أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 13 من رواية كش ملك















المزيد.....

الفصل 13 من رواية كش ملك


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 1931 - 2007 / 5 / 30 - 09:51
المحور: الادب والفن
    



في البدايات غالباً، ما يكون مسعى اللاعب، بغض النظر عن النتيجة، الوصول إلى مرحلة يطارد فيها الملك من مربع إلى آخر؛ يتعقبه خطوة بخطوة، دون أن يأخذ بالاعتبار إمكانية الوصول منه إلى مقتل يحسم اللعبة نهائياً ويحقق الفوز. غير أن هذا الأمر إذا كان ينطبق على معظم اللاعبين، فهو لا ينطبق عليّ بالمعنى ذاته، لا لأنني مختلف عن الآخرين فحسب، بل لأن حساباتي هي المختلفة على نحو كبير، الأمر الذي روضت عليه نفسي مع البدايات الأولى لتعلمي هذه اللعبة، ذلك لأن الهدف كان واضحاً أمامي تماماً من خلال الإجابة عن التساؤلات العديدة التي ينبغي على اللاعب طرحها على نفسه والإجابة عليها موضوعياً: ما هو الهدف من كش ملك ومطاردته من مربع لآخر؟ هل المتعة في رؤيته يهرب أمامك ويحاول استنفار قطعه الحربية لأجل الدفاع عنه؟ هل إبقاؤه محاصراً في دائرة تفكير لا تسمح له بوضع خطة هجوم قد تودي بحياة ملكك؟ هل كش ملك خطوة عملية ما لم تكن في المكان والزمان المناسبين؟ أسئلة كثيرة بحاجة إلى الإجابة عليها، وقد وجدتها عندما تعلمت الدرس الأول على يدي معلمي الذي مازلت أشعر بالامتنان نحوه وسأبقى كذلك ما حييت.
ذات مرة، راودني إغراء كش ملك حتى حدود البراءة، ولكن لم أتمكن منه، طاردته من مربع لآخر ودست خوذات بيادقه وأشرفت على التلال المطلة على عرشه، سفكت الكثير من الدماء ودكت القطع الحربية المختلفة كافة المواقع حتى بت أتوقع رؤية رايات الاستسلام ترتفع، ولكن، فجأة، استجمع قواه وباغتني على حين غرة فلم أستطع لملمة أطرافي، كانت خطته محكمة حتى أدق التفاصيل، وكنت كلما حاولت فعل شيء اصطدمت باستنفار قوته والتصدي لي ما يجبرني على التقهقر ومعاودة المحاولة من جديد حتى تمكن مني في أكثر من موضع، وأنهكني تماماً لدرجة فضلت فيها الاستسلام عن استمرار المقاومة غير المجدية.
وأحسب أن الإفادة التي اكتسبتها حصنتني حتى يومنا هذا، ذلك أنني درست التجربة وعرفت أين الخطأ، الأمر الذي دفعني لاحقاً، قبل بدء أي هجوم من شأنه مطاردة الملك، إعادة النظر في كل خطوة خططت لها تحسباً للوقوع في نفس المصير الذي وقعت فيه آنذاك. كانت التجربة تقفز أمامي ماثلة بكل أبعادها، فلا يسعني غير التعاطي معها وإعادة دراسة الخطة حتى لا تصبح الأخطاء فيما بعد كارثية بالمعنى المأساوي الذي تتعرض له تجارب الآخرين عندما لا يتم تقييمها بشكل مستفز يحفز على تدارك الأخطاء قبل الوقوع فيها في المرات المقبلة.
على أية حال، منذ تلك المرة، التي هزمت فيها شر هزيمة، عملت على تطوير أدواتي. وأرجأت خطوة كش ملك إلى اللحظة الأخيرة التي لا يمكن الإفلات منها مهما كانت حصون الخصم منيعة، لاسيما عندما أكون صاحب الهجوم، وهذا لا يعني مطلقاً أنني لم أتعرض للهزيمة في مرات عديدة، ولكن لم أكن في موقع الهجوم بقدر ما أكون في موقع الدفاع، وأحياناً، عندما أتراجع في هجومي فأتعرض للهجوم المضاد الذي غالباً ما يبعثر القطع ويحدث الثغرات في صفوف قواتي فتبدأ بالانهيار تباعاً. غير أنه في كل مرة أُمنى فيها بالهزيمة سرعان ما أدرس أبعاد المباراة تمحيصاً وتحليلاً كي أستفيد من الخطأ الذي أوقعت نفسي فيه للمرات القادمة على أمل تحقيق الفوز في المرات التي تلي ذلك، بعيداً عن لعب الارتجال الذي لا يفيد مع مختلف اللاعبين.
ولما كان الخصوم الذين قابلتهم مراراً قد عرفوا طريقة لعبي، وأحياناً أنماط التفكير عند القرارات الحاسمة التي تتعلق بالهجوم أو الدفاع أو التراجع في ذروة الهجوم جراء التقييم السريع والخروج بنتيجة عدم جدواه في ظل الوضع القائم على رقعة الشطرنج، كان لابد من البحث عن آليات تتلاءم مع كل لاعب وتخضع في الوقت نفسه للتجديد المستمر الذي معه يتعذر التوقع المسبق لبعض الخطوات أثناء اللعب، الأمر الذي يربك الخصم ويبقيه في حالة توتر تساعد في وقوعه بالأخطاء التي أسعى دوماً للاستفادة منها مهما كانت ضئيلة.
من هنا عمدت إلى تطوير أدواتي وتجديدها، علماً أن هاتين الوسيلتين لا تكفيان لتحقيق الفوز بمعزل عن التجربة وممارسة اللعبة مع الأصدقاء بغية اكتشاف ثغرات الخلل وتحاشيها من جهة والعمل على الابتكار من خلال وضع الخطط التي تتلاءم مع كل حالة منفردة من الجهة الثانية، الأمر الذي يشي بإمكانية توثيق العُرى ما بين التجربة والتطبيق بالقياس اليومي على المربعات ال 64 وما ينطبق عليهما من القول الشائع: "المعركة تحسم في ميدان التدريب"
صحيح أنني لم أخضع للتدريب على أيدي أخصائيين، غير أن المسألة لم تكن على قدر من الصعوبة بحيث لا أتمكن من الاعتماد على نفسي بالرجوع إلى التقنيات الحديثة التي توفرها أجهزة الكمبيوتر وتباع بالأسواق بغية الاضطلاع على تجارب أمهر اللاعبين وأهم مبارياتهم التي يتم تسجيلها خلال مشاركتهم في البطولات الدولية، فضلاً عن تحليلها والوقوف عند ثغرات الضعف وأفضل الخطوات التي كان بالإمكان لعبها وتحقيق النتائج المرجوة التي يطمح إليها كل لاعب.
وهكذا، كان لابد من السير بخطى حثيثة واثقة من أجل الوصول إلى الأهداف المحددة التي وضعتها نصب عيني بعد ما تعلقت بهذه اللعبة، لاسيما وأن أهمها كان الاحتراف وتحقيق المزيد من الفوز والتقدم الذي يسمح لي بمواصلة اللعب حتى أتمكن من بلوغ الغاية التي شددت إليها كثيراً في أعقاب مواجهة مَنْ هُمْ أقوى مني وإلحاق الهزيمة بي بكل يسر وبساطة، الأمر الذي استدعي معه أن أكون حذراً عند بعض المنعطفات وفي حال تعقيد اللعبة وتشابكها ما يحتم إعمال الفكر والتأكد من جدوى الخطوة قبل الإقدام عليها.
وقد لاحظ الجميع ممن يعرفونني، مثابرتي وسرعة تقدمي، حتى غدوت أنافس أقوى اللاعبين المحليين، الأمر الذي سلط عليّ الأضواء ووضعني في دائرة التساؤل المستمر: إلى أين وصل؟ إلى أين يرغب الوصول؟ متى يقتنع بعدم جدوى الركض وراء المستحيل؟
وكان من المستحيل التوقف في منتصف الطريق. واصلت السير بثقة وهدوء أذهلت الجميع ودفعتهم بالتالي إلى التسليم بالأمر الواقع الذي يدحض كل أفكار دخيلة، مشوهة، تسعى إلى تفصيل المعطيات حسب الحاجة والأهواء، فكان لابد من الاعتراف بالحقائق أولاً و آخراً خاصة بعد أن أقيمت البطولات المحلية واستطعت تحقيق المراتب المتقدمة فيها، ما دفع القائمين على هذه اللعبة وتوسيع دائرة انتشارها، إلى عدم تجاهل قدراتي وترشيح اسمي عند أول مشاركة خارجية تتطلب عدد من اللاعبين.
تقدمت صوب الهدف وحققت أفضل النتائج من بين الفريق المشارك، الأمر الذي تطلب معه المزيد من المثابرة تأكيداً على الاهتمام المتبادل بين الإداريين واللاعبين انعكس بشكل مباشر على السلوك اليومي والعناية بتطوير مختلف الوسائل التي تدعم التقدم وتعززه. فصارت "كش ملك" لا تعني لي الكثير ما لم تكن قاتلة لا مهرب منها حتى لو استمرت المطاردة عدة خطوات وتأخذ في الاعتبار مختلف الخيارات والاحتمالات بما في ذلك، التراجع لحظة، ثم معاودة الكرة من جديد إلى أن أظفر بالفوز المحقق.
والشيء ذاته، كان نصب عيني عندما قابلت أنسام في المباراة الأولى، تقدمت بالهجوم القاتل ومن مختلف المحاور، لدرجة وصل فيها الوضع إلى استحالة التراجع مهما كانت حصونها الدفاعية قوية ومتماسكة، ولما بدأت بالانهيار، الحصن تلو الحصن، كانت النشوة قد وصلت ذروتها وأنا أنظر في عينيها فأرى الضعف والتراجع والتماس لحظة هدنة مؤقتة تستجمع خلالها ما تبقى من قواتها التي لا تعرف أين يتعين عليها الاختباء أمام غزارة النيران وكثافتها.
وأعترف الآن أنني كدت أضعف عندما رأيت العينين الجميلتين المبللتين بالدموع، رغم تماسكهما، فتصورت نفسي قاتلاً مجرماً وحشياً محترفاً لا يميز بين الضحايا الأبرياء والأعداء الحقيقيين،فطردت هذه الأفكار من عقلي قبل أن تستوطنه وتحول بالتالي أمام فوزي، الذي سعيت منذ الخطوة الأولى لتحقيقه، غير أنه بعد انتهاء المباراة، كان لابد من الاعتذار عما تسببت به من جرح للمشاعر جراء إلْحاق الهزيمة بأنسام، ولكنها استوعبت الأمر دون مبررات، ووفرت عليّ البحث عن مداخل تخفف من وطأة ما حدث فكان اللقاء بيننا حميماً كسر رتابة التوقعات، ووضع أقدامنا على أعتاب توطيد العلاقة وجموح الروح وتقارب القلوب والأمزجة حتى بتنا على ما نحن عليه.
الآن أستذكر بوضوح، كيف كان وقع كش ملك عليها صاعقاً، بعد أن فكرت في كل الخيارات حتى تتجنب الخسائر جراء التقاط اللحظة المناسبة في أعقاب وضع الخطة المحكمة التي لا مفر من نتائجها، وكيف اهتدت إلى الهجوم المضاد تحاشياً لانهيار الحصون التي ما فتئت تنهار تباعاً، بسبب دقة دراسة التفاصيل بما فيها احتمالات الهجوم المضاد وكيفية الرد عليه حتى يفقد معناه وفعاليته وينهار من تلقاء نفسه.
وأغلب الظن، أن ثقتي بالفوز الذي لم يرقَ له الشك كان سبباً إضافياً، جعل من الهجوم المضاد كأنه لم يكن، بل جعلني أكثف من هجومي كي لا تتمكن من التقاط لحظة واحدة خارجة عن الطوق من شأنها تعزيز دفاعاتها وإعادة توازنها النفسي والمعنوي بما يكفل ردود فعل متروية بعيداً عن الانفعال، الأمر الذي لا يمكن معه إلاّ الخروج بالنتيجة التي خرجت بها المباراة مهما استمر وقت اللعب.
من هنا، كان مناخ اللقاء في ذلك المساء ممتعاً على مستويين، الأول: باعتباري فائزاً حملتني نشوة النصر على أكفها بأطياف البهجة والفرح فحلقت روحي في السماء كما لم تحلق من قبل. الثاني: قدرتي على مسح صدرها من ترسبات الهزيمة بالكلمة الناعمة التي تدغدغ الحواس وتفتح القلب على مصراعيه، بالإضافة إلى استعدادها تقبل النتيجة، خاصة بعد أن عرفت على نحو عميق، أننا نحمل نفس هموم المستقبل ونتعرض لذات المصير بغض النظر عن منسوب ومستوى التفاصيل، الأمر الذي مهد بكل المقاييس إلى متعة جسدينا وتكرار اللقاءات.



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 12 من رواية كش ملك
- الفصل 11 من رواية كش ملك
- الفصل 10 من رواية كش ملك
- اضاءات على مسرحية -من أكبر-
- العراق في خط الدفاع الأول
- الفصل 9 من رواية كش ملك
- على أمريكا أن تكون أكثر عقلانية ..
- الفصل 7 من رواية كش ملك
- الفصل 8 من رواية كش ملك
- صدور حكم الإعدام بحق كتاب -قول يا طير-
- الفصل 6 من رواية كش ملك
- الفصل 5 من رواية كش ملك
- الفصل 4 من رواية كش ملك
- رسائل حب إلى أطفال لبنان
- هل نحن إزاء ضربة أمريكية ترجيحية واحدة ؟
- الفصل 3 من رواية كش ملك
- الحكومة الفلسطينية .. عشرة شهور على الأزمة
- الفصل 3 من رواية :كش ملك
- اتفاق مكة الثنائي
- إيران والعد التنازلي للحرب


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 13 من رواية كش ملك