أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جواد بشارة - أمريكا والتجربة العراقية المرٌة: من الدولة العظمى إلى الدولة الأعظم الحلقة الثالثة















المزيد.....


أمريكا والتجربة العراقية المرٌة: من الدولة العظمى إلى الدولة الأعظم الحلقة الثالثة


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 1940 - 2007 / 6 / 8 - 12:16
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


الحلقة الثالثة
تبعات النزعة الإمبريالية:

كان العنصر المعتدل الوحيد في فريق جورج بوش إبان ولايته الأولى هو العسكري المخضرم، ورئيس الأركان الأسبق في عهد جورج بوش الأب وقائد أركان حرب الخليج الأولى لتحرير الكويت من الغزو الصدامي، وزير الخارجية السابق كولن باول الذي لم يتمكن من وقف ماكينة الحرب الثقيلة ولا الحصول على تفويض دولي من الأمم المتحدة وقد نجح صقور الإدارة في خداع هذا العسكري المحترف وجره إلى فخ الأكاذيب والمعلومات المزيفة التي حاكها اليمين المحافظ الذي لم يكن ينظر بعين الارتياح لهذا الشخص المحسوب على الحمائم وسرعان ما تم استبعاده واستبداله بمستشارة الأمن القومي السابقة والمقربة من الرئيس الدكتورة كونداليزا رايس كوزيرة للخارجية في ولاية بوش الثانية وسرعان ما استعادت الدبلوماسية الأمريكية المحافظة اتجاهها المعهود والمعروف عنها لتسلك سياسة سيئة لأمريكا وسيئة ومؤذية للعالم كله لأنها تشجع على إشاعة الفوضى والتوتر والتصعيد والتهديد الدائم باستخدام القوة العسكرية أو الانصياع والإذعان للإملاءات الأمريكية بلا قيد أو شرط كما حصل مع صدام حسين الذي راوغ وماطل لفترة طويلة من الزمن وكان مستعدا لقبول أي شيء وأي أمر وإطاعة أمريكا لكن فات الأوان ولم يعد بوسع الإدارة الأمريكية التراجع عن قرار الحرب فدفع ثمناً غالياً تجسد بسقوط نظامه وتقديمه هو وأركان حكمه للمحاكمة وإعدامه كأي مجرم وضيع. ، وكما يحدث اليوم مع كل من سورية وإيران وكوريا الشمالية بالرغم من الثقل الموازي لهذه السلطة الجائرة والمتمثل بالتقاليد الديمقراطية الراسخة في البلاد.
لقد دب الوهن، وللأسف، في هذا الإرث والتقليد الديمقراطي الموازي خاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول ـ سبتمر 2001 وإنشاء وزارة للأمن الداخلي تتمتع بصلاحيات واسعة جاءت على حساب الحريات العامة والفردية شبه المقدسة في الدستور الأمريكي، وكذلك بفعل قانون " باتريوت يو أس أ" الذي خلخل التوازن القائم بين الحرية والأمن لصالح هذا الأخير الذي حظي بالأولوية. فلم يعد البوليس بحاجة إذن خاص أو مسبق لاعتقال أي كان أو للتنصت على المكالمات الهاتفية الشخصية. وصار بإمكان المحققين الحصول على أية معلومات يريدونها من أي مصدر كان وفي أي وقت كان حتى لو كانت معلومات خاصة وحميمية عن الأفراد والأشخاص سواء كانوا مواطنين أو مقيمين أجانب، وأيضاً عن المؤسسات والجمعيات وتنظيمات المجتمع المدني وبلا تفويض أو إعلام مسبق من جانب المدعي العام. والأسوء من ذلك هو أن الأمر وصل إلى ابعد من ذلك عندما طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي الأف بي آي من أمناء المكتبات العامة تزويدهم بقوائم روادهم ونوع الكتب التي يقرأونها ومواقع الانترنيت التي يزورونها ويتصفحونها بغية رسم صورة لكل قاريء يتردد على المكتبات. وبذلك يكون الهاجس الأمني، الذي بلغ حد الهوس والهلوسة، قد تمكن من العقل الأمريكي الجماعي العادي في الشارع الأمريكي الذي تنازل وسمح بالتضحية بالحريات الفردية الجوهرية التي تشكل تراثاَ وطنياً أمريكياً والتنازل عن أجمل تقليد تميزت به الولايات المتحدة الأمريكية بين دول العالم المتقدمة. كل ذلك من أجل أطروحة الأمن المهدد حيث لم يعد بوسع المواطن الأمريكي محاسبة زعمائه على خوضهم مغامرة حرب بلا مبرر قانوني على العراق والمساواة بين صدام حسين وأسامة بن لادن واعتقال مئات الأمريكيين والأجانب المشتبه بهم بلا محاكمة وسجنهم في معتقلات رهيبة تنتهك أبسط حقوق الإنسان مثل غوانتانامو، وتنامي نفوذ المجموعات العسكرية ـ الصناعية واللوبيات وجماعات الضغط والشركات الكبرى والعملاقة ذات المصالح الدولية المتشعبة وبجانب ذلك تنامي النزعة الخلاصية والإنقاذية التي يتبعها ويتبناها جورج بوش من خلال استخدامه لمفردات دينية أصولية تدعم معتقد ديني ـ قومي شوفيني لاعلاقة له بالتراث القيمي العالمي وهذا يشكل كابح إضافي أمام حرية التعبير ونقد السلطة ومحاسبتها على زلاتها وأخطائها وهي أمور ضرورية للديموقراطية الحقة.
الحرب والأمن القومي الأمريكي:
هل أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر منعة وحصانة ؟ وهل أصبحت محمية أكثر مما كانت عليه قبل خوضها حربها العالمية ضد الإرهاب الدولي في أفغانستان والعراق؟ المراقبون الدوليون يشككون في ذلك. صحيح أن تطبيق قانون يو أس أ باتريوت ، وتقنين وتنظيم وتشديد خدمات وقوانين الهجرة ، تجعل تسلل الإرهابيين إلى أمريكا أكثر صعوبة إلا أن سياسة جورج بوش الاستعلائية المتعجرفة وفرضه عقيدة " الحرب الوقائية" و" الضربة الاستباقية" ، وإهانته للعالمين العربي والإسلامي واستفزازهما باستمرار بتصريحات ومواقف تثير حفيظتهما المتأزمة أساساً من جراء صدمة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي والصراع العربي ـ الإسرائيلي منذ أكثر من نصف قرن ، تجعل الأرضية أكثر خصوبة وملائمة لنمو وانتعاش وانتشار الأيديولوجية السلفية والأصولية المتشددة والنزعة التكفيرية ـ القتالية المولدة للإرهاب والعنف العقائدي وتجنيد المزيد من الشباب المغرر بهم بأطروحات التضحية بالنفس والجهاد من أجل الدين والوطن ومقارعة المحتل الصهيوني والأمريكي وإخراجهما من أرض الإسلام والعرب وأن الموت الناجم عن ذلك ليس سوى شهادة نقود صاحبها مباشرة إلى الجنة ليتناول طعامه مع الرسول ويقضي لياليه مع الحور العين. فهناك دول مسالمة كالدول الاسكندنافية غير مهددة باستمرار بأعمال إرهابية بسبب توازن وحيادية مواقفها وسياساتها الخارجية فمواطنو تلك الدول وسفاراتها وشركاتها غير معرضين للتهديد الإرهابي إلا نادراً وبسبب حادث عرضي غير مقصود كقضية الرسوم الكاريكاتورية الدانيماركية المسيئة للرسول الأمر كان يمكن أن يدفع الدبلوماسية الأمريكية للتأمل العميق والتفكير ملياً بشأن الأسباب الحقيقية للحالة العدائية التي تواجهها دولة عظمى مثل أمريكا، كما يتعين على أمريكا أن تتعلم وتستلهم الدروس من تجارب الإمبراطوريات السابقة عبر التاريخ كالإغريقية والرومانية والفارسية والإسلامية والآسيوية والعثمانية وغيرها وتدرس أسباب تالقها وانحدارها، تفوقها وانحطاطها، وعليها أن تفهم أنه لن يكون بوسع أمريكا في القرن الواحد والعشرين أن تتحول إلى إمبراطورية لايجاريها أحد بعد انهيار وغياب الاتحاد السوفيتي. فالاتحاد الأوروبي موجود ويتصاعد نفوذه الاقتصادي والسكاني والتكنولوجي والصناعي وحتى السياسي والعسكري قريباً، وسيكون بوسعه الوقوف في وجه الطموحات الإمبريالية والإمبراطورية الأمريكية والوقوف على الطرف النقيض لها في الكثير من الملفات الساخنة كفلسطين وتجارة الحبوب والطاقة والحديد والصلب والفولاذ والاحتباس الحراري ومصير سجناء غوانتانامو وغيره من المعتقلات اللاإنسانية السرية والعلنية وفي أمريكا اللاتينية وأفريقيا الجنوبية وآسيا . هذا علاوة على ظهور تكتلات إقليمية بإمكانها أن تلعب دور الكابح الإضافي أيضاً لوقف آلة الدحل الأمريكية التي تدمر وتسحق كل شيء في طريقها كالفيل في مستودع الخزف.
ارتكبت أمريكا خطيئة لاتغتفر شكلت سابقة خطيرة انتهكت صرحاً قضائياً وقانونياً شيدته الأمم المتحدة منذ أكثر من ستون عاماً، منذ أن قررت استخدام القوة العسكرية خارقة بذلك قانون التوافق والتشاور والتنسيق داخل المنظمة الدولية قبل اللجوء إلى القوة كآخر حل متوفر في الملفات البالغة التعقيد والخطورة لكن الولايات المتحدة داست بأقدامها مبدأ التشاور والتفويض الدولي وتجاوزت مجلس الأمن الدولي حتى لاتتعرض للفيتو أو حق النقض المحفوظ للقوى الأربعة الأخرى الممثلة فيه وهي بريطاانيا وفرنسا وروسيا والصين بعد أن هددت فرنسا باستخدام هذا الحق لمعارضة شن الحرب على العراق. تبجحت إدارة بوش بقدرتها على التصرف بمفردها وتوارت خلف ذريعة الدفاع عن النفس وتحصنت بحقها في شن هجمات وقائية استباقية ضد أعداء وهميين أو مفترضين جعلتهم حقيقيين وأضفت عليهم صفات شيطانية ونوايا تدميرية وضخمت من درجة خطورتهم لتبرير سحقهم قبل تحركهم المفترض. وبهذا السابقة الخطيرة سيكون بوسع كل بلد الإدعاء على غرار الولايات المتحدة الأمريكية بأنه مهدد من هذه الدولة أو تلك، أو هذه المنظمة الإرهابية أو تلك الموجودة في هذا البلد أو ذاك وبأنه معرض للخطر إذا لم يتحرك أولاً ويوجه الضربة الأولى التي ستكون والحالة هذه مشروعة وشرعية حتى لو كانت ضربة وقائية استباقية وليست ردة فعل دفاعية. وهذا تفسير خاطيء أو مبالغ به ولوي لفحوى وجوهر ما تضمنته المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تسمح بالدفاع عن النفس بالقوة العسكرية في حالة تعرض أي دولة لاعتداء عسكري وشيك لكنه مثبت أو واقع من طرف آخر. وكانت سابقة أخرى قد حدثت عام 1967 عندما شنت إسرائيل حربها العدوانية التي كانت استباقية ووقائية على حد إدعاء تل أبيب لصد هجمات عسكرية عربية وشيكة ومخطط لها بينما كانت الدولة العبرية تنوي تدمير الآلة الهجومية العربية خاصة القوات الجوية والطيران . والحال أن أي عمل عسكري وقائي أو استباقي ضد هدف محدد يجب أن يتقرر على أساس جماعي متعدد الأطراف في أعقاب مشاورات ونقاشات تداولية ومفاوضات متعددة الأطراف تضم أعضاء مجلس الأمن إلى جانب الأعضاء دائمي العضوية والذين يجب أن يتفقوا بالإجماع أو لايستخدم أحدهم حق النقض كشرط لصلاحية القرار ووجود لجنة من الحكماء تعدادها 16 عضواً تبدي ملاحظاتها وآراؤها بشأن التهديدات الجدية التي تمس الأمن والاستقرار الدولي وهي الوحيدة المخولة للرد على سؤال من يحق له أن يقرر مشروعية اللجوء إلى القوة العسكرية لتوجيه ضربة وقائية ،وفي أي وقت أو متى يعد الدفاع عن النفس مشروعا .
هذه هي أمريكا، بنسيجها وتركيبتها السياسية وتناقضاتها الداخلية وارتباطاتها الخارجية، التي دخلت الحرب في العراق وغزته متصورة أنها ستكون في نزهة عسكرية دون أن تمتلك خطة دقيقة ومدروسة لتداعيات الحرب وانعكاساتها على مرحلة مابعد الحرب فصارت تتخبط وتجرب وتخطيء وتصيب وتلعب بالتناقضات والخلافات الداخلية والطائفية والقومية والعرقية العراقية . الأمر الإيجابي الوحيد الذي نجم عن تلك الحرب العدوانية هو إطاحة دكتاتور مصاب بجنون العظمة مهووس بأمنه الشخصي، ومريع في قسوته وبطشه، يشكل خطراً على شعبه وعلى شعوب وأنظمة الدول المحيطة بدولته . وجدت أمريكا في العراق خارطة بشرية وسكانية بالغة التعقيد والتنوع وتركيبات سياسية غير مألوفة لديها وليست لها خبرة بها فكان أن حولت العراق إلى حقل تجارب وحولت الشعب العراقي إلى فئران مختبرات لايهمها ما يعانون منه وما يواجهونه من آلام وصعوبات. وجدت أمريكا شعباً تساوت عنده قيم الحياة والموت بل يمكننا أن نقول أنه زهد في الحياة بعد أن انتفت عن كونها حياة طبيعية ولها طعم ومتعة. وتعايشت مع فئات سكانية لا يعلوا وجوهها سوى الخوف من الموت العنيف والتعرض للتعذيب والمصير الأسود المتربص بالجميع في كل زاوية وفي كل لحظة تاركين ورائهم عائلات بأكملها من الأرامل واليتامى والمعوقين ليس لهم أحد يعيلهم. وفي كل مرة يخرج فيها العراقي من بيته يتلو الشهادة لأنه لايعرف إذا كان سيعود سالماً معافى. وبانتظار المجهول، تجد ملامح مرهقة ويائسة وغاضبة ومكبوتة تخشى من طوفان موجات الإبادة الطائقية والتطهير العنصري والعرقي والمذهبي والديني والطائفي وهي الحالة التي تقف حجر عثرة أمام أية مصالحة وطنية حقيقية بين مكونات هذا الشعب المظلوم. كل طرف في العراق يلقي مسؤولية ماحدث بالأمس القريب ويحدث اليوم، على عاتق الطرف الآخر ويطالبه بتقديم التنازل أولاً عن مطالبه التي يعتبرها تعجيزية حتى قبل الإطلاع عليها وتمحيصها . وكل طرف يعلن أنه لايريد بقاء القوات الأجنبية وكل طرف يسميها حسب هواه بين قوات احتلال ألى قوات التحالف الدولي مروراً بقوات متعددة الجنسيات، وفي نفس الوقت تراه في الكواليس أو خلف الأبواب المغلقة أكثر تمسكاً بها خوفاً من تعرضه للإبادة والاستئصال على يد خصومه حسب اعتقاده وقناعته. القوات الأمريكية المحتلة باتت عاجزة عن تحقيق تقدم حقيقي ملموس ولم تنجح حتى في تحقيق انتصارات جزئية ولو محدودة ضد تنظيمات القاعدة الإرهابية أو فلول البعث الصدامي الإجرامية المتربية على العنف والقتل والتعذيب وقطع الرؤوس والألسن وترهيب الشعب أو القوى التكفيرية والأصولية الإسلاموية الأخرى بشقيها المعتدل والمتطرف التي تريد تحويل العراق إلى إمارة إسلاموية على غرار إمارة الطالبان السابقة كما يدعو لها ويتمناها أقطاب الفكر الإرهابي التكفيري من أمثال أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبو اليزيد والمقبور أبو مصعب الزرقاوي وأبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر وأمثالهم ممن يعلنون أنفسهم أمراء على الناس بقوة الحديد والنار ، بل لم تتمكن القوات الغازية من تطهير المناطق الشيعية من الميليشيات المنفلتة من عقالها والتي لاتحترم سلطة أو مرجعية أو مراتبية قيادية وتأخذ أوامرها من ولي أمرها وممولها بالمال والسلاح وأغلب الأحيان يشار إلى إيران بالبنان وهي تسرح وتمرح وتعيث بالأرض فساداً وبطشاً بكل من يخالفها الرأي أو يعترض على سلطتها وتقوم بقتل الأبرياء على الهوية ومتغلغلة بين الأحياء المزدحمة بالسكان يصعب فرزها عنهم أو مطاردتها أو استئصالها و هي لاتختلف عن الميليشيات السنية الإرهابية بشيء بل وتشترك معها بهدف هو تدمير الهوية الوطنية والانتماء الوطني لصالح الانتماء المذهبي والطائفي . وهي أيضاً مدججة بالسلاح ومتخمة بالمال الإيرانيين كمثيلتها ومنافستها القوى الظلامية المتخمة بالسلاح والمال الخليجي والإيراني معاً ، وهذه ليست اتهامات باطلة أو إشاعات أو تخمينات إعلامية بل حقائق مثبتة بأدلة وقرائن ستخرج قريباً للعلن بالأسماء والأرقام والتواريخ . القوات الأمريكية تحتاج لمزيد من الوقت والمال والعتاد والأسلحة والمعدات المتطور والوحدات الإضافية المدربة لإحكام سيطرتها وإتمام المهمة الملقاة على عاتقها ألا وهي سحق التنظيمات الإرهابية وتطهير مدن العراق كافة من فرق الموت السنية والشيعية وقطع دابر عصابات الجريمة المنظمة وحصر القتلة والمتوحشين في زاوية لن يكون أمامهم سوى الموت أو الاستسلام والحال أن أمريكا بعقليتها وسلوكها الحاليين لن تكون قادرة على إنجاز هذه المهمة طالما لم تجد حلاً دبلوماسياً للعامل الإقليمي والتفاهم مع دول الجوار التي مازالت تتدخل في شؤون العراق الداخلية وتعمل على هدم استقراره رغم إنكارها العلني لذلك وتأييدها الظاهري للعملية السياسية الجارية في العراق. فطالما استمرت دول الجوار العراقي كافة وبدون استثناءات ، تتدخل في الشأن الداخلي وترعى عملاءها وعناصرها وتمدهم بكل سبل القوة والاستمرار والبقاء نشطين وتوفر لهم الأموال والأسلحة والمقاتلين المتطوعين والمرتزقة لإشاعة الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار سعياً منها لإفشال المشروع الأمريكي برمته وإبعاد خطره عن حدودها وحصره بالساحة العراقية وليذهب الشعب العراقي إلى الجحيم فهذا آخر ما تفكر فيه تلك الأنظمة التي تريد معاقبة العراق شعباً وأرضاً وحكومات على ذنب لم يقترفوه بل قام به مجرم وبضعة أفراد من عصابة القتلة المحيطين به ممن ذهبوا إلى مزبلة التاريخ ولكن لايزال هناك العديد من الطائفيين الحاقدين والفاسدين واللصوص والمرتشين ممن يفتقدون الذمة والضميروالإنسانية يتبوأون أرفع المناصب وأخطرها في جهاز الدولة لذلك يتعين تطهير أجهزة الدولة ومؤسساتها لاسيما الخدمية من هؤلاء الملوثين لطوي صفحة الماضي والبدء بصفحة جديدة وتوفير الحماية للسكان المدنيين وعلى مدار الساعة وفي كل مكان وإلا لن يكون هناك أمل في أن يقف العراق يوماً على قدميه سليماً معافى. لقد فتحت أمريكا أبواب الجحيم على مصراعيها في العراق بعد غزوه ونتمنى أن تكون مغامرة العراق هي القشة التي ستقصف ظهر الجمل ـ أي أمريكا ـ كما يقول المثل العربي. ونتمنى أن يتاح للعراق يوماً ما أن ينتقم لكرامته المهدورة وسيادته المسلوبة وضحاياه الذين سقطوا بالآلاف ومازالوا يسقطون بالمئات يومياً وليس بالضرورة أن يكون ذلك باستخدام القوة والعنف والإرهاب والأخذ بالثأر على الطريقة العشائرية بل بالطرق الحضارية التي تليق بإنسان القرن الحادي والعشرين أي بالتفوق العلمي والتقني والأخلاقي وفضح المحتل وكشف الحقائق أمام مواطنيه وفي المحافل والمحاكم الدولية لمقاضاته على عدوانه القذر.
ماذا حققت أمريكا من مشروعها الاحتلالي المغامر للعراق خلال السنوات الأربع المنصرمة فيما عدا رغبتها في وضع اليد والسيطرة على نفط العراق للخمسين سنة القادمة وهو الأمر الذي لم يتحقق بعد ؟ وصلت تكاليف الحملة الأمريكية إلى مايزيد عن 400 مليار دولار هذا ما هو معلن وماخفي فهو أعظم. بينما قدرت كلفة إعادة إعمار العراق بـ 36 مليار دولار لم تقدم أمريكا منها سوى 7 مليار دولار ضاعت بين السرقات والاختلاسات والاحتيالات والعقود الوهمية والفواتير المنفوخة لتصل إلى جيوب المقربين من جورج بوش وأعوانه كديك تشيني وشركته العملاقة هاليبيرتون وبول بريمير ورامسفيلد . وفي كل شهر يتوجب على أمريكا إنفاق أكثر من 80 مليار دولار وهذا يعني أن على كل عائلة أمريكية أن تدفع من جيبها مايقارب 5000 دولار لتغطية نفقات الحرب إلى جانب آلاف القتلى والجرحى والمعوقين هذا غير الأرقام التي لاتعلن والتي تعود لقتلى غير أمريكيين أو غير مواطنين ممن ينتظرون التجنس والحصول على الجنسية أو من قوات الأمن الخاصة أو من المرتزقة المحترفين وهذه القوات غير النظامية الموازية تستنزف الميزانية الأمريكية والعراقية والبريطانية على السواء. فقد قدم العراق ما لا يقل عن 655 ألف ضحية لهذه الحرب العبثية وهو رقم تعترض عليه صحيفة الانديبندنت البريطانية التي تقدر عدد الضحايا العراقيين بـ 300 ألف قتيل عراقي. والأحياء من العراقيين أكثر تعاسة ومعاناة من قتلاهم بسبب سوء المعيشة وظروف المعيشة القاسية وانعدام الخدمات وتفشي الفقر وغياب العناية الصحية وانعدام الأمن، فـ 80% من أطفال العراق يعانون من سوء التغذية وتدني مستوى الطبابة والعلاج الطبي وفقدان الأدوية الضرورية وعدم توفر الكهرباء مع ما يترتب على ذلك من إشكالات ومآسي ومعاناة لاتحتمل في الصيف والشتاء، والبطالة تحنق نصف الأيدي العاملة المنتجة من فئة الشباب الأمر الذي يدفع بالبعض منهم إلى أحضان الإرهاب والجريمة المنظمة للقيام بعمليات السرقة والاحتيالات والتزوير وخطف الرهائن ومعظمهم من النساء والأطفال ، وتراكم القمامة في أغلب أحياء العراق السكنية وفقدان خدمات الصرف الصحي مع ما ينجم عن ذلك من روائح كريهة وأمراض معدية وأوبئة ومستنقعات ومياه راكدة مليئة بالجراثيم والحشرات يلعب في وسطها الأطفال ويشرب منا الكبار لعدم توفر المياه الصالحة للشرب وهناك مدن وأحياء بأكملها مدمرة يسودها الخراب والغبار ومئات الآلاف من الأرامل والأيتام والأطفال المشردين في الشوارع والمعوقين والمرضى بلا علاج وآلاف السجناء والمعتقلين بلا أسباب مقنعة ولا تهم ثابتة أو تحقيق قضائي عادل يجرى معهم، قابعين في سجون تفتقد إلى ابسط وسائل العيش البشري فحظائر الحيوانات أرحم وأنظف منها. إلى كل ذلك تضاف مأساة المهاجرين والمهجرين طوعاً أو قسراً عن بيوتهم حيث يتوزع مايربو على الأربعة ملايين لاجيء بين دول الجوار يعيشون في ظروف بالغة القسوة مشتتين بين الأردن وسورية ومصر ولبنان واليمن والسعودية ودول الخليج وبعض الدول الأوروبية لمن أسعفهم الحظ وحصلوا على لجوء إنساني في إحدى دول الغرب أغلب هؤلاء اللاجئين باعوا ممتلكاتهم وتركوا أعمالهم وجاءوا بحثاً عن الأمان لكنهم فوجئوا بأن جحيم الغربة والهجرة لايقل عن جحيم الوطن الذي هربوا منه خوفاً من موت محتم. هذه الحصيلة الكارثية التي أصابت العراق وشعبه منذ ربع قرن تتحمل مسؤوليتها المجموعة الدولية التي ساهمت وغذت حرب صدام حسين على إيران وحربه على الكويت وحرب قوى التحالف على العراق لتحرير الكويت وفرض حصار جائر وقاتل على الشعب العراقي وليس على النظام البائد وأخيراً الحرب الأخيرة التي تكللت باحتلال العراق بعد غزوه عسكرياً والطرف الوحيد الذي دفع ثمن كافة تلك المآسي والكوارث هو الشعب العراقي وحده لا غير. واليوم مازالت قوات الاحتلال تتحمل مسؤولية ما آل إليه وضع الشعب العراقي في داخل وخارج العراق ومن ثم تلقى المسؤولية على عاتق الطبقة السياسية العراقية الجديدة التي حلت محل البعث المنهار والتي لم تلتفت لهذا الشعب المسكين لتداوي جراحه بل ظلت تفكر بمنطق المصالح الذاتية الضيقة والصيغة الفئوية والحزبية المحدودة متناسية المصلحة الوطنية العليا وعذرها الوحيد أنها تخوض صراعاً مريراً مع قوى الإرهاب الإجرامية والفئات التكفيرية الضالة وبقايا حزب البعث الصدامي المحظور كما تخوض وصراعاً سياسياً متأزماً فيما بينها لاسيما بين الأطراف المشاركة في العملية السياسية التي اعتقد البعض بأنها باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة إذا أخفقت الخطة الأمنية في استئصال شأفة الإرهاب والعنف التي أدمت المجتمع العراقي واستنزفته حتى النخاع فالعملية السياسية القائمة حالياً بحاجة إلى عملية جراحية قيصيرية لإنقاذها من الغرق في غيبوبة بين الحياة والموت . الأمل كله معلق على جدارة وحيوية وصدق وإخلاص رئيس الوزراء العراقي الحالي الأستاذ نوري المالكي وتعاونه مع المخلصين والشرفاء من أبناء هذا البلد وبالاستناد إلى ثوابت وطنية بعيدة عن المحاصصة والطائفية والفئوية والعرقية والقومية والعمل بمبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات ومبدأ الكفاءة والنزاهة في توزيع المسؤوليات وأن يبقى الجميع تحت خيمة الشرعية الدستورية والاستحقاقات الانتخابية لاسيما القادمة منها لتفرز أغلبية برلمانية ـ دستورية شرعية منتخبة شعبياً تكون مقبولة عربياً وإقليمياً ودولياً فضلاً عن قبولها من قبل العراقيين جميعاً بمختلف إنتماءاتهم وهذه مهمة صعبة جداً لكنها ليست مستحيلة إذ يتعين أولاً تهيئة الأرضية الصلبة والملائمة بعيداً عن أجندات ومصالح القوى الأجنبية والإقليمية التي تسعى لفرض مصالحها أولا عبر هذا الفريق أو ذاك لذلك إذا كانت الحكومة مخلصة للشعب ومهتمة بمصيره وتشعر بآلامه واحتياجاته فلتقم ببادرة ملموسة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والخدمية بالتوازي مع الجهود المضنية التي تبذلها لاستعاد الأمن والاستقرار في البلاد عند ذلك سيكون كل شيء ممكن بالصبر والمثابرة وليكن الله في عون الجميع. وأختتم مقالتي هذه بما قاله المؤرخ والكاتب والمحلل الكبير الدكتور سيار الجميل وهو يتساءل بحرقة " كم كنّا نحلم بعراق حضاري جميل ؟ كم كنا نحلم بعراق حر وديمقراطي متفاهم وآمن مستقر ؟ كم كنا نحلم ؟ ولم نزل نحلم ، فالعراقيون لا يمكنهم أبدا أن يرضوا على أي تجربة إلا بصعوبة بالغة" فهل سيكتفي العراقيون بالحلم أم سوف يزعزعوا واقعهم الأليم ويفجروه في وجه أعدائهم ؟.



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكا والتجربة العراقية المرٌة: من الدولة العظمى إلى الدولة ...
- أمريكا والتجربة العراقية المرٌة: من الدولة العظمى إلى الدولة ...
- العراق الممزق بين المواطنة والمواطن في الداخل والخارج
- أمريكا ومرارة النقد الذاتي والاعتراف بالخطأ في العراق
- العراق : بين غفوة الإدارة وصحوة المجتمع في الولايات المتحدة
- آه ياعراق لماذا كل هذه القسوة على الأبناء؟
- هل سيصمد الأمريكيون في العراق وهل ستبقى الحكومة العراقية على ...
- العراق : بلد تحت الحطام وأمل يلوح في الأفق
- أمريكا والعراق : الكيان الممقوت والكيان المكبوت
- العراق: التغيير المرتقب؟
- العراق: لغة الأرقام وواقع الحال
- العراق : خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الخلف أم العكس؟
- الباحث العراقي جواد بشارة:السعودية تتفاوض مع إيران بالنيابة ...
- العراق : في أعماق المجهول؟
- العراق : معضلة الخروج من المستنقع
- العراق : أمة تحتضر؟
- العراق: نقطة الحبر الأخيرة
- العراق: وقائع سنوات الجمرالحلقة الثانية
- العراق: وقائع سنوات الجمر-الحلقة الأولى
- العراق: وقائع سنوات الجمرالحلقة الثالثة


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جواد بشارة - أمريكا والتجربة العراقية المرٌة: من الدولة العظمى إلى الدولة الأعظم الحلقة الثالثة