أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزو محمد عبد القادر ناجي - الدور الأمريكي في عدم الاستقرار السياسي في سوريا















المزيد.....



الدور الأمريكي في عدم الاستقرار السياسي في سوريا


عزو محمد عبد القادر ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 2285 - 2008 / 5 / 18 - 07:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بدأ تدخل الولايات المتحدة في سوريا، كأول منطقة في الشرق الأوسط بدأتها تدخلاتها، وكان ذلك سنة 1865 ، لكنها إقتصرت على إرسال البعثات العلمية الإنجيلية وفتح المدارس في بعض المناطق السورية النائية ، بدون أخذ أي مقابل من السكان ، وبعد سقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى التي بدأت عام 1914 وإنتهائها بانتصار الحلفاء، قررت عصبة الأمم الانتداب على منطقة الهلال الخصيب التي قسمت وفق إتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا، وقد بعثت عصبة الأمم لجنة أمريكية سميت " لجنة كراين" عام 1920 للتعرف على رغبات السكان، على أساس اختيارهم للدولة المنتدبة التي يفضلونها على غيرها، وقد رأى معظم السكان أن يكون الاستقلال النهائي مع رفض اتفاقية سايكس بيكو، وإذا لم يكن هناك بد من الانتداب، فتفضيل الولايات المتحدة على غيرها من الدول باعتبارها صاحبة رسالة في العالم تستند دوافعها على وحدانية البشر وريادة دورها العالمي، ولها تجارب في ذلك، فقد استقلت عن بريطانيا ووحدت أراضيها، وتقدمت في جميع العلوم، وأصبحت من أغنى دول العالم, فعشية الحرب العالمية الأولى كان دخلها يساوي دخل بقية دول العالم مجتمعة، لكن كان دخول الفرنسيين دمشق إثر معركة ميسلون، وقضائهم على استقلال سوريا، وإبعادهم الملك فيصل عن سوريا، له أثره في نفسية الشعب السوري الذي كان يرى تدخل الولايات المتحدة بعد أن أعلن الرئيس ولسون مبادئه الأربعة عشر.

ولدى دخول الولايات المتحدة الحرب ضد المحور، أيد الكثير من السياسيين ومنهم الرئيس شكري القوتلي الحرب على المحور، بل وأعلن الرئيس القوتلي الحرب على المحور عام 1945 عن سوريا ولبنان، وكان هذا الإعلان سبباً في دخولها مؤتمر سان فرنسيسكو عام 1945، والمشاركة في تأسيس هيئة الأمم المتحدة، حيث أيدت الولايات المتحدة خروج القوات البريطانية والفرنسية عن سوريا، مما كان له تأثيراً إيجابياً على الشعب السوري تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.

وبعد خروج القوات الأجنبية عن سوريا في إبريل 1946، رفض الرئيس شكري القوتلي إتفاقية التابلاين وهي عبارة عن شركة الأنابيب البترولية المارة من السعودية إلى البحر المتوسط عبر سوريا، وتتبع شركة أرامكو، الأمريكية السعودية، كما رفض قرار الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل الذي أصدرته الأمم المتحدة، وسلك مسلكاً متشدداً تجاه إسرائيل برفضه إجراء أية تسوية بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، وطالب بلواء الإسكندرونة، وفي نفس هذا الوقت كانت نظرة الولايات المتحدة بقيادة الرئيس هاري ترومان، إلى سوريا، داخل إطار استراتيجتها الإقليمية، بوصفها تمثل قلب الشرق الأوسط، وبسبب خطوط البترول المارة بها، وطرقها الجوية الإستراتيجية، وضخامة كمية النفط والغاز فيها، إضافة للموارد الأخرى، وأهمية الإحتكارات الأمريكية فيها، ودورها الرئيسي في الأزمات السياسية بسبب موقعها كمدخل لشرق المتوسط، ونشاطها الكبير حكومة وشعباً في الشؤون السياسية والثقافية للعالم العربي، فكانت المشكلات التي نتجت عن إحتلال فلسطين، مثل مشكلات ترسيم الحدود، وموقفها من اللاجئين فيها منذ عام 1947، قد قادت الولايات المتحدة إلى التدخل لتنصيب ديكتاتور أطلقت عليه " ديكتاتور جمهورية الموز" ، وسمة هذا الديكتاتور بحسب رأي ديفيد وليش هي عدائه للشيوعية، ورغبته بالسلام مع إسرائيل، ويحقق مصالحها الاقتصادية، وكان حسني الزعيم هو الرجل المطلوب لذلك ، فعمل على ما يلي:

1- عقد إتفاقية الهدنة مع إسرائيل.
2- قبل المساعدات الأمريكية والتي رفضها نظام شكري القوتلي.
3- حسن العلاقات مع تركيا حليفة الغرب.
4- عمل على تحطيم الشيوعية والقوى اليسارية في سوريا.
5- صدق على إمتياز شركة أرامكو القاضي بأن تقوم شركة التايلاين بنقل النفط السعودي إلى البحر المتوسط.

وهذا ما أكده مسؤول المخابرات الأمريكية السي أي إيه في دمشق في كتابه لعبة الأمم بقوله:"إنتهينا إلى نتيجتين بخصوص سوريا، فهي مقبلة إما على ثورة دموية مسلحة يقودها الانتهازيون الإشتراكيون، أو حركة عسكرية بدعم سري منا ..... وبالطبع كنا مع خيارنا..... كان انقلاب الزعيم من إعدادنا وتنظيمنا ..... وقد حافظ الانقلاب كما رسمنا له، على صيغة سورية بحتة أمام الجميع "، وبالفعل قامت المخابرات الأمريكية بالتخطيط لهذا الانقلاب في السفارة الأمريكية في دمشق، وتحت توجيهها، ثم قتلته بواسطة سامي الحناوي بعد أن تمرد على أوامرها، كما كان حسني الزعيم على علاقة جيدة مع الملحق العسكري الأمريكي قبيل الانقلاب، وعشية الانقلاب طاف حسني الزعيم مع السفير الأمريكي في شوارع دمشق على متن سيارة مكشوفة، إضافة لعلاقته بالسي أي إيه، وقد برر مايلز كوبلاند هذا الانقلاب بأنه كان ضرورياً من أجل الديمقراطية في سوريا بحيث تكون مبنية على الإرادة الشعبية، وإلا فإن فوضى ثورة شعبية قد تطيح بالنظام الحاكم، وتنشيء ديكتاتورية قاسية، لذلك كانت الولايات المتحدة وحلفائها فرنسا وبريطانيا قد قرروا عدم بيع السلاح لسوريا قبيل حرب 1948، لإدراكهم ما سيؤول إليه تردى أداء الجيش السوري على نفسية الشعب السوري الذي يعتبر أن جيشه قادر على توحيد أجزاء الوطن السوري.

كما استفادت الولايات المتحدة وحلفاءها بجعل حسني الزعيم يخون زعيم الحزب القومي السوري أنطون سعادة، بسبب أيديولوجية هذا الحزب التي رأتها ستزعزع الحكومات الموالية لها مثل حكومة رياض الصلح في لبنان، والحكومات التركية والمصرية والإسرائيلية، باعتبارها ترفض إتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، وضم لواء الاسكندرونة إلى تركيا، وسيناء إلى مصر، ومن الممكن تقبلها من قبل الشعب السوري باعتبارها تمثل طبيعته وخصوصيته، إضافة لعمليتها ومنطقيتها وواقعيتها، خاصة بعد أن روَّج الحزب القومي السوري بأن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن خلق دولة إسرائيل. بالرغم من أن المساعدات السوفياتية إضافة للدول الشيوعية كان أكبر من مساعدة الغرب لإنشاء هذه الدولة.
ولم يثبت أي علاقة للولايات المتحدة في انقلاب سامي الحناوي، بل على العكس عملت على استخدام عملائها لإيقاف نهجه باعتباره مؤيداً لمشروع الهلال الخصيب، وتسخيره الجيش لتحقيق هذا المطلب الشعبي، بعد فوز حزب الشعب بأغلبية مقاعد الجمعية التأسيسية، وهذا ما أكده وزير خارجية الولايات المتحدة (دين أشيسون)، خاصة أن الشيشكلي كان على علاقة بـ مايلز كوبلاند، فكان انقلابه الأول في مصلحة الولايات المتحدة بعد أن نشط اليسار في مقاومة مشروع التابلاين واعتباره مشروع إمبريالي، كما كان الشيشكلي قد أكد إستعداده لقبول السلام مع إسرائيل، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، والتفاوض لإجراء إتفاقية دفاع مشترك مع تركيا، والسعي للتوصل إلى إتفاقية مع الولايات المتحدة، بشأن المساعدات العسكرية، بعد أن رفض الرئيس هاشم الأتاسي مشروع النقطة الرابعة الذي أطلقه الرئيس هاري ترومان ومفاده: إمداد الدول الأقل نمواً بالمساعدات التكنولوجية، والعسكرية وفي إطار دعم هذه الدول وتقويتها اقتصادياً، لتتمكن من مواجهة واستئصال النفوذ السوفياتي الشيوعي" ، إضافة لرفض نظام هاشم الأتاسي الإشتراك في مشروع القيادة الشرق أوسطية التي لمحت إليه الدول الغربية، ومما يدل على علاقة الولايات المتحدة بانقلاب الشيشكلي أن أول حكومة بعد انقلابه وهي حكومة خالد العظم قامت بحملة اعتقالات واسعة للشيوعيين بعد قيامهم بمظاهرات إحتجاجاً على التدخل الأمريكي في كوريا عام 1950. كما أن الولايات المتحدة قد أصدرت في 29 مايو 1990، بالإتفاق مع بريطانيا وفرنسا الإعلان الثلاثي الذي تضمن تعهد هذه الدول الثلاثة بتأمين الوجود الإسرائيلي، وبتحقيق التوازن في سباق التسلح بين الدول العربية من جهة، وإسرائيل من الجهة المقابلة، والتعهد بالتصدي لأي محاولة لتعديل الوضع القائم / تعديل إتفاقية سايكس بيكو/ أو تغيير في الحدود التي أرستها إتفاقية الهدنة بين العرب وإسرائيل عام 1949، وقد زاد أعداد رجال السفارة الأمريكية في دمشق عقب الانقلاب الأول للشيشكلي، كما زاد عدد رجال الأعمال الأمريكيين في سوريا، ووقعت سوريا عدداً من الإتفاقيات التجارية مع الشركات الأمريكية مثل شركة باكتيل، وشركة نفط العراق البريطانية...، خاصة وأن الحكومات التي تشكلت خلال هذه الفترة كلها يمينية إضافة للرئيس هاشم الأتاسي ذي النزعة اليمينية.
وعندما شكل معروف الدواليبي في نوفمبر 1951 حكومة أعلنت أنها ستتبنى الحياد، وستشتري السلاح من الدول الشيوعية لكسر الاحتكار الغربي، ومعارضة تدخل الجيش في السياسة، وأن رئيس الوزراء نفسه سيتولى وزارة الدفاع إضافة لرئاسة الحكومة، ونادت بالإصلاحات الإشتراكية، كما رفضت المساعدات الأمريكية المشروطة بتوطين مليون فلسطيني في سوريا، وتفضيلها للسوفييت على الأمريكان إن تعلق الأمر بمسألة اللاجئين وبالتنازلات لإسرائيل، وهذا أدى إلى استياء الولايات المتحدة التي وصفت رئيس الحكومة بأنه أكبر زعيم عربي معاد للأمريكان، ولهذا السبب كان تأييدها لأديب الشيشكلي في انقلابه بعد 24 ساعة من تشكيل حكومة الدواليبي، حيث إتهم الشيشكلي حزب الشعب بالعمل لبيع سوريا وتخريب جيشها وإعادة الملكية، وسلم الشيشكلي السلطتين التشريعية والتنفيذية للزعيم فوزي سلو، على أن يساعده الأمناء العامون بدلاً من الوزراء، وبعد برهة من الزمن رشح نفسه للرئاسة ، وفق استفتاء في 9 يوليو 1953 وفاز في 11 يوليو 1953. وكان أول المهنئين له السفير الأمريكي في دمشق، ثم قام الشيشكلي بإجراء انتخابات في
9 أكتوبر 1953 فازت فيها /حركة التحرير/ بمعظم مقاعد البرلمان، أي بـ 72 مقعد من أصل 82 مقعد، ومقعد واحد فقط للحزب القومي السوري، وتسعة للمستقلين،ئوكان ابتعاد الشيشكلي عن الغرب بعد تسلمه مقاليد الحكم، خاصة عندما عقد في 24 مايو 1953 معاهدة مع نظام محمد مصدق الإيراني القومي، وأعلن تضامنه مع إيران ضد مخططات الغرب، ومناهضة حركة التحرير التي أنشأها للغرب، واشتراطه على التعاون مع الغرب من خلال أسس عادلة، ورفضه لمشروع النقطة الرابعة، ومطالبته بزيادة المخصصات المقدمة لسوريا من شركة البترول العراقية البريطانية التي تمر أنابيبها عبر سوريا، إلى نسبة 45 بالمائة من الأرباح، واعتباره أن المساعدات الأمريكية المقدمة لسوريا غير كافية، ورفضه لمشروع الدفاع الشرق أوسطي. وتهديده لإسرائيل بإلقائها بالبحر في ظل تأسيسه لجيش قوي متقدم على أحسن طراز، وإصراره على أن تحل الولايات المتحدة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، مع ضرورة تدويل القدس، وترسيم الحدود، وجعل نصف الميزانية السورية تصرف على الجيش السوري، وتصاعد القرارات المناهضة للغرب وللصهيونية في عهده، ومعاداة الأحزاب له، وإصابته بجنون العظمة بعد أن جعل الاقتصاد السوري أحسن اقتصاديات الشرق الأوسط، كل هذه الأشياء قللت من إعتمادها عليه ومهدت السبيل لسقوطه في 25 فبراير 1954.
وبعد سقوطه ازداد النشاط الشيوعي في سوريا، لذلك قررت الولايات المتحدة تنفيذ نظرية دلاس على سوريا، تلك النظرية التي تتعلق بمفهوم الحزام الإستراتيجي الجنوبي ومؤداه : " فصل مسؤولية الدفاع
الإقليمي عن مسألة الصراع الإسرائيلي أو الصراعات العربية العربية، من خلال مفهوم الردع الشامل عبر قواعد إقليمية هامة، يشن منها الهجوم على مراكز القوة السوفياتية مع التعاون مع القواعد الإقليمية ضد هذه القواعد"، مما حذا بالقواعد اليسارية والشيوعية إلى زيادة نفوذها من خلال إدعائها بأن الولايات المتحدة تدعم اليمين المحافظ الممثل بحزب الشعب ذي الأغلبية البرلمانية، وتشويه صورته وصورة الحزب

الوطني، خاصة بعد سقوط نظام محمد مصدق في إيران عام 1953 ومقتله على يد الانقلابيين، من خلال الجنرال زاهيدي، إضافة إلى انقلاب غواتمالا، وكلا الانقلابين، إيران وغواتمالا كانا بفعل المخابرات الأمريكية، وهذا أدى لزيادة قوة اليسار في المؤسسات السورية وخاصة المؤسسة العسكرية رغم أن اليمين ظل صاحب الشارع وصاحب الأغلبية في كل شيء يتعلق بالحياه السياسية السورية، لكن هذه الأغلبية ظلت أغلبية مجزأة غير منتظمة بعكس المعارضة اليسارية التي تتسم بالدقة والتنظيم الجيد، لذلك عملت الولايات المتحدة على الدخول في بعض المؤامرات الانقلابية تمهيداً لجر سوريا إلى الوحدة مع مصر، كون مصر مخترقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وتكون فائدة الولايات المتحدة من ذلك ابتعاد سوريا عن العراق أولاً والشيوعية ثانياً، لذلك عملت على اللعب بعدة أوراق فكانت تلعب مع المعارضة اليمينية من جهة، وتلعب مع القوى اليسارية القومية من جهة أخرى، وما يؤكد ذلك أن جميع محاولاتها الانقلابية سواءاً التي دخلت فيها بمفردها أو مع دول أخرى لاسقاط النظام، وإقامة حكم موال لها بشكل ظاهري وواضح، بائت بالفشل، كما أن الوحدة بين سوريا ومصر، حققت لها القضاء على الشيوعية في الدول المجاورة لسوريا، إضافة لسوريا نفسها، لذلك عملت الولايات المتحدة على تأكيد الدور المصري المعادي لبريطانيا وفرنسا في المنطقة، كما ضغطت اقتصادياً وتموينياً (النفط) على بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، لوقف العدوان الثلاثي على مصر في أغسطس 1956 وأكد على دورها في ذلك الرئيس جمال عبدالناصر بقوله: " إن الولايات المتحدة تبقى الصديق الوحيد لمصر بعد اشتراك فرنسا وبريطانيا في العدوان " ، خاصة أن الولايات المتحدة كان لها الدور الأكبر في سقوط عرش الملك فاروق، وأن السفير الأمريكي هو الذي نصح الملك فاروق بالاستسلام على أساس تخوفه أن يسقط الحكم المصري بيد الإخوان المسلمين أو الشيوعيين، وما كان من علاقة لبعض أعضاء قيادة الثورة المصرية مع الولايات المتحدة ويعملون جواسيس لها مثل علي صبري وسامي شرف وغيرهما.
ومما أثار اليسار السوري أن الولايات المتحدة بعثت إلى سوريا في يونيو 1954 برئيس المخابرات العسكرية الأمريكية الجنرال تروده، مما حذا باليسار إلى المطالبة بتغيير وزير الدفاع معروف الدواليبي والضغط على الرئيس هاشم الأتاسي لرفض المساعدات الأجنبية، وضرورة رفع المستوى المعيشي، وتحقيق إصلاحات ديموقراطية، ويبرز التناقض في هذه الآراء أنه لا يمكن رفع المستوى المعيشي إن لم تقبل المساعدات الأمريكية، وهنا يتبين دور اليسار في تحقيق الإستراتيجية الأمريكية بشكل غير مباشر، وبالفعل أدى ذلك لسقوط الحكومة في يونيو 1954، فكانت بعض المحاولات الانقلابية التي تدخلت فيها الولايات المتحدة وأفشلتها في نفس الوقت، باعتبار أن عندها عملاء في الطرفين، /المعارضة والحكومة/، في نفس الوقت، بالرغم من دعوة السفير الأمريكي في دمشق على الدوام، بوضع حد للنشاط الشيوعي في سوريا، الذي كان يؤيده اليسار القومي بشكل ظاهري، ومن أهم هذه المحاولات، خطة ألفا وتسمى أحياناً عملية التيه أو عملية الانتشار، وكانت عام 1956 حيث اجتمعت لجنة أمريكية بريطانية عراقية، لتدارس مخطط انقلاب عسكري، فقدمت الولايات المتحدة قسماً من الأسلحة للمتآمرين، كما قدم العراق قسماً آخر، إضافة إلى بعض الأموال، والرشاوي لبعض السياسيين، كما صرف زعيم الحزب الوطني في حلب ميخائيل إليان معظم ثروته لإنجاح الخطة التي ستكون نتائجها وحدة العراق وسوريا، وفي أكتوبر 1956 حشد العراق قسماً من قواته على الحدود الأردنية السورية بهدف دعم الانقلابيين، لكن كشفت المؤامرة نهاية 1956، خاصة أن من بين المتآمرين كان محمد معروف الذي كان له علاقة قوية بالسي أي إيه وكان يقود تكتلاً عسكرياً في الجيش، إضافة إلى أن غسان جديد الذي كان يقود تكتلاً عسكرياً آخرً في الجيش، وهرب إلى لبنان بعد تورطه في قتل عدنان المالكي، حيث طرد من الحزب القومي السوري، بعد ضلوعه في هذه المؤامرة، كما ادعت صحيفة المنار التابعة لحزب الإخوان المسلمين في الحادي عشر من إبريل من عام 1957، أن الحوراني وعفلق اجتمعا بالسفير الأمريكي لمدة ساعة، على أساس إثبات أن للولايات المتحدة عملاء في كلا الطرفين، المعارضة والحكومة، وبعد فشل الخطة السابقة وازدياد المد الشيوعي إثرها، أعلن آلن دلاس رئيس المخابرات المركزية الأمريكية السي أي إيه، أنه لا توجد قيادة حقيقية في سوريا، وعلى الولايات المتحدة أن تبدأ بخطة أخرى، فكانت " خطة أوين " التي اشترك فيها الشيشكلي، وإبراهيم الحسيني الذي كان ملحقاً عسكرياً في إيطاليا، عام 1957، لكن كشفت الخطة أيضاً، وعلى إثر فشلها وتورط مسؤولين في السفارة الأمريكية فيها، أعلنت الحكومة السورية أن هوارد ستون ( مسؤول السي أي إيه في السفارة الأمريكية، وخبير انقلابات عسكرية، باعتباره نفذ عدداً من الانقلابات العسكرية وآخرها انقلاب الجنرال زاهيدي ضد الزعيم الإيراني محمد مصدق )، شخصاً غير مرغوب فيه، إضافة إلى فرانك جيتون وهو مستشار السفير الأمريكي، ووضع الملحق العسكري الأمريكي بدمشق " روبرت مالوري " تحت المراقبة الشديدة، فردت الولايات المتحدة بطرد السفير السوري من واشنطن، وبالطبع فهذه الإجراءات الروتينية غير مهمة مادامت الإستراتيجية الأمريكية تتحقق بشكل صحيح ومفيد بالنسبة لها.
وفي يناير 1957، أعلن الرئيس الأمريكي أيزنهاور عن مشروعه الذي سمي بمشروع أيزنهاور، والذي إتهم فيه الإتحاد السوفياتي برغبته في السيطرة على العالم من خلال نشره للشيوعية، وإن محور إهتمامه في الشرق الأوسط لهذا الغرض، كما رأى وزير خارجيته جون فوستر دلاس أن الولايات المتحدة تنظر إلى الدول المتخلفة، على أنها غير قادرة على المجابهة أمام الدول الكبرى، وأنها لابد أن تقع في شرك الشيوعية السوفياتية، وأنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تتدخل لتضمن استقلال هذه الدول، وعلى هذا الأساس خول الكونجرس الأمريكي، الرئيس أيزنهاور إقامة نظام دفاعي من خلال بعض الدول الشرق أوسطية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لوقف المد السوفياتي الذي يتهددها، وقد اشتركت عدة دول فيه أهمها العراق، وتركيا، ولبنان، فأرسلت الولايات المتحدة سكرتير وزير خارجيتها لوي هندرسون، إلى تركيا، وقابل كل من رئيس الحكومة التركية عدنان مندريس وملك العراق فيصل الصغير، وملك الأردن، الحسين بن طلال، في أغسطس 1997، ثم قابل، رئيس لبنان كميل شمعون، بعد ذلك صرح هندرسون قائلاً:"إن الولايات
المتحدة مستعدة لتقديم الدعم الملائم لجيران سوريا المسلمين في حالة تعرضهم للإنتهاكات السورية "، وبما أن السي أي إيه مخترقة لمجلس قيادة الثورة المصرية، كما يؤكد ذلك مايلز كوبلاند، فقد تدخلت مصر وأعلنت شجبها للتدخل الأمريكي في الشئون العربية، وإن ما ستقدمه من مساعدات هو عبارة عن رشوة للأقطار المشتركة معها في الحرب الباردة لتقويض القومية العربية، رغم أن مصر نفسها كانت منذ حركة محمد نجيب وحتى الآن تتلقى المساعدات الأمريكية، وبسبب هذه السياسة المصرية تجاه مشروع أيزنهاور، توترت العلاقات المصرية العراقية، باعتبار أن العراق ولبنان أيدا المشروع، وكانت مصر قد تكفلت بالقضاء على المد الشيوعي في سوريا والعراق، وهذا أفسح المجال لها لتلقي المساعدات الأمريكية حيث منحتها الولايات المتحدة قرضاً من خلال صندوق النقد الدولي، لبناء السد العالي، ومن المعلوم أن هذه المساعدات تقع ضمن الإستراتيجية الأمريكية التي تقول: " إننا نستخدم برامجنا الاقتصادية والعسكرية، لدعم القائمين فعلاً أو نأتي بالنظام الذي يقدم وعداً بدعمنا" ، لذلك ركزت الولايات المتحدة على دعم دور الزعيم الفرد الموالي لها باعتباره أقدر على معالجة الآثار المحلية والإقليمية المترتبة على سياسته، وحين يسقط هذا الزعيم فإن الولايات المتحدة، تركب موجه السخط النابعة من الشعب ضد نظام الحكم السابق، فكان استراتيجية الولايات المتحدة لإيقاف المد الشيوعي في سوريا، إضافة لإستراتيجياتها السالفة الذكر، بشن حرب سرية بالوكالة من خلال مؤيدي وعملاء حلفائها مثل أكرم الحوراني وعبدالحميد السراج وعفيف البرزي، وما يدل على ذلك، أنه عندما زار الصحفي الأمريكي، جوزيف ألسوب سوريا في مايو عام 1956، تنبأ بأن عبدالحميد السراج سيكون الديكتاتور العسكري الجديد لسوريا، وستخضع السلطة السياسية في سوريا للزعامة السياسية المصرية، وأموال الرشاوي السعودية، وموهبة التنظيم الشيوعية، وقد تحققق حدثه بالفعل.

وقد دعت بريطانيا لإقامة حلف بغداد عام 1955 لسببين هما:
1- كونه سيكون سلاح عسكري ضد الإتحاد السوفياتي.
2- أداة سياسية للقوة البريطانية والعراقية في العالم العربي، بعد أن فقدت بريطانيا مصر في أعقاب حركة محمد نجيب في 23 يوليو 1952.

لكن الولايات المتحدة عارضت هذا الحلف بشكل خفي، بسبب رغبتها في أن تحل محلها ومحل فرنسا في الشرق الأوسط والعالم بشكل عام، وقد أدركت بريطانيا ذلك ولكنها آمنت بعدم قدرتها على منافسة الولايات المتحدة الأمريكية، فآثرت الانصياع وراءها، وكانت الولايات المتحدة، ضمن إستراتيجتها لتقويض الحلف، أن دخلت في اللجنة العسكرية لهذا الحلف في مارس 1957، حيث بدت وكأنها تريد مهاجمة سوريا، على أساس أن هذا الإنضمام يتيح لها بالإتفاق مع دول الحلف على مهاجمة سوريا، بحجة أنها تهدد أمن المنطقة، خاصة بعد أن اقترب الأسطول السادس من الشواطيء السورية، وتمركز قوات تركية على الحدود السورية، لكن كل ذلك كان لجعل سوريا تقترب من مصر وتبتعد عن العراق تمهيداً للسيطرة عليها، وإدخالها ضمن متطلبات السوق الرأسمالية العالمية الذي تقوده الولايات المتحدة، لأنه لا فائدة للولايات المتحدة بالتدخل العسكري في سوريا، باعتبار أن ذلك سيفسح المجال لزيادة التدخل البريطاني في المنطقة، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة، التي ترغب بالانفراد بالسيطرة، وتقويض أي قوى منافسة لها في المنطقة، إضافة لما سببه هذا الحلف من عدم استقرار حكومي في سوريا منذ قيامه عام 1954 وحتى الوحدة مع مصر عام 1958، لكن هذا لا يعني أن هذا الحلف هو وحده التي أثار تدخل الولايات المتحدة في سوريا، لأن تدخلها ازداد أكثر مع سقوط الشيشكلي منذ عام 1954، خاصة عندما قبلت سوريا بالصين لتشارك في معرض دمشق الدولي، حيث إحتجت الولايات المتحدة على قبول سوريا لمشاركة الصين الشعبية، باعتبارها لا تعترف بها في ذلك الوقت، فكان هذا الإحتجاج قد أثار مشاعر الشعب السوري الذي طالب بطرد السفير الأمريكي من دمشق، أيضاً كان رفض الحكومات السورية المتعاقبة لمبدأ أيزنهاور فقامت البضائع الأمريكية بمضاربة البضائع السورية في أوربا، وفسخت المصانع التركية والعراقية المعتمدة على القطن السوري عقودها مع سوريا، كما قاطعت معظم الدول المرتبطة بالولايات المتحدة، معرض دمشق الدولي، وأعلنت شركة نفط العراق الإنكلوأمريكية تقليص إنتاجها، ووقف العمل في بناء أكبر خطوط النفط عبرها، وطردت آلاف العمال السوريين، كما رفض البنك الدولي -الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة وحلفاءها-القروض إلى سوريا أو التعامل معها، فكان كبح جماح الوحش اليساري الذي صنعته الولايات المتحدة من خلال ما يسمى بالأحزاب القومية العربية ، من خلال سيطرة الولايات المتحدة على الدولة ذاتها من خلال بعض أعضاء النظام المصري المخترق له من قبلها، وما يؤكد ذلك أنه في نهاية عام 1957 زار الموفد الأمريكي نورمان توماس سوريا، والتقى بالحوراني، قائلاً إنه: إتفق مع عبدالناصر، على حل مشكلة تزايد السكان في مصر، وإن الهلال الخصيب يواجه مشكلة نقص السكان، وقد أيد الحوراني هذا الرأى على أساس أنه سيزيد من فرص التنمية في سوريا ، وكان لهذا الموفد الدور الأول في استئناف المساعدات والقروض الأمريكية لمصر، بعد لقائه بعبد الناصر، كما أن هذا الموفد قد أيد الوحدة المصرية السورية، وكان قد زار مع مرافقيه مكتب حزب البعث في دمشق وألقى محاضرة ، وكان لإستراتيجيتها –مصر- هذه النجاح بعد التخلص من القوى اليمينية التي لا تواكب سياستها أو تجميدها وتعطيل حركتها من خلال الإستراتيجيات التي اتبعها الحوراني ضد كلا الحزبين الرئيسيين الشعب والوطني، بإثارته للفتن داخلهما، أما دور الولايات المتحدة في التخلص من الحزب القومي السوري، وهو أخطر الأحزاب اليمينية في سوريا ، فكان بسبب الشرارة التي أوقدها زعيم الحزب القومي السوري جورج عبدالمسيح، برفضه لجميع العروض التي عرضها عليه الموفد الأمريكي باراكس عام 1953، ثم رفض قيادة الحزب عام 1955 لأي تعاون مع الولايات المتحدة ، مما حذا بالمحلق العسكري الأمريكي بدمشق (ستيفنس)أن يخطط للقضاء على الحزب القومي السوري بمساعدة السفير المصري محمود رياض، ورئيس المكتب الثاني عبدالحميد السراج، وقائد الأركان شوكت شقير -المهدد بالتسريح من قيادة الأركان باعتبار أن عدنان المالكي البديل الأفضل- فاستغلوا التوتر بين المالكي وبعض أعضاء الحزب ، وخاصة مجموعة غسان جديد الذين نفذوا جريمتهم، فكانت الفائدة لشقير والسراج ومحمود رياض وغسان جديد هو التخلص من المالكي، وتخلصت المخابرات الأمريكية من الحزب القومي السوري، في سوريا، ثم عملت الولايات المتحدة على التخلص من باقي القوى اليمينية التي قد تعترض قيام الوحدة بين سوريا ومصر، حيث شجعت بعضها للقيام بانقلاب، ثم كشفت المؤامرة من خلال عملائها أيضاً، فكان انقلاب المقدم هشام العظم بالإتفاق مع السي أي إيه، في إبريل 1957، لكن تم الكشف عن العملية قبل بدء التنفيذ.
وبعد قيام الوحدة في مارس 1958، إتهم الحوراني عبدالناصر بأنه متآمر على الشعب السوري والفلسطيني، وأنه مرتبط بالولايات المتحدة، وبرر قوله أن الرئيس المصري السابق محمد نجيب طلب مساعدة من الإتحاد السوفياتي عام 1953، واعترض على البند الرابع من إتفاقية الجلاء في أكتوبر 1954، المتعلق بالسماح لبريطانيا باستخدام قاعدة قناة السويس في حالة حدوث اعتداء سوفياتي على تركيا أو أي دولة في الشرق الأوسط، وكانت موافقته لهذا البند ستجعل مصر تحصل على وعد بالجلاء وتقديم المساعدات الأمريكية التي تقدر بـ 20 مليون دولار، إضافة إلى 20 مليون دولار أخرى كمساعدات عسكرية، وأن الولايات المتحدة من خلال السي أي إيه قد أبعدته لهذا السبب وعقدت إتفاقية بنفس الشروط مع القيادة المصرية الجديدة بعده، كما أن نظام الوحدة قد أثار مشكلة الأكراد في سوريا بغية إشغال الشعب العراقي والسوري عن الوحدة بينهما، وفي سبيل تحقيق مصالح الغرب باسم القومية الكردية والإنسانية، فالغرب هو الذي أنشأ لهم المنظمات والمكاتب الكثيرة في كافة أنحاء أوربا، وهذا يتوافق مع الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط الرامية إلى تقسيمه إلى كانتونات طائفية وعرقية.
وبعد الانفصال عن دولة الوحدة إثر انقلاب عبدالكريم النحلاوي في سبتمبر 1961، أكد أحد أعضاء السفارة الأمريكية في بيروت وهو " المستر لودار "، لعضو القيادة القطرية لحزب البعث الأردني جمال الشاعر أن الولايات المتحدة ساهمت في انقلاب الانفصال لأن النظام المصري تجاوز حدوده، وأنها سترد له اعتباره بانقلاب مضاد يقوم به البعثيون ، كما أكد ذلك أيضاً زعيم حزب الوحديون الاشتراكيون جمال الأتاسي مؤكداً على علاقة الحوراني مع الولايات المتحدة لاسقاط الوحدة.
أما النظام الذي ساد بعد سقوط الوحدة وهو نظام ناظم القدسي فقد إتسم بمعاداته للسياسة الأمريكية، لأن مصر كانت الكابح لموقف سوريا بالنسبة لقضية فلسطين، وقضية تحويل نهر الأردن، لذلك عملت الولايات المتحدة وإسرائيل على اسقاط هذا الوضع في سوريا، فكان عصيان جاسم علوان في حلب عام 1962 من تحريض القنصلية الأمريكية، إضافة لعلاقة النظام المصري به فقد وزعت القنصلية الأمريكية في حلب صور الرئيس جمال عبدالناصر على المتظاهرين، وهذا ما حذا برئيس الحكومة خالد العظم إلى المطالبة بطرد القنصل الأمريكي، فرد السفير الأمريكي في دمشق، بأنه لو حدث هذا فإن الولايات المتحدة سترد بقوة، وما يؤكد على دور الولايات المتحدة لإسقاط الوضع القائم في سوريا إبان حكم ناظم القدسي ، ما أكده أحد المسؤولين الأمريكيين لأحد أعضاء الوفد السوري والذي زار الولايات المتحدة عام 1962 بقوله:"إن الولايات
المتحدة لا يمكن أن تؤيد أي نظام في العالم الثالث ما لم يكن فيه قائد الجيش ورئيس المخابرات على إتفاق تام مع الولايات المتحدة " ، وكان تصريح رئيس الحكومة خالد العظم للسفير الأمريكي عقب تشكيل حكومته قد أثار الولايات المتحدة بشكل كبير، حيث قال : " إننا لا نخدعكم بالقول المستحب عندكم، فلا نعدكم بما يعدكم به غيرنا، فنحن لا نقبل الصلح مع إسرائيل، ولا تحويل نهر الأردن، ولا توطين اللاجئين الفلسطينيين، ولكننا لن نقوم بهجوم على إسرائيل" ، وبسبب ذلك عملت الولايات المتحدة منذ سقوط الوحدة على الضغط على البنك الدولي للحيلولة دون إقراض سوريا، التي تسلمت خزينة فارغة بعد سقوط الوحدة، إضافة لما صادره النظام المصري من أملاك السوريين واللبنانيين الذين كانت لهم مشاريع ومصانع ورأسمال في مصر، وبعضهم كان موجود فيها منذ عقود طويلة، ووضع مدير البنك الدولي شروطاً كثيرة تهدد استقلال سوريا، مما أدى لرفض الحكومة هذه الشروط.
وبعد حركة زياد الحريري في 8 مارس 1963، تتالت على النظام الجديد – نظام أمين الحافظ- القروض والمعونات بمبالغ ضخمة بحيث بلغت 40 مليون دولار، وهذا ما يؤكد أن الولايات المتحدة لم تكن راضية عن حكم ناظم القدسي، لذلك مهدت لانقلاب زياد الحريري من خلال انقلاب مبدئي في العراق في 8 فبراير 1963، الذي كان من تدبير السي أي إيه، وهذا ما أكده علي صالح السعدي، حيث كان بعض أعضاء القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي مثل ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار على علاقة مع المخابرات الأمريكية ، كما كان كل من ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وزياد الحريري على صلة بالسي أي إيه من خلال فريد دانيال وهو شقيق عاطف دانيال الذي كان على علاقة بالسي أي إيه منذ عهد الوحدة .
كما قام نظام البعث بعد 1963 بعقد إتفاقيتين مع الشركات الأمريكية النفطية، مما حذا بالحوراني أن يفضح هاتين الإتفاقيتين من خلال حزبه الجديد وهو الاشتراكيون العرب، حيث وزع صورة وثيقة البترول التي تؤكد أن النظام الجديد قد سلم موارد البترول السورية للشركات الأمريكية، مما حذا بنظام أمين الحافظ إلى زجهم في السجن حتى أكتوبر 1965، حتى أن السفير الأمريكي في بيروت "أرمان ماير" قال بعد انقلابي البعث في سوريا والعراق: " إن من حق حكومتي أن تؤيد حزب البعث الحاكم في سوريا والعراق، لما أظهره من شجاعة في مكافحة الشيوعية، ومن هنا كان اعتراف الولايات المتحدة السريع بنظام الحكم الجديد في كل من سوريا والعراق بعد الانقلابين الأخيرين، وتسلم البعث الحكم في لبلدين المتجاورين، ودعم سياسة الحكومتين السورية والعراقية التي ترمي لمكافحة الشيوعية " كما أكد مايلز كوبلاند في كتابه لعبة الأمم هذه الحقيقة بقوله: " إن المخابرات الأمريكية مطالبة بخلق تيارات أكثر تطرفاً وتقدمية في الساحة العربية" ،حيث وصل التيار الماركسي المتطرف الذي يؤيده صلاح جديد، عقب انقلاب 23 فبراير 1966، وقد أكد الرئيس أمين الحافظ في برنامج شاهد على العصر الذي تبثه قناة الجزيرة، أن إتفاق المعسكرين الشيوعي والرأسمالي هو الذي عين الرئيس نور الدين الأتاسي بعد انقلاب 23 فبراير 1966، والدليل على ذلك أنه رغم التطرف الظاهري لنظام الحكم الذي ساد في عهد الأتاسي وعدم إستعداده لخوض أي معركة مع إسرائيل في ظل الفرق الشاسع بين الطرفين لصالح إسرائيل، إلا أن النظام خاض الحرب في يونيو 1967 وهزم، وكانت الولايات المتحدة قد أكدت لوزير الدفاع الإسرائيلي قبيل الحرب أن إسرائيل سوف تكسب الحرب بسهولة وفي مدة قصيرة، وحدث ما توقعته الولايات المتحدة، ورغم إلحاحها الظاهري على مشروع القرار 242 في 22 نوفمبر 1967 إلا أن النظام لم يقبل به بسبب تطرف النظام بدون مبرر، وقد أكد السفير السوري في مدريد العقيد دريد المفتي أن النظام عمل من خلال وزير الخارجية إبراهيم ماخوس، على حس إسبانيا للتدخل لدى الولايات المتحدة لقبول نتائج حرب 1967، حيث سلم وزير خارجية إسبانيا بعد ذلك للسفير السوري في مدريد المذكرة التالية: " تهدي وزارة الخارجية الحكومة الإسبانية تحياتها إلى السفارة السورية بمدريد، وترجو أن تعلمها أنها قامت بناءاً على رغبة الحكومة السورية بالإتصال بالجهات الأمريكية المختصة، لإعلامها برغبة سوريا في المحافظة على الحالة الراهنة الناجمة عن حرب حزيران (يونيو) سنة 1967... وتود إعلامها أنها نتيجة لتلك الإتصالات، تؤكد الحكومة الأمريكية أن ما تطلبه الحكومة السورية ممكن، إذا حافظت سوريا على هدوء المنطقة، وسمحت لسكان الجولان بالهجرة للاستيطان في بقية أجزاء الوطن السوري، وتعهدت بعدم قيام نشاطات تخريبية من ناحيتها، تعكر الوضع الراهن ".

وقد نفذت الحكومة السورية بالفعل ما طلب منها، وعلى ذلك كانت هدية نظام الأتاسي ، للولايات المتحدة. وإسرائيل هو تدمير الجيش السوري بالتسريحات أولاً وبالهزيمة ثانياً، والانسحاب من الجولان وتوريط مصر التي خسرت سيناء وقطاع غزة، وأيضاً الأردن التي خسرت الضفة الغربية، بهذه الحرب دون أن يتخذ النظام تدابير وقائية أو أن يقوم بحرب فعلية، كما أن الولايات المتحدة قد دعمت إسرائيل بحوالي 200 طائرة سكاي وفانتوم، ولم يستطع النظام إستعادة هيبته، رغم تصريحاته التي أخذ يطلقها ليدفع عن نفسه محنة اللاشرعية الملازمة لنظامه منذ البداية وزادت حدتها عقب هزيمة 1967، مما دفعه لخوض حرب استنزاف بدأت عام 1969، ثم رفض مبادرة روجرز في 9 ديسمبر 1969 لحل النزاع العربي الإسرائيلي برغم قبول إسرائيل وعبدالناصر لها في يونيو 1970، حيث ندد النظام بالمبادرة وحرض عليها الفلسطينيين، مما حذا بإسرائيل ومصر إلى رفضها بسببه، رغم أنه كان الأولى بهذا النظام أن يأخذ ويطالب لكن المنهج اللاعقلاني الذي اتبعه كان يملي عليه التطرف في كل شيء، ومن المؤكد أن تطرفه هذا لم يكن بدافع ذاتي بل بتأثيرات خارجية، لأنه لا يعقل أن يرفض نظام منافع ذاتية، في ظل وضعه المتردي والذي في ظله إستحالة تحقيق أي إنجاز أو نصر ، لهذا كانت الحركة التصحيحية عام 1970 بقيادة وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد كرد على الهزيمة التي تسبب فيها النظام بسبب تطرفه واتجاهه اللاعقلاني في السياسة الخارجية.

المراجع :

يوسف الحكيم، ، "سوريا والعهد الفيصلي"، ط2، (بيروت: دار النهار للنشر، 1980).

جمال الشاعر، "سياسي يتذكر"، (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر).

أندرو راثمل، ، "الصراع السري على سوريا 1947-1961"، ترجمة: محمد نجار، (عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1997).

سامي الجندي، "البعث"، (بيروت، دار النهار للنشر، 1969).

ديفيد وليش، "سوريا وأمريكا"، (ليما سول (قبرص) :، دار الملتقى للطباعة والنشر، 1985).

باتريك سيل، "الصراع على سوريا: دراسة للسياسة العربية 1945 – 1958"، ترجمة: سمير عبده ومحمود فلاحة، (بيروت: دار الكلمة للنشر، 1980).

مايلز كوبلاند ، لعبة الأمم"، ترجمة: مروان خير، ، ( بيروت: مكتبة الزيتونة ، 1970).

عادل ارسلان،"مذكرات الأمير عادل أرسلان"، (بيروت: دار الكتاب الجديد، 1964).

بشير فنصة، "النكبات والمغامرات: تاريخ ما أهمله التاريخ من أسرار الانقلابات العسكرية في سوريا"، (دمشق: دار يعرب، 1996).

أسعد الكوراني، "ذكرات وخواطر مما رأيت وسمعت وفعلت"، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 2000).

هنري لورانس،"اللعبة الكبرى: المشرق العربي والأطماع الدولية"، ط2، (بنغازي: دار الكتب الوطنية، 1993).

محمد سهيل العشي، "فجر الاستقلال في سوريا: منعطف خطير في تاريخها"، (بيروت: دار النفائس، 1999).

أكرم الحوراني، "مذكرات أكرم الحوراني"، 4أجزاء، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 2000).

بيير بوداغوفا،"الصراع في سوريا 1945، 1966"، ترجمة ماجد علاء الدين وأنيس المتني، (دمشق: دار المعرفة، 1987).

بشير فنصة"النكبات والمغامرات: تاريخ ما أهمله التاريخ من أسرار الانقلابات العسكرية في سوريا"، (دمشق: دار يعرب، 1996)

فارس قاسم الحناوي، "صراع بين الحرية والاستبداد"،(دمشق: دار علاء الدين، 2000).

عزالدين دياب، "أكرم الحوراني كما أعرفه"، (بيروت: بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، 1998).

محمود رياض، "مذكرات محمود رياض"، جزأين، (القاهرة: دار المستقبل العربي، 1986).

ممدوح محمد مصطفى منصور، "الصراع الأمريكي السوفياتي في الشرق الأوسط"، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1995).

أمين شاكر، "مذكرات أمين شاكر"، القاهرة، دار الجبال، 1999

أديث وائي، إيف، بينروز ،"العراق: دراسة في علاقات الخارجية وتطوراته الداخلية1915 – 1975"، ترجمة: عبدالمجيد حسيب القيسي، (بيروت: دار الملتقى، 1989).

صلاح العقاد ،"المشرق العربي 1985-1958: العراق، سوريا، لبنان"، (القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية ومطبعة الرسالة، 1966).

فيبي مار ووليم لويس (تحرير)، "امتطاء النمر: تحدي الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة"، ترجمة : عبد الله جمعة الحاج، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 1995).

هاني الفكيكي،"أوكار الهزيمة: تجربتي في حزب البعث العراقي"" (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1993).
.
محمد طلب هلال،"دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية (وثيقة)، (بيروت: دار كاوا للنشر والتوزيع، 2001).

زبغينيو برجنسكي،"بين عصرين، أمريكا والعصر التكنتروني"، ترجمة : محجوب عمر، (بيروت: دار الطليعة، 1980).

جمال الشاعر، "سياسي يتذكر"، (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر).

حسن علوي، "العراق دولة المنظمة السرية"، لندن، 1992.

حمدان حمدان ، أكرم الحوراني رجل للتاريخ ، بيروت ، بيسان للنشر والتوزيع والاعلام ، 1996

حبيب عيسى ،"السقوط الأخير للإقليميين في الوطن العربي"، (بيروت: دار المسيرة، 1978).

شاهد على العصر، أمين الحافظ. http://www.Aljazeera.net
محمود صادق،"حوار حول سوريا" ، (لندن: دار عكاظ، 1993).

هدية جبهة تحرير عريستان (الأحواز)،"عروبة الأحواز وخراقات حكام إيران"،بغداد،منطقة الحوادث،1975

بيير روندو،" مستقبل الشرق الأوسط"، ترجمة نجدة هاجر وسعيد الغز، (بيروت: المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر، 1959).

برونو ايتين، "عبدالقادر الجزائري"، ترجمة، ميشيل خوري، دمشق، دا عطية للنشر، 1997

زهدي الفاتح، "لورانس العرب"، بيروت، دار النفائس، 1971

وجيه كوثراني ،"بلاد الشام: السكان، الاقتصاد والسياسة الفرنسية في القرن العشرين"، (طرابلس: معهد الإنماء العربي، 1980).

صلاح بدر الدين، الحركة القومية الكرديةفي سوريا ، بيروت ، رابطة كاوا للثقافة الكردية ، 2003.

زهير الشلق، "من أوراق الانتداب"، (بيروت، دار النفائس، 1989).

يوسف الحكيم، "بيروت ولبنان في عهد آل عثمان"، ط2، بيروت، دار النهار للنشر، 1980

خلدون حسن النقيب، "الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر"، ط2، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1996).

خيرية قاسمية،"الرعيل العربي الأول: حياة وأوراق نبيه وعادل العظمة"، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1991).
موسى الشابندر، "ذكريات بغدادية: العراق بين الاحتلال والاستقلال"، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1993).

محمد حسنين هيكل، "ما الذي جرى في سوريا"، (القاهرة: دار الخيال، 1962).

سامي الجندي، "البعث"، (بيروت، دار النهار للنشر، 1969).



#عزو_محمد_عبد_القادر_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أول دستور عربي هو دستور المملكة السورية
- الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة 1958
- الحق في تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية في الجزائر
- من حق كوسفو أن تستقل عن صربيا
- دور دول الهلال الخصيب في عدم الاستقرار السياسي في سوريا
- دور المحور المصري السعودي في عدم الاستقرار السياسي في سوريا
- أثر التدخلات الإقليمية: تركيا وإسرائيل على عدم الاستقرار الس ...
- دورالمعسكر الشيوعي في عدم الاستقرار السياسي في سوريا - الاتح ...
- الحزبية والصراع الحزبي في سوريا
- العشائرية وخصوصية الشعب والعوامل الشخصية وصراع الأجيال وتأثي ...
- العامل الاقتصادي والطبقي ودوره في عدم الاستقرار السياسي في س ...
- الطائفية والعرقية ودورهما في عدم الاستقرار السياسي في سوريا
- دور الجيش في عدم الاستقرار السياسي
- انقلابات عسكرية هزت استقرار سوريا
- عدم الاستقرار الحكومي ( الوزاري ) في سوريا
- العوامل الخارجية المؤثرة على الاستقرار السياسي
- انقلابات عسكرية فاشلة لكنها أدت لعدم استقرار سياسي في سوريا
- الصراع البريطاني الأيرلندي على أيرلندا الشمالية بين عامي 198 ...
- السيرة الذاتية لحكام السودان منذ المهدية حتى الآن
- مفهوم عدم الاستقرار السياسي في الدولة


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزو محمد عبد القادر ناجي - الدور الأمريكي في عدم الاستقرار السياسي في سوريا