أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أوري أفنيري - روميو الفلسطيني















المزيد.....

روميو الفلسطيني


أوري أفنيري

الحوار المتمدن-العدد: 780 - 2004 / 3 / 21 - 07:57
المحور: القضية الفلسطينية
    


كانت أورنه مِر امرأة ثائرة ومثيرة. لقد كانت ابنة بروفيسور يعمل في مجال الطب، وقد كان اسطورة في حياته. انضمت أورنه إلى البلماخ في شبابها، وتحول الشماغ (الكفية) إلى رمز يميزها. بعد الحرب انضمت إلى الحزب الشيوعي الذي حظي بالقسط الأكبر من الكراهية في الدولة، وتزوجت من أحد نشطاء الحزب العرب. يحمل إبناها المشهوران جوليانو وسبارتك اسمين ثوريين.

مع بداية الاحتلال، احتضنت أورنه معسكر اللاجئين في جنين، وهو بحر من الشقاء والعوز، وأقامت فيه جزيرة من النور على شكل مسرح للأطفال بمساعدة جوليانو، وكان في ذلك الوقت ممثل مبتدئ، جمعت مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 9-10 سنوات، ومثلت معهم مسرحيات بأبسط الوسائل التي توفرت آنذاك. لقد تكلمت العربية بطلاقة، وانطلاقا من تفهمها التام للمعاناة الفلسطينية شجعت هؤلاء الأولاد على التعبير عن الغضب، الاعتزاز ومقاومة الاحتلال. تكريسا لهذه الجهود مُنحت "جائزة نوبيل البديلة" في ستوكهولم. وعشية وفاتها، وهي تصارع الموت، قامت بزيارة وداع إلى "أولادها" في المخيم.

يمكن لمثل هذه الشخصية أن تحتل فيلما كاملا، إلا أنه في فيلم "أولاد أورنه"، الذي أخرجه جوليانو، يمثل "الأولاد" إلى جانب "الأم" ويحولون هذا الفيلم إلى فيلم وثائقي مميز. فيلم لا يمكن استبداله بفيلم آخر لمن يريد أن يفهم الانتفاضة بأفضل الأشكال.

قبل حوالي سنة، أثار فيلم محمد بكري، "جنين، جنين" ضجة ونقاشا جماهيريا حادا في إسرائيل، وكان قد وصل إلى أروقة المحكمة العليا. يتناول الفيلمان، في بعض أجزائهما، موضوعا واحدا، وهو الأحداث الدامية في جنين التي حدثت في شهر نيسان من عام 2002، حين اجتاح الجيش الإسرائيلي المخيم في إطار حملة "السور الواقي". كل من الفيلمين يعبر عن تأييده العميق للطرف الفلسطيني. ولكن الفرق بينهما هو فرق شاسع، ففي فيلم محمد بكري يتم وصف سكان جنين على أنهم ضحايا مجزرة، أما في فيلم جوليانو مِر فإن سكان جينين يظهرون بمظهر الأبطال الذين يقاومون القوة العسكرية الهائلة للجيش الإسرائيلي. أنهم يرفضون بشدة الادعاء بأنه قد حدثت "مجزرة" هناك، ويرون في ذلك تحقير وإذلال. يذكر توجههم هذا توجه متمردي جيتو وارسو الذين بقوا على قيد الحياة.

إن ما يجعل هذا الفيلم ينخرط في الذاكرة هو إظهار أبطاله بشكل مزدوج. فقد قام جوليانو بتصويرهم عندما كانو أطفالا أعضاء في الفرقة المسرحية التي أقامتها أورنه، فهم يبدون هناك أطفالا يسحرون الألباب، مفعمين بالحياة والفكاهة. فيظهرون وهم يمشون على أربعة، ينبحون وينقض أحدهما على الآخر في دور "الكلاب". يظهر أشرف وهو ولد يثير الإعجاب حقا، يحلم بمستقبل يمثل فيه دور "روميو الفلسطيني". نسمع الأولاد، الذين يعيشون وسط القمامة، في ظروف لا يمكن احتمالها، وهم يتحدثون عن أحلامهم ويخططون مستقبلهم الزاهر في عالم حر وطبيعي.

ثم نلقاهم خلال الفيلم بعد أن كبروا وأصبحوا شبابا. لقد فجر أشرف، ساحر الألباب، روميو الفلسطيني، نفسه في عملية انتحارية، بعد أن صوّر كما هو معهود في مشهد الوداع: شاب طويل الذقن، جدي، عاقد العزم، يشرح بأن الموت أفضل من العيش في جحيم مخيم اللاجئين تحت وطأة الاحتلال. وآخرون استشهدوا - "استشهدوا" ولم "يُذبحوا" - في المعركة الكبرى للدفاع عن جنين.

يثق الفلسطينيون بجوليانو ثقة عمياء، رغم كونه "يهوديا" (في الحقيقة إنه نصف يهودي، ولكنه في نظرهم يهودي كامل). وهكذا حظي جوليانو بفرصة لم يحظ بها أي إسرائيلي آخر، فقد سمحوا له بمرافقتهم نهارا وليلا، حتى النهاية. وهكذا نشأت شهادة فريدة من نوعها (حقا) لا تُثمن بمال: كيف يحيون ويموتون "المسلحون"، "ابناء الزوال"، الذين يتحدث عنهم الجيش الإسرائيلي في بلاغاته والمعرفون في إسرائيل على أنهم "أبناء زوال".

نراهم يتنقلون بمجموعات صغيرة، مسلحين بالأسلحة الخفيفة، أو ينامون بملابسهم، مستعدين لأي طارئ. إنهم يجلسون معا، يدخنون بشكل متواصل، يتسامرون كما يفعل الجنود في الميدان قبيل المعركة أحيانا. ويخيم عليهم الإحساس بالأخوة والصداقة. إنهم في نهاية الأمر شباب مفعمين بالحياة، يعرفون بأن أيامهم معدودة. ليس فيهم أي شخص متطرف من الناحية الدينية.

عندما تقوم نقاط المراقبة بإبلاغهم بواسطة الهاتف الخليوي باقتراب دورية جيش، يخرجون للانقضاض عليها، رشاشات ومسدسات امام دبابات لا يظهر منها الجنود الذين يلبسون البدل الواقية. هذه معركة محسومة مسبقا، وهم يعرفون ذلك. ولكن، وعلى حد تعبيرهم، هم مصممون على عدم الاستسلام، والنضال حتى النهاية. وكأنهم يقولون "علي وعلى أعدائي يا رب".

فيما يلي الوجه الآخر للبلاغات الاعتيادية التي يصدرها الجيش: "في إطار حملة ملاحقة للمطلوبين، دخلت قوات جيش الدفاع إلى مخيم اللاجئين... نشبت معركة إطلاق نار قتل إثرها خمسة مسلحين فلسطينيين... لم تقع خسائر بين قواتنا..."

ليس سرا أن الجيش يقوم في الآونة الأخيرة بإرسال فصائله المدرعة إلى قلب المدن الفلسطينية ليس بهدف "اعتقال المطلوبين" أو "القضاء على قنبلة موقوتة"، بل بهدف إخراج هؤلاء "المسلحين" من مخابئهم ودفعهم إلى مهاجمة الدبابات – وهي عملية أشبه بالانتحار.

في نهاية الأمر تُلصق صور كافة أولاد أورنه– إحداها بجانب الأخرى في هذه المرة أيضا– على الجدران، في لافتات تشيد بالشهداء. الأولاد، الذين بدوا فرحين ومليئين بالحيل الصبيانية في بداية الفيلم، تحولوا في هذه الصور إلى شباب متقطبي الوجه، تعتليهم التعابير المهددة.

إن هؤلاء، من وجهة نظر معظم الإسرائيليين، هم مجرد مخربين، قتلة ومجرمين، هدفهم الوحيد "إراقة الدماء اليهودية". إنهم لا يرون فيهم بشرا، ولا يسألون من أين أتوا وماذا دفع بهم للقيام بمثل تلك الأعمال. لذلك لا يدركون مصدر قوتهم وإصرارهم.

أما من وجهة نظر الفلسطينيين، فهؤلاء هم أبطالهم الوطنيين، شباب شجعان ومخلصين يبذلون أنفسهم من أجل كرامة شعبهم ومستقبله. كان يمكن لألترمان (الشاعر نتان ألترمان) فلسطيني أن يصفهم على أنهم "صينية من فضة".

أشرف، وهو "روميو الفلسطيني"، مات مع أصحابه، كما حدث لروميو في تراجيدية شكسبير. ولكن من يشاهد هذا الفيلم سيكون على يقين بأن لكل من هؤلاء الشباب عشرات سيخلفونهم.

حين خرجت من القاعة راودني سؤال: عندما سينال الفلسطينيون في نهاية الأمر استقلالهم، ويتحول هؤلاء المقاتلين إلى جزء من التراث الوطني، هل يمكن للعلاقة التي نشأت في تلك الأيام الحالكة بين هؤلاء الأولاد وبين أورنه مِر ومن مثلها، أن تشكل أساسا للمصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟

من الصعب علينا دائما أن نرى الطرف الآخر، وكم بالحري في أيام الحرب، حين يسيطر الألم والغضب والكراهية على كل شيء. هذا الفيلم هو بمثابة فرصة نادرة للتعرف على الطرف الآخر بصورة كاملة وواقعية أكثر.

إنه فيلم يثير المشاعر ويعبر عن الواقع، ويشرح لماذا لا يمكن للجيش الإسرائيلي أن يسحق الانتفاضة - رغم أنه "ينتصر كل يوم"، على حد تعبير أحد الجنرالات، متفاخرا.



#أوري_أفنيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طالما ظل الجيتو في القلب
- الدب الراقص
- نعم سيدي الوزير!
- إلى غزة!
- إكليل الأشواك
- رجل أسكيمو في البنطوستان
- اللا سامية – دليل المصطلحات
- العجلة من الشيطان!
- النوم على سرير (برنامج سياسي) مريح
- الأمر المُطلق
- صدام إلى هاغ!
- بالونات
- وما زالت دواليب الهواء تدور
- شجار في ليشبونه
- الخطاب الذي ألقيته في الحفل التكريمي لي ولسري نسيبة بمناسبة ...
- سبعون حورية ليعلون
- مطلوب: شارون يساري
- نقائل السرطان
- من تصدقون؟
- الدرع البشري


المزيد.....




- نتنياهو لعائلات رهائن: وحده الضغط العسكري سيُعيدهم.. وسندخل ...
- مصر.. الحكومة تعتمد أضخم مشروع موازنة للسنة المالية المقبلة. ...
- تأكيد جزائري.. قرار مجلس الأمن بوقف إسرائيل للنار بغزة ملزم ...
- شاهد: ميقاتي يخلط بين نظيرته الإيطالية ومساعدة لها.. نزلت من ...
- روسيا تعثر على أدلة تورّط -قوميين أوكرانيين- في هجوم موسكو و ...
- روسيا: منفذو هجوم موسكو كانت لهم -صلات مع القوميين الأوكراني ...
- ترحيب روسي بعرض مستشار ألمانيا الأسبق لحل تفاوضي في أوكرانيا ...
- نيبينزيا ينتقد عسكرة شبه الجزيرة الكورية بمشاركة مباشرة من و ...
- لليوم السادس .. الناس يتوافدون إلى كروكوس للصلاة على أرواح ض ...
- الجيش الاسرائيلي يتخذ من شابين فلسطينيين -دروعا بشرية- قرب إ ...


المزيد.....

- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ
- أهم الأحداث في تاريخ البشرية عموماً والأحداث التي تخص فلسطين ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أوري أفنيري - روميو الفلسطيني