أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - ماو تسي تونغ - قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -2-















المزيد.....

قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -2-


ماو تسي تونغ

الحوار المتمدن-العدد: 1948 - 2007 / 6 / 16 - 12:57
المحور: الارشيف الماركسي
    


و لننتقل الآن إلى مسألة المرونة . إن المرونة ظاهرة تجسد المبادرة بصورة عملية . إن استخدام القوات بمرونة هو أمر أكثر ضرورة في حرب العصابات منه في الحرب النظامية .

إن من واجب قادة حرب العصابات أن يدركوا أن استخدام القوات بمرونة هو أهم وسيلة من أجل تبديل الأوضاع القائمة بين العدو و بيننا و من أجل كسب زمام المبادرة .و بناء على خصائص حرب العصابات فإن استخدام القوات لا بد أن تتغير بمرونة حسب المهام و الظروف من نحو وضعية العدو و طبيعة الأرض و مشاعر السكان ، و الطرق الرئيسية هي تقسيم القوات ، و تركيزها ، و تغيير مراكزها . إن قائد حرب العصابات لأشبه في استخدامه لقوات العصابات بصياد يرمي شبكته ، إذ يجب على الصياد أن يحسن نشر الشبكة و أن يحسن سحبها . و حين ينشر الصياد شبكته يجب عليه أن يتأكد من عمق المياه ، و سرعة التيار ، و وجود العقبات أو انعدامها . كذلك يجب على قائد حرب العصابات حين يستخدم قواته في وحدات مقسمة أن يحتاط كي لا تصاب القوات بخسائر نتيجة جهل الوضع و القيام بعمليات خاطئة . و مثلما يجب على الصياد أن يمسك جيدا بنهاية الحبل كي يسحب شبكته ، كذلك يجب على القائد حين يستخدم قواته في وحدات مقسمة أن يكون على اتصال دائم بجميع الفرق و أن يبقي في يده قسما مناسبا من القوات الرئيسية . و مثلما يجب على الصياد أن يغير مكانه من حين إلى آخر ، كذلك يجب على قوات العصابات أن تغير مراكزها من حين إلى آخر . إن تقسيم القوات و تركيزها و تغيير مراكزها هي الطرق الثلاث لاستخدام القوات بمرونة في حرب العصابات .

و على العموم ، فإن تقسيم قوات العصابات ، أي " تقسيم الكل إلى أجزاء " ، يجري بصورة عامة في الظروف التالية : 1ـ حين نحاول تهديد العدو على جبهة واسعة في حالة أن العدو يتخذ موقف الدفاع و يستحيل علينا مؤقتا أن نقاتل بقوات مركزة ؛ 2ـ حين نريد أن نشوش على قوات العدو و نقوم بأعمال النسف و التخريب على نطاق واسع في المنطقة التي تكون قوات العدو فيها ضعيفة ؛ 3ـ حين نحاول صرف انتباه العدو كي نتمكن من الإفلات منه ، و ذلك عندما نكون عاجزين عن تحطيم التطويق و الهجمات من قبله ؛ 4ـ حين نواجه المصاعب الناتجة عن طبيعة الأرض أو قضايا التموين ؛ 5 حين نقوم بالحركات الجماهيرية في منطقة شاسعة . لكنه ينبغي توجيه الانتباه ، حين تعمل القوات مقسمة في أي ظرف من الظروف المذكورة ، إلى النقاط التالية : 1ـ لا يجوز تقسيم القوات بصورة متساوية تساويا مطلقا ، بل ينبغي الاحتفاظ بقسم كبير منها في مكان ملائم للتحركات ، بحيث يمكن استخدامه في مجابهة ما قد يحصل من أحداث ، و من جهة أخرى يمكن استخدامه في مهمة رئيسية من المهمات التي تؤديها قوات العصابات في وحدات مقسمة ؛ 2ـ ينبغي أن تعين لكل وحدة من الوحدات المقسمة مهامها بكل وضوح ، و أن تحدد لها ميادين العمليات ، و مدتها ، و مكان الحشد ، و طرق الاتصال و وسائله .

أما طريقة تركيز القوات أي " تجميع الأجزاء في كل واحد " ، فنستخدمها عادة من أجل إفناء العدو حين يهاجمنا ، كما نستخدمها أحيانا من أجل إفناء بعض قوات العدو المرابطة حين يكون العدو في موقف الدفاع . و لا يعني تركيز القوات التركيز المطلق ، و إنما يعني تركيز القوات الرئيسية لاستخدامها في اتجاه هام ، في حين يترك في الاتجاهات الأخرى أو يرسل إليها قسم من القوات لغرض تقييد تحركات العدو و التشويش عليه أو القيام بأعمال النسف و التخريب ، أو للقيام بالحركات الجماهيرية .

و على رغم أن تقسيم القوات و تركيزها بمرونة وفقا للظروف كلاهما طريقة رئيسية في حرب العصابات ، فإنه يجب علينا أن نعرف كذلك كيف ننقل ( نغير مراكز ) قواتنا بمرونة . فحين يشعر العدو بأن قوات العصابات تهدده بصورة خطيرة ، فإنه سيرسل القوات من أجل قمعها أو مهاجمتها . و لذا يجب على قوات العصابات أن تمعن النظر في الظروف المحيطة بها ، فإذا وجدت الظروف ملائمة للقتال خاضت القتال في مكانها ، و إذا وجدتها غير ملائمة للقتال ، فإن من واجبها أن تنتقل سريعا إلى اتجاه آخر دون إضاعة الوقت .

و يحدث أحيانا لغرض تحطيم وحدات العدو كلا على حدة ، أن تنتقل قوات العصابات من مكانها ، فور سحقها لإحدى قوات العدو ، إلى مكان آخر كي تبيد قوة أخرى . و في أحيان أخرى يتحتم على قوات العصابات ، حين تجد الظروف في مكان ما غير ملائمة للقتال ، أن تتخلص على الفور من العدو و تنتقل إلى مكان آخر كي تقاتل هناك . و إذا كانت قوات العدو تشكل تهديدا خطيرا جدا ، فإنه لا يحسن أن تبقى قوات العصابات طويلا في مكان واحد ، بل يجب عليها تبديل مراكزها بسرعة فائقة كالسيل الجارف و الريح الهوجاء . و على العموم يجب أن يتم نقل القوات في ظل السرية و بسرعة . و إنه لمن الواجب على الدوام استخدام الحيل البارعة لأجل خداع العدو و استدراجه و تضليله ، كالقيام بعمليات خداعة في جهة لشن الهجوم في جهة أخرى ، و الظهور فجأة في هذه الجهة و الظهور بعد لحظات في جهة أخرى ، و توجيه الضربات إلى العدو و الاختفاء في الحال ، و العمليات الليلية ..إلخ .

إن المرونة في تقسيم القوات و تركيزها و نقلها هي شيء يجسد المبادرة بصورة عملية في حرب العصابات ، في حين أن الجمود و بطء الحركة يؤديان بصورة حتمية إلى موقف سلبي و يسببان خسائر لا مبرر لها . بيد أن فطنة القائد لا تعني أنه يدرك أهمية استخدام القوات بمرونة ، و إنما تعني أنه يقدر على تقسيم قواته أو تركيزها أو نقلها في الوقت المناسب وفقا للظروف المحددة . و ليس مثل هذه الفطنة في تقدير الحالات المتغيرة و انتهاز الفرص السانحة صفة سهلة المنال ، إذ لا يمكن أن يكسبها إلا أولئك الذين يدرسون دراسة مجردة من النزعة الذاتية ، و يتابعون تطورات الأوضاع باستمرار و يمعنون النظر فيها . و إنه من الضروري دراسة الأوضاع بترو حتى لا تتحول المرونة إلى طيش .

لننتقل أخيرا إلى مسألة التخطيط . إن كسب النصر في حرب العصابات لا يتأتى بمعزل عن التخطيط . و إن من يظن إنه يمكن إن يخوض حرب العصابات كما يحلو له إنما هو يعبث بحرب العصابات أو هو رجل يجهل ما هي حرب العصابات . إن جميع عمليات العصابات ، سواء أ كانت عمليات تشمل منطقة بأكملها من مناطق حرب العصابات ، أم كانت عمليات تقوم بها فصيلة من فصائل العصابات أو فرقة من فرقها ، يجب أن يسبقها تخطيط دقيق قدر الإمكان ، و هذا هو العمل التحضيري الذي يسبق كل عملية من العمليات . إن الاطلاع على الظروف ، و تحديد المهمات ، و توزيع القوات ، و التثقيف العسكري و السياسي ، و إعداد المؤن ، و تهيئة العتاد ، و كسب التأييد الشعبي ..إلخ ، هذه كلها من ضمن أعمال القادة التي يجب أن يمعنوا النظر فيها و ينفذوها تنفيذا حازما و يراجعوا مدى تنفيذها . و لا يمكن ـ بدون هذا ـ أن تتحقق المبادرة أو المرونة أو الهجوم . و طبيعي أن ظروف حرب العصابات لا تسمح بتلك الدرجة العالية من الدقة في التخطيط التي نجدها في الحرب النظامية ، و بنتيجة ذلك فإنه من الخطأ أن نسعى إلى وضع خطط متسمة بالدقة المحكمة في حرب العصابات ، لكنه من الضروري مع ذلك ، في حدود ما تسمح به الظروف الموضوعية ، أ، نضع خططا دقيقة قدر الإمكان ، إذ يجب أن نفهم أن الكفاح ضد العدو ليس مزاحا .

إن النقاط الواردة أعلاه توضح القضية الأولى المتعلقة بالمبادئ الاستراتيجية لحرب العصابات : المبادرة و المرونة و التخطيط في القيام بالعمليات الهجومية في الحرب الدفاعية ، و القيام بالعمليات السريعة في الحرب الطويلة الأمد ، و في خوض القتال في الخط الخارجي في نطاق عمليات الخط الداخلي . و هذه هي القضية المركزية الأولى المتعلقة بالمبادئ الاستراتيجية لحرب العصابات . و إن حل هذه القضية يوفر ، من حيث القيادة العسكرية ، الضمانة المهمة للنصر في حرب العصابات .

و على الرغم من أننا عالجنا ههنا أمورا كثيرة ، فإنها تتركز جميعا حول الهجوم على مستوى الحملة و المعركة . و لا يمكن كسب المبادرة نهائيا إلا بعد إحراز النصر في الهجوم . إنه لمن الواجب أن نبادر إلى تنظيم جميع العمليات الهجومية بدلا من أن نلجأ إليها مضطرين . و إن استخدام القوات بمرونة يدور حول هذه النقطة الأساسية ـ القيام بالعمليات الهجومية ، و كذلك فإننا حين نقول إن التخطيط ضروري إنما نهدف بصورة رئيسية إلى كسب النصر في الهجوم .

إن التدبير الدفاعية التكتيكية تصبح عديمة المغزى إذا لم تدعم الهجوم بصورة مباشرة أو غير مباشرة . إن حسم المعارك بسرعة هو مسألة تتعلق بمدة الهجوم ، كما أن القتال في الخط الخارجي هو مسألة تتعلق بنطاق الهجوم . إن الهجوم هو الوسيلة الوحيدة من أجل إفناء العدو ، كما أ،ه الوسيلة الرئيسية من أجل المحافظة على الذات ، في حين أن الدفاع البحت و التراجع المحض لا يمكن أ، يلعبا إلا دورا مؤقتا و جزئيا في المحافظة على الذات ، و هما عديما الجدوى كليا في إفناء العدو .

إن هذا المبدأ نفسه ينطبق بصورة متماثلة من حيث الأساس على كل من الحرب النظامية و حرب العصابات ، و كل ما هناك من اختلاف إنما يظهر في درجة تطبيقه .و لكن من الهم و من الضروري في حرب العصابات أن ننتبه إلى هذا الاختلاف . إن هذا الاختلاف في درجة التطبيق هو بالضبط السبب في اختلاف أساليب العمليات في حرب العصابات عن أساليب العمليات في الحرب النظامية ، و إذا ما أهملنا هذا الاختلاف فإن النصر في حرب العصابات يصبح أمرا مستحيلا .


الفصل الخامس : التعاون مع الحرب النظامية :
----------------------------



إن القضية الاستراتيجية الثانية في حرب العصابات هي تعاون هذه مع الحرب النظامية . و سنوضح هنا العلاقة بين عمليات حرب العصابات و عمليات الحرب النظامية وفقا لطبيعة العمليات الفعلية لحر العصابات . و إن فهم هذه العلاقة ذو أهمية بالغة في هزيمة العدو بصورة فعالة .

إن هناك ثلاثة أنواع من التعاون بين حرب العصابات و الحرب النظامية : التعاون في الناحية الاستراتيجية ، التعاون في الحملات ، و التعاون في المعارك .

إن الدور الذي تلعبه حرب العصابات بمجموعها في مؤخرة العدو من إضعافه و تقييد تحركاته و عرقلة نقلياته ، و دورها في رفع معنويات الجيوش النظامية و الشعب في مختلف أرجاء البلاد ، هذه كلها تعد تعاونا استراتيجيا مع الحرب النظامية . و لنأخذ مثلا حرب العصابات في المقاطعات الشمالية الشرقية الثلاث ، فإن قضية التعاون لم تكن قائمة طبعا قبل اندلاع حرب المقاومة على نطاق البلاد ، لكن أهمية التعاون قد تجلت بعد اندلاع هذه الحرب . ذلك أن قوات العصابات هناك كلما قتلت جنديا من جنود العدو أو اضطرته إلى استهلاك رصاصة أو قيدت تحركات جندي من جنوده و منعته من التقدم نحو جنوب السور العظيم ، ساهمت في زيادة قوة المقاومة. و إنه لشيء ظاهر للعيان أيضا أثر حرب العصابات في تحطيم معنويات جيش العدو كله و بلاد العدو كلها و أثرها الطيب في رفع معنويات كل جيشنا و شعبنا . أما دور التعاون الاستراتيجي الذي تلعبه حرب العصابات الجارية على جانبي خطوط سكك حديد بيبينغ ـ سوييوان و بيبنغ ـ هانكو و تيانجين ـ بوكو وداتونغ ـ بوتشو وتشنغدينغ ـ تاي يوان و شانغاي ـ هانغتشو فيمكننا أن نلاحظه بوضوح أكثر . إن قوات العصابات تتعاون مع الجيوش النظامية في أداء مهمة الدفاع الاستراتيجي في هذا الوقت الذي يشن فيه العدو هجوما استراتيجيا ، كما أنها ستتعاون معها في تحطيم دفاع العدو حين ينهي هجومه الاستراتيجي و يتحول إلى الدفاع عن المناطق التي احتلها ، و ليس هذا حسب بل سوف تتعاون أيضا مع الجيوش النظامية في دحر العدو و استرداد جميع الأراضي المفقودة حين تشن الجيوش النظامية هجوما مضادا استراتيجيا ، إنه لن يجوز التغاضي عن دور التعاون العظيم الذي تلعبه حرب العصابات من حيث الاستراتيجية . و إنه ليجب على قادة قوات العصابات و الجيوش النظامية أن يدركوا هذا الدور جيدا .

و ليس هذا فحسب بل إن حرب العصابات تلعب دور التعاون في الحملات أيضا . و مثال ذلك أنه في أثناء حملة شينكو الواقعة شمال تاي وان لعبت حرب العصابات في شمال يانمنقوان و جنوبها دور التعاون الكبير مع الحملة حيث دمرت سكة حديد داتونغ ـ بوتشو ، و طرق السيارات في بينغشينغقوان و يانغفانغكو . و مثال آخر هو أن حرب العصابات التي انتشرت في جميع أنحاء شانشي بعد أن احتل العدو فنغلينغدو ( و قد جرت عملياتها بصورة رئيسية من قبل الجيش النظامي ) قد لعبت دورا أعظم في التعاون مع الحملات الدفاعية على الضفة الغربية للنهر الأصفر في مقاطعة شنشي و على ضفة النهر الجنوبية في مقاطعة خنان . و مثال ثالث هو أنه حين هاجم العدو جنوبي شاندونغ ساهمت حرب العصابات في جميع المقاطعات الخمس بشمال الصين مساهمة كبيرة في التعاون مع حملات جيشنا النظامي في جنوب شاندونغ . و إزاء هذه المهمة يجب على قادة جميع قواعد حرب العصابات في مؤخرة العدو ، و كل قادة فرق العصابات المرسلة مؤقتا إلى مؤخرة العدو أن يوزعوا قواتهم على أفضل صورة ، و يتخذوا مختلف الوسائل وفقا للظروف الزمنية و المكانية للقيام بعمليات إيجابية ضد أشد نقاط العدو حيوية و أكثرها ضعفا ، و ذلك بغية إضعاف العدو و تقييد تحركاته و عرقلة نقلياته و رفع معنويات جيوشنا التي تخوض الحملات في الخط الداخلي ، و بذلك يؤدون مهمة التعاون خلال الحملات . و إذا ما قاتلت كل منطقة من مناطق حرب العصابات ، أو كل وحدة من قواتها بصورة منفردة مهملة أمر التعاون مع الجيوش النظامية في العمليات الحربية على مستوى الحملة ، فإنه رغم أنها قد لعبت دورا في التعاون في العمليات الاستراتيجية عامة إلا أن أهميتها في التعاون الاستراتيجي قد ضعفت بسبب عدم قيامها بالتعاون في العمليات الحربية على مستوى الحملة . إن هذه النقطة جديرة بالاهتمام البالغ من جانب قادة حرب العصابات كلهم . و إنه لمن الضروري كل الضرورة ، في سبيل تحقيق هذا التعاون ، أن تجهز كل فصائل العصابات و فرقها الكبيرة نسبيا بأجهزة الاتصالات اللاسلكية .

و أخيرا فإن التعاون في المعارك ، أي التعاون في عمليات القتال ، هو مهمة جميع قوات العصابات الموجودة على مقربة من ميدان القتال في الخط الداخلي ، و هي مهمة تقتصر بطبيعة الحال على قوات العصابات القريبة من الجيوش النظامية أو على تلك الوحدات المرسلة ـ مؤقتا ـ من قبل الجيوش النظامية للقيام بحرب العصابات . إن من واجب قوات العصابات في مثل هذه الحال أن تعمل بتوجيهات قادة الجيوش النظامية و تنفذ المهمات التي يعينونها لها ، و هي عادة مهمات تستهدف تقييد تحركات قسم من قوات العدو ، و عرقلة نقلياتها ، و استطلاع أحوالها ، و القيام بدور الدليل للجيوش النظامية . و حتى لو لم تتلق قوات العصابات أي توجيه منهم ، فإن من واجبها تنفيذ مثل هذه المهمات من تلقاء نفسها . و لا يجوز لها أن تقف مكتوفة اليدين دون تحرك و لا قتال ، أو تكتفي بالتحرك دون قتال .


الفصل السادس : إنشاء القواعد :
-------------------




إن القضية الاستراتيجية الثالثة في حرب العصابات المناهضة لليابان هي إنشاء القواعد . إن ضرورة القواعد و أهميتها تنشأ عن طول أمد الحرب و ضراوتها . ذلك أننا لا نستطيع استرجاع أراضينا المغتصبة إلا حين نشن هجوما استراتيجيا مضادا على نطاق البلاد كلها ، أما قبل ذلك فإن جبهة العدو ستمتد بعيدا في وسط بلادنا و تقسمها شطرين ، و سوف يقع قسم من أراضينا يقل عن النصف ، بل و قد يزيد عليه ، في يد العدو و يصبح مؤخرة له . إن من واجبنا أ، ننشر حرب العصابات في كل هذه المناطق الشاسعة التي يحتلها العدو ، محولين مؤخرته إلى جبهة أمامية ، و فارضين عليه القتال بلا انقطاع في مختلف أرجاء المناطق المحتلة . و طالما لم نشن هجومنا الاستراتيجي المضاد و لم نسترد أراضينا المغتصبة ، فإنه علينا أن نواظب على حرب العصابات في مؤخرة العدو ، و على الرغم من أننا لا نستطيع أن نحدد مدة تلك الحرب على وجه الدقة ، فإنها بلا شك ستكون طويلة جدا ، و هذا ما نعنيه بطول أمد الحرب . و في الوقت نفسه فمن المؤكد أن العدو سيضاعف يوما بعد يوم عملياته ضد حرب العصابات من أجل حماية مصالحه في المناطق المحتلة و أنه سيقمع قوات العصابات بكل قسوة و خاصة بعد أن يوقف هجومه الاستراتيجي . و هكذا فإن حرب العصابات في مؤخرة العدو بسبب طول أمد الحرب و ضراوتها ، لا تستطيع الصمود بدون القواعد . فما هي قواعد حرب العصابات؟ إنها قواعد استراتيجية تعتمد عليها حرب العصابات في تنفيذ مهماتها الاستراتيجية من أجل تحقيق غرض المحافظة على قواتنا و توسيع صفوفها و إفناء العدو و طرده . و بدون هذه القواعد الاستراتيجية ستفقد حرب العصابات ما تعتمد عليه في تنفيذ أي مهمة من المهمات الاستراتيجية أو تحقيق أي غرض من أغراض الحرب . و معلوم أن القتال دون مؤخرة هو إحدى خصائص حرب العصابات في مؤخرة العدو ، ذلك لأن حرب العصابات تجرى منعزلة عن مؤخرة البلاد العامة . لكنه لا يمكن لحرب العصابات أن تستمر طويلا و لا تتطور بدون القواعد ، فهذه القواعد هي بمثابة مؤخرة لها لقد عرف التاريخ حروبا فلاحية كثيرة جرت حسب أسلوب العصابات المتنقلة و قد باءت جميعا بالإخفاق ، إن محاولة كسب النصر بأسلوب العصابات المتنقلة هي وهم لا يقوم على أي أساس خصوصا في عصرنا هذا الذي تقدمت فيه وسائل المواصلات و التكنيك . و لكن نزعة العصابات المتنقلة لا تزال موجودة عند الفلاحين المفلسين ، و حين تنعكس نزعتهم هذه على أذهان قادة حرب العصابات فإنها تتجلى في نظرة رفض إنشاء القواعد أو عدم تقدير أهميتها . و لذا فإن تصفية هذه النزعة من أذهان قادة حرب العصابات شرط مسبق لرسم سياسة إنشاء القواعد . إن مسألة إنشاء القواعد أو عدم إنشائها ، مسألة تقدير أهميتها أو عدم تقديرها ، أو بتعبير آخر مسألة الصراع بين فكرة إنشاء القواعد و نزعة العصابات المتنقلة ، تنشأ في أي حرب من حروب العصابات ،و لا يمكن لحرب العصابات المناهضة لليابان أن تشذ ، إلى درجة ما ، عن هذه القاعدة . و لذا فإن الصراع الفكري ضد نزعة العصابات المتنقلة سيكون عملية لا يمكن الاستغناء عنها . ذلك لأننا لا نستطيع المثابرة على حرب عصابات طويلة الأمد إلا بتصفية نزعة العصابات المتنقلة تصفية تامة و تنفيذ سياسة إنشاء القواعد .







#ماو_تسي_تونغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -3-
- قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -4-
- قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان
- حول الديمقراطية الجديدة (1940)- الجزء الثاني
- حول الديمقراطية الجديدة (1940)- الجزء الأول
- فلنصلح دراستنا
- ضد الليبرالية
- في الممارسة العلمية، في العلاقة بين المعرفة و الممارسة العلم ...
- ضد عبادة الكتاب


المزيد.....




- العدد 553 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
- التيتي الحبيب: قراءة في رد إيران يوم 13 ابريل 2024
- أردوغان: نبذل جهودا لتبادل الرهائن بين إسرائيل والفصائل الفل ...
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 551
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 552
- النظام يواصل خنق التضامن مع فلسطين.. ندين اعتقال الناشطات وا ...
- الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا ...
- بيان مركز حقوق الأنسان في أمريكا الشمالية بشأن تدهور حقوق ال ...
- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى
- تحديث.تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ
- تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - ماو تسي تونغ - قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -2-