أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - سُبل مقفلة















المزيد.....

سُبل مقفلة


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3860 - 2012 / 9 / 24 - 22:24
المحور: الادب والفن
    



بينما كنا جميعاً غافلين نعيش في قريتنا التي اختارها آباؤنا من قبل بطريقة تشبه الحلم حدث ذلك بغتةً ففيما يُذكر عن الذين مضوا أن رؤوس الرجال والنساء الذين أتوا يبحثون عن جنة صغيرة كانت تراودهم خيالاً بين تلافيف أدمغتهم أن تلك الرؤوس قد امتلأت حد التُخمة ، بلون الصحراء الأصفر ولون رمالها المرقشة بدبيب السحالي والعضاآت والعقارب التي تشاركهم تلك الرمال ، كانت الحرب سجال بين الناس في تلك الصحاري رغم وفرة الرمال والكثبان ورغم أن الناسَ لهم كثبانهم ورمالهم إلا أن الماء من شحّه ِ ظلّ يُحرض بعضَهم على بعض والواحات يملكها الأقوياء الذين لا يمكن اختراق حياضهم وكانت هناك حربٌ أخرى تلتهب بسرية تامة بين جيوش من العضاءآت والعقارب والأفاعي واليرابيع وبين الناس وكما ذُكر ونُسِبَ للذين مضوا من قبل إذ قالوا أنه بينما يموت أحدنا بعضة أفعى رقطاء كنا نلتهم مئات من اليرابيع ، حرب لا هوادة فيها وقالوا أيضاً أنهم كانوا خمسة أو ستة بيوت تفرعت عن بعضها قد أصابها الملل من تلك الحروب المعلنة والسرية معا و من أكل اليرابيع والموت بعضةِ أفعى ويُقال أيضاً أن كبيرهم قال ذات يوم وهو يفركُ عينيه المحمرتين من مداومة ذرات الرمل الناعمة على الدخول إلى حدقتيه رغم ما يحيطهما من جفنين سميكين بأهداب قد جفت من صفق ريح السموم:- أشتهي أن أرى شيئاً آخرَ قبل موتي ذلك اللون الأخضر الحيّ يستحق العناء كانوا يستمعون إليه كنبي قد قسم ظهرالواقع إذ قال مدمدماً .....:-
مللتُ لون الرمال ، ولما أصبح الصباح طووا خيامهم ، بيوت الشعر تلك وحملوها على ظهور حيواناتهم وكانت الرغبةُ دليلهم حتى عثروا على هذا المكان ، ذيل جدول يأتي مترنحا من الشمال ويدسُّ مائه في أرض فارغة لا يدعيها أحد حطوا رحالهم دون سيف امتشق ولا قوس رَمَى، جنة من نخيل ٍ وماء وهكذا عاشوا وماتوا هنا ، تلك مثاويهم على مقربة من الماء ، الذي أطفأ لهيبِ دمائهم أحياءً وظنوا دائما بأن عظامهم يلذ ّ لها أن ترتوى به ، والآن بينما كنا جميعاً غافلين تذكرتهم الرمال، رمالهم القديمة فلم تجد غيرنا نحنُ أحفادهم ، صالت علينا تشم فينا رائحةً تعرفها جيدا ركبت ريح السموم وراحت تبحث عن بقايا الهاربين من جحيمها فينا ، بقية حساب رأت أن تصفيه معهم من خلال روائحهم العالقة بجلودنا ، إرثنا منهم، أربعون يوما كل يومٍ يمر كعامٍ بحاله أربعون يوما بلياليها ندفن رؤوسنا في الرمال، نضع أصابعنا في آذاننا ، نغمض عيوننا ، والرياح برمالها تصول وتجول اقتلعت النخل وطوحت به بعيدا فيما يُعرف بحرب النخيل التي دامت ثمان سنوات ،يُذكر أنها سُميت كذلك لكثرة النخيل الذي مات وهو يشاهد بأسف ما يجري ، طمرت الجدول وأخفت ماءه فيما يُعرف لاحقا بحرب الماء التي لا زالت قائمة ، هدأت الريح وحطت الرمال على القرية بقحولتها ، لما أفقنا ، كان كل الذي في الرؤوس انحسر، لم يسلم الماء ،صبغت كل شيء بلونها ، وكل الذي قد بنيناه اندثر ، ضاعت قبور الأجداد وكان لابد من الرجوع إلى تراثهم الذي احتفظنا به منذ أزمانهم ، وحال فراغنا من نصب خيامهم التي طووها قديما ، لذنا بها ونحنُ نرى الصحراء قد أتت إلينا بعد هروبهم منها وما عدنا نستطيع إنكارذلك ،ولم تمض إلا أيام قليلة حتى رأينا بأم أعيننا كيف دبت العقارب وكيف سعت الأفاعي وزحفت السحالي من كل لون وكأن الرمال تقول هذه أنا التي تهربون منها أنا أمكم الصحراء قد داهمتـُكم بليلٍ وتلك الدواب دليلي ، فإلى أين تهربون ، وحال انتباهتنا من هول ما عانيناه خلال الأيام الأربعين ، رحنا نحصي خسائرنا فوجدناها فادحةً لا تعوض وطفقنا نلحس جراحنا كذئاب مدحورة فوجدنا أن جراحنا لاتندمل ، ستنكؤها الريح أنّى هبتْ ووجدنا أن الريح قد خطت لنا مسارات عدة ، رأى بعضهم فيها نبوءة للريح وكتابا كتبته لنا على الرمال فحواه أن السبل قد تفرقت وإن الرحلة قد أزفتْ ولا محيص مما خطته الريح ورحنا نتجادل أياما ولياليَ حول أي سبيل قد خطته الريح نسلك وتلك النياسم التي خلفتها الريح قد سلكت كل اتجاه ، وراح كل منا يجمع شتاته ويشعل بخوره وينذر نذوره ثم يستخير الحظوظ ويسلك فجا من فجاج الريح لعله يتملص من رمال أصرت أن تأتيَ إلينا بعد هروب الأولين منها ، ورحتُ أشيعهم واحدا واحدا وهم يمضون في سُبل شتى ، وفي صباحٍ آخر من صباحات الرمال انتبهتُ إلى أنني نابتٌ في وسط القفر وحيدا كنتُ وقد اختفى الجميع ، أخذتهم سبُلهم قدما إلى ما لا أعلم ، ووجدتُ أن قدمي قد وهنتا وقصرت عزيمتي عن اختيار مسلك من مسالكهم ورحتُ أحدث نفسي وأعللها بالصبر ولعل كل الذي جرى كان كابوسا من الكوابيس ولعلي أصحو يوماً على غير ما أجد ، استغرقتُ أياما طويلة في ذهولي الذي ركبني منذ انتباهي إلى أن الجميع قد غادروا ولم يبق إلا شاخصي المترنح وسط هذه الخيبة وهذا الإندحار فتمنيت لو أنني ذهبتُ معهم أينما ذهبوا ،لكنني وبعد حصولي على نزرٍ من الماء في قاع الجدول المطمور جلستُ أرتق خيمتي التي ورثتها عالما بإن القحولة والريح والرمال تهزأ من هيئتها البائدةِ وقد غادرتني كل رغبة في الهروب من وجه الريح وقلتُ يا نفس هل يمكن لذي ساقين أن يهرب من وجه الريح حمالة الرمل السافيةِ العافيةِ ؟ وهي دائرة حولنا كان علي أن أكتشف الجواب، الأجدى يا روحي ترتيق البيت ولو بخيوط العناكب والبحث عن الماء ولو بقاع جدول ميت قد خنقته الريح وهكذا بقيت أنتظر أن ينبثق الماء أو يأتي الغيث ثم أغلقت عيني ونمت لعلي أحظى بإشارة ولا أعلم كم مضى علي و أنا غارقٌ في نوم عميق لكنني انتبهت إلى أن الذين غادروا قد وصلوا لنهاية السبل التي رسمتها الريح وكانت جميعها تنتهي إلى حيث الخيمة التي نصبتها بعد شعوري بالوهن واليأس إلى القرية ذاتها التي دفنتها الرمال حلم الذين مضوا الذي حولته الريح إلى رمال تسكنها دواب الصحراء من جديد وحين انتبهوا إلى ما انتهوا إليه و إن كل الرحلة كانت هباءًَ ، بل كانت وهماً و إن المبتدى هو المنتهى ما دمنا لا نملك صد الريح ولا وقف زحف الرمال ، وها أنا أجلس تحت ظل خيمتي إرث آبائي يملأ عيني لون الرمال الأصفر الذي كان يملأ عينيّ من مضى من قبل أتوق للأخضر الحي كتوق الأولين له ، الرمل ذاته الذي شممتُ رائحته ببقاياهم ولا أرى حولي إلا الضِباب بعيونها الغائمة التي لا تعبرُ عن شيء وقد انشغلت بمآربها وانشغل العائدون من سُبل لا جدوى من ركوبها بالتهام اليرابيع من جديد ، الضِبابُ لازالت تنظربعيونٍ غائمةٍ دون أن تأبه بي و بهمومي وبتوقي للأخضر الحيّ .



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جُنَّ خيطُ الريح
- أعداء المثقف أعداء الثقافة
- الأقزام- قصة قصيرة
- أنابيب فارغة-قصة قصيرة
- حكاية- قصة قصيرة
- قابيل- تهويمات
- ثمن الحرية البخس
- أمانٍ عاريات
- وادي السلام
- شجرةٌ في البرية
- حدث ذات يوم-قصة قصيرة
- قطط و أحلام
- نظرةٌ إنطباعيةٌ
- رجع قريب
- الشبيه
- يوم إستثنائي-قصة قصبرة
- طفوّ قصة قصيرة
- غنِّ يا حمام النخل
- يوميات طفل الحلم
- درب قصيدة


المزيد.....




- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - سُبل مقفلة