أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان بين العشق والبركان















المزيد.....

الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان بين العشق والبركان


عبد الستار نورعلي
شاعر وكاتب وناقد ومترجم

(Abdulsattar Noorali)


الحوار المتمدن-العدد: 1929 - 2007 / 5 / 28 - 10:12
المحور: الادب والفن
    



أكَتبتُ القصيدة َ ..
أم لم أكتبْها ..
شهريارُ .. لا بد .. قاتلي ؛
فلأكتبِ .. القصيدة ْ !
***
يا شهريار ُ ..
لك أرقك َ ،
لي أرقي ..
أما القصيدة ُ .. فهي لي !


سواء أتكلمتُ أم لم أتكلم فإن شهريار الملك سيذبحني في الصباح ! فلأتحدَ وأتكلمْ إذن ....!
هذه الصرخة التي تطلقها الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان من المغرب تحيلنا الى سجل التاريخ في كل زمان ومكان . هذا السجل الذي تختبئ في طياته روايات الذبح والسيف والسلطان الجائر الذي لايوقفه شيء ولا يقف عند حد دون نيل نزواته ورغباته المريضة في السيطرة والتحكم والاستغلال والظلم والبطش والاغتصاب وكم الأفواه .
تمسك الشاعرة هنا بمهارة مفتاح باب الهواء المطل على فضاء النور والتحرر من سطوة الكبت وكم اللسان . إنه الكلام المباح في صدرها المتفجر بأهم سلاح ، هو الكلمة الشعر . ألم يكن الشعراء أبداً هم الصوت المدوي الذي يفتح مغاليق العيون على طريق الحقيقة؟

لقد أدركت شاعرتنا بموهبتها وبحسها الخلاق وتنبؤها البعيد وعشقها لأرضها ، أرضها أرقها الدائم كالظل يتبعها أينما حلت وارتحلت ، أدركت أن الكلمة بركان يتفجر في وجه الديجور الذي يلف الأرض والانسان ويغشى بسدوله ضياء النهار امام قافلة الركب المتطلع صوب تحرير التراب من الظلم والغصب والاغتصاب وانكار الحقوق . وشهريار الملك الذباح الذي يسبي ويغتصب ويقتل مثال نابض صارخ .

لقد دلت موهبة الشاعرة مزان وقدرتها التخييلية النافذة الى استنباط المثال الصورة لمضمون القصيدة التي تريد من خلالها ايصال قضيتها التي تنزف في روحها ووجدانها ونقل إيماءاتها وصرخاتها وبراكينها التي تتفجر بالعشق الى المتلقي لتسمع صوت احتجاجها في وجه الاضطهاد . فالكلمة الصادقة النابضة المتفجرة بالحقيقة هي المحرك والدافع، وهي الاشراق لكل ما يجول في صدر الشاعر اياً كانت قضيته. والشعر هو الكلمة التي تحرر وتجر ما في روح الشاعر من ارهاصات مخنوقة بفعل الهواء الفاسد الخانق بقضبانه لنافذة القلب :

لو فجرتُ القصيدة َ ..
لتحررتُ مقـدارَ .. قرية وحانـة ،
(من قصيدة: أمي يعجبها عشق الغرباء)

أهمية القصيدة عند مليكة مزان تكمن في أنها الباب الذي ينفتح أمام النفس لتتحرر من قيودها. وهي في ابداعها وخلقها الفني انفجار بحمم من المشاعر النارية، وليست مخملاً يلامس الجسد المترف ليثير فيه نشوة البهجة البشرية الزائلة ، وإنما تفجير للنفس والوجدان . واثباتاً لهذه الأهمية تشـير في قصيدتها (شهرزادي ليست للقتل) وفي المقطع الذي ذكرناه في مقدمة الموضوع الى أنها تختار القصيدة في كل حال صرخة مدوية في وجه شهريار. وتتمثل الشاعرة في تصويرها بشهرزاد الأنثى رمزاً للأرض التي يقع عليها الظلم وتتعرض للاغتصاب مثلما المرأة. فالأنثى هنا رمز للعشق/الأرض ، لأن الأرض أم الانسان الأولى . هي التي تلده وترضعه وتنشئه وتكبره وتمنحه خيراتها ليصلب عوده ، لذا نقول عند الكلام والاشارة الى المكان "أمنا الأرض" تعبيراً عن عمق الصلة العضوية المتجذرة في كيان الانسان بأرضه.

ومن هذا النبع انساب العشق الصافي في نفس الانسان لترابه ليغدو غالياً مثل الحبيبة والحبيب ، فانطلق الكثير من الشعراء محلقين عالياً في التغزل بالأرض حبيبة ً وعشيقة ً مخلصين لها الود والوفاء والتضحية ، وخاصة عند شعراء الأراضي والأوطان المغتصبة والمحتلة ، والشعراء الفلسطينيون خير مثال.

إن هذا الربط هو أقصى حالات التعبير عن حب الأرض والتعلق بها والتشبث بترابها حد التضحية بالنفس عن طيب خاطر. فكما يعشق الانسان فيكتوي بنار الوجد والشوق والحرمان ومقارعة الموانع والخطوب والوقوف في وجه العالم من أجل حبيبته أو حبيبها ونشوة الوصال عند الرضا ، يعشق الوطن كذلك بنفس العاطفة السامية التي منحها الله للبشـر:

وأراني أسابـقُ ..
كل نزف إلى بلسمـه ِ ،
كل كأس إلى خمرتـهِ ،
وأذبحني .. تقرباً من ربيع كفيــه ْ !
***
أعترفُ أنه الديـنُ :
في ظلهِ ..
نبت نهديَ المجنـون ُ ..
ونشوتي اتسعت أكثـرْ ..
لكل المقيمين بجسـدي ؛
والآن .. لا تراجع َ عنـهُ !
(قصيدة ـ نعم أحبه وماذا بعد)

الأرض عند مليكة مزان عشق متأصل في ذاتها حد النزف ، وحد التفجر في وجه الاغتصاب بركاناً من التمرد الواعي لحقيقة أن الرفض للاستسلام هو طريق مؤهل لمسيرة الهدف المنشـود في نفسـها المتأججة بحب يسـمو على كل حب آخر.
إن مزان تحترق وهي الشـاهدة على القتل والتدنيس والتهميش. صرختها الاحتجاجية وتفجرها البركان ليسـا شاهدين ذاتيين ينصرفان الى هم انفرادي ، إنما صرخة في وجه التعسـف والاغتصاب ، وتحدٍ لكل قطاع الطرق الذين يتلذذون بسـرقة أراضي وأوطان الغير ، وطمس حقوقهم ، والعمل على تغييب هويتهم وتشكيل وجوههم ولون أجسـادهم وفق مقاييس التزوير:

ــ انحنـاءة ٌ ..
من .. نهـدي ..
لعاشـق ٍ .. عاهــر ٍ ؟!
ــ لا … !
***
ــ تنـازلٌ ..
عن .. رقـصي ..
لقـطاع الطـرق ِ ؟!
ــ لا … !
(من قصيدة: وجهي لا تسقطه الصفعات)

تتوغل مليكة مزان بشعرها البركان في تفاصيل الأرض ، لتنطق باسمها في حوارية درامية تتميز بها ، وتستخدمها بتملك مقتدر متمكن من أدواته نضجاً فنياً خلاقاً ، لتنقلنا معها على حمم عواطفها المتأصلة بترابها لتصرخ باسـم من تعشق في وجه المغتصب تعبيراً عن التجربة الأليمة وسط امواج التأجج :

وجهـي ..
لا .. تسقـطه ُ الصفعـاتُ ،
قصائـدي ..
فـؤوس .. اقـتـلاعْ ،
رقـصاتـي ..
مضمونـة ُ المقـاصـلْ !
(من قصيدة: وجهي لا تسقطه الصفعات)

وجهي أنا هويتي ترابي لا تسقطه صفعات قطاع الطرق ولا المغتصبين المدججين بسلاح العنف والقوة والقتل المجاني . أنا الأنثى/الأرض عصية على الاقتحام مهما كانت الصفعات قاسـية رهيبة الوقع ، شـديدة البطش . إني لسـت هينة على الاسـتسـلام والخنوع ، سـأصرخ من أعماقي قصائد بركاناً ، فؤوسـاً على رؤوس الغاصبين ، اقتلاعاً لكل الأشـواك والرماح التي تسـتكلب كي تغرز سـنانها في جسـدي ، سأطلق صرختي ومقاومتي رغم المقاصل المنصوبة ، والمشـانق المرفوعة ، والسـجون الغاصة بالرافضين المقارعين .

هنا تبين لنا الشـاعرة بمهارة أهمية الكلمة في المنافحة والمكافحة والنضال الدؤوب. فللقصيدة بركانها الذي يهز عروش السـلاطين وغلمانهم ، وهي سـلاح لا يقل مضاءاً من السـيف . ولذا كانت العرب تحتفي بشـعرائها لأنه صوت القبيلة ، لكن القبيلة سـرعان ما حولت الشـعر الى سـلاح مضاد في الطعن والقدح والاسـقاط .

مليكة مزان تعيد للشـعر دوره الفاعل في وجه الآفات البشـرية وصناع القبح والبطش والظلم . وهي بذلك تخرج من أسـر طغيان قصيدة الفكر اللغز والتصوف التهويمات من الذي يطلق عليه اسـم الشـعر الانساني المطلق ، فتعيد بذلك للقصيدة أهميتها في التفجير الانساني الإيجابي لمعضلات المعاناة البشـرية في بقاع كثيرة من العالم المعرض للظلم على مسـاحات واسـعة من الخارطة الانسـانية الوطنية ، مما يجعل التوق الأول للانسـان هو الحرية بمعناها الانعتاقي الشامل من قيد الاضطهاد والتهميش والاغتصاب ومن الحق في التعبير الحر عن الارادة:

أنيـنُ الشتـاتِِ ،
وربيعُـكَ المسفـوكُ أريجُه ُ ..
عند حجر الطغـاة ِ ،
وأنت لاهٍ عن وجع الأرض ِ ؛
يبشر بك التيـهُ .. بقـايـا ،
وأقـولُ :
الآن عذابي أقـلﱡ ،
وبركاني .. مضمونُ القـصيدة ِ والشعار ِ !
( من قصيدة: هل تفيد العهارة شـيئاً)

القصيدة ُ من أجلها ..
صلاتي ،
واحتراقي ألغى حدود الشمس ْ ،
لا بأس ْ :
السفر عبر جليدكَ ..
استرداد لمجرى النهر ِ ..
وأريج الزهر ِ ..
وصلاة مقبولة من عصافير الوطن ْ ..
(من قصيدة: احتجاج)

يا شهريار ُ ..
لك أرقك َ ،
لي أرقي ..
أما القصيدة ُ .. فهي لي !

إن الهم الانسـاني الاكبر عند الشـاعرة البركان المبدعة مليكة مزان هو العشـق بمعناه الأوسـع الأشـمل الذي يتخطى الذات بمعناها الأناني الى ذات أكبر هو الوطن بفضائه الشـمولي لكل معاني الوجود للإنسـان الفرد والجمع ، في توحد وجودي يعطي الشـكل الأكبر واللون الأبهى للذات الفردية حين تثبت هويتها أمام العالم.

مزان هي العشـق الفضاء الممتزج كلياً بالأرض حد الوله والتوتر الايجابي بمعناه المتفاعل مع الحدث والتجربة باطارهما الواعي المنفعل بمجريات التاريخ وبعنفوان شديد التفجر متجاوزاً حدود المألوف الى التمرد الطاغي. فالأرض هي الحبيب ، والأليف ، والعريس الذي تحلم به كي تتزوجه وتتحنى به عن طيب خاطر وفرح روحي يتخطى السـكر النشـوة الآنية الى السـكر البهجة السـرمدية الخالدة بخلود الأرض ، والمتحدية لكل الحواجز والقيم ومذابح الجنس البشري المريض للعلاقة الحميمية بين الانسـان وقضيته الكبرى وهي حرية الوطن:

عصفورَ إيـابٍ ..
إذ يتحرش بـي ..
أعانقه عرسـاً ،
أردده سُكـراً :
وأتحدى … وأشـدُو :
نعم أحبه ُ وماذا بعـدْ ؟!
(من قصيدة: نعم أحبه وماذا بعد)

في مسـيرة الشـاعرة الأمازيغية الفنية يلتقي القارئ بحمم ونيران وتفجرات مشـاعرها وتمردها اللامحدود بحدود اللغة المنتقاة بعناية الصائغ الأليف الوديع المتمسك برداء اللاعنف وبالمضمون غير الاقتحامي المتحدي لمألوف العلاقات. كما يلامس ألق هذه الاحاسيس في اٍسـتخراج كل ما في داخل المتلقي من مواطن المعايشـة الفاعلة مع تجربة الشـاعرة واثارة مكامن الغضب والتحدي المتراكم المحبوس في داخلها، ليذوب معها في بركانها المتفجر كلماتٍ وصوراً ومشـاعرَ حقيقية حارة لعشـقها الخالد وتوحدها الموجود بتراب الوطن ، وذلك من خلال القصيدة الضربة والصورة الصدمة لخلق الأجواء لتوتر المتلقي ومعايشته وانفعاله .

نجحت الشـاعرة مليكة مزان في تشـغيل عنصر الدراما الفنية بتألق متميز ودراية نافذة لهذا الفن ، لخدمة الأفق الذي تريد ايصالنا اليه لنكتشـف العوالم التي تضعنا في أجوائها. حيث إن الدراما ومن خلال الحوار بين الشـخصيات ودواخلها خلف كواليس القصيدة تضع القارئ أمام مرآة روح التجربة بلا فضفاض من الصور أو شوائب من التعابير أو زوائد من البلاغة اللغوية المصاغة في التواءات لخلق اكبر قدر من الصور المهفهفة ، فتكون عبأ على القصيدة وثقلاً مملاً على ذائقة القارئ . فنجاح شاعرتنا يكمن في هذا الاستخدام الذكي وهذا الاختزال والتكثيف البارعين :

هل قـلتَ :
أتحاشى القصيدة َ والبركانَ ؟!
هل قلت َ :
أتركُ سربَ الحمام لتيـهـهِ ،
دمَ النايــاتِ .. لخفافـيـش ِ الظلام ِ ،
(من قصيدة: هل تفيد العهارة شـيئاً)

يا عصافيرهُ ، قولي :
هل أجرمت ُ… ؟!
يا عصافيره ُ ، قولي :
هل أ ُعدَم في آخر الغناء ْ ؟!
تعالي ْ ،
يا عصافيره ُ ،
تعالي ْ ..
نعزفه .. بأقـصى الـقـتل ْ !
(من قصيدة: تلك سـلطتك في دمي)

والهاء ضمير الغائب في (عصافيره) إشـارة الى الوطن الذي تعشـقه بهوس حار وانفعال يمتزج بالتمرد على الواقع بكل ما فيه من خدر العلاقات والتجاذبات وسكون المشاعر المرتاحة الى ما هي عليه والمستأنسة بما هي فيه.
وطنها في جبال الأطلس حيث ولدت في قرية من قراها ، فتشربت دفء الأرض وعطاءها وحلم الطفولة الغضة وجمال السماء المعبدة بنجوم الأحلام التي صبت نفسها اليها، لكنها تجد مرساها في ارض أخرى في فرنسا حيث تقيم في مدينة ليون بحثاً في حياة تجهلها ، غربة وانتظار وحلم تأمل في ملامسته يوماً عن قرب. لكن الأرض الجديدة منحتها حرية كانت ترنو اليها حلماً وسط قيود كبلتها عن الانطلاق في فضاء الحرية والتعبير دون حدود تراها مثقلة لما في داخلها.
لذا أوقفت صوتها من خلال موهبة الكتابة لكل ما تؤمن به وتحسه يضطرب في نفسها ضاغطاً ثقيلاً . فانطلقت تقول وتصرخ بعنفوان الثائر واحتجاج الباحث عن الخلاص والرافض الذي يدين كل تواطؤ في خيانة الأرض وذبحها عهراً وعاراً أبدياً . وهو دلالة على عنفوان عشقها وعمق التحامها بالوطن وترابه:

هل قـلتَ … ؟!
بل قـلتُ :
غزالة أطلس ٍ .. ترفـض نهـدَها ..
غنيمةً للطغـاة ِ ،
أم هل يحل التواطـؤ ُ ..
في آخر الذبــح ِ ،
أم هل تفـيـد العهـارة شيئــاً ..
حين يخون الوطـنُ ..
شماتـة ً .. بقـصائد الرفـــضْ ؟!
(قصيدة ـ هل تفيد العهارة شيئاً)

من عينيــه ِ ..
تتناسل الشمـسُ ..
أقـواسَ قـزح ٍ وألعابَ طفولــة ْ ؛
من مروره بثغـري ..
يزهر صـدري ..
أَحيــدوسَ * أعــال ٍ ،
أَحــواش َ * صحـــار ٍ ،
انتشــاءَ .. بحر ومحيــطْ !
(قصيدة ـ نعم أحبه وماذا بعد ؟)
*أحيدوس وأحواش : اسمان أمازيغيان لفنون فولكلورية بالأطلس المتوسط ومنطقة سوس بالمغرب.

الحواريات الدرامية التي يمتاز بها شـعر مليكة مزان مع المشاهد واللوحات التي ترسـمها ببركان كلماتها ومشـاعرها الحارة تلقي بنا في أتون عشـقها المدمى وجرحها/الوطن وعنفوان قصائدها التي تمتاز بقصرها وتكثيفها الصوري وتركيزها البلاغي بالمألوف من الكلمات ، والسهل الممتنع من التعابير والصور المتواترة ، بتلاحم ملحوظ يقربها من الملاحم لكثرة الأحداث المتشابكة خلف اللوحات المشـبعة بطول النفس . وهوعنصر أساس من عناصر الدراما الملحمية. والملحمة ليست بالضرورة تتابع احداث الحرب والقتال والصراعات ، إنما رواية وتسلسل صراعات النفس البشرية المتلاحمة مع الصراعات التاريخية والذاكرة المسـتقرئة السـائحة في مدارج الماضي والحاضر المتأزمين بأسـلحة الظلم والعدوان والغصب ، واسـتخراج كل ذلك في تتابع ملحمي مشـاعري ممزوج بالصراع الداخلي المتلاطم مثل صراعات الملاحم الكبرى . فقصائدها متلاحمة المضمون ، متوحدة الاحاسيس ، حبكتها العشـق ، ولحمتها حب الأرض والتاريخ . علينا أن نقرأها مشدودة لبعضها البعض في تسلسل سياقي ووحدة موضوعية ملحمية درامية واحدة دون انفصال أو تجزيء .

تمتاز قصائد مليكة مزان بالاستفزازية الصِدامية المتفجرة بالمعاني والصور المصاغة بالعشق الجرح/الوطن . إنها تجر معها المتلقي الى الوقوع في شعاب عالمها المليء بارهاصات النفس العامرة بحب خالد بخلود الكون ، هو حب الوطن/الأرض حد الذوبان في ذرات ترابه ، والتوحد بأحلامه وآماله وآلامه وجراحه والطعنات التي تنشب مخالب الاغتصاب في جسده .

وشاعرتنا في كل هذه المواجيد تنجح بامتياز من خلال تشغيل وتطويع الموهبة الشعرية والبراعة الخلاقة بتأن ووعي لخدمة العملية الشعرية ومضامينها من أجل ايصال ماتريد بإثارة دهشة المتلقي بالصدمة الشعورية لتحقيق الهدف. وقد عرفت كيف يكون لها تحقيق ذلك ، بالقاء حمم بركانها الشعري تفجراً يثير مكامن التفاعل عند الآخرين مع قضيتها بواسطة قصائد لا تطول فتتكرر الصور والمعاني وتقحم الألفاظ اقتحاماً مملاً ، وكذلك بتكثيف وتركيزالمعنى والصورة ببلاغة سهلة ممتنعة بعيدة عن التزويق والتلغيز الذي يغمض على المتلقي ، فيغيب المعنى ويضيع الجهد الابداعي المبذول في خلق النص .

المتابع لقصائد مزان يلاحظ ورود كلمة البركان وأصداء التفجر والعنفوان والتحدي والاحتجاج والعنف الهجومي، وكذلك التاكيد على اهمية القصيدة ، واصرارها على التمسك بها سلاحاً واحتجاجاً في وجه الطغيان والاغتصاب . ولذا فهي بحق (مليكة البركان الشعري) المتدفق بالحمم حسياً ولغوياً وحياتياً . وهو ما يمنحها صوتها الخاص المتميز وسط الكم الهائل من الأصوات الشعرية المتداخلة في بعضها بحيث تغيب الأصوات وسط هذا الركام المختلط بعضعا البعض فلا تعرف زيدها من عبيدها.

إن لشاعرتنا المبدعة بحق قامتها الشعرية الخاصة الواقفة بصلابة في مملكة الشعر الواسعة الفضاء ، الفسيحة الأرجاء ، بحيث يمكننا حين نلتقي بقصيدة لها ، وقبل أن نعرف من الكاتب ، أن نقول هاهي مليكة مزان مليكة البركان الشعري. وهنا مكمن نجاح المبدع حين يكون له صوته الخاص المميز عن الآخرين:

يـا ويـل رقـصاتـي ..
إذ يفجر الرعب أعضاءها اللقـيـطـة ََ ..
من ترنحي الموعـود ِ ..
على جسد الهشاشـة ِ ،
وما راكمـت ُ ..
من .. قـيـح ٍ ،
ومن .. براكـيــن َ ..
في .. ذاكـرة الكـبــد ِ !
يـا ويـل .. رقـصاتي ،
يا ويـلهـا ، يا ويـل جسدي !
(قصيدة ـ سـأوغل في الرقص وويله جسـدي)

وفي كل ما كتبت وتكتب مليكة مزان وكل ماتفجره من براكين نرى الأرض واقفة بصلابة وإباء ورفض وانتصاب قامة وعصيان على الاستسلام والخضوع ، نراها خلف مضامين ملاحمها الطقوسية الدرامية في العشق/الوطن ، والشعر/البركان. إنها جسد ذائب في جسد الأرض متفجر في ذراتها ، إنها عشق منحوت بالأداء الروحي الحار المتدفق:

حين انتبهتُ .. وعَـدْتُ … :
إما أن أمارس الحب في السياسةِ ،
والسياسة َ في الحبْ ..
أوْ .. لا .. أحـبْ !
***
وها أنا .. أحـبْ ..
وها أنا .. تقـودني إليكَ القصائـدُ ..
من كل المصانـع والحقـولْ ،
خلفي العصافيــرُ ،
ينابيـع الوطن والفصـولْ ،
وخلفنــا ..
قلبــي ،
صلاتــي ،
ارتعاشــي ،
رقصاتي التي اشتهيــتَ ،
(قصيدة: انتقاماً للحب)

وأعزفك َ للريح ِ ..
لا أبالي بالصمم ِ ،
أعزفكَ فقـط لأنك لغتي ،
أعزفك فكن لغتي ..
حتى انفراج آخر ْ !
(من قصيدة: تلك سـلطتك في دمي)


عبد الستار نورعلي
السبت 11 مارس 2006





#عبد_الستار_نورعلي (هاشتاغ)       Abdulsattar_Noorali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خارج أسوار القفص
- مؤتمر شرم الشيخ ووثيقة العهد. من ينفذ؟
- ثلجٌ يتساقطُ
- مشاهدات رائد مزمن لشارع المتنبي في بغداد المتنبي
- هنا كانتْ بغداد..!
- مجلس النواب أم مجلس السواح العراقي ؟
- معنى الشعر عند بريهان قمق
- أسلمَة الحرب على الارهاب
- سِفر الخروج
- بريهان قمق بين اللغز وتراجيديا البحث
- وثيقة العهد، اعتراف صريح باقتراف جرائم الارهاب والقتل
- الرأس
- هذي السويدُ درة البلدان
- سيدة الكلمة الحية
- هل اصبحت قضية الكرد الفيليين في خبر كان؟
- هنا بيروت
- هولير وظلها البعيد
- الى التحالف الكوردستاني: الفيليون ليسوا كرداً من الدرجة الخا ...
- قراءة في دفاتر الشاعر محمود الريفي
- رسالة من شاعر


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار نورعلي - الشاعرة الأمازيغية مليكة مزان بين العشق والبركان