أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 15 من رواية كش ملك














المزيد.....

الفصل 15 من رواية كش ملك


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 1936 - 2007 / 6 / 4 - 09:33
المحور: الادب والفن
    


-15-
الـوداع

لحظة الوداع، تأتي دون شك، مهما تأجلت، تأتي مشحونة بالحسرة والأسى ودموع الفراق، وداع الأهل والأحبة، الأمكنة العزيزة على القلب والانتقال إلى أماكن أخرى، وداع الدنيا إلى الآخرة، وداع المرأة التي تحب عند مشارف طقوس الحسم، وداع يخلف وراءه مساحات واسعة من التأمل والذكريات، وداع يزرع نفسه في الخلايا التي لا تتآكل مع مرور السنين، ولا يفقد العقل التوهج في متاهة الحياة مهما كانت تفاصيلها مملة لا تبعث على الانتشاء، وداع يجعلك دائماً على صلة به، لأن الطعم الذي يخلفه يبقى على مر الأيام.
هكذا كانت حفلة الوداع التي نظمها القائمون على البطولة، تعمدوا أن تحمل من الشجون وأغاني الحزن ما فاضت به الأوتار من لوعة، جعلت الأحبة يقفون وجهاً لوجه أمام اللحظة الحاسمة صداقات تطورت سريعاً ستنتهي غداً بالمعنى المكاني، لقاءات عذبة تشظت لها الروح على وشك التلاشي والاندثار وانتظار صدفة ثانية تجمعهم من جديد، دموع ملأت الوجوه فغسلت المساحيق والذنوب وبعضاً من ترسبات الليالي الماضية.
تصدمك الأغاني كأني بها تهيئك لصدمة أكثر عنفاً لا تقوى على تحملها ما لم تكن مستعداً بما فيه الكفاية، ومثل سرب الحمام الذي هدم بيته، كان معظم اللاعبين أزواجاً يحلقون في السماء بحثاً عن بيت لليلة واحدة، رؤوسهم متقاربة وهمسهم لا يسمع، عيونهم تشي بما تخبئه الصدور، والأغاني تحاول أن تقول شيئاً يصعب على المحايدين إدراكه، ثم فجأة، بدأ الأزواج بالانسحاب.
كانت الحفلة داخل صالة الفندق فلم يجد اللاعبون صعوبة في الوصول إلى غرفهم، في وقت انسحب فيه البعض كي يستنشق الهواء الطلق الذي أرخى نعومته أمام الفندق في ذلك المساء، فأخذهم الذهاب والإياب والهواء الناعم إلى حيث يشتهون، تركوا لأجنحتهم الانتفاض مكانها فسقطت الأوجاع كومة واحدة وعلا الضحك وجوه البائسين.
وعند منتصف الليل خرجت من صالة الفندق متأبطاً ذراع أنسام، ذراع بدت في تلك اللحظة، مصنوعة من شجر الأرز، أتوكأ عليها فاستمر في الصمود واقفاً. أوصلتها الغرفة وعدت إلى غرفتي دون قول كلمة واحدة تؤثر على الأوتار المشدودة، دخلت غرفتي، جاء رنين الهاتف قوياً، رفعت السماعة، سمعت صوتها تقول: لا تغلق باب الغرفة وتغط في النوم، إنني قادمة إليك!
تركت الباب مفتوحاً وذهبت إلى الحمام، اغتسلت بالماء الدافئ في محاولة لتنشيط الخلايا الخاملة، نشط البعض، فيما البعض الآخر كان ينتظر من ينشطه. صففت شعري وخرجت بالملابس الداخلية؛ كانت ممددة على السرير نصف عارية، امرأة أسطورية تحدث عنها القدامى فأعطوها الوصف الذي تستحق وليس بوسعي إضافة الجديد. تمددت إلى جوارها، فاهتدى زوج الحمام إلى البيت الذي يضمه لليلة واحدة.
انهالت القبل على أقرب مساحة مكشوفة للشفاه، قُبل لم توقفها الكلمات أو لهيب الأنفاس، تقاطعت العيون بالعيون واشتبكت في معركة متكافئة كان سلاحها الحب والاشتهاء ويقين الفراق الذي بات وشيكاً، وبين الحين والآخر كانت آهة لوعة تحرق جسور الماضي والمستقبل فلا تكاد تتعرف على الحاضر، الحاضر الذي نتمرغ على فراشه الآن.
وضعت رأسي على صدرها فداعب النتوء البارز صفحة خدي والطرف السفلي من أذني. ابتعدت عن مدارات الواقع فجلدني سياط التفكير بالفراق. تساءلت: هل سيقيض لي الالتقاء بها مجدداً؟ ما يجمع لبنان وفلسطين أكثر مما يفرقهم.. البقعة الجغرافية ذات المناخ الواحد، العادات والتقاليد، اللغة العربية الأصيلة، العدو المشترك.
وتذكرت فجأة ما تعرض إليه شعبانا من مذابح جماعية تحمل نفس التوقيع والبصمات في العديد من المدن والقرى على أيدي العدو المشترك الذي يعتقد دائماً بضرورة فوزه في بطولة الحرب كأنه يلعب داخل المربعات ال 64، فإذا به يحصد الجائزة الأولى عن جدارة واقتدار وغطاء أمريكي بالفيتو.
سقطت دمعتان من عيني على صدرها وانسابت بسلاسة حتى استقرت في سهل مرج ابن عامر؛ احترق الزرع فصار سماداً لموسماً أكثر خصوبة. وكانت تحاصرني بذراعيها كأنها تخشى الفكاك، في وقت بادلتها الخوف والتوجس فبدونا منسجمين تماماً ومشاعرنا أكثر استجابة وعمق.
بهذه الطريقة كان وداعي لأنسام، سهرنا الليل كله، تارة كانت العيون تشي بعجز الفعل والكلمات، وتارة أخرى باحتضان صامت ينم عن عذابات مقبلة لا يقدر على تحملها المحبين، وبين هذا وذاك، كانت القبلات والكلمات تستر عيوبنا أمام الحاضر وعلى مشارف المستقبل.
وفجأة رفعت رأسها ونظرت إليّ. تقاطعت النظرات. اكتشفت لأول مرة، كم كانت جميلة! سألت على غير توقع:
- ستذكرني كثيراً، أليس كذلك؟
- بالتأكيد، ولكنك ستذكرينني أكثر، دائماً وأبداً وكلما مر من أمامك طيف يداعب عينيك ويحرك النشوة داخلك. ستذكرينني عند المساءات الصاخبة وإيقاع الرقص الممزوج بالغناء الهادئ العذب الذي يفتح الشهية أمام فضاءات الحلم بالرجل الأول واللحظات الحاسمة في التاريخ.
وأخذنا ملكوت النوم إلى مداراته.
في الصباح اغتسلنا وتناولنا القهوة المرة دون النطق بكلمة واحدة، اكتفينا بالنظر في عيون بعضنا حتى حان موعد السفر. نهضت وهي تقول:
- سأتصل بك قريباً..
حملت حقيقة ملابسها متجهة صوب السيارة التي تقف أمام الفندق.
وضعت الحقيبة في السيارة. نظرت خلفها وكنت ما أزال أنظر صوبها. عادت أدراجها ركضاً. رمت نفسها بين أحضاني. أجهشت بالبكاء. اعتصرتها بين ذراعي فيما كان اللاعبون يراقبون الأمر عن كثب. ومن بين الدموع قالت:
- أجمل أيامي أمضيتها معك!
- وأنا كذلك..
- عندما أتصل بك كي نحدد موعد اللقاء لا تتردد، سأكون بانتظار هذه اللحظة، وربما نبني لنا بيتاً في أي ركن من الدنيا.
- فكري بالأمر ملياً قبل أي خطوة!
- سنفكر معاً، كيف نبني سعادتنا دون خوف من المستقبل..
ودعتني بقبلة ثم مضت.
عدت إلى غرفتي . حملت حقيبة السفر وانتظرت في مدخل الفندق نزول أعضاء الوفد كي نغادر عائدين إلى أرض الوطن، بعد أن خلفنا وراءنا أسعد اللحظات.
وثاق من المحبة وعهد قطعناه بعدم التراجع كلما اشتبكت الأصابع وتقاطعت العيون.



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 14 من رواية كش ملك
- الفصل 13 من رواية كش ملك
- الفصل 12 من رواية كش ملك
- الفصل 11 من رواية كش ملك
- الفصل 10 من رواية كش ملك
- اضاءات على مسرحية -من أكبر-
- العراق في خط الدفاع الأول
- الفصل 9 من رواية كش ملك
- على أمريكا أن تكون أكثر عقلانية ..
- الفصل 7 من رواية كش ملك
- الفصل 8 من رواية كش ملك
- صدور حكم الإعدام بحق كتاب -قول يا طير-
- الفصل 6 من رواية كش ملك
- الفصل 5 من رواية كش ملك
- الفصل 4 من رواية كش ملك
- رسائل حب إلى أطفال لبنان
- هل نحن إزاء ضربة أمريكية ترجيحية واحدة ؟
- الفصل 3 من رواية كش ملك
- الحكومة الفلسطينية .. عشرة شهور على الأزمة
- الفصل 3 من رواية :كش ملك


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 15 من رواية كش ملك