك، أمام آفاق جديدة للغاية فيما يتعلق ببناء جميع مكوناته، بما في ذلك القومية. وهي قضية حساسة، مع أنها لا تتصف بالتعقيد الكبير.
إن إشكالية القضية القومية في العراق، والكردية منها بشكل خاص، بوصفها مركز المعضلة المثارة في فكرة الفيدرالية، ينبع أساسا من انعدام الدولة الشرعية وتقاليدها الديمقراطية وضعف مؤسسات المجتمع المدني. وهو ضعف ارتبط تاريخيا بخصوصية تشكل الدولة العراقية الحديثة والانقلابات الراديكالية التي قطعت إمكانية التراكم الطبيعي في مؤسساتها. أما الجدل الأيديولوجي والدعائي عن كيفية نشوء الدولة العراقية الحديثة، وعما إذا كان دمج الأكراد بالقوة أو غيرها، فانه لا يغني الحقيقة في شيء. بل يمكن اعتباره جدلا "تاريخيا" عقيما. والقضية هنا ليس فقط في أن المحتوى التاريخي والثقافي للعراق هو اعرق وأقدم وأكثر جوهرية من "المرحلة العثمانية" والوجود التركي نفسه في المنطقة، بل ولأن التقسيمات التي قامت بها السلطنة في بداية القرن العشرين في العراق لا تشكل أية قيمة جوهرية بالنسبة لتحديد هويته. أما التقسيم الكولونيالي للعراق حسب اتفاقية سايكس بيكو، فإنها قسمة مفتعلة. بعبارة أخرى إن التقسيم العثماني للعراق كان تقسيما إداريا صرفا لا علاقة له بالقومية، بينما كان التقسيم الكولونيالي غنيمة جيوسياسية. كل ذلك يعطي لنا إمكانية القول، بأن الجدل التاريخي حول جغرافية العراق هو قضية مفتعلة أيضا. ومن هنا الطابع المفتعل للفيدرالية القومية في العراق. وهو افتعال ناتج عن ضعف ووسوسة الحركات القومية الكردية وشعورها بطابع وجودها الطارئ في العراق. وهو شعور له أسبابه في تاريخ العراق السياسي الحديث، لكنه لا يتمتع بشرعية قانونية فيما يخص جغرافية العراق ووحدة تاريخه وتراثه الكلي.
ذلك يعني أن جوهر المشكلة القائمة في فكرة الفيدرالية القومية هو ضعف وتخلف الوعي السياسي الاجتماعي للحركات القومية الكردية الحالية التي لم تعد تعي حقيقة وجودها في العراق إلا بمعايير العرقية الضيقة، أي بمعايير الرؤية الفاقدة لحقائق التاريخ العراقي ومستقبل الديمقراطية فيه. كل ذلك يشير إلى الدور الكبير والهائل الذي ينبغي أن تلعبه الثقافة السياسية البديلة في غرس الفكرة الديمقراطية والقانونية. وهي مهمة تفترض النقد الجريء لكل المواقف والأفكار الصادرة عن أي طرف كان ومهما كانت نيته، في حال مخالفتها لمضمون بناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني. بمعنى النقد البناء الذي يخدم فكرة الحق والعدالة الفعلية للجميع. فهي الصيغة العملية الوحيدة القادرة على كنس مخلفات التوتاليتارية وتفتيت بؤر التخلف الاجتماعي وتشذيب وتهذيب الثقافة الديمقراطية في النشاط السياسي. وعلى مدى وكيفية ووتائر تطبيقها يتوقف الحكم على مستوى نضوج الوعي السياسي. أما معياره المعاصر في ظروف العراق الحالية فهو مستوى ارتقاءه إلى مصاف الوطنية العراقية المؤسسة على قيم الشرعية والديمقراطية والمدنية. وهو ارتقاء يعبر أيضا عن مستوى إدراك الأهمية العملية لأسلوب تكامل النضج السياسي والمصداقية في القول والعمل. وعليه تتوقف في نهاية المطاف آفاق التطور، وبالتالي مسار الحل الفعلي لكل المشاكل والإشكاليات بما في ذلك القومية.
إننا نقف أمام إشكالية جوهرية بالنسبة لآفاق التطور الاجتماعي والسياسي في العراق يتوقف حلها على خلخلت تصادم الفيدرالية والديمقراطية من خلال جعل النظام الديمقراطي شرط ومقدمة الاندماج الوطني العراقي، ونفي فكرة الفيدرالية القومية بوصفها شرط ومقدمة الدعوات الانفصالية. وخطورتها ليست فيها من حيث هي دعوة للانفصال، بل من حيث فقدانها للشرعية التاريخية والثقافية والجغرافية القومية. وذلك لان بواعث الفيدرالية القومية في العراق عرقية، ونتائجها إثارة الصراع القومي. وهي معركة خاسرة لمن يدافع عنها. مع أن العراق سوف يدفع ثمنها الباهظ الذي لا يساوي ما يحدث فيه الآن إلا القدر الضئيل. فالحرب القومية لا يمكن تغطيتها بحدود وهمية ولا يمكن إشراك طرف خارجي أو داخلي دون آخر.
بعبارة أخرى إن العراق يقف أمام مفترق طرق، أما الفيدرالية القومية بوصفها فكرة الانفصال العرقي، وإما الديمقراطية بوصفها فكرة الاندماج الوطني. والأولى بلا آفاق، لأنها بلا أسس ولا مقدمات قادرة على ضمان استمرارها واستقرارها. على العكس، أنها سوف تلتهم القوى القومية الكردية وتنهك الشعب الكردي وتزجه في صراع داخلي وإقليمي الخسارة هي حليفه الحتمي. بينما الديمقراطية بوصفها فكرة البديل العقلاني، فإنها تحتوي بذاتها على إمكانيات واقعية لإرساء أسس الاندماج الوطني للجميع. فالديمقراطية، على خلاف الفيدرالية القومية تستمد أصولها من المستقبل. أنها تحتوي على فكرة القانون والشرعية والتعددية. ذلك يعني أن مضمون الاندماج الوطني يستمد مقوماته من أسس الشرعية والمواطنة. وهي الضمانة الأكبر للحق والعدالة والحرية، أي "للفيدرالية الاجتماعية".
فالفيدرالية القومية عرقية بالضرورة، بينما الديمقراطية هي اجتماعية بالضرورة. الأولى تعكس وتعبر عن نفسية وذهنية الأقلية ومن ثم استفحال بنية ما قبل الدولة العصرية، بينما الثانية تهدف إلى تنظيم الأغلبية الشرعية ومن ثم توسيع وترسيخ قيم العقلانية والحق. بمعنى أن الديمقراطية الفعلية، على خلاف الفيدرالية القومية، هي شرط ومقدمة بناء الدولة الشرعية والمواطنة الحرة.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفدرالية القومية في العراق - خطوة إلى الوراء
- النخبة السياسية في العراق – الهوية المفقودة
- هل العراق بحاجة إلى مساعدات؟
- جنون الإرهاب الوهابي - خاتم الإرهاب التوتاليتاري 4 من 4
- جنون الإرهاب المقدس – الحنبلية الجديدة 3 من 4
- جنون الإرهاب الأصولي – تحطيم العدل والاعتدال 2 من 4
- جنون الارهاب السلفي – إيمان مشوه وبصيرة حولاء-1 من4
- الجمهورية العراقية الرابعة – الاحتمالات والابعاد المجهولة
- هل العراق بحاجة إلى مرجعيات دينية؟
- الأغلبية المعذبة ومشروع البديل الوطني في العراق
- إشكالية الهوية العربية للعراق – مشكلة الجهل والرذيلة
- المثقف العراقي – المهمة الشخصية والمسئولية التاريخية
- العلم والأنوثة
- ملاحظات على حملة التضامن مع منتدى الاتاسي
- فلسفة الاعتدال السياسي الأمثل في العراق المعاصر
- فلسفة التسامح ومنظومة الاحتمال العقلاني
- فلسفة الإصلاح العقلانية
- الاسلام والجنس – عقيدة العقدة
- المشروع الديمقراطي العراقي وفلسفة النفي الشامل للطائفية السي ...
- الحركة القومية الكردية - المثلث الهمجي للطائفية العرقية 5 من ...


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - الديمقراطية في العراق - خطوة إلى الأمام