أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فارس الطويل - الروائي الشهيد حسن مطلك بين الحلم الكبير ، ورأس الطاغية














المزيد.....

الروائي الشهيد حسن مطلك بين الحلم الكبير ، ورأس الطاغية


فارس الطويل

الحوار المتمدن-العدد: 1940 - 2007 / 6 / 8 - 07:29
المحور: الادب والفن
    



أتساءل ماذا لو لم يسلك الروائي الشهيد حسن مطلك ( الشرقاط 1961- 1990 ) ، ذلك الدرب اللعين ، الذي اغتال مبدعاً جميلاً ، ورقراقاً ، في عمر الورد ، كان مايزال في قمة عطائه ، مترعاً بالأحلام ، والمشاريع الكثيرة ، التي لم ينجز منها سوى روايتين عظيمتين ، هما : ( دابادا ) و ( قوة الضحك في أور ) ، فضلاً عن مجموعة من القصص القصيرة ، والقصائد ، واللوحات الفنية ، التي تمثل نمطاً جديداً ، وفريداً ، وغير مألوف للعمل الإبداعي ، الذي حاول حسن أن يحرره من قيوده ، ورتابته ، وأسماله ، وينطلق به نحو عوالم وفضاءات جديدة ، وغريبة ، مستخدماً صوراً وأشكالاً متغيرة ، وسائلة ، ومفخخة ، تتحرّك بيسر ، ورشاقة ، في أروقة الزمان والمكان ، ولاتجد صعوبة في أن تتوحد ، وتنصهر ، في جسد واحد ، تنتمي أشلاؤه إلى أزمان مختلفة ، ثم تتجزّأ مرة أخرى ، لتولد من جديد ، محلّقةً على جناحي لغة حارة ، منفلتة ، ملغّمة بالسحر ، والأسرار ، والهذيان ، والحكمة . لغة نادرة لاتنتمي سوى إلى حسن مطلك ، الذي يعرف كيف يروّض حروفها ، ومعانيها ، وينفث فيها من روحه ، وجنونه ، ليخلق منها عالماً قائماً بذاته ، تتدرّج طبقاته كعالم المثل ، الذي أشاده الفيلسوف أفلاطون ، وجعله أساساً لبناء جمهوريته الفاضلة ، ولكنه يختلف عنه ، بحركته الدائمة ، وتجددّه ، وغرائبيته ، ونزوعه إلى الحرية والتغيير .
لاأعرف شيئاً عن الظروف والوقائع ، التي دفعت الشهيد حسن مطلك ، وهو الكاتب والفنان المرهف الشعور ، للعمل مع مجموعة من الضباط والجنود ، الذين كانوا يخططون للقيام بمغامرة إنقلابية ، ضد أخطر دكتاتور في العالم .
لم يكن يبدو على حسن ، أنـّه سيلجأ ، يوماً ، إلى مثل هذا الخيار ، ويقرّر أن يقتل الطاغية الذي يكره ، بطريقة العسكر المحترفين ، الذين كان يمقتهم أيضاً ، ويسخر منهم ، بل لم يكن يجرؤ أحد من أصدقائه ، على التفكير ، بأنّ حسن مطلك ، سيشترك ، في يوم ما ، في إنقلاب عسكري ، ثم تنتهي حياته ، هكذا ، بجرّة قلم ، على يد حفنة من القتلة الأغبياء ، الذين لم يدركوا ، بالتأكيد ، أنهم يشنقون روائياً عظيماً ، وشخصية موهوبة ، ورائعة ، ليس لها مثيل .
كان خبر إعدامه على يد جلاوزة الطاغية ، صدمة كبيرة لجميع من عرفه ، وعاشره ، خصوصاً أولئك البعض من أصدقائه ، الذين وضعه القدر في طريقهم ، مثل كوكب درّي ، ينبض بالحياة ، والفرح ، والنبوغ ، والشموخ .
كيف يمكن للمرء ، أن ينسى ملامح ذلك الوجه الطفولي المحبب ، وهو يضحك ، ويكتب ، ويرسم ، ويتكلم عن مشاريعه الكثيرة ، بثقة ، في زمـنٍ أهوج ، كنا نحن فيه ، ننتظر ، عاجزين ، ويائسين ، دورنا في الذبح ، بعد أن تم حشرنا ، كالخرفان ، في ( جملون ) بارد ، لعين ، في معسكر التاجي ، حيث تمَّ ترحيل مئات الجنود ( أغلبهم من خريجي الكليات ) إليه ، من الموصل ، بعد أن أمضينا شهوراً طويلة ، وقاسية في التدريب ، في مدرسة المشاة هناك .
كنتُ أنا أنزفُ خوفاً ، وقرفاً ، وأخطـّط للهروب من الجحيم ، بينما كان حسن يداري حزنه ، وتعبه ، ويشغل نفسه بالرسم ، والكتابة ، والتأمّل . لن أنسى ، أبداً ، ذلك المساء ، الذي وقف فيه ، حسن ، أمامي ، وهو يرتعش ، وبين يديه رزمة من الورق ، طلب مني أن أقرأها بهدوء .. ياالله ! كم أربكتني كلماته ، وزلزلت كياني ، حتى أنني لم أستطع النوم تلك الليلة .. إكتشفت بعد سنوات ، أنّ تلك الأوراق كانت صفحات من روايته المثيرة والغامضة ( دابادا ) .
لم نبقَ في تلك الزريبة الكريهة ، سوى أسابيع قليلة ، قرّروا ذبحنا ، بعدها ، من غير سكيـن ، فقذفوا بنا إلى محرقة الحرب القذرة . أرسلوا حسن إلى لواء مشاة ، وأرسلوني أنا إلى لواء مغاوير في العمارة ، وودعنا بعضنا بالأحضان والعويل . كنا نبكي كطفلين صغيرين . كنت يائساً من رؤيته مرة أخرى ، فقد كانت الحرب مع إيران ، تزدادُ شراسـة ، وكان الآلاف من الضحايا ، يسقطون كل يوم ، كقرابين للقائد المقبور ، الذي حوَّل العراق ، إلى مقابر وسجون وخرائب ومآتم .
أتذكـّرُ ، أنني في يوم ما ، عدتُ إلى البيت في إجازة من الموت . ناولتني أمي رسالة ، وصلتني بالبريد ، منذ فترة . خفق قلبي من الفرح ، واغرورقت عيناي بالدموع ، وأنا أُبصـِر اسم حسن مطلك على الغلاف الأزرق . كانت رسالة حزينة ، وموجعة ، بدأها حسن بأبيات من قصيدة ( الأرض الخراب ) ، لأليـوت . وقتها لم أستطع أن أمنع نفسي من البكـاء .
قلتُ : الحمد لله .. المهم أنّ حسـن مازال حيـّاً !.
كان حسن مطلك ، إنساناً إستثنائياً ، يحمل حلمه الكبير معه ، في أن يكون روائياً عالمياً مشهوراً ، كوليم فوكنر ، وكافكا ، ووليم جيمس ، ومارسيل بروست ، وغابريل غارسيا ماركيز ، وغيرهم ، ويعمل على تشييد ذلك الحلم ، بصبر ، ومثابرة ، وذكاء ، ووعي نادر ، لـ ( يحقق مايحققه كاتب عظيم لوطنه ) ( الذي كلما قارنت أدبه بآداب الشعوب ، اكتأبت ، ودفعني ذلك للقراءة والكتابة ) ، كما كان يقول .
لماذا فرّط حسن مطلك بذلك الحلم الكبير ، بعد أن صارت له أقدام راسخة على الأرض ، بعد أن نشر روايته المرعبة ( دابادا ) ؟
ولماذا وضع روحه العظيمة ، وموهبته الأدبية والفنية الخارقة ، التي أنجزت في عمر قصير ، وظروف قاسية جداً ، عدداً مهماً من الأعمال الأبداعية المتميزة ، تحت سيف جلاد حقير ، بالرغم من أنّ هذا السيف ، لم ينم في غمده ، يوماً ، وأراقَ دماء كثيرة لكتاب وفنانين ، في السجون ، وأرصفة الشوارع ، وخنادق الحرب .. لكنّه مع كل ذلك ، لم يستطع أن يطفيْ أسماءهم المتوهجة ، وصورهم المشرقة ، وإبداعاتهم الندية ، المحفورة في قلب العراق ، ووجدان الأحرار والشرفاء ؟
ولكن تظلُّ الحقيقة المرة ، التي ينبغي أن نتجرّع علقمها ، وصديدها ، وهي أنّ خسارة الوطن كبيرة جداً ، بفقدان هؤلاء المبدعين ، وأنّ الزمن لن يجود علينا ، دائماً ، وبسهولة ، بأمثال الشهيد حسن مطلك .

فارس الطويل - ألمانيا



#فارس_الطويل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تريدونه وطناً ، أم مَسلخاً ؟
- أقلامٌ ملوَّ ثة
- لماذا يحب الأبناء وطناً ، يقتلُ فرحهم ؟
- الغربة بين الوطن والمنفى
- الشيعة يقتلون أهل السنة في العراق


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فارس الطويل - الروائي الشهيد حسن مطلك بين الحلم الكبير ، ورأس الطاغية