إبراهيم راشد عبد الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 1929 - 2007 / 5 / 28 - 07:06
المحور:
الصحافة والاعلام
مازال العديد من الذين يكتبون في الشأن السياسي والعام مصرين على فرض وصايتهم على جمهور القراء مستمرين على نهج الإعلام الموجّه والذي هو في جوهره دعاية وليس إعلام بالمعنى الصحيح .
ويبدو أن التخفف من منظومة ما تعلّموه في العهود المنصرمة أمر يشقّ ويصعب على العديد منهم.
فعندما يجد أحدهم أن ما كتبه فلان لا ينسجم مع منظوره الخاص ومنظومة التفكير التي نشأ عليها فإنه لا أسهل عليه من المطالبة بإسكاته بل وتهديده والطلب من القراء أو الجمهور أن يكفّوا عن قراءة ما يكتب ,بل قد يصل الأمر أبعد من هذا بالتهديد والوعيد والشتم والسباب أو بتحريض السلطة ضده ..واستخدام أسلوب الوشايات والسعي السيء الذي لا محالة لا يحيق إلاّ بأهله.
وإذا كان هذا المنهج لا يمت للحريّة ولا الديمقراطيّة ولا أبسط مقومات الحياة الثقافية فإنه من أبشع ما يمكن أن تعالج به أمور الإعلام الصادق والمخلص لقضايا الشعب.
ليس أجدى من أن نتصدى للإنحرافات إن وجدت فيما يعرضه الآخرون بالرد المنهجي والمنطقي والأمين والحجة بالحجة والدليل بالدليل والبرهان فإن ذلك أصوب وأجدى
متى نتعامل بهذا الشكل ونترك أسلوب الإساءة وتحريض الناس بعضهم على الآخر دون أن نعرض آراءنا بوضوح ورويّة وهدوء كما يفعل الباحث والعالم ؟
قد يتذرع البعض بكون الجمهور غير واعي وقد تنطلي عليه بعض الخدع والأحابيل ! ..ولكن أليس أجدى أن نفضح الخدع بالحقائق والأحابيل بنور البراهين الصادقة ؟
ولكن يبدو أن من ذكرنا, منهم من يتعامل مع الوقائع بموقف مسبّق وهو يدافع عن خطل آراءه بزيادة الأخطاء أو كمن يداوي العلة بعلة مثلها.
إن كان الجمهور لا يعي مصالحه فكيف نقبل شرعية انتخاباته إذا ؟
إن من يريد أن يفرض وصايته على الناس هو في الحقيقة بحاجة لأن يبحث عن من يبصّره بحقيقة كون المبصر الأول هم الناس أولا ومخطيء من يظن أن الناس لا يفهمون بل هو وحده الذي لا يفهم وتلك حقيقة سيدركها هو بنفسه آجلا أم عاجلا ..
إن المثقف يحتاج إلى الإطلاع على كافة وجهات النظر والآراء الصادقة والصحيحة منها والمفبركة والملفقة أيضا ..إن الحياة الثقافية لا يمكن أن تقوم على منظومة إيعازات بما يجب وما لا يجب أن نفعل إن هذا السلوك يؤسس للدكتاتورية والنهج الشمولي والجمود الفكري الذي رفضه الشعب منذ أمد بعيد ..
كنت ربما في سنة 1956 أو نحو ذلك تقريبا قد قرأت في مجلة الآداب التي تصدر في بيروت ويرأس تحريرها الدكتور سهيل إدريس عددا خاصّا بالفنون والفنون التشكيلية وكان هناك لقاء مع الفنان العراقي المبدع خالد الذكر جواد سليم وكان ماقاله إجابة على سؤال عما يجب أن نفعل لتنشيط الحياة الثقافية في البلاد أو في الحياة ..كان الجواب قصيرا ومقتضبا وبليغا أقصى حدود البلاغة لقد أجاب أنه يتعين علينا أن نترك ما يجب, وما لا يجب أن نفعل, وأن نتخلص منها ونبدأ بالعمل دون أية شروط أو واجبات من هذا النوع ..وطبعا أنا لا أستطيع الآن استرجاع هذا النص بعد كل تلك السنوات ولكنه موجود لمن يريد أن يدرسه في أرشيف الأعداد القديمة من المجلة المذكورة وربما ..ما زال هناك من يحتفظ بالعدد المذكور
هل هناك اقبح من ياتيك من يقول :لا تتابع الكاتب الفلاني ,أو المجلة الفلانية ,أو القناة الفلانيّة
هذا برأيي هو أقبح وأسوأ ما يمكن أن يقال لمثقف أو حتى متعلّم .
إذا دخلنا المطعم فإننا نسأل عما هو موجود ويعرض النادل ما عندهم ثم يختار كل ضيف ما يحلوا له وحسب شهيته وهو بعد هذا يقدّر جودة الطعام من ردائته ..وقد يقول قائل ربما يكون بعض الطعام سيئا أو ربما مسموما حسب معلومات بعضهم ..هنا سنستبدل المطعم بآخر ولكننا سنطلب نفس الأسلوب ولن نقبل أن يطعمنا غيرنا كما يشتهي هو, بل نريد على الدوام أن نتناول ما نشتهي نحن.
ولن نرتدي إلاّما يلائم أذواقنا ولن نعمل إلاّ ما يناسب ثقافتنا وكذلك لن نتقبّل إلاّ ما يرفد تكويننا ويغني بنائنا الثقافي
إن التحريض الرخيص لا يورث سوى الشفقة ولن يجعل الآخرين يصطفّون إلى جانبنا
كما إن تغطية المعايب لا يؤدي إلى حلها أو معالجتها بل إلى تفاقمها.
فمتى نترك ال..يجب ؟ وال ..ما لا يجب؟
ولا تشاهد الفلم الفلاني ولا القناة الفلانية ولا تقرأ للكاتب الفلاني أو المطرب الفلاني ؟ متى
متى نؤسس لحياة ثقافية وإعلام مثقف يتعامل مع الناس دون وصاية عليهم أو احتقار لآرائهم وأفكارهم ؟أو مداركهم؟
إعلام يساعد الناس بكل موضوعيّة على تلمّس الحقائق وليس التعمية عليها والتعامل مع الناس كمجموعة من العبيد أو الرقيق ؟
إعلام للأحرار والمثقفين!.
هل يود أحدكم أن يتنفّس زفير الآخرين؟
أم الهواء الطلق ؟
القمع أم الحرية الكاملة؟
#إبراهيم_راشد_عبد_الحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟