أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - ماو تسي تونغ - قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان - ( مايو أيار 1938 )















المزيد.....


قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان - ( مايو أيار 1938 )


ماو تسي تونغ

الحوار المتمدن-العدد: 1947 - 2007 / 6 / 15 - 13:48
المحور: الارشيف الماركسي
    


الفصل الأول : لماذا نطرح قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات ؟
--------------------------------------------
إن الحرب النظامية تلعب الدور الرئيسي في حرب المقاومة ضد اليابان ، أما حرب العصابات فهي تلعب فيها دورا مساعدا . و لقد توصلنا إلى فهم صحيح حول هذه المسألة . و ما دام الأمر كذلك فإننا لن نجابه في حرب العصابات إلا قضايا تكتيكية ، فلماذا نطرح إذن قضايا الاستراتيجية ؟

لو كانت الصين بلدا صغيرا يقتصر فيه دور حرب العصابات على دعم عمليات الجيش النظامي على مستوى الحملة دعما مباشرا و على مسافات قريبة ، فمن الطبيعي ألا تواجه حرب العصابات في هذه الحال سوى القضايا التكتيكية وحدها دون القضايا الاستراتيجية . و كذلك لو كانت الصين بمثل قوة الاتحاد السوفيتي تستطيع أن تطرد العدو سريعا حين يعتدي عليها ، أو لا تستطيع طرد العدو سريعا و لكنها قادرة على منعه من احتلال مناطق واسعة من أراضيها ، فإن حرب العصابات لن تلعب في هذه الحال سوى دور دعم الحملات أيضا ، و من الطبيعي أنها لن تواجه إذن سوى القضايا التكتيكية وحدها من دون القضايا الاستراتيجية .

إن القضايا الاستراتيجية في حرب العصابات نشأت في الظروف التالية :

ليست الصين بلدا صغيرا كما أنها ليست بلدا مثل الاتحاد السوفيتي ، بل هي بلد كبير و لكنه ضعيف . و إن هذا البلد الكبير و الضعيف يتعرض الآن لهجوم بلد صغير و لكنه قوي ، إلا أن هذا البلد الكبير و الضعيف يشهد اليوم مرحلة تقدم ، و من هنا نشأت القضايا كلها ، و في هذه الظروف فإن في استطاعة العدو أن يحتل مناطق واسعة جدا و ارتدت الحرب طابع حرب طويلة الأمد . إن هذا العدو سوف يحتل مناطق واسعة جدا في بلدنا الكبير ، لكنه نظرا لأن قواته المسلحة غير كافية بسب صغر بلده ، سيترك في المناطق المحتلة أماكن كثيرة لا يستطيع السيطرة عليها ، لذلك فإن المهمة الرئيسية لحرب العصابات المناهضة لليابان ليست القتال في الخط الداخلي لدعم حملات القوات النظامية بل هي القتال بصورة مستقلة في الخط الخارجي ، و بما أن الصين تشهد مرحلة تقدم بسبب وجود جيش قوي العزيمة و جماهير شعبية غفيرة يقودهما الحزب الشيوعي فإن حرب العصابات المناهضة لليابان ليست حربا ضيقة النطاق ، بل هي حرب واسعة النطاق ، و من تم برزت سلسلة كاملة من القضايا كقضية الدفاع الاستراتيجي . ثم لما كانت الحرب حربا طويلة الأمد و كانت بالتالي حربا ضارية فقد تحتم على حرب العصابات أن تقوم بمهمات عديدة غير مألوفة لديها ، و مت هنا نشأت قضية القواعد و قضية تطور حرب العصابات إلى حرب متحركة و غيرهما من القضايا . و هكذا فإن حرب العصابات الصينية المناهضة لليابان قد تجاوزت حدود التكتيك و راحت تطرق باب الاستراتيجية مطالبة بدراسة مسائل حرب العصابات من وجهة النظر الاستراتيجية . و إن ما يستأهل اهتمامنا بصورة خاصة هو أن حرب عصابات واسعة النطاق و طويلة الأمد مثل هذه هي شيء جديد كل الجدة في كل التاريخ الحربي للإنسان ، و هو شيء لا يمكن فصله عن حقيقة أن الزمن قد تقدم إلى الثلاثينيات و الأربعينيات من القرن العشرين و كذلك لا يمكن عن وجود الحزب الشيوعي و الجيش الأحمر ، و هذه هي النقطة الجوهرية للمسألة . و لعل أعداءنا لا تزال تراودهم الأحلام العذبة في تكرار قصة قضاء أسرة يوان على أسرة سونغ و قضاء أسرة تشينغ على أسرة مينغ و احتلال بريطانيا لأمريكا الشمالية و الهند و احتلال البلدان اللاتينية لأمريكا الوسطى و الجنوبية ..إلخ . بيد أنه لم يعد لمثل هذه الأحلام أية قيمة واقعية في الصين المعاصرة ، ذلك لأنه تتوفر فيها عوامل معينة لم تكن متوفرة زمن الحوادث المذكورة آنفا ، و من بين هذه العوامل حرب العصابات هذه التي هي شيء جديد كل الجدة . و إذا أهمل أعداؤنا هذه النقطة ، فمن المؤكد أنهم سيدفعون ثمن إهمالهم غاليا .

هذه هي الأسباب التي تقضي بدراسة حرب العصابات المناهضة لليابان من وجهة النظر الاستراتيجية على الرغم من أنها لا تلعب إلا دورا مساعدا في حرب المقاومة ضد اليابان بمجموعها .

إذن فلماذا لا نطبق على حرب العصابات المبادئ الاستراتيجية العامة لحرب المقاومة ضد اليابان ؟

إن القضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان هي بطبيعتها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالقضايا الاستراتيجية في حرب المقاومة ضد اليابان بمجموعها ، بسبب أن هناك نقاطا مشتركة كثيرة تجمع بينهما . و لكن حرب العصابات من جهة أخرى تختلف عن الحرب النظامية و لها خصائصها المميزة ، و بالتالي فإن قضاياها الاستراتيجية تتميز كذلك بكثير من الخصائص ، و لذلك لا يجوز لنا أبدا أن نطبق المبادئ الاستراتيجية العامة لحرب المقاومة ضد اليابان ، بدون تعديل ، على حرب العصابات التي تتميز بخصائصها المحددة .

الفصل الثاني : مبدأ الحرب الأساسي هو المحافظة على النفس و إفناء العدو :
-----------------------------------------------


لا بد لنا قبل أن نعالج بالتفصيل موضوع القضايا الاستراتيجية في حرب العصابات أن نتحدث قليلا عن القضايا الأساسية للحرب .

إن جميع المبادئ الموجهة للعمليات العسكرية تنطلق بلا استثناء من مبدأ أساسي واحد ، ألا و هو السعي قدر الإمكان إلى المحافظة على القوة الذاتية و تحطيم قوة العدو إن هذا المبدأ ليرتبط في الحرب الثورية ارتباطا مباشرا بمبدئها السياسي الأساسي . و مثال ذلك أن المبدأ السياسي الأساسي لحرب المقاومة التي تخوضها الصين ضد اليابان ، أي غرضها السياسي ، هو طرد الإمبريالية اليابانية و إنشاء صين جديدة مستقلة حرة و سعيدة . و إن هذا المبدأ ليعني ، حين يطبق من الناحية العسكرية ، استخدام القوات المسلحة للدفاع عن وطننا ا"لأم و طرد الغزاة اليابانيين منه . ففي سبيل تحقيق هذا الغرض تتمثل أعمال القوات المسلحة ذاتها فيما يلي : السعي قدر الإمكان إلى المحافظة على قوتها الذاتية ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى العمل بقدر الإمكان على تحطيم قوة العدو . و لكن كيف نبرر حثنا على التضحية البطولية في الحرب ؟ إن كل حرب تتطلب ثمنا ، و قد يكون هذا الثمن باهظا جدا في بعض الأحيان لكن ، ألا يناقض هذا مبدأ "المحافظة على النفس" ؟ في الحقيقة ليس ثمة تناقض على الإطلاق ، و إذا شئنا المزيد من الدقة ، قلنا إن التضحية و المحافظة على النفس أمران متضادان و متكاملان في وقت واحد ، ذلك أن مثل هذه التضحية أمر ضروري لا من أجل إفناء العدو فحسب ، بل من أجل المحافظة على النفس أيضا ، فإن "عدم المحافظة" لبعض الوقت على جزء من القوات (تضحية أو دفع ثمن) ضروري من أجل المحافظة على الكل بصورة دائمة . و تنبثق عن هذا المبدأ الأساسي سلسلة من المبادئ الموجهة لجميع العمليات العسكرية ، من مبدأ الرماية ( التستر للمحافظة على النفس ، و استخدام قوة النار إلى أقصى حد من أجل إفناء العدو ) حتى المبادئ الاستراتيجية ، بجميعها مشربة بروح هذا المبدأ الأساسي ، إن جميع المبادئ الخاصة بالعمليات التكنيكية و التكتيكية و بالحملات و كذلك المبادئ الاستراتيجية تعد كلها تطبيقات لهذا المبدأ الأساسي . و إن مبدأ المحافظة على النفس و إفناء العدو هو أساس جميع المبادئ العسكرية .

الفصل الثالث : ست قضايا استراتيجية محددة في حرب العصابات المناهضة لليابان :
-----------------------------------------------------


لننظر الآن ما هي السياسات أو المبادئ التي ينبغي تطبيقها في عمليات حرب العصابات المناهضة لليابان حتى نستطيع بلوغ الغاية المنشودة التي هي المحافظة على النفس و إفناء العدو؟ لما كانت قوات العصابات في حرب المقاومة ضد اليابان (بل في سائر الحروب الثورية ) تنشأ على العموم من العدم و تتسع من قوة ضئيلة إلى قوة ضخمة ، فإن عليها أن تسعى لا إلى المحافظة على نفسها فحسب ، بل إلى توسيع صفوفها أيضا . و هكذا فإن السؤال يكون على الوجه التالي : ما هي السياسات أو المبادئ التي ينبغي تطبيقها في حرب العصابات حتى نستطيع بلوغ الغاية المنشودة التي هي المحافظة على قواتنا أو توسيعها و إفناء العدو ؟

إن السياسات الرئيسية تنحصر على العموم في النقاط التالية : 1ـ المبادرة و المرونة و التخطيط في القيام بالعمليات الهجومية في الحرب الدفاعية ، و في القيام بالعمليات السريعة في الحرب الطويلة الأمد ، و في خوض القتال في الخط الخارجي في نطاق عمليات الخط الداخلي ؛ 2ـ تنسيق عمليات حرب العصابات مع عمليات الحرب النظامية ؛ 3ـ إنشاء القواعد ؛4ـ الدفاع الاستراتيجي و الهجوم الاستراتيجي ؛ 5ـ تطوير حرب العصابات إلى حرب متحركة ؛ 6ـ إنشاء علاقة صحيحة بين القيادات . إن هذه النقاط الست تشكل كل البرنامج الاستراتيجي لحرب العصابات المناهضة لليابان و تدلنا على السبيل الذي يجب أن نسلكه من أجل المحافظة على قوات العصابات و توسيعها و إفناء العدو و طرده و تنسيق عملياتها مع عمليات الحرب النظامية و كسب النصر النهائي .


الفصل الرابع : المبادرة و المرونة و التخطيط في القيام بالعمليات الهجومية في الحرب الدفاعية ، و في القيام بالعمليات السريعة في الحرب الطويلة الأمد ، و في خوض عمليات الخط الخارجي في نطاق عمليات الخط الداخلي :
----------------------------------------------------------------------------------------------------


يمكننا أن نقسم هذا الموضوع إلى أربع نقاط : 1ـ العلاقة بين الدفاع و الهجوم ، و العلاقة بين طول أمد الحرب و سرعة حسم العمليات فيه ، و العلاقة بين الخط الداخلي و الخط الخارجي ؛ 2ـ أخذ زمام المبادرة في جميع العمليات ؛ 3ـ المرونة في استخدام القوات ؛ 4ـ التخطيط في جميع العمليات .

و لنبدأ بالنقطة الأولى . لما كانت اليابان بلدا قويا في وضعية الهجوم ، في حين أن الصين بلد ضعيف في وضعية الدفاع في حرب المقاومة د اليابان بمجموعها ، فقد اقتضى الأمر أن نخوض حربا دفاعية و طويلة الأمد من الناحية الاستراتيجية . و فيما يتعلق بخطوط القتال ، فإن العدو يقاتل في الخط الخارجي و نحن نقاتل في الخط الداخلي . هذا جانب واحد من الوضع ، أما الجانب الآخر فهو على نقيض ذلك . فإن قوات العدو على رغم أنها قوية ( من حيث ما تتمتع به من جودة الأسلحة و حسن التدريب العسكري ) ، هي صغيرة عدديا في حين أن قواتنا بالرغم من أنها ضعيفة ( فقط من حيث نوعية السلاح و التدريب العسكري ، هي ضخمة جدا عدديا ، و يضاف إلى ذلك أن هذا العدو أتى من أمة أجنبية ليعتدي على بلادنا ، بينما نحن نقاوم العدوان الأجنبي في ارض بلادنا ، و هذا كله قد حدد المبدأ الاستراتيجي التالي : إنه من الممكن بل من الضروري اللجوء إلى العمليات الهجومية على مستوى الحملة و المعركة خلال الحرب التي هي من الناحية الاستراتيجية حرب دفاعية ، و اللجوء إلى العمليات السريعة على مستوى الحملة و المعركة خلال الحرب التي هي من الناحية الاستراتيجية حرب طويلة الأمد ، و خوض عمليات الخط الخارجي على مستوى الحملة و المعركة في نطاق عمليات الخط الداخلي في الحية الاستراتيجية . هذا هو المبدأ الاستراتيجي الذي ينبغي تطبيقه في حرب المقاومة ضد اليابان بمجموعها . و هذا ينطبق على الحرب النظامية و حرب العصابات على حد سواء . و في هذا الصدد لا تختلف حرب العصابات عن الحرب النظامية إلا في درجة تطبيق هذا المبدأ و أساليب تطبيقه .فحرب العصابات تتخذ على العموم شكل الغارات في هجومها . أما الحرب النظامية فرغم أنه من الضروري بل من الممكن أن نلجأ فيها إلى شن الغارات ، فإن عنصر المباغتة فيها أضعف مما هو في حرب العصابات ، و كذلك نجد أن حرب العصابات تتطلب إلى حد بعيد جدا سرعة المعارك ، و أن دائرة الخط الخارجي ضيقة جدا حين تقوم قوات العصابات بتطويق العدو خلال الحملات و المعارك . هذه الأمور جميعا التي تميز حرب العصابات عن الحرب النظامية .

و هكذا يتبين لنا أن عمليات قوات العصابات تتطلب تركيز أكبر عدد ممكن من القوات المسلحة و العمل في سرية تامة و سرعة فائقة لأخذ العدو على حين غرة و كسب المعركة بسرعة بالغة ، في حين يجب الابتعاد كليا عن الدفاع السلبي و التلكؤ و تقسيم القوات عند خوض المعركة . و طبيعي أن حرب العصابات لا تتطلب الدفاع الاستراتيجي فحسب ، بل تتطلب الدفاع التكتيكي أيضا ، فإن تقييد تحركات بعض قوات العدو و تكليف وحدات بمهمة الحراسة في أثناء المعارك ، و تنظيم المقاومة في الممرات الضيقة و المراكز المنيعة و على ضفاف الأنهر أو في القرى من أجل استنفاد قوى العدو و إنهاكه ، و عمليات التغطية عند التراجع ..إلخ ، فإن ذلك كله يعد من عمليات الدفاع التكتيكي في حرب العصابات . لكن المبدأ الأساسي هو أنه يجب أن تقوم حرب العصابات على الهجوم ، و إن طابع الهجوم فيها يجب أن يكون أشد بروزا منه في الحرب النظامية ، بل يجب أن يتخذ الهجوم في حرب العصابات شكل الغارات المباغتة ، أما أن تكشف القوات نفسها بأن تتقدم نحو العدو في جلبة و ضوضاء و بدون مبالاة فهو أمر غير مسموح به في الحرب النظامية ناهيك عن حرب العصابات . و رغم أن هناك حالات في حرب العصابات تستمر فيها المعارك عدة أيام كما هي الحال في مهاجمة قوة معادية صغيرة معزولة و محرومة من الإمدادات ، إلا أن حرب العصابات تتطلب على العموم حسم المعارك بسرعة أكبر مما في الحرب النظامية ، و هو أمر تفرضه حقيقة قوة العدو و ضعفنا ، إن حرب العصابات بطبيعتها تخاض بقوات متفرقة ، الأمر الذي يجعل منها حربا منتشرة على نطاق واسع ، و فضلا عن ذلك فإن مبدأ تقسيم القوات ينطبق على كثير من مهمات قوات العصابات ، نحو التشويش على قوات العدو و تقييد تحركاتها ، و نحو أعمال النسف و التخريب ، و العمل الجماهيري ، لكنه حينما تقوم إحدى فصائل العصابات أو فرقها بمهمة إفناء العدو ، و خصوصا حين تسعى إلى سحق إحدى هجمات العدو ، فإنه من الواجب أيضا تركيز قواتها الرئيسية .

إن مبدأ " تركيز قوات كبيرة من أجل سحق قوة معادية صغيرة " هو أيضا أحد المبادئ لعمليات ميدان القتال في حرب العصابات .

و هكذا يتبين لنا أيضا أننا إذا أخذنا بعين الاعتبار حرب المقاومة ضد اليابان بمجموعها ، وجدنا أن خوض عدد كبير من العمليات الهجومية على مستوى الحملة والمعركة في كل من الحرب النظامية و حرب العصابات ، أي تحقيق انتصارات كثيرة في عملياتنا الهجومية هو السبيل الوحيد لبلوغ غايتنا المنشودة التي هي الدفاع الاستراتيجي في سبيل إلحاق الهزيمة النهائية بالإمبريالية اليابانية . و إن القيام بعدد كبير من العمليات السريعة على مستوى الحملة و المعركة ، أي إحراز النصر في عدد كبير من العمليات الهجومية على مستوى الحملة و المعركة بفضل حسم القتال بسرعة ، هو السبيل الوحيد لبلوغ غايتنا المنشودة التي هي المثابرة على حرب طويلة الأمد استراتيجيا حتى نستطيع كسب الوقت من أجل زيادة قوتنا في المقاومة ، و في الوقت نفسه ننتظر حصول تبدلات في الوضع الدولي و انهيار العدو من الداخل مع تعجيل حدوث ذلك ، و حينئذ سوف نشن هجوما مضادا استراتيجيا على الغزاة اليابانيين و نطردهم إلى خارج الصين . كما أنه لا بد لنا أن نركز قوات متفوقة في كل معركة ، و أن نلجأ إلى أسلوب عمليات الخط الخارجي على مستوى الحملة و المعركة ، سواء في مرحلة الدفاع الاستراتيجي أو في مرحلة الهجوم المضاد الاستراتيجي كي نطوق قوات العدو و نبيدها ـ يجب أن نطوق قسما منها على الأقل إذا لم نستطع أن نطوقها كلها ، و أ، نبيد قسما من القوات المطوقة إذا لم نستطع إبادتها كلها ، و أن نكبد القوات المطوقة أكبر الخسائر الممكنة من القتلى و الجرحى إذا لم نستطع أن نأسر أعدادا كبيرة منها ـ لا بد لنا أن نخوض عددا كبيرا من مثل معارك الإبادة هذه لكي نستطيع أن نغير الوضع القائم بين العدو و بيننا ، ، أن نحطم بصورة تامة تطويقه الاستراتيجي أي نحطم سياسته القائمة على القتال في الخط الخارجي ، حتى نتمكن في النهاية من محاصرة الإمبريالية اليابانية بالتعاون مع القوى الدولية و نضالات الشعب الياباني الثورية فنقضي عليها بضربة واحدة . إن تحقيق هذه النتائج يعتمد بصورة رئيسية على الحرب النظامية ، و لا تقدم حرب العصابات في هذا المجال إلا مساهمات ثانوية . بيد أ، الحرب النظامية و حرب العصابات تشتركان في نقطة واحدة هي تجميع عدد كبير من الانتصارات الصغرى ليتشكل من مجموعها نصر كبير . إن ما ذكرناه هنا هو الدور الاستراتيجي العظيم الذي تلعبه حرب العصابات في سياق حرب المقاومة ضد اليابان .

لننتقل الآن إلى مسألة المبادرة و المرونة و التخطيط في حرب العصابات . ما هي المبادرة في حرب العصابات ؟

إن كلا الفريقين المتحاربين ، في كل حرب ، يسعى بكل جهد إلى كسب زمام المبادرة في ميدان القتال و في منطقة القتال و في المنطقة الحربية بل في الحرب بمجموعها ، و هذه المبادرة تعني حرية الجيش في العمل . فإذا فقد الجيش زمام المبادرة و وقع بالتالي في موقف سلبي حرم من حريته في العمل و تعرض لخطر الإفناء أو الهزيمة. و من الطبيعي أن كسب زمام المبادرة شيء صعب نسبيا في الدفاع الاستراتيجي و في عمليات الخط الداخلي . في حين أنه سهل نسبيا في العمليات الهجومية في الخط الخارجي. بيد أن الإمبريالية اليابانية تعاني من نقطتي ضعف أساسيتين هما الافتقار إلى القوات الكافية ، و القتال في بلد غريب . و فيما عدا ذلك فإنها بسبب استصغارها لقوة الصين و بسبب وجود التناقضات الداخلية بين أمراء الحرب اليابانيين ، قد ارتكبت أخطاء كثيرة في توجيه الحرب مثل زيادة قواتها بصورة تدريجية ، و افتقارها إلى التنسيق الاستراتيجي ، و عدم تحديد الاتجاه الرئيسي لهجماتها في بعض الأوقات ، و تفويت الفرص الملائمة في بعض العمليات الحربية ، و إخفاقها في إبادة القوات التي تحاصرها ..إلخ ، و هذا كله يمكن اعتباره نقطة ضعف ثالثة تعاني منه . و هكذا فإن افتقارها إلى القوات الكافية ( نعني بذلك أن اليابان بلد صغير سكانه قليلون ، و موارده غير كافية ، و أنها دولة إمبريالية إقطاعية ..إلخ ) ، و قتالها في بلد غريب ( نعني بذلك أن حربها هي حرب إمبريالية و وحشية ..إلخ ) ، افتقارها إلى المهارة في التوجيه ، هذه كلها قد جعلت أمراء الحرب اليابانيين يفقدون زمام المبادرة مع مرور الأيام ، رغم أنهم في مركز ملائم هو مركز الهجوم و القتال في الخط الخارجي . و ليس لدى اليابان في الوقت الحاضر رغبة في إنهاء الحرب ، بل إن ذلك ليس في مقدورها ، و لم توقف هجماتها الاستراتيجية بعد ، لكن الاتجاه العام يدل أن هجماتها ستقف عند حد معين ، و هذه ستكون النتيجة الحتمية المترتبة على نقاط ضعفها الثلاث ، و لذلك يستحيل عليها أن تستمر في هجماتها دون توقف بغية ابتلاع الصين برمتها . إنه ليمكن أن نتبين منذ الآن بعض الدلائل على أن اليابان ستجد نفسها ذات يوم في موقف سلبي تماما ، أما بشأن الصين ، فقد كانت في موقف جد سلبي في المرحلة البدائية من الحرب ، لكنها الآن بعدما اكتسبت التجربة و الخبرة في اتباع سياسة جديدة هي سياسة خوض الحرب المتحركة ، أي سياسة القيام بالعمليات الهجومية و السريعة و عمليات الخط الخارجي على مستوى الحملة و المعركة ، و بفضل هذه السياسة ، بالاظافة إلى سياسة إجراء حرب العصابات على نطاق واسع ، بدأت الصين تحوز على زمام المبادرة مع مرور الأيام .

إن مسألة المبادرة ترتدي أهمية أكبر بالنسبة إلى حرب العصابات . ذلك أن قوات العصابات تعمل عادة في ظروف شاقة ، و نعني بذلك أنها تقاتل من دون مؤخرة تستند إليها و تجابه بقوة ضعيفة عدوا قويا ، و تفتقر إلى الخبرة ( أعني بذلك قوات العصابات الحديثة التنظيم ) و أنها معزولة عن بعضها ..إلخ . و مع ذلك فإننا نستطيع أن نكسب المبادرة في حرب العصابات ، و الشرط الأساسي لذلك هو الاستفادة من نقاط ضعف العدو الثلاث الآنفة الذكر . فإذا استطاعت قوات العصابات أن تستفيد من افتقار العدو إلى القوات الكافية ( من حيث الحرب بمجموعها ) ، أمكنها أن تعمل بجرأة فتتخذ مناطق واسعة كميادين لعملياتها ، و إذا استطاعت أن تستفيد من كون العدو غازيا دخيلا يطبق سياسة في غاية الوحشية ، فإنها تستطيع أن تكون طليقة اليد في كسب تأييد عشرات الملايين من أبناء الشعب ، و إذا استطاعت أن تستفيد من قلة مهارة العدو في توجيه الحرب ، أمكنها أن تظهر كل براعتها و فطنتها . و يجب على الجيش النظامي أن يستفيد أيضا من نقاط ضعف العدو هذه ليجعل منها سلاحا في إلحاق الهزيمة به ، و لكن يجب على قوات العصابات على وجه أخص أن تستفيد منها . . أما بشأن نقاط الضعف في قوات العصابات فإنه يمكن التغلب عليها بصورة تدريجية في سياق نضالها . و فوق ذلك فإن نقاط ضعفها في بعض الأحيان هي بالفعل تشكل عاملا من أجل كسب المبادرة ، و مثال ذلك أن قلة عددها هي التي تسهل عليها الظهور و الاختفاء في مؤخرة العدو بسرعة مدهشة وسرية تامة دون أن يستطيع العدو أ، يعمل شيئا ضدها ، و هذه الحرية الواسعة التي تتمتع بها في عملياتها هي مما لا يمكن للجيوش النظامية الضخمة أن تحصل عليه .

و حين تجابه فوات العصابات تطويقا و هجمات متعددة الاتجاهات من قبل العدو ، فإنه من الصعب عليها أن تحتفظ بزمام المبادرة بل من السهل أن تفتقده . فإذا أخطأت في تقدير الوضع و اتخذت تدابير خاطئة في مثل هذه الظروف فإنها تقع بسهولة في موقف سلبي و تخفق بنتيجة ذلك في فك تطويق العدو و سحق هجماته . و يمكن أن تنشأ مثل هذه الظروف أيضا حين يكون العدو في حلة الدفاع و نكون نحن في حالة الهجوم . و لذلك فإن زمام المبادرة ناشئ عن التقديرات الصحيحة للوضع ( وضع العدو و وضعنا على حد سواء ) ، و كذلك عن التدبير العسكرية و السياسية الصحيحة . و مما لا شك فيه أن التقديرات المتشائمة التي لا تتفق مع الظروف الموضوعية و ما ينتج عنها من تدابير سلبية تحرمنا من زمام المبادرة و ترمي بنا إلى موقف سلبي . و لكن التقديرات المفرطة في التفاؤل التي لا تتفق مع الظروف الموضوعية و ما يعقبها من تدابير متسمة بطابع المجازفة ( و هي مجازفة لا مبرر لها ) تحرمنا كذلك من زمام المبادرة ، الأمر الذي يؤدي بنا في آخر المطاف إلى نفس الطريق التي تقودنا إليها التقديرات المتشائمة . ليس تملك زمام المبادرة موهبة طبيعية خاصة بالعباقرة ، بل هو شيء يحصل عليه القائد الذكي بواسطة دراسته المجردة من النزعة الذاتية و تقديره الصائب للظروف الموضوعية و اتخاذ التدابير العسكرية و السياسية الصحيحة . فهو ليس بشيء جاهز و إنما شيء يجب السعي من أجل الحصول عليه بمجهود واع .

و يجب على قوات العصابات أن تتخلص بكل جهودها من الموقف السلبي حين تضطر إليه بنتيجة التقديرات أو التدابير الخاطئة ، أو نتيجة لضغط لا يمكن مقاومته . أما كيف تتخلص منه فالأمر يتوقف على الظروف . و في كثير من الحالات يكون "الانتقال " أمرا ضروريا . و إن قدرة قوات العصابات على الانتقال هي بالضبط إحدى خصائصها المميزة . إن الانتقال هو الطريقة الرئيسية من أجل الخروج من السلبية و استرداد المبادرة ، لكنه ليس الطريقة الوحيدة . فإن الفترة التي يتقدم فيها العدو بجنونية شديدة و تواجهنا فيها ظروف عصيبة جدا ، هي غالبا ما تكون الفترة التي يبدأ فيها الوضع يتغير و يصبح مضرا بالعدو و ملائما لنا . و كثيرا ما يعود الوضع ملائما لنا ونسترد زمام المبادرة نتيجة لما نبذله من جهد في " مواصلة الصمود بعض الوقت " .



#ماو_تسي_تونغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -2-
- قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -3-
- قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -4-
- قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان
- حول الديمقراطية الجديدة (1940)- الجزء الثاني
- حول الديمقراطية الجديدة (1940)- الجزء الأول
- فلنصلح دراستنا
- ضد الليبرالية
- في الممارسة العلمية، في العلاقة بين المعرفة و الممارسة العلم ...
- ضد عبادة الكتاب


المزيد.....




- الوقت ينفد في غزة..تح‍ذير أممي من المجاعة، والحراك الشعبي في ...
- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟


المزيد.....

- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى
- تحديث.تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ
- تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - ماو تسي تونغ - قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان - ( مايو أيار 1938 )