أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هادي الحسيني - حوار مع الكاتب والمفكر العراقي امير الدراجي















المزيد.....


حوار مع الكاتب والمفكر العراقي امير الدراجي


هادي الحسيني
(Hadi - Alhussaini)


الحوار المتمدن-العدد: 1939 - 2007 / 6 / 7 - 08:26
المحور: الادب والفن
    



اكرهك يا شعبي احبك يا وطني

خطورة الابداع هي في توقف الحرية عند حائط مبكى


اجرى الحوار / هادي الحسيني / اوسلو

مقدمة

لم تكن الاحلام المنشودة قد تحققك للكاتب والمفكر العراقي امير الدراجي في غربته الطويلة التي تجاوزت الثلاثين عاماً , فكلما اعتلى سلم الحرية التي يطمح اليها ، داهمته الكوارث واي كوارث فهي من نوع خاص وفريد ، وسرعان ما ترجل من ذلك السلم الحريري المغلف فقط بالشعارات والافكار التي تجعل من الانسان ان يضحي بكل شيء دون مقابل ، فهو كمن دخل الموت مرات عدة دون حذر ، كان باستطاعته ان ينال من عدوه داخل المعركة حيث غزارة النيران ! الا ان قلب الكاتب والمفكر المرهف كان يقظاً شديد الحزن على أبناء جنسه من الاعداء ، هو يقدس ويحترم الانسان وانسانيته بكل ما تمليه هذه الكلمات على الضمير الحي .
الكاتب والمفكر العراقي امير الدراجي من القلائل الذين لم يذوقوا طعم النوم بهناء وسعادة منذ صباه ، ذاك العراقي الجنوبي المتمسك حد اللعنة بكل جميل واخلاقي من اوروك والناصرية ، والذي كرس عمره وجهده للبحث عن الحقيقة في معترك ذلك الكنز الهائل من الثقافة والابداع في ملاحمنا العراقية منذ كلكامش ملك اوروك العظيم وحتى عصابات القتلة والمجرمين ، وعند وصوله النرويج منذ ما يقارب العقد من الزمان فقد نقلته المنافي من اعلى درجات الحرارة في الشرق الاوسط الى اقصى درجات البرودة ، قريباً من القطب المتجمد الشمالي ، وقبيل ان ينتصر عليه المنفى بشتاته ووحشته استخدم الدراجي اسلحة مضادة تكاد تكون شبه خيالية بتفتيت ذلك المصطلح الكلاسيكي والذي يسميه البعض الغربة والمنفى وما تراكم عن سلوكيات البعض جراءه . لقد كيف نفسه للعيش بسعادة يحسده الجميع عليها ، انه الابن البار لجنوب العراق الحزين والذي تعاقب الطغاة عليه لاذلاله ولكن هيهات ان يذلوه مادامت اوروك شامخة حتى الان وكلكامش مازال يحرسها من الاعالي . وها هو انكيدوا مازال في البراري يتربص لكل القتلة والمجرمين ، لكل الخونة ، لكل الاعداء ، لكل من يسيء الفهم متعمداً ، للذين ينشدون الحرية وينادون وفي ايديهم الحب ، للذين اداروا رؤسهم ، للموتى في سبيل البلدان والاوطان ، للتعفن البشري في زمن التكنلوجيا ، ولاحزاننا التي لا تنضب ابدا . لقد اصطدم امير الدراجي بالواقع الثقافي والفكري منذ نعومة اظافره وهو شاب صغير ، فقد قرأ بتأني نيتشه وديكارت ودسويفسكي ولوركا وبودلير والسياب والبياتي وحسب الشيخ جعفر وسعدي يوسف وانسي الحاج واخرين من العباقرة والمفكرين والشعراء ، ولمّا كانت افكار امير الدراجي قد نضجت ، لم يتحمله اصدقائه من المثقفين جراء ما يدلو به من افكار تكاد تكون صعبة وغير واقعية على الاخر . ولهذا شد رحاله اوائل السبعينيات من القرن الماضي الى العاصمة اللبنانية بيروت وادخل نفسه في الدفاع عن القضية الفلسطينية لسنوات طويلة كمناضل همه الوحيد نيل الحرية الغير مزيفة ومن دون احقاد الاخرين الا انه لم يفلح بذلك ، ولهذا شد الرحال مرة اخرى الى بلاد الثلوج والجمال والنوارس ( النرويج ) ليؤسس مملكة خاصة به ويحركها كما يشاء دون رقابة او سرية ، ومن خلال زياراته الاسبوعية تقريبا الى العاصمة اوسلو كنا نتحاور دون ملل ، وحتى حين يأكل او يشرب او يزاول عملية طبخ الطعام التي يستلذ لها كثيرا ، كان يتحاور ويناقش ويفلسف كل الاشياء من حوله والتي يستخدمها في الطبخ ، وكنت من حين الى اخر احاول ان اجري معه مقابلة فيرفض باستمرار لانه يكره الاضواء والمقابلات والكتابات المجانية بحسابات الصداقة ومصالح البعض للبعض الاخر ، وكنت قد اجريت هذا الحوار معه منذ اكثر من اربعة اعوام ولكني لم اقوم بنشره في اية صحيفة او مجلة حتى هذه اللحظة بسبب عطل اصاب كومبيوتري ، وقد ضاع الحوار ومعه مواد كثيرة ، الا انني وقبل ايام قلائل كنت قد وجدت كيساً في مخزن شقتي اثناء البحث عن بعض الاشياء ، وبعد ان فتحت الكيس وجدت فيه الكثير من الدسكات التي كنت استخدمها لخزن الصور او المواد الكتابية في الكومبيوتر ، وتذكرت هذا الحوار قد اكون خزنته يومها في احد الدسكات وفعلا بعد ان اجريت عملية فتح هذه الدسكات وجدت الحوار في واحدة منها ، وكانت فرحتي كبيرة بذلك . في تلك الاثناء كان امير الدراجي في اوسلو ، اخبرته عن الحوار وعن امكانية نشره فوافق على الفور على النشر ومن دون اي تعديلات ، كون ان اميرا يعاني منذ فترة آلاماً في يده وساقه التي اصيبت في الاجتياح الاسرائيلي على لبنان عام 1982 الامر الذي حدد حركته على الرغم من بعض العمليات التي اجريت له داخل النرويج . هنا في هذا الحوار يتحدث امير الدراجي بلغة وافكار تكاد تكون غير مطروقة بواقعنا العربي وليس ثمة صراحة ملؤها الشجاعة بما يدلو به هذا الرجل ..


بعد غربة طويلة عن الوطن ، قاربت الثلاثين عاماً في معترك الحروب وويلاتها . كيف تحدثنا عن العراق ، الوطن الام وعن مدينتك التي ولدت فيها ( الناصرية ) . وما الذي ظل من الذاكرة ؟

هناك مفاهيم عدة للغربة ( عذراً ) لقد اعتدت الحذر من الكلمات البلاستيكية المتداولة , لهذا احاول الشك بالاسئلة قبل الاجابة عليها . اية غربة ؟ لا اعترف بغربة بقياساتها السياسية والجغرافية وبخلفياتها الحنينية و لاني مواطن القرن العشرين , وهذا يتطلب محاذرة الاجوبة الكلاسيكية ، لتي انغمست طويلاً في اخلاقيات بربرية وبدائية، حاولت دون تحريرانسانية الانسان ووطنيته الانسانية بمعناها العاري , اذا عملت البربرية على رسم تراث حروبي عنيف استطاع ان يغرس عدداً من مفاهيم وطنية العنف والحروب .. لذا انا اخجل من حنين وطني بقياسات الجغرافيا الحروبية , تلك المفعمة ( بالهوم سكس ) وليس ( بالهوم سيك ) أي الجنس السياسي الذي هو ملوث وفاسد وبربري , غير مكرس الا لتوترات عقلية وعصابية . لذا هو منحرف عن سراط الرقي الاخلاقي والانساني للوطنيات التي لم تؤسس تراثها الا في بدء التكوين بما فيه من حسن نوايا كونية .

كيف يكون ذلك ؟؟


اعتقد كما يقول ادوار سعيد المصاب بفلسطينياته بما فيها من لعنات تراجيدية اغوتها بكائيات الوطن . ان الخروج من الوطن هو الاقتلاع من الجنة . انا لا اتوقف عند المفهوم الفاضل للجنة , بل اخترق هذا الجدار السحري للمفردة واعترف بان الفضيلة الانسانية هي ما بعد الجنة .. انه قدرنا المتجدد الذي سجل رسالة العصيان الابدية , اقصد الحرية عن مغريات الالهة رغبت ان نعيش سعادتها بلهاء ورفاه اعنى ارعن . صحيح ان الوطن هو الجنة الاولى لكن الخروج منه هو هذا العصيان الفاوستي او المنفوستي الشيطاني الجميل . لهذا اذا كان ابانا الاول قد تمرد على ارقى وطنيات وفضائل الوجود , وهي وطنية الجنة فعلى أي فضيلة او جنة اتحدث وانا وريث العصيان الاول وريث نكران الاعماء الوطني والقفر المعرفي ..
انني ساكرر اكل التفاحة سواء في الجنة او في العراق . وسوف افتت عن غربتي الابدية الاكثر اخلاقية من الانتماء لحضارة وثقافة بشرانية ما بعد آدم . صحيح ان حضارتنا خلقت ورثة امناء لهذا الادم العظيم . امثال المسيح , بوذا , كونفوسيوس , وربما غرباتشوف . او حتى هذا الذي اثبت نقض المخارج الصربية القذرة التي هي النتيجة الطبيعية لثقافات الحروب ومن بينها سعرة الحنين الساذج للوطنية ..


عفواً استاذ امير اقاطعك قليلاً هل تشعر بالطمأنينة وانت تقيم في المنفى ؟؟
انا غريب حتى عن رحم امي . لااشعر باي طمأنينة حتى في بلدان تضع الحرية والانسانية بمكانة اهم من الالهة .. لهذا لا افهم الغربة بمعناها الفوتغرافي السائد كذلك لا افهمها ان تكون غريباً في وطنك بسبب الظلم او الاضطهاد و .. او … او … لان لكل عشق ثمن .. ومن يحب نفيه ,، فمن العيب ان يطالب الاخرين بثمن ، قلت مرة ( قواد من يطالب ) الله بفواتير الجنة / نذل من يطالب الحب بثمن .
احد انبياء هذا العالم هو نيتشه حيث قال الفضيلة تكافيء نفسها …
منذ السبعينيات اتحدث عن المواطن الكوني , وان قادني هذا الشعور الى محاولات تأسيس افكار تقارب العنصرية حتى منتصف الثمانينات . لكني سرعان ما انتبهت وهدمت كل شيء ذاتياً . الناصرية او العراق هي وطنية ليست بمفهوم الموز , او بربريات الانسان الابيض , او طوطميات التومن الافريقي , أي نازبات سوداء .. العراق والناصرية على وجه الخصوص اكتشفت انسانيتها وكونيتها . لذا لا انتمي للعراق باعتباره ثنائية حزبية . معارضة ولاء , ولا انتمي بهذا الغباء والرعونة لمفهوم متوتر حروبي يستغفلنا من قبل مجموعة من الاميين ثقافياً والمفلسين اخلاقياً والجهلة انسانياً .. وطننا هو رسالة كونية ثقيلة العيار , حتى الان لم اشاهد تماثلاً له في اي رمز سياسي او ثقافي الا ما ندر .. هناك قطوعات مخيفة في الضمير والوجدان الحضاري لهذه البلاد التي ما تزال حتى الان امبراطورية الذاكرة البشرية ، لهذا لم يمثلها احد , ولا يعرفها احد . ولم يتوصف وطنياً أي احد بما يليق بوزنها .. ولهذا اجزم واكرر دائماً ومن حق الاخر ان يسألني ويسمعني .. انا مؤمن بشعاري
اكرهك يا شعبي احبك يا وطني !!





-يبدو لي من خلال جوابك للسؤال السابق , أنك كنت تعاني من الغربة وانت داخل الوطن , الامر الذي جعلك ترزم حقيبتكللسفر وتقيم في لبنان وتشهد بام عينك الحرب الاهلية اللبنانية منذ بداياتها الاولى وتدخل في معترك النضال .. هل كنتتؤمن حقاً بالنضال من أجل القضية اللبنانية أو القضية الفلسطينية , ام انك حاولت الهروب مرة اخرى من سجون الذات , التي عبرت عنها باغلب كتاباتك ؟؟

مقدماً , لا اثق بالبشر , ولا اثق على وجه الخصوص بوجود قضايا مقدسة عند العرب .. لهذا كتبت عنواناًحول ذلك وبحثت فيه . وهو : " ارهاب القضايا المقدسة " هذا تراث وفولكلور ثقافي قديم بني على النفاقوالفساد والكذب . اجل كنت مناضلاً راهباً . وهذا يعرفه الجميع عني لكني ابول على هذا " المجد " بل هذا العار المخجل . نحن بحاجة لتطهير ذاتي وتتبل شخصي , لذا لا بد ان تكون خطوتنا الاولى هي الاعتذار كثيراً من امجادنا وتواريخنا كما اعتذرت الامم عن اخطائها . ولكن هذا يحتاج لالف عام قادمة , لان العرب من الطفل حتى الزعيم كلهم آلهات وبرر ومعصومين لا يعرفون الخطأ .كنت في العراق اخاف من نفسي ومن افكاري , اخاف على صحبي واخوتي واسرتي . لذا قطعت نفسي , اجتثثت جذوري من تحميل اهلي مسؤلية ما افكر به . كنت اقوم باخطاء وانا في الجيش كي يضعوني في الحبس لاجل قراءة كتاب جبران او نيتشه او ادباء المهجر .. وكان لبنان حلماً , واكرر لرهبانيتي وحريتي .. ولكن صدفة جيلي كانت كريهه ومريرة حيث كان خطاب النضال الثوري واليساري .. الخ . وقد جرف الجميع , لكني كنت مثل نوح لم اغرق , بل نجوت بسفينتي , الا ان الاخرين كلهم ركبوا في قوالباً من الخارج , واختاروا في الالقاب والاسماء والايديولوجيات .. كل شيء يأتيك من الخارج , وقد تموت او تقتل بل واحياناً تزور ضميرك دون الشعور بأنه مزوراً .. كل ذلك من نلقي الخارج . لقد عشت اصنع ذاتي , انتجها دون الخوف من أي اغراء او اثارة وان كان وراءها عظمة غاندي .. انا مسلح باستقلاليتي , منيع , غير قابل للاختراق , مثل ذئب غريب حتى عن جنسه , اشعر بأنتماء وحشي لحريتي وعزلتي عن اقرب الناس هكذا جئت الى لبنان لكي امحو ذاكرتي وثقافتي وذاتي , اشطب اسمي ووصفي , اكتب ذاتي بالممحاة ..
فوجدتني بين مجموعات تحلم برعونة عن مدن الثورة الفاضلة . وقد مر علي اميون سفلة وقتلة وانبياء , ورهبان , وشهداء , ولصوص , .. مر علي من الثوريين بدءاً من العمالة الاسيوية بمطابخ الثورة حتى كارلوس . وحركات العالم الثورية , الحركات التروتسكية , اليسار الجيفاري , احلام تتلاطم تحت ابسط تهكمي وسخريتي , ومتعتي في حب المغامرة , لقد جئت بدافع الرغبة في معرفة الخوف والخطر مثل اسطورة المانية . حتى انني كنت اواجه القناصة من دون ان اهرب او اتحرك حركة عسكرية , كنت هادئاً اخجل من الركض اعرض نفسي للموت دون ان اموت . صدفة سموني مناضل , وقد تسلمت مناصب اضطرارية الى حد رشحوني للجنة المركزية في تنظيم ثوري ما ….لكني لم اكن منتمياً , لم اطلق رصاص , اقاوم القتلة ,,,, حتى انني كنت اخاطب اعدائي من وراء الشبابيك بلغة بكائية انصحهم عن عدم تقبل استغفال العنف لهم . كانوا يطلقون علي النار وانا ابتسم مثل اب يبتسم على شتائم ابناء احبهم .. كثيراً ما خنت امانة الحرب , مر تحت نيراني اعداء كت لم اطلق رصاصة , لم اكن جندياً .. ولم اكن منذوراً لهذه المهنة البربرية . كنت اكتب الشعر في قلب المحتارين … ابكي حتى اسماني البعض بالجنرال الحزين .. الضابط الجميل .. القائد المثقف الخ .. .. شيء واحد يجعلني انتمي لهذا العالم هو الخوف من العودة لماضي تأملاتي وافكاري وثقافتي كنت افتش عن الجهل والصمت والجنون والنسيان .. اريد ان اكون شخصية جاهلة .. لم افلح .. تعرضت لخطف كثير ومحاولات اغتيال كثيرة , حتى ان جسمي محشو بالشظايا والرصاص , وقد عطبت ساقي ايضاً . لم افلح في احفاء ملامحي .. حتى كان سيلاً من العراق ممن عرفني وشاهد طفولتي وافكار شبابي في مدينة الناصرية , لكي يعيد لي هذه الذاكرة ، لكني صدمت بالهجرات العراقية , جائني شعب مشوه , باطني , مزدوج , معذب .. مثل تراجيديات العهود القديمة , حتى ادخلوني بدوامات ايضاً لم اكن سوى مجاملاً ومهذباً معها .. الا انني لم اسلم من التوصيف والافكار المسبقة مع اني لا اتحمس الى أي شيء , ولم اعرف الطموحات .. لقد هدمت كل الامجاد والوجاهات والمناصب , أي درجة التقيء من الثورات والاحزاب والاحلام , والشهرة والمجد ، كتبت عشرات القصائد , مئات ومئات النقالات والدراسات في السبعينيات وقد ضاع كل شيء لحسن حظي ….. الشيء الوحيد الذي ألمني هو ما حرقه ابي من نتاج الستينيات , حيث شجعني ذلك الى محو مشروعي وحو ذاكرتي , لأنها اوصلتني في العراق الى مستشفى الامراض العقلية . وكان معي شاعر ما . ورطته بالثقافة في ذلك الوقت , وهو الان مهم لا اذكر اسمه . لقد بدأت بخلفية ثقافية مكونة من عظماء حقاً .. مثل احمد امير الفنان العظيم , وعقيل علي احد ابنائي واحبائي وبذوري . وكان كاظم جهاد قريبا منا في اسرتنا الثقافية تلك . وهم يدركون اني لا اتحمس لوظيفة الكتابة , واحتقر النجومية .. في الستينيات كنت اقول ان العالم مقسم بين مهرج ومتفرج ,الان ورطني اطفالي بحب الحياة وبمتابعة الكتابة , مع اني لا زلت ازدري اعمال الشهرة , كم كنت اتمنى ولازلت , ان اموت ثم ينشرون ما كتبت لانه مقزز وخطر ونحيف . انه عار كبير على امة بلا شرف , بلا قيم , بلا اخلاق .. ولديّ كل الادلة على ذلك . ارجوك لا تفتح قيحي ,فانا جرح لا ينحني للنزيف …


انت شاهد على المشهد الثقافي الستيني وقسم من المشهد السبعيني في العراق , وما بعد ذلك فقد أصبحت في عاصمة الثقافة العربية بيروت , ما هي وجهة نظرك حول المشهد الثقافي العربي بوجه عام والعراقي بوجه خاص , وما السر في عدم بروز شعراء بمستوى السياب ، البياتي ، نازك الملائكة ، سعدي يوسف واخرين ، خاصة في العشرين سنة الماضية , وكذلك ينطبق الامر على الرواية والقصة , هل ان الحداثة لها تأثيرها في ذلك ؟

-ليست هناك جريمة لأكون شاهداً . . لان الشهادة تتطلب وقوع حدث ما , لاني لا اعتبر نفسي خارج الجريمة ان كانت قد وقعت . وهذا ما يجعل شهادتي مطعون بها . ( عذراً للتشعب ) المجايلة والتجايل . . . من جيل – امر لا يعجبني ولا احترمه . . لكن باختصار كبير ان الاقدم هو الافضل عندنا , لاننا نتطور باتجاه تزوير ذاتنا .. لذا فان ذوي الحظ كانوا الاسبق .ولهذا اتألم كثيراً على الاجيال التي تلت الستينيات , لانها مارست التزوير كشيء من القيمة العليا , تواجدت فيه ببراءة , فهي لم تحصل على هوامش كنا قد حصلنا عليها . كذلك نحن مزورون بنظر من سبقنا , والكل مزور قياساً لازمنة النهضة , التي اعلن كبارها بهزيمتنا الحضارية والثقافية فيما انتقلت الانتصارات الحضارية للغرب وقد جاء ذلك بما كتبه الافغاني والكواكبي ومثقفوا النهضة في سوريا ولبنان والعراق . لقد دمر ثقافتنا خطاب الوطنية والقومية مع ان نوايا قادة هذه الخطب الرنانة كانوا حسني النوايا , ولكن هذا غير كاف لعدم ادانتهم .

اذا من يتحمل المسؤولية ؟

واستغرق بنقديات الهزيمة والقومية في المرحلة الناصرية ، وقد صرف عن مهمته الانسانية الكونية الكبرى قياساً لنتاجاته الاولى . كل هؤلاء المبدعين يتحملون مسؤولية عدم ديمومتهم وتحليقاتهم اللامقموعة هو اليسار والارهاب الادبي الداخلي الذي يحمله كل منهم ضد ذاته . . لذا كانوا مثل بناء معابد طوطمية عن تمجيد البروليتاريا ، حتى انهم خلقوا أئمة من الملحدين . . واصنام من النصوص . . وفي المقابل كانت هناك ايدلوجيا خفية هي ايدلوجيا العبث كرد فعل على قيود اليسار ، وهكذا اصبح سارتر لينين العبث وسيمون دي بوفوار وكامو أئمة في المقابل ، وهذا ما اضاع المشروع الابداعي والانساني . ثم صارت الحروب لتغرق الناس بالمكرر والمضجر حول ثنائية الجلاد والضحية ، المعارف والموالي . وقد استغرق هذا الامر واستنفد مفهوم الحرية لانها تحولت الى مؤسسة قمعية في سلطات بديلة لا تختلف عن قمعيات الجلاد حتى بات الفرق بين الجلاد والضحية في النصوص عسيراً . لقد كتب ايلوار عن الحرية ، وعن قمع النازية . . ولكن ليس بما كتبه الجيل الذي لا انكر ان هناك لمعات للانسانية . . اذ اعتاد الارث ان تخلق الامبراطوريات والايدلوجيات نفسها على فضيلة كونية ثم تحتكرها امة او دولة او شخص او حتى قبيلة . كما حدث في السياسات الاسلامية والخلفائية أي عندما تسيسَ الاسلام منذ هجرة الرسول الى المدينة ، وتحول الدين لفعل براغماتي يجيز اخلاقيات الحرب والسياسة ولم يكن باتراً باخلاقياته ومبادئه . عموماً لا يخلو الامر من تفاؤل ونتاجات رائعة شجاعة اذ لم يخلق العرب بحداثتهم سوى مجلة شعر وبطاركتها من يوسف الخال حتى انسي الحاج . . ثم نهضة الحركة الشفافية في العراق عبر قوة اصدار حنوني حول مفهوم الحرية والتي قادها حبر الحداثة الاعظم مؤيد الراوي وتجلت بشجاعة فاضل العزاوي ، ثم مهوسات الجنابي . . فيما ادب اليسار لم ينتج سوى تردادية لم تتمتع باخلاقيات الابداع ، بل باستقواء كتاب البلاط الاحمر . وللاسف ان مبدعين كحنا مينا ، وامل دنقل ، وحتى البياتي بكل عظمته وبهاءه ثم رتل طويل من الاسماء ، مع وجود لمعات انسانية عالية في بعض النصوص التي استغرقت في احتفالياتها الشيوعية . . حتى ادب نجيب محفوظ ترهل ، وتحميلهم وزر هزائمنا الثقافية ، لانهم اوقعونا بفخاخ ضميرية ومصايد وجدانية خدعتنا جميعاً ، واخطر ما في العبودية هي ان تكون عبداً في ضميرك وروحك وليس من الخارج ، لان الحرية تجلت في ذلك الشعور الاثم في تراثنا ، فيما العبودية هي فضيلة مضمرة في اخلاقياتنا وثقافتنا . . . وقد لا تفيد لا الثورات ولا الدساتير في خلق شعب حر ما لم يبدأ بمواجهة الجلاد الداخلي الذي يحمله . هكذا كان الخطاب القومي المؤسس بمدارس الانقلاب الناصري ، والذي تقاطع مع الدمويات الستالينية المقدسة ، واليسار بظلامياته البيضاء ، الذي انتهى بظلاميات الاصولية السوداء ، كلا عملت على تديير المشهد الثقافي وخلقت انسان جبان ، موارب باطني ، مخادع . . مزور الضمير وهذه الخطوة الاولى في النهاية المحتمة للابداع . . لم تكن هناك فروسيات فكرانية او ثقافية . . هناك عملية استقواء جبانه بقوى غير ذاتية ، حتى تقائض هذه النزعة من اليساريات ان كانوا يستقوون بالتراث الادبي الغربي ، لذا ضاع انتاج الذات بين الاستشراقيين من دون فهمهما واحترامها . . ومن دون أي شعور جدي بوجدانية الثقافة والحضارة بنفسجية خجولة من بينه . اعتقد ان مجلة شعر والناقد هي اهم من ترسانات الحداثة النووية والعسكرية العربية التي اسسها خطاب عبد الناصر واليسار . . اللذان خطفا منا كماً من المبدعين . خطورة الابداع هي في توقف الحرية عند حائط مبكى او أي صنم او حائط مقدس ، انها جدران برلينية تظهر كل مرة . . هكذا في التسعينيات راجت الاغنية التافهة ولن الاصولية . وهذا يعود للبناء الثقافي الهش الذي زور الضمير والوجدان بعد ان خطف الثقافة لمكان غير مكانها واحالها لراقصة وجارية وحرمة ، او زوجة محبوس بحجاب اسود . . احال الثقافة والمثقف الى مهرج وراقصة . لذا ان الفعل الاخلاقي لمجلة شعر او لشجاعات رياض الريس ومغامراته الجريئة في نبش قبور التراث من على صفحات الناقد كان اهم من المشهد الثقافي من حيث كانت شعر هي ثورية اخلاقية عن صورة المثقف والكاتب والاديب والشاعر . حيث مجموعة انبياء ورهبان لاذوا بالشعر لكي لا يعترفوا بانهم كسروا احتكارات النبوة والتبشير بفضائل السلام الانساني والجمال والابداع



#هادي_الحسيني (هاشتاغ)       Hadi_-_Alhussaini#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيزياء رأس الافعى
- امريكا ، ايران ، والعراق الضحية
- تفجيرات حداثوية
- قليلا من الحياء
- في صباح أليم
- كيمياء المهزلة
- ألج يوم وتفشين يمدكسنة
- فيزياء الشجاعة
- كيمياء اسبوع المدى الثقافي
- فيزياء سفر الحكومة
- كيمياء الجوازات
- سور الاعظمية
- كيمياء المسبحة
- الى كمال سبتي في ذكرى رحيله
- فيزياء شذى حسون
- فيزياء الكروش ومؤتمر القمة
- في الذكرى ال 73 للحزب الشيوعي العراقي
- حلبجة : سلاما على اهلكِ الفقراء
- فيزياء الاتجاه المعاكس
- رثاء الى شارع المتنبي


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هادي الحسيني - حوار مع الكاتب والمفكر العراقي امير الدراجي