أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عصام عبدالله - عنف لا أحد














المزيد.....

عنف لا أحد


عصام عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 1943 - 2007 / 6 / 11 - 12:49
المحور: حقوق الانسان
    


تثير إشكالية " الدولة " في الذهن أولاً فكرة السلطة، ونعني بها السلطة الفعلية والمحمية والمنظمة. وهي شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي، تكفل الأمن لنفسها والرعاية لمواطنيها ضد الأخطار الخارجية والداخلية، وتحقيقًا لهذا الغرض فإنها تملك القوة المسلحة والكثير من وسائل الإكراه والقمع ، أو بالأحري " العنف " المشروع .
ووفقًا لذلك فإن الدولة تتألف من عنصرين رئيسيين هما: [1] المجتمع -Societas- أو ما كان يسمى عادة «المجتمع المدني» -Societas Civilis- ، وهذا المجتمع يوجه إلى تحقيق الغايات التي من أجلها يضطر الناس إلى أن يعيشوا «مجتمعين» أي «معًا».
[2] والسلطة العليا ذات السيادة التي تحكم هذا المجتمع، وتسمى «الجلالة» -Majestas-، «والسلطة العليا» -Summa Potestas- ، و«السيادة» -Supremetas- (Sovereignty).
ومنذ «جان بودان» و «جرويتوس» -Grutius- (1583 - 1645) جرى مداد كثير حول تعريف معنى «السيادة» ، والكلمة (Sovereignty) اشتقاقًا جاءت من (Super + regnum) أي «الحكم الأعلى» أو الذي «لا يعلى عليه»، وبالتدريج أضيف إلى هذا المعنى معنى «المطلق» و«الأوحد» في تعريف السيادة في الدولة الحديثة. وهكذا ارتبطت الدولة الحديثة بمفهوم السيادة أو قل إن مولد الدولة الحديثة ليس سوى: نشوء مفهوم السيادة وقبوله النهائي .
على أن تفهم «السيادة» هنا بالمعنى الزمني لا الروحي، فالتحول التاريخي الذي صاحب ظهور الدولة في شكلها الحديث تمثل أساسًا في تغير مفهوم «مصدر السيادة»، من الله إلى الإنسان في صورته الفردية أو في صورته الجماعية أو في صورته الأكثر تجريدًا وهي «الإنسانية». وهذه السيادة تتأكد في الميدانين الداخلي والخارجي معًا وفي وقت واحد.
وحسب «توماس هوبز» -Hobbes- (1588 - 1679) «فإن أساس سيادة الدولة يكمن أولاً في قدرتها على ضمان السلم المدني بين المقيمين تحت سلطتها وحمايتهم من أي معتد خارجي.» أما عالم الاجتماع الألماني «ماكس فيبر» -Weber- (1866 - 1945) فقد رأى أن للدولة الحديثة احتكار العنف والقسر المادي المشروع، فهي وحدها التي تحتفظ بحق القيام بأعمال الشرطة في الداخل والحرب في الخارج.


لكن يبدو أن هناك نوعا آخر من " العنف " تمارسه الدولة ضد مواطنيها عن طريق البيروقراطية والروتين والتباطؤ في التقاضي وتنفيذ الأحكام وتسويف الحقائق ، وهو ما يعرف في أدبيات علم الإجتماع ب " عنف لا أحد " . وحسب حنة أرندت في كتابها " في العنف " فإن أرقي شكل من أشكال العنف غير المنظور يتمثل في الممارسة البيروقراطية التي تقنن القهر والإكراه من قبل مؤسسات الدولة اليوم ، دون أن تترك هذه الممارسة المنظمة والمقننة والمشروعة أي مجال للمسائلة أو للمجابهة . حيث أصبح من الممكن الترويج للعنف وممارسته تحت أسماء مختلفة وبأساليب ناعمة ورقيقة لا تترك أثرا للدماء .

ويبدو ان غياب التشريع الموحد لدور العبادة في مصر ينتمي إلي هذا النوع من العنف " عنف لا أحد " . كما ان تأخر صدور هذا القانون وطيه داخل الأدراج ، هو الذي أوحي وأوعز للمهوسيين دينيا بأخذ القانون بيدهم وتنفيذه بالقوة ضد شركائهم في الوطن ، والمختلفين دينيا وعقائديا معهم ، طالما وان دور العبادة جميعا لا تخضع لنفس القواعد المتساوية في البناء والترميم ، وتفرق بين المسجد والكنيسة والمعبد ، ولا تعترف بفكرة المواطنة الكاملة .

ولهذا السبب فإن الفاعل دوما في معظم الأحداث الطائفية عبر 35 عاما ، من الخانكة لبمها ، إما مجهول أو مجنون وما بينهما . كما أن الأحكام التي صدرت بحق هؤلاء المهوسيين لم تكن رادعة أو لم تنقذ أصلا . صحيح ان الآثار التخريبية والمدمرة للفتن الطائفية كانت ومازالت واضحة لكل ذي عينين ، كما أن الشرخ النفسي الذي أحدثته داخل النسيج الوطني الواحد ، وطال حتي العقلاء والمعتدلين في هذه الأمة ، لم يعد خافيا علي احد ، وهو ما أدي إلي اهتزاز هيبة الدولة ، واتهامها بالتحيز والتعصب .

وكشفت موجة القبلات الزائفة المتلفزة بين رجال الدين المسيحي والإسلامي ، بمباركة رجال الدولة في أعلي مستوياتها ، وعلي موائد الوحدة الوطنية التي انتشرت اخيرا ، عمق الأزمة وشدتها أكثر من قرب انفراجها ، فإذا كان الجميع يعترف بوجود العنف ، فإن هذا العنف يجب أن ينتهي إلي " عنف لا أحد " . ولأنه " عنف لا أحد " أي مجهول المصدر ، ولا يمكن القصاص من فاعله ، فدعونا نتصافح ونتسامح ، ومع كل مرة جديدة يتكرر العنف ، تتكرر المصافحة والقبلات ، طالما ظل " عنف لا أحد " .

قبل أيام أعلن الدكتور أحمد كمال أبوالمجد نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر ، أن المجلس أعد مشروع قانون موحد لبناء جميع دور العبادة للمسلمين والأقباط واليهود علي السواء‏،‏ يحقق توازنا كاملا في إجراءات الترخيص لبناء دور العبادة للديانات الثلاث، لانهاء المشكلات التي كانت تثار بسببها،‏ خاصة داخل القري‏ .

ورغم ان صدور هذا القانون جاء متأخرا ، خاصة ان مجلس الشعب شكل عام‏1972‏ لجنة لتقصي الحقائق بعد أحداث حرق كنيسة بالخانكة وتولي رئاستها المرحوم الدكتور جمال العطيفي‏,‏ ووضعت تقريرا متميزا يطالب بسرعة صدور قانون جديد يحكم عملية البناء والترميم لدور العبادة ويقلل من حدة الاحتقان الطائفي بسببها‏,‏
فإن صدور هذا القانون يمثل خطوة جيدة تحسب للنظام السياسي الذي بدأ في التعامل مع هذا الملف بجدية ‏، لإنهاء حالة " عنف لا أحد " ، وهو بذلك يعيد للدولة هيبتها وسيادتها ، «فالدولة» هي «الحكم الأعلى» في الصراع الدائم بين جميع القوى الاجتماعية، ولا يخضع سلطانها من الوجهة المادية أو الأدبية لأي سلطة أخرى سواء تعلق الأمر بتنظيمات نقابية أو لطوائف دينية أو بجماعات مهنية أو سياسية .



#عصام_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصمت بين الكلمات
- دريدا والإله تحوت
- إعادة محاكمة سقراط
- ثقافة الانتقام
- التعصب وسنينه
- تفكيك الأصولية والهوس الديني
- الأصولية .. هنا وهناك
- الهوس الديني والفتن الطائفية
- الإيمان والعلم
- موت الحداثة في مصر
- اختفاء البكوش
- الفعل التواصلي
- جزيرة العقلاء
- يوتوبيا ما بعد الحداثة
- لا وعي اليوتوبيا الباطن
- اليوتوبيا ويوتوبيا الضد
- الانتماء - ما قبل - الوطني
- العولمة والهوية الثقافية
- اللعب في الثقافة
- الجسد بين الثقافة والإعلام


المزيد.....




- العفو الدولية: الحق في الاحتجاج هام للتحدث بحرية عما يحدث بغ ...
- جامعات أميركية تواصل التظاهرات دعماً لفلسطين: اعتقالات وتحري ...
- العفو الدولية تدين قمع احتجاجات داعمة لفلسطين في جامعات أمري ...
- اعتقالات بالجامعات الأميركية ونعمت شفيق تعترف بتأجيجها المشك ...
- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عصام عبدالله - عنف لا أحد