أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - إدريس ولد القابلة - مات بنزكري.. فكلنا -إدريس بنزكري- الإنسان















المزيد.....

مات بنزكري.. فكلنا -إدريس بنزكري- الإنسان


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 1939 - 2007 / 6 / 7 - 11:35
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


مات إدريس بنزكري.. وانطفأت شمعة احترقت لتسليط بصيص من النور على محطات مظلمة في تاريخ المغرب.
في هذا اليوم (الثلاثاء 22/5/2007) ووري قرية آيت واحي قرب مدينة تيفلت جثمان الفقيد إدريس بنزكري.
مات بنزكري.. فكلنا "إدريس بنزكري" الإنسان، الجندي المدافع عن حقوق الإنسان إلى آخر رمق في حياته، الطامح للحرص على الذاكرة الجماعية بعد الإقرار بالحقيقة، كل الحقيقة، ولا شيء سوى الحقيقة.. ومع فقدانه خسرنا وخسر المغرب أكبر المجندين للدفاع عن حقوق الإنسان والمواطنة.
إدريس بنزكري.. من عيار المغاربة الذين انخرطوا في آليات حركية الحلم ببناء مغرب جديد.. وبطريقته سعى إلى تحقيق جزء من هذا الحلم بسرعة.. التخلص من قسط من الظلم، ومن الاستبداد، ومن حدائق الموت البطيء وراء الشمس.. وعلينا استكمال هذا المسار لأن الفقيد إدريس بنزكري علمنا الكثير عنه وعن أنفسنا.. ولعل أحسن عزاء نقدمه إليه، السير على درب النضال لتحقيق عدم الإفلات من العقاب بالمغرب كلما اقترف انتهاك جسيم لحقوق الإنسان أو الدوس على الصفة الإنسانية وصفة المواطنة.
إدريس بنزكري.. كشف زوايا من ماض ظل محجوبا للإقرار بتجاوزات نظام وليس تجاوزات أشخاص، وبدأ في تضميد جراح الماضي.
بمجرد إثارة اسم الفقيد إدريس بنزكري يمثل أمامنا إدريس الإنسان، إدريس المناضل، إدريس المنظم، إدريس الثوري المحترف و"المثقف العضوي" بمفهوم "غرامشي"، إدريس العنيد في القيام بما كلف نفسه به أو كلفه الآخرون به.. وما كل هذه الصفات إلا إشارة لشيء واحد وهو إدريس بنزكري الطامح بقوة لغد أفضل.. فالفقيد هو "العدالة الانتقالية بالمغرب".. "الحقيقة والإنصاف".. "الإنصاف والمصالحة".. عميد سيرورة المصالحة.. الماركسي اللينيني الذي تحول إلى سفير الحوار منذ 2000.
غاب عنا إدريس بنزكري بعد أن أسقط الأقنعة على جلادي سنوات الجمر والرصاص ومسؤولية كل واحد منهم، هذا ما وثقه بيده، في تقرير خاص سلمه إلى الملك محمد السادس بمعية تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة الذي طالب فيه من ضمن ما طالب به "حكامة السياسة الأمنية بالمغرب" حتى لا تتكرر أهوال سنوات الجمر والرصاص، لكن أشياء كثيرة حزت في قلبه، قضايا ظلت حقيقتها غائبة أو ناقصة، منها قضية الشهيد المهدي بن بركة وعدم تمكنه من كشف إلا 19 من رفاة ضحايا أحداث 1990 بفاس الذين كانوا يعدون بعشرات المئات.
مات إدريس بنزكري.. وكلنا "إدريس بنزكري"، مشواره السياسي واضح لا غبار عليه، وكذلك مشواره الحقوقي.. ساهم في نشأة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ثم غادرها سنة 1999 للمساهمة في ميلاد المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، وفي سنة 2003 عينه الملك محمد السادس على رأس هيئة الإنصاف والمصالحة، التي كانت أول هيئة للحقيقة عرفتها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحددت مهمتها في الكشف عن حقيقة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من الاستقلال إلى 1999، وكان تعيين الفقيد على رأس هذه الهيئة بمثابة إصباغ المصداقية عليها والتي ظلت تفتقدها منذ إحداثها في صيغتها الأولى في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.
كان إدريس بنزكري معارضا لنظام الملك الحسن الثاني قبل أن يلبي نداء ابنه الملك محمد السادس لطي صفحة سنوات الجمر والرصاص.
ظل ابن دوار آيت واحي على الدوام معروفا بصبره وصموده، وعشقه للعمل في صمت وهدوء دون "شوشرة".. كان دائما يقول: "سنظل نشعر بحضور الجراح، لكنه شعور لا يعفن دواخلنا.. وأستعمل صيغة الجمع، لأنني لست وحدي، ولكن نحن كثيرون لقوا نفس المصير في عهد الملك الراحل الحسن الثاني".
ظل إدريس بنزكري عنيدا في اعتكافه على العمل كلما تكلف بمهمة أو حل إشكالية.. يتفرغ لها حتى يشعر أنه حقق درجة كافية من التقدم بخصوصها، ولا يستسلم مهما كبرت الصعوبات وتعددت الحواجز والمعيقات.. ضعيف البنية لكنه صلب كالجلمود، صبرا وصمودا.
بالرغم من كل ما قيل، ساهم الفقيد إدريس بنزكري – المعروف باسمه الحركي "أبو منجل" بين مناضلي منظمة "إلى الأمام" لمنطقة الغرب – في تعميم ثقافة التسامح وبداية تعبيد الطريق لاسترجاع الذاكرة الجماعية قصد الحفاظ عليها، ألم يظل ينادي بإحداث أرشيف وطني؟
فذاكرتنا ظلت موصومة بكثرة الثقوب، وقد حاول المرحوم إدريس بنزكري من جانبه بكل ما أوتي من قوة ترميم بعض هذه الثقوب، لذلك لم ينطلق من نزوة للمطالبة بإحداث هذا "الأرشيف الوطني" وإنما لإعادة كتابة التاريخ والمصالحة معه.
منذ علمت بوفاة الفقيد استرجعت من حيث لا أدري ألم وأسى حجم المعاناة وعمق تجربة وغنى حياة هذا الرفيق.. رفيقي على درب تحقيق حلم الغد الأفضل بالمغرب..
ظل على امتداد حياته مسكونا بقضية جوهرية، أساس كل القضايا الأخرى، إنها قضية الإنسان وحقوقه كإنسان، وهي ذات القضية التي قادته للبحث عن الحقيقة، كل الحقيقة، ولا شي سوى الحقيقة، رغم أنها ليست حقيقة واحدة وإنما "حقيقة تعددية"، عمادها الإنسان وحقوقه كإنسان.
لما سقط عليّ نبأ وفاة الرفيق إدريس بنزكري كالصاعقة حضرتني جملة من الذكريات لتعيدني إلى الوراء.. تذكرت يوم المواجهة بيني وبينه بمكتب اليوسفي القدوري بدرب مولاي الشريف في منتصف السبعينيات... تذكرت اللقطة بحذافيرها.. أخذوني من البهو وأوقفوني أمام معتقل آخر وجها لوجه، وصاح صوت قائلا: هل هذا هو؟.. ساد صمت... جذبني أحد الجلادين بقوة.. تعثرت ثم سقطت لأن عيني كانتا معصوبتين.. وقبل نهوضي بلغ إلى مسامعي حركة اللكم والرفس وصراخ أحد الجلادين وهو يقول "إذا كنت ناويا الصمود مرة أخرى يجب أن تعلم أن الصمود في هذا المكان يعني الخلود في العمود"، وقال آخر: ".. اسمع يا وليدي.. غير اخوي المزيودة.. راه الصمود تابعو الخلود في العمود..".
وعلمت بعد حين أن المعني بالأمر هو الفقيد إدريس بنزكري.
.. لا يمكن لأحد ضيوف درب مولاي الشريف أن ينكر تعرضه لسوء المعاملة والتنكيل والتعذيب والدوس على الصفة الإنسانية، مهما قصرت المدة التي قضاها هناك، لأن سوء المعاملة والتعذيب هو نهج ونمط معتمدان بالدرب.. لا يستطيع عقل سليم تصور مقدار الألم الجسدي والمعنوي الذي لحق بضيوفه.. وقد نال الفقيد حظه الوافر، وظل يحمل علاماته إلى أن وافته المنية.
.. هناك بالدرب، رغم أهوال فضائه، كانت له قططه التي لا تغادره.. إنها قطط جُبلت على مرافقة المعتقلين، وكان المحظوظ منا هو الذي ينعم بقرب إحدى القطط، يلاعبها ويداعبها.. وكان الراحل إدريس بنزكري من هؤلاء المحظوظين القلائل.. ربط "صداقة" مع إحدى القطط.. وكان يتواصل معها بطريقته الخاصة بحنان ولطف في فضاء الإجراءات الهمجية.
.. على إثر الإعلان عن الإضراب عن الطعام أقدمت إدارة السجون على توزيع مجموعة السجن المركزي على عدة سجون بالمملكة للنيل من وحدتها وتماسكها لشل حركتها، أما أعضاء لجنة المفاوضات الموسعة فتم إبعادهم عن المجموعة وشتتوهم في معتقلات متباعدة.. نُقلتُ رفقة الراحل إدريس بنزكري إلى السجن المدني بتازة.. أودعوا الفقيد بزنزانة وأودعوني بأخرى بجانبها في جناح معزول كليا عن باقي نزلاء السجن محجوبين عن أنظارهم..
وفي اليوم الثالث أو الرابع ناديت كعادتي على الفقيد للاطمئنان عليه فلا من مجيب.. ظننت أنه أصيب بمكروه، امتلكني القلق وسكنني الرعب، لاسيما وأن وضعيته الصحية لم تكن على ما يرام ورغم ذلك صمّم على خوض الإضراب عن الطعام.. عندما خرجت للفسحة الصباحية توجهت إلى زنزانته فوجدتها فارغة، وعلمت بعد ذلك أن الفقيد اقتيد إلى الدار البيضاء للقاء أبراهام السرفاتي وبعض أعضاء لجنة المفاوضات المصغرة من أجل التفاوض..
مات إدريس بنزكري.. فكلنا "إدريس بنزكري"..
اعتقل الفقيد إدريس بنزكري في غضون سنة 1974 وحكم عليه سنة 1977 بالسجن بثلاثين سنة، وقبل وفاته أكد الراحل قائلا: "مازلت أشعر بمرارة كبيرة".
كان الفقيد مصابا بمرض عضال، دخل على إثره إلى المستشفى في باريس للمرة الأولى السنة الماضية (2006). وفي شهر أبريل من السنة الجارية نقل على وجه الاستعجال إلى إحدى المصحات بالرباط، حيث توفي مساء يوم الأحد 20 مايو 2007، وفور إبلاغه بوفاته، وجه الملك محمد السادس رسالة تعزية ومواساة لأسرته، ومما جاء فيها: "[..] وإن رحيله ليعد خسارة كبيرة ليس بالنسبة لأسرتكم فحسب، ولكن بالنسبة للمغرب ككل، وللمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان خاصة، الذي عهدنا برئاسته إليه، فعمل بكل تفان ونزاهة ووفاء للثوابت الوطنية والمبادئ الكونية السامية على نصرة القضايا العادلة لحقوق الإنسان.
وسيظل فقيد الوطن الكبير خالدا في ذاكرة جلالتنا، بإسهامه الرائد في العمل التاريخي والفاعل على رأس هيأة الإنصاف والمصالحة، التي كانت لبنة أساسية في تحقيق الانتقال الديمقراطي الذي نقوده، كما سيظل بالنسبة لجلالتنا وللأجيال المتعاقبة على مرّ الأزمان، رمزا حيا للالتزام والشجاعة ونكران الذات، التزام بالتضحية من أجل ترسيخ حقوق وواجبات المواطنة الكاملة، شجاعة في المواكبة الإيجابية للتحولات التي يعرفها المغرب، والإسهام الفاعل فيها، من مختلف المواقع والجهات والمنتديات والمؤسسات، التي تقلد مسؤوليتها، بحكمة وتبصر. شجاعة في مواجهة الداء العضال الذي ألم به، متحملا معاناته في صبر وتجلد وعزة نفس، وإيمان بقضاء الله وقدره، مزاولا مهامه بكل حزم وتفاؤل ومسؤولية، إلى آخر أيامه، فالأشجار تموت واقفة".



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مغرب حق وقانون ومؤسسات حقيقية أم مجرد وهم؟
- -اختطاف- ومحاصرة إدريس البصري
- الحكم الذاتي وخطر الانزلاق
- غضب الملك يجب أن يندرج ضمن ثقافة المحاسبة والمساءلة والعقاب
- مسؤولون فجروا غضب الملك محمد السادس
- لا يمكن الحديث عن غضب الملك ما دامت الحكومة ملتزمة بالخطة غي ...
- لا تكذبوا على الملك .. الواقع مر ومزري
- - المغرب إلى أين ؟ - زاوية مبادرات الملك-
- حاكمة وزراء الحسن الثاني
- الخط الأحمر بالنسبة للبوليساريو هو تقرير المصير
- الأسرار الصادمة لسيديات قضاة الخلاعة
- جماعة العدل والإحسان تستعد لإستراتيجية مرحلية جديدة
- تجاوزات‮ ‬الحرس‮ ‬الخاص‮ ̷ ...
- حكومتنا وثقافة النفي والتبرير
- -طز- ياديمقراطية و-طز- يا حقوق الإنسان و-طز- يا حرية الاحتجا ...
- هل يطيح الانتحاريون برأس فؤاد عالي الهمة الحلقة الأولى
- هل يطيح الانتحاريون برأس فؤاد عالي الهمة الحلقة الثالثة
- على عالي الهمة أن يستعد للمستقبل.. فإن التاريخ يعيد نفسه
- قانون الإرهاب السيئ الصيت مهندسه ومدبره فؤاد عالي الهمة
- منير محمد رشيد / التقدم والاشتراكية


المزيد.....




- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - إدريس ولد القابلة - مات بنزكري.. فكلنا -إدريس بنزكري- الإنسان