أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي مراد - ثمرة للقاء عابر بين شرق وغرب















المزيد.....

ثمرة للقاء عابر بين شرق وغرب


سامي مراد

الحوار المتمدن-العدد: 1941 - 2007 / 6 / 9 - 07:11
المحور: الادب والفن
    



لا بد من الإشارة قبل بداية الحكاية أن شخصياتها حية تتكون من عقل وقلب ولحم ودم. زمانهاومكانها حقيقيان. لا صنعة فيها ولا خيال . كتبتني ولم أكتبها . أملت علي النص فخضعت لها واستسلمت لإرادتها ، مع أنني ضد الخضوع .
التقيت صديقا قديما أحترمه وأصدقه القول ، تحدث لي عن قصة حقيقية كان الشاهد الوحيد لأحداثها ، فقال :ذات يوم حزيراني أوائل سبعينيات القرن العشرين كنت أتنزه في حديقة فسيحة في العاصمة ثم استرحت على مقعد طويل خشبي لأتصفح وأقرأ كعادتي الجريدة اليومية أو إحدى الروايات ، وبجانبي مقعد آخر لا يبعد عني سوى نصف متر ، يجلس عليه شاب في العشرينات ، ورجل كبير في الستينات ، لا يقل الفرق بين عمريهما عن أربعة عقود . الاثنان يفكران بصمت. . . ينظران إلى شيء ما أو في اللاشيء لا أدري بالضبط . ثلاثتنا صامتون لا ينبس أحدنا ببنت شفة ، حتى مر بائع متجول يبيع البسكويت فعرضها علينا للشراء فرفضت أنا ورفض العجوز بلغة إنجليزية ، أما الشاب فقبل واشترى ، من ثم بصوت هاديء جدا وبلغة العجوز قال له : تفضل وكل معي البسكويت ، فقال له شكرا ، وكان ذلك مدخلا للحديث والحوار بينهما .
الشاب : أنا سعيد فرحان .
العجوز : أنا موريس بوبارد .
الشاب : هل أنت إنجليزي أم أميركي ؟
العجوز: لا إنجليزي ولا أميركي ، أنا فرنسي .
الشاب : هل أنت سائح ؟
العجوز: لا ، أنا مقيم هنا في إسرائيل .
الشاب : لكن لم أسمعك تتكلم العبرية .
العجوز: أنا لست إسرائيليا ولست يهودي الديانة ، بل أنا مسيحي أعتز بديانتي المسيحية فأنا رجل دين أعيش في ديرهنا في القدس الغربية التي سيطر عليها الصهاينة منذ أكثر من عشرين عاما .
سأل العجوز بدوره الشاب فأجابه: إنني عربي فلسطيني الجنسية من هذه البلاد ، أعمل موظفا في دائرة حكومية ،وأعيش في القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل منذ بضعة أعوام ، مسلم بالوراثة لكنني في الحقيقة لا أؤمن ولا أعتنق أي دين لذلك أحترم أصحاب الديانات السماوية وغير السماوية ، كاحترامي للادينيين .
تقبل الفرنسي ذ لك بصد ر رحب بقوله: احترامي لك ولمعتقدك مع أنها تخالف تماما إيماني ومعتقدي ،قال الشاب : شكرا ، لهذا نستطيع تكملة الحوار براحة ويسر .
من ثم تجاذبا أطراف الحديث مدة نصف ساعة تقريبا . بعدئذ وقف الاثنان وودع الفرنسي الفلسطيني بحرارة ممزوجة بالإعجاب وافترقا كصديقين يحترم كل منهما عقل الآخر وإنسانيته .
قلت في نفسي : ــ وهذا كلام صديقي الصدوق ــ ما أقرب الناس إلى بعضهم البعض . . تفاهم ومحبة في زمن وجيز جدا رغم اختلاف العمر والقومية والديانة والبيئة ،بأيدينا نصنع من محبة البشر صاروخا عابرا للقارات . . . . . يكمل صديقي :
اعتدت أن أجلس يوميا في الحديقة ذاتها منذ أوائل حزيران في ساعات العصر في نفس الزمان والمكان للاستمتاع بالقراءة . بعد خمسة أيام بالضبط بينما كنت مستغرقا في القراءة جاء موريس وجلس على نفس المقعد المجاور لي ، ثم جاء سعيد بعد بضع دقائق وقد فوجيء بصديقه .
قال الثاني للأول : أنت هنا ثانية ؟ يا للصدفة السعيدة .
قال الأول للثاني :هل تجيء يوميا إلى الحديقة ؟ أجابه : لا .
سأل الشاب بدوره العجوز : وأنت هل تأتي يوميا إلى هنا ؟ فأجاب صادقا : لا ،لم آت منذ رأيتك إلا اليوم .
كان الاثنان صادقين، فلم أر الاثنين ثانية إلا اليوم ، فصدفة اللقاء جمعتهما للمرة الثانية .
دار بينهما حديث استمر ساعة من الزمن ، وأنا أستمع بشكل فضولي لما يتحدثان به ، وآخر ما سمعته ما قاله بوبارد لفرحان: إنني سأسافر إلى فرنسا بعد ثلاثة أيام ، وسأقضي إجازتي الصيفية هناك ، ثم أرجع في الخريف إلى عملي هنا في القدس .
كانت جل أحاديثهما تتعلق بالسياسة والمجتمع والثقافة والفكر . كانا يتفقان أحيانا ويختلفان كثيرا ، لكن روح التسامح والاحترام والود هي سمات الحوار والجدال بينهما، لم يرفع أحد منهما ولو قليلا صوته على الآخر ، ولم أر أية رسمة عبوس على وجهيهما بل كانت الابتسامات والضحكات الخفيفة تزين وجهيهما باستمرار. سأل الشاب الفلسطيني: هل ستأتي هنا غدا أو بعد غد قبل سفرك؟
أجابه العجوز الفرنسي: لا يا صديقي ، ليس لدي وقت ، لأن لي أعمالا كثيرة سوف أنجزها قبل سفري . ثم ودع الشاب العجوز ، وذهب كل منهما في طريقه . . . . . . . . . . صديقي يكمل :
بعد ثلاثة أيام وأنا أقرأ الصحيفة كالعادة في نفس المكان ونفس الزمان وإذ بالفرنسي العجوز يأتي ويجلس في نفس المقعد المجاور لمقعدي . قلت في نفسي : لقد كذب الفرنسي على الفلسطيني فهو لا يريد لقاءه لسبب ما ، وقد جاء منفردا بنفسه متأملا في اللاشيء أو شيء ما . . . لا أدري . . . . . . . . . . .
أخذ العجوز يحدق في المارة تارة وطورا في الطريق العام ، وأخرى في الشجر أمامه . . . لا أدري فيم كان يفكر ؟ كل الذي أحسسته أنه شارد الذهن كما رأيته في المرة الأولى .
بعد عشر دقائق أقبل الشاب وإذ بالعجوز يحدق به مستغربا مندهشا في البداية ، لكنه ليس كما ظننت . . كان فرحا جدا بلقاء صديقه بنفس المقدار كان الشاب سعيدا بلقاء العجوز للمرة الثالثة
سأل الشاب العجوز : ما الذي أتى بك وقد قلت لي أنك سوف لا تأتي ؟ قال العجوز : أقسم لك أنني لا أعرف ، فبعد أن فرغت اليوم من أعمالي ، قادتني رجلاي دون أن أدري ولم أر نفسي إلا وأنا سالك درب هذه الحديقة ثم جالس على هذا المقعد .
سأله الشاب ؟ هل كنت تتوقع مجيئي، فأجابه بالنفي ، وقال : كنت أعتقد أننا سوف لا نلتقي أبدا . سأل العجوز : وأنت ما الذي جاء بك ؟ وهل كنت تتوقع مجيئي ؟ أجابه : كلا بالطبع ،لم أتوقع حضورك البتة ، إلا أنني لسبب أجهله ساقتني قدماي إلى هذا المكان بهذا الزمان ففوجئت بك .
تحادثا وتجادلا لمدة ساعتين في مواضيع شخصية وحياتية لا يتحدث بها إلا الأصدقاء الذين يعرفون بعضهم سنين طويلة .
في نهاية اللقاء سأل الشاب العجوز ؟ الا زلت على قرارك بالمغادرة إلى باريس ؟ أجابه : بالطبع ‘ ففي العاشرة مساء هذه الليلة سوف أطير من مطار اللد ألذي أصبح اسمه مطار بن غوريون إلى مطار باريس وإلى بلدي ، ولكن لزاما علينا أن نتبادل العناوين وأرقام الهواتف ، لأنني عندما أعود سأتصل بك إن كنت تريد ذلك . أجابه الشاب : بالطبع أود ذلك، وأنا سعيد جدا بهذا ، لقد التقينا ثلاث مرات صدفة دون موعد ، لكننا من الآن فصاعدا سنلتقي مرات ومرات بمواعيد وسأتشرف باستقبالك في بيتي وسأعرفك على أفراد أسرتي ، فقال العجوز : طبعا طبعا وسأكون مسرورا جدا بهذا. ثم ودع أحدهما الآخر بحرارة ممزوجة بالمحبة . صديقي ينهي الحكاية بقوله :
مع أنني يوميا كنت آتي إلى الحديقة طيلة أشهر الصيف إلا أنني لم أرفيها موريس بوبارد العجوز الفرنسي ولا سعيد فرحان الشاب الفلسطيني مرة أخرى بعد ذلك ، لكن علاقتهما وصداقتهما لا زالت محفورة في ذاكرتي منذ أكثر من ثلاثين عاما و لا تمحى أبدا.



#سامي_مراد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نجيب محفوظ و رواية بين القصرين
- الذهنية الإستنساخية والجينات الثقافية في مجتمعاتنا العربية
- جريمة كبرى مع مرتبة الشرف الأولى
- نوال زينب السعداوي حالة إنسانية من التمرد والإبداع
- جرس للدخول إلى البوابة الماركسية الإنسانية في ذكرى ميلاد كار ...
- عقلانية ابن رشد في مواجهة روحانية الغزالي


المزيد.....




- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي مراد - ثمرة للقاء عابر بين شرق وغرب