أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - مسعود ضاهر - عن الوجه الآخر لانهيار النظام الاشتراكي في روسيا















المزيد.....

عن الوجه الآخر لانهيار النظام الاشتراكي في روسيا


مسعود ضاهر

الحوار المتمدن-العدد: 207 - 2002 / 8 / 2 - 21:27
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


بدت لي موسكو في مطلع تموز 2002 مدينة اخرى مختلفة تماما عن تلك التي الفتها في زياراتي المتكررة اليها. فبعد اكثر من خمسة عشر عاما على زيارتي الاخيرة لهذه المدينة التي كانت تجسد عاصمة لنصف العالم طوال اكثر من سبعة عقود بدت الامور مختلفة تماما. فالقاعدة الصلبة لنظام اشتراكي كان يقود حربا باردة وحروبا ساخنة على المستوى الكوني مع النظام الرأسمالي هي التي بدلت وجهها ليتلاءم مع توجهات نظامها السياسي الجديد الذي ما زال يبحث عن موقع له في قائمة الدول الاكثر تخلفا بين مجموعة الكبار في عصر العولمة. فقد انهارت قلعة الاشتراكية بعدما اعتقدنا طويلا ان النظام الرأسمالي هو الذي كان على قاب قوسين او ادنى من الانهيار الحتمي بسبب تناقضاته الداخلية الكثيرة. هذا اضافة الى ان ماوتسي تونغ قد بشرنا طويلا بأن الولايات المتحدة الاميركية ليست اكثر من نمر من ورق>>.
مهما يكن من امر الماضي وايديولوجياته فالتاريخ لا يرحم بل يقدم الدروس والعبر لمن يريد ان يتعلم منها. لذا كان لا بد من النظر الى الواقع الجديد بأعصاب باردة، بعيدا عن كل تشنج ايديولوجي وأفكار مسبقة، لأن الحدث ما زال في بداياته وقد يتخذ ابعادا خطيرة في المستقبل بدأت ركائزها تترسخ الآن على ارض الواقع بحيث تبتعد روسيا يوما بعد يوم، لا عن هموم العرب فحسب بل عن هموم الكثير من القضايا العالمية الساخنة ايضا. فهناك صراع حاد بدأ يتبلور الآن على مستوى بناء الدولة والمجتمع في روسيا، تشارك فيه جميع القوى الحية والفاعلة، لكنها على اقتناع مشترك بأن الاولوية الآن هي لبناء الداخل الروسي الذي تعرض لهزات عنيفة خلال السنوات العشر الماضية بحيث فقد المواطن ثقته بنفسه، وبدولته، وبعملته الوطنية، وبنظامه التعليمي، والاقتصادي والسياسي وغيرها.
بعبارة موجزة، يمكن القول ان جانبا اساسيا من الانهيار قد وقع تحت وطأة التناقضات الداخلية التي اظهرت ان النظام السابق بات عاجزا عن مواجهة التحديات الاقليمية والدولية في عصر العولمة. لكن المفارقة ان النظام السائد قدم نفسه على انه طليعة القوى الاشتراكية في العالم، وكان عليه حمل راية الاشتراكية المظفرة الى جميع دول العالم، وبشكل خاص دول العالم الثالث. لكن السنوات الاخيرة التي سبقت انهياره عام 1989 شهدت تناقضات حادة على مختلف المستويات الداخلية والاقليمية والدولية.
فلم يقتصر الخلاف بين السوفيات والنظام الرأسمالي العالمي الذي كانت تقوده الولايات المتحدة الاميركية، بل تعداه ايضا الى دول المنظومة الاشتراكية الاخرى خاصة الصين، ومع الاحزاب الشيوعية في اوروبا الغربية خصوصا فرنسا وايطاليا، ومع كتلة دول عدم الانحياز كيوغوسلافيا وغيرها.
يضاف الى ذلك ان نمط الانتاج الاشتراكي الذي كان مطبقا في الاتحاد السوفياتي قد اظهر عجزا فاضحا في تلبية الحاجات الاساسية للشعب الروسي اولا ولجميع الشعوب الاخرى التي كان يتشكل منها الاتحاد السوفياتي السابق. والسبب في ذلك ان بيروقراطية فاسدة، بوجه عسكري وسياسي موحد، كانت تتحكم بمقدرات تلك الدول وشعوبها. وقد ورثت عن المدرسة الستالينية اسلوب القمع المنظم لمواجهة القوى الحية في المجتمع، وشهرت سلاح <<المركزية الديموقراطية>> ضد كل اشكال العمل الديموقراطي الشعبي، وأودت بحياة آلاف المناضلين من الشيوعيين اولا، قبل ان تعمم اسلوبها على القوى الاخرى في ظل <<حكم الحزب الواحد>>. بدت خلفية هذا المشهد ماثلة بقوة في جميع النقاشات التي دارت مع عدد كبير من الباحثين الروس الذين التقيتهم مؤخرا، بعد طول غياب، في رحاب معهد الاستشراق الروسي في موسكو صيف 2002. واذا كان هاجس معرفة الهم الروسي حاضرا بقوة في الاسئلة التي كنت اوجهها للاصدقاء الروس فإن الهم اللبناني وما جرى في لبنان خلال الحرب الاهلية 1975 1990 وتداعياتها اللاحقة حتى الآن كان حاضرا بشدة في اسئلتهم. ومن خلال تقاطع الاسئلة والاجوبة حول مستقبل كل من روسيا ولبنان في عصر العولمة بدا لي وكأن بعض نقاط التلاقي بيننا تبدو مذهلة في شفافيتها. فقد لفت نظري احد الباحثين الروس الى ضرورة التأمل بمدلول النص الحرفي للاقتباس الذي قدمته عن توصيف مفكرنا الشهيد كمال جنبلاط للقوى المسيطرة في لبنان. وهو توصيف يرقى الى عام 1950، كما ورد في جريدة <<الاوريان>> الصادرة بالفرنسية في بيروت في 21 كانون الثاني 1950 ثم اعيد نشره مترجما الى العربية في كتاب <<نحو اشتراكية اكثر انسانية>>، الطبعة الثانية، بيروت 1987، صفحة 29. لكنه نص بالغ الاهمية من حيث دلالاته النظرية، وقد ورد فيه: <<قصر نظر بورجوازية رأسمالية ومالية مكونة بمعظمها من <<حديثي النعمة>> وأثرياء الحرب.. والغياب الكامل لأي نوع من العقيدة الاجتماعية في البلاد بعدما توقف نمو تشكيلات الشبيبة عند مرحلة الطائفية، اي عند مرحلة ما قبل القومية>>.
بعدما تأمل الباحث الروسي طويلا في النص الجنبلاطي، خرج عن صمته ليقول: <<النص بحاجة فقط الى قليل من الرتوش لكي يعبر بصدقية تامة عن الحالة الروسية الراهنة. فقد رافق انهيار النمط الاشتراكي فراغ نظري حاد، ويتساءل الباحثون الروس اليوم، وبقلق بالغ، <<ما العمل؟>>.
فقد اظهر الشعب الروسي فرحا عارما بانهيار النمط البيروقراطي السابق للاشتراكية على الطريقة السوفياتية التي حرمته من ابسط حقوق المواطن الحر، ومن السلع البسيطة التي يجدها المستهلك العادي في اية دولة نامية. لذلك اندفع بلذة بالغة الى ممارسة حياته اليومية بعدما امتلأت الاسواق بالسلع الجميلة، من مختلف بقاع الدنيا، وفي جميع الأمكنة. تجدر الاشارة هنا الى ان جميع المسنين الذين حاورتهم اثناء اقامتي في موسكو حول انطباعاتهم الشخصية عن المرحلة السوفياتية السابقة والمرحلة الجديدة كانت ترد على السنتهم باستمرار اشارة الى وجود كل انواع السلع الضرورية في الاسواق، وهذا ما لم يكن متوافرا في المرحلة السابقة. كما ترد اشارة اخرى الى ان اعدادا كبيرة من البنات الجميلات في روسيا وباقي الجمهوريات السوفياتية كن ضحية العمل المضني في المصانع، وبأجور زهيدة، وكان عليهن ارضاء القيادة البيروقراطية بالخضوع للتحرش الجنسي بهن. لذا لم يبد كثير من الباحثين غرابة حول ما يجري لهن الآن بعد تهافت الكثير من الفتيات على المال، داخل روسيا وخارجها. فالتربية السوفياتية لم تكن على درجة عالية من التشدد الاخلاقي الذي كان يعتقده كثير من الباحثين من ذوي النزعة الاشتراكية في دول العالم الثالث. كما ان الفتاة الروسية التي حرمت من ابسط متطلبات الحياة التي تنشدها الفتاة العصرية إبان المرحلة السابقة قد اندفعت الى تحقيقها اليوم، متجاوزة الكثير من النظم الاخلاقية.
هل ما تقوم به الآن هو تعويض نفسي عن مرحلة الحرمان السابقة؟ قد يكون الجواب سهلا لمن يريد تحليل ما يجري اليوم في روسيا على اساس علم النفس الاجتماعي بحيث يبدو التعويض حقا مشروعا عن الحرمان المزمن الذي عاشه الشعب الروسي طوال عقود طويلة في مجال منع الممارسة الدينية، وغياب المبادرة الحرة، والعمل الديموقراطي، والمسكن المريح، والسيارة الخاصة، والاهتمام بالجسد وغيرها. لكن المسألة اعمق من ذلك بكثير. فهناك سرعة مذهلة في التحولات الجارية الآن في روسيا بحيث تبدو موسكو الآن واحدة من اجمل العواصم الاوروبية على الاطلاق. وقد ساهمت المرحلة السوفياتية الطويلة خلال اكثر من سبعين عاما في ارساء قواعد مادية صلبة لمدينة عصرية متميزة. فقد بنت شبكات المترو المتطورة، والشوارع والساحات الفسيحة، والابنية الجامعية والحكومية الضخمة، والحدائق الكبيرة والغنية بتنوع جمالاتها، والمصانع والمتاجر الكبيرة، والمسارح والمتاحف الجميلة، والاهتمام الكبير بالأندية الرياضية وغيرها. لذا كان من السهل على البورجوازية الروسية الجديدة ان تنطلق بقوة من تلك القاعدة المادية الواسعة لكي تعيد ترتيب البيت الروسي الداخلي مستخدمة لمسات سحرية عرفتها البورجوازية الروسية إبان صعودها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومستفيدة من تراث جميع البورجوازيات الاوروبية في مختلف مراحلها والتي كانت على علاقة وثيقة جدا بها قبل قيام الثورة السوفياتية وما أدخلته من تبدلات جذرية في المجتمع الروسي القديم.
على جانب آخر، وليس بعيدا عن وسط موسكو وفي ضواحيها، يعيش اكثر من مليوني مهاجر اجنبي بينهم نسبة كبيرة ممن لا يحملون بطاقات شخصية لإثبات هويتهم الحقيقية. وهؤلاء يشكلون، مع المافيا الروسية او بدونها، ارضا خصبة للخلل الأمني المريع الذي يعيشه المواطن الروسي اليوم على مدار الساعة. فالسرقات كثيرة، ومعها جرائم القتل، والمخدرات، والاتجار بالسلع المهربة. وعندما قلت لأحد الاصدقاء الروس ان مرافقي طلب مني ان ابقى مزودا على الدوام بجواز سفري خوفا من مضايقات التفتيش ورجال الأمن، اجاب على الفور: <<لا بل يستحسن ايضا ان تكون معه الفيزا وبطاقة الطائرة كإثبات على مرورك العابر في موسكو>>.
هكذا تصل المفارقة الى اقصى تجلياتها: موسكو المدينة الجميلة جدا التي تظهر اجمل مفاتنها البشرية، وأبنيتها الجميلة، وطبيعتها الخلابة للقادم اليها من بعيد، تجعله في حالة قلق دائم يرافقه حتى الرحيل القسري عنها. مع ذلك، فالقاطنون فيها لاحظوا تغيرا ايجابيا ملحوظا منذ السنة الماضية حين حزمت الدولة امرها على فرض الأمن مجددا بالقوة العسكرية. لكنه أمن مشوب بالحذر طالما ان سلطة المافيات قوية وقادرة على التحكم بشكل علني او مستور. وكثيرا ما يذهب ضحيتها تجار صغار من دول العالم الثالث، او مواطن روسي، او سائح متجول من دون حذر في امكنة بعيدة عن رقابة الدولة.
بقي ان نشير الى ان العرب في حالة شبه تامة من الغياب وعدم متابعة ما يجري في روسيا عن كثب في مراكز البحث والتخطيط لمستقبل روسيا في عصر العولمة والهيمنة الاميركية على النظام العالمي الجديد. فالدعم المالي العربي للباحثين الروس المهتمين بالتراث العربي يكاد يكون معدوما تماما. ويواجه هؤلاء مأزقا معيشيا حادا بسبب الانخفاض في مستوى الرواتب من جهة، والارتفاع الحاد جدا في مستوى الحياة الاجتماعية الضرورية للباحث من جهة اخرى. بالمقابل، إن اسرائيل حاضرة بقوة في مراكز البحث العلمي ذات الصلة بالشرق الاوسط، ولديها قسم خاص بدراسة اسرائيل وقضايا الشرق الاوسط في معهد الاستشراق، وهو يصدر دراسات جماعية بشكل دوري يستفيد منها عدد كبير من المستعربين الروس، وهي تقدم الكثير من الاغراء المادي، والرحلات المجانية لزيارة اسرائيل. لذا تمر الدراسات العربية في معهد الاستشراق بأزمات مالية حادة ناجمة عن غياب الدعم الرسمي لتمويل القطاع العام، وفرض التعليم المدفوع الاجر باستثناء نسبة مئوية من الطلاب الذين يحصلون على شهاداتهم بدعم مالي من الدولة. ومن المتوقع ان يتقلص عدد الباحثين المهتمين بالقضايا العربية بشكل عام، خصوصا اولئك الذين انصفوا العرب في دراساتهم العلمية. فهل تبقى الانظمة العربية، على جاري عاداتها غير الحميدة، تتفرج على انهيار مراكز علمية تحتضن عشرات الباحثين المستعربين الذين لعبوا دورا كبيرا في تنوير شعوبهم عن القضايا العربية المحقة؟
() كاتب ومؤرخ لبناني
جريدة السفير


#مسعود_ضاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ابن رشد إلى غريغوار حداد العقلانية في مواجهة التعصب الدين ...


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - مسعود ضاهر - عن الوجه الآخر لانهيار النظام الاشتراكي في روسيا