أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - من تاريخية الجمهورية الأولى: - ثورة 14 تموز وردود الفعل الإقليمية والدولية الأولى: 1-4















المزيد.....


من تاريخية الجمهورية الأولى: - ثورة 14 تموز وردود الفعل الإقليمية والدولية الأولى: 1-4


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 1924 - 2007 / 5 / 23 - 11:56
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


 جاءت ثورة 14 تموز في خضم الصراع العالمي الحاد بين قوى التحرر والمراكز الرأسمالية العالمية وضمن زمنية سيرورات (الحرب الباردة).. وفي مرحلة صيرورات الإرتقاء للحركتين الوطنية والقومية في منطقة الشرق الأوسط وعموم البلاد العربية، بإرتباطها الضمني مع حركة التحرر التي اجتاحت العالم بعد الحرب الكونية الثانية وإنتشار الفكر الديمقراطي التحرري. إذ جاءت بعد سلسلة من الأنتصارات لهذه الحركات في عالم الأطراف: الثورة الصينية والحربين الكورية والفيتنامية.. ومن ثم المصرية عام 1952، والتغيرات التقدمية في سوريا عام 1954، وانطلاق الثورة الجزائرية في ذات العام، وأخيرا قيام الجمهورية العربية المتحدة (ج.ع.م).
تعرضت، تاريخياً، الاقطار العربية والشرق أوسطية عامة لأهميتها، إلى مطامع القوى الكبرى وأمست ميداناً لصراعها العلني والمستتر وخاصةً منذ القرن السادس عشر ولحد الآن. كان العراق منذ حضاراته الأولى وفجر التاريخ، أحد البلدان الرئيسية التي شهدت تغلغلا أجنبياً. وأخذت هذه الأهمية وذلك التغلغل تتصاعد وتائرها نتيجة جغرافيته السياسية وكنائزه الطبيعية، حتى جاء القرن التاسع عشر" بالشكل الذي عزز المصالح البريطانية في العراق التي أخذت أبعادها إتساعاً وترسيخا ًخلال حقبة تاريخنا المعاصر، خاصةً وأن ظروف ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، قد خلقت مزيداً من المصالح في منطقة الشرق الأوسط عموماً. وكان العراق مرتكزاً رئيسياً في استراتيجية القوى الغربية وفي ظل مجموعة المعاهدات والأحلاف التي شكلت أبعاد تلك الاستراتيجية وأهدافها. ومن هنا يبرز مبعث الصدمة التي تعرضت لها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، جراء قيام ثورة 14 تموز1958. إن هناك ترابطاً بين ما حدث في العراق وبين التطورات التي شهدتها المنطقة على أثر ذلك[1] "، وما حملت من نذر شؤوم للمراكز الرأسمالية على وجه الخصوص. وهذا ما أكدته أحدى مذكرات وزارة الخارجية البريطانية المؤرخة في 15/7/1958، عن الوضع في الشرق الأوسط، الذي يسير " بصورة خطيرة وبسرعة غير متوقعة... في الوقت نفسه أن الثورة في العراق قد سببت تدهوراً سريعاً في الوضع اللبناني...الثورة العراقية قد ألقت الآن الشرق الأوسط  في هيجان... والأحداث في العراق سببت بطبيعة الحال قلقاً ليس فقط في لبنان، ولكن أيضاً في النصف الآخر من الإتحاد العربي...[2] ".
 " لقد أحزنت الأحداث الدامية التي وقعت في بغداد العالم الحر بشكل عميق... وقد حدث ذلك بثورة قامت بها عناصر معينة من الجيش كانت تعمل لصالح قوى أجنبية... ونتيجة لهذه الثورة المهيأة من قبل الناصرية والشيوعية، تزعزعت وضعفت بشكل خطير مصالح وأمن الأعضاء الإقليميين لميثاق بغداد، أي تركيا وإيران والباكستان، وقد تعرض العالم الحر قاطبة لخطر الشيوعية أكثر من السابق...[3] ".
أدت هذه التطورات السريعة والمفاجئة لثورة 14 تموز، إلى تغيرات بنيوية في الخريطة الجيو/سياسية لدول المنطقة، والاجتصادية لواقع العراق، وإنعكاسات مساراتهما على الصعيد الدولي، التي عكست، في إحدى جوانبها، صور تنافس وتصادم المصالح بين القطبين الأرأسيين المتناحرين ( الاشتراكي والرأسمالي) من جهة، وكذلك الصراع بين المراكز الرأسمالية ذاتها من جهة ثانية، في منطقة الشرق الأوسط، حيث العراق قلبه من الناحية الاستراتيجية ببعديها الاقتصادي و السياسي وبالتالي أهميته العسكرية. كما قلبت الثورة موازين التخطيط الاستراتيجي المستقبلي لمصالح هذه المراكز التي باتت حكوماته في حالة إنعقاد دائم ورفعت من حالة الاستعدادات الحربية لقواتها المسلحة، خاصةً في قواعدها الخارجية وتحركت دواليب عملها الدعائي، وعم الذعر في الأسواق المالية.
لقد تجلت الصدمة في ردود الأفعال الأولى إزاء ما حدث، على السواء بين معسكرين كبيرين:
-   الأول: ضم الدول المؤيدة للثورة والتي مثلتها آنذاك ج.ع.م ودول المعسكر الاشتراكي والعديد من دول الانحياز وكذلك الكم الكبير الصامت من شعوب المنطقة وعالم التحرر والقوى المستقبلية.
-   الثاني: ضم الدول والقوى المناهضة للثورة، في المنطقة وخارجها، وشملت القوى المتضررة من هذا التغيير المراكز الرأسمالية، وخاصةً الولايات المتحدة وبريطانيا، والدول الإقليمية لحلف بغداد، والأردن وتلك التابعة التي لم تبلور ذاتها التحررية.
 
سيقف الباحث عند تحليل أحداث اليوم الأول للثورة في العراق وتفكيك ردود الأفعال الدولية وطبيعة الموقف المقترح لمواجهتها ، على ذلك التباين الشاسع بين منظومة كل معسكر وموقفه إزاء ما حدث وفلسفة الاختيار لحل هذه الأزمة الجديدة، سواءً:
على صعيد الاعتراف بالنظام الجديد أم مجابهته؛ في تحديد المسار القادم أو تحجيمه؛ في البحث عن مضمونه الاجتماعي وتوجهه السياسي؛ في ماهية القوى القائدة له وطبيعتها؛ في دوره من الصراع بين القطبين الأراسين في النظام العالمي آنذاك؛ في مدى التأثير على استراتيجية كل منهما لواقع الشرق الأوسط وما جاورها؛ وعلى واقع حركة  التحرر العربية ودول المنطقة [4]؛ في الحرب الباردة وتكيفها للمتغير الجديد؛ على الصراع العربي- الإسرائيلي ... الخ.
لقد أستبشرت مجموعة المعسكر الأول فيما حدث من مفاجأت في العراق، ومن تغيير جوهري في النظام، الذي أصبح حقيقة واقعة مُسلم بها. إذ راقبت، بعض قواه العالمية التأثير (الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية)، الوضع عن كثب وأعلنت رفضها لأي تدخل عسكري في المنطقة ، ودعت الولايات المتحدة وبريطانيا إلى سحب قواتها منها.. وإستُكمل هذا التحرك بالإعتراف الرسمي بالنظام الجديد في الفترة ما بين16-19 تموز. في حين ترجمت الدول الأقل تأثيرا، موقفها من خلال الاعتراف بالنظام الجديد منذ اليوم الأول والاعلان عن المساندة  المعنوية والمادية المحدودة، ومثال على ذلك ج.ع.م التي اعترفت بالنظام منذ اليوم الأول بعد أعتراف حكومة الثورة بها.. أعقبها توالي الإعترافات من اليمن وتونس والسودان وبقية الدول العربية[5]، ثم دول عدم الانحياز الكبرى: يوغسلافيا والهند واندنوسيا- سوكارنو. لعبت هذه الخطوات الدبلوماسية والمناورات العسكرية لدول حلف وارشو، دوراً كبيرا في كبح نية التدخل العسكري وغزو العراق من قبل دول حلف بغداد، وبالتحديد تركيا، وبعض المراكز الرأسمالية العالمية.
 لعبت العربية المتحدة، في أحدى قممها الزمنية النيرة، قبل إشتداد صراعها ومن ثم عدائها لثورة 14 تموز، دوراً كبيراً في إسناد الجمهورية الوليدة، لدوافع عديدة فرضتها من جهة طبيعة الصراع الذي كان مشتداً أواره في المنطقة بين أقطابه المتناحرة، بين تلك المتحالفة مع الغرب والدول الأخرى الطامحة للاستقلال والتحرر وتحقيق الذاتين القومية والوطنية، وبالأخص بين عراق نوري السعيد، ومصر الناصرية؛ ومن جهة ثانية مثلت الثورة العراقية إضافة نوعية جديدة لحركة التحرر الوطني في المنطقة وبالتالي تعديل موازين القوى لصالحها ؛ ومن جهة ثالثة تحقيق الناصرية لبعدها الأنوي وتوسيع شعبيتها التي ترامت في الانتشار في العالم العربي باعتبارها قطب التحرر فيه. تجلى هذا الإسناد للعربية المتحدة من خلال:
-       الإعتراف المبكر بالنظام الجديد؛[6]
-        إعلانها حالة التأهب القصوى للقوات المسلحة في كلا الإقليمين؛
-        واعتبار أي عدوان على العراق، عدواناً على ج.ع.م وستطبق إلتزاماتها على وفق ميثاق الضمان الجماعي العربي؛
-       التأييد الكامل للثورة من خلال إعادة بث جهازها الإعلامي لكل ما يصدر عن العراق؛
-       " توجيه عدد من النصائح إلى قادة الثورة الجدد..."؛ 
-    أمدت الوحدات العراقية قرب الحدود بالأسلحة والذخيرة لمنع أو عرقلة الزحف المتوقع من قوات الاتحاد الهاشمي في الأردن؛
-       حث دول المعسكر الاشتراكي والدول المتحررة على تأييد الثورة والاعتراف بها.[7]
 
في الوقت نفسه كان الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية وبقية دول منظومة الكتلة الاشتراكية تراقب الوضع عن كثب، وأعلن الزعماء السوفيت رفضهم الشديد لأي تدخل في منطقة الشرق الأوسط عامةَ والعراق خاصةً. وقد أصدروا بياناً في 16 تموز أعلنوا فيه اعترافهم الرسمي بالنظام الجديد، من خلال رسالة خروشوف السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي للزعيم قاسم[8]. كما دعا البيان الولايات المتحدة لسحب قواتها من لبنان، وهم يحتفظون بحقهم لاتخاذ الاجراءات الضرورية للمحافظة على السلام والأمن في المنطقة. آنذاك إعتمد السوفيت سياسة الحربين النفسية والسياسية في البدء.. وكان يُتوقع ارسال مساعدات وقوات ومتطوعين عبر سوريا وهذا ما أشارت إليه الوثائق البريطانية وحلف الأطلسي. إذ " بعثت السفارة البريطانية برقية لاحقة في اليوم التالي، 17تموز، ذكرت فيه أن البيان الذي أصدرته الحكومة السوفيتية:
1-    يعبر عن السخط من التدخل المسلح للولايات المتحدة في لبنان ويرفض تبريراتها أزاء ما أقدمت عليه.
2-   ينص على أن الأعمال الأولى للحكومة العراقية الجديدة، هي مزيد من الدليل على أن الشعب العربي قد عقد العزم على تحقيق التحرر من الاستعمار وعلى تطوير اقتصاده الوطني.
3-  يلاحظ أن الحكومة العراقية قد عبرت عن عزمها وتصميمها على التقيد بمبادئ باندونغ وميثاق الأمم المتحدة والانسحاب من حلف بغداد.
4-    يعلن أن قد خطط ليس فقط ضد لبنان، وإنما ضد كل الأقطار العربية المحبة للحرية.
5-  يدعي أن تدخل الولايات المتحدة قد أوضح بما لا يقبل الشك، أن حكومة الولايات المتحدة رفضت المقترح السوفيتي في 11 شباط 1957 بشأن عدم التدخل، حتى تبقى يدها حرة.
6-  ينص على أن مجلس الأمن والجمعية العامة، يجب أن يتخذا الإجراءات الفورية والحاسمة لإيقاف العدوان وحماية الاستقلال الوطني للدول العربية.
7-  يختم البيان على النحو الآتي: إن الحكومة السوفيتية، تناشد على وجه السرعة حكومة الولايات المتحدة لإيقاف تدخلها المسلح في الشؤون الداخلية للدول العربية، وسحب قواتها من لبنان فوراً. إن الاتحاد السوفيتي لا يستطيع أن يبقى غير مبال أزاء ما يجري من أحداث تخلق تهديداً جدياً في منطقة محاذية لحدوده، وهو يحتفظ بحقه في إتخاذ الإجراءات الضرورية للمحافظة على الأمن والسلام [9] ".  
 وأقترح الاتحاد السوفيتي في 30 تموز، دعوته " لعقد اجتماع لرؤساء الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وبريطانيا (وفرنسا) والهند بإشتراك هيئة الأمم المتحدة لمناقشة الوضع في منطقة الشرق الأوسط وانسحاب القوات الامريكية من لبنان والبريطانية من الأردن[10] ". ويُترجم هذا الإقتراح، الذي رفضه الغربيون بإستثناء فرنسا ديغول، في بعض جوانبه، الاهتمامات السوفيتية بالقضية العربية والدفاع عنها، وهو بذلك يكسب رصيداً لا يستهان به في الشرق الأوسط، خاصةً لدى الحركات السياسية الديمقراطية واليسارية، الوطنية منها أو القومية. ولذا إذا كان يمكن أعتبار 1956عام الدخول الواسع للاتحاد السوفيتي إلى الساحة السياسية في الشرق الأوسط عبر البوابة المصرية. فإن عام 1958 كان عام تثبيت مكانة الاتحاد السوفيتي في المنطقة،  الذي تعزز بانتصار ثورة تموز، التي تحولت إلى رمز للتطور السياسي بين دول المنطقة والنزوع نحو التحرر.
لقد سبق وأن وجه الاتحاد السوفيتي، مذكرة إلى الحكومة التركية في 18 تموز " جاء فيها بأن هناك استعدادات واسعة النطاق في تركيا للقيام بهجوم ضد العراق وحذر في مذكرته من الاعتداء على العراق. فردت الحكومة التركية في 22 تموز مؤكدة أن أعمال تركيا هي دفاعية بطبيعتها. إلا أن الحكومة السوفيتية بعثت بمذكرة أخرى في 24 تموز حذرت فيها تركيا مجدداً من القيام بتحركات عسكرية ضد العراق، وقد أتضح أخيراً بأنه كان في نية تركيا التدخل العسكري في العراق إلا أن موقف الاتحاد السوفيتي حال دون ذلك[11] ".
لم يكتفي الاتحاد السوفيتي بالطرق الدبلوماسية، لوقف اندفاع دول حلف بغداد لغزو العراق، بل أخذ يلوح بالقوة العسكرية، إذ أعلن أن القوات البرية والجوية والبحرية السوفياتية ستقوم بمناورات عسكرية في المناطق الجنوبية المتاخمة للحدود الإيرانية والتركية من جهة وقيام دول حلف وارشو بمناورات في بلغاريا بالقرب من الحدود التركية. وأصدرت وزارة الدفاع البلغارية بيان جاء فيه: " طبقاً لخطة التدريب القتالي المقررة لجيش بلغاريا الشعبية سيطبق تمرين عسكري للقوات الأرضية والجوية والبحرية يوم 18 تموز1958 وقد وضعت فرقة جوية سوفياتية بإمرة مارشال القوة الجوية سيكو لتساهم في التمرين مع جيش بلغاريا الشعبي ... وفي 3آب/اغسطس 1958 صدر بيان مشترك عن الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية بشأن الموقف في اللشرق الأوسط كرر فيه الطرفان الدعوة إلى عقد اجتماع لرؤساء وزارات الدول الكبرى لبحث الأزمة. وشدد البيان على سحب القطعات الأمريكية والبريطانية فوراً من لبنان والأردن. ولقد عززت البيانات التي صدرت من الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية موقف قيادة الثورة في العراق وأفهم العالم بأن أية محاولة للتدخل ضدها  ستؤدي إلى تصادم مسلحح بين الشرق والغرب وبالتالي إلى حرب عالمية ثالثة تلعب بها الاسلحة المدمرة دوراً حاسماً  [12]". ( التوكيد منا-ع.ن)
لعب الموقف السوفيتي الحدي والمبدئي، دورا مهماً في كبح إحتمالات التدخل التركي من جهة, ومن جهة ثانية أثر على الرؤية البريطانية وأقنعها بأن رد السوفيت سيكون عنيفاً وقد يطور الحالة إلى حرب واسعة النطاق ستضر بالمصالح البريطانية. " ويبدو من اسباب هذا التغيير ليس فقط عدم رغبة الأمريكان في تصعيد الموقف أو الأزمة في الشرق الأوسط التي ظهرت جليا عبر عدم تشجيع تركيا على اتجاه ارتكاب أي حماقة في العراق، بل يبدو أيضاً نتيجة الرسالة الشديدة اللهجة والتهديد والوعيد الذي تضمنته الرسالة المهمة جداً التي بعثها نيكيتا خروشوف إلى هارولد ماكميلان رئيس وزراء بريطانيا يوم 19 تموز عبر السفارة البريطانية في موسكو[13] ". ( التوكيد منا-ع.ن)
 كما بدأت الصحافة السوفيتية ووسائل الإعلام، بالتلميح إلى حملات التطوع لشباب دول حلف وارشو، وتسجيل أسمائهم للسفر الى العراق، إذا تم غزوه خارجياً. رافق ذلك قيام مظاهرات صاخبة تأييداً للثورة. كما أطلق الاتحاد السوفيتي في 20 تموز تحذيراً جديداً، حذر فيه الدول الغربية من مغبة تدخلها في الشؤون العربية ونبه حكومات ألمانيا الغربية وإيطاليا وإسرائيل إلى ما يحدث لو استخدمت أراضيها وأفضيتها الجوية لنقل الغاصبين، على حد تعبير البيان، الذي ألمح إلى أنه ما لم تتوقف الولايات المتحدة عن المضي في تنفيذ نية التدخل المسلح ضد الثورة العراقية فإن المتطوعين منه ومن الأقطار الاشتراكية الأخرى سيتوجهون إلى منطقة الشرق الأوسط.
ورغم الهدوء النسبي وأستقراره في العراق والمنطقة عموماً.. وإرتداد نوايا التدخل من دول حلف بغداد لجملة من الأسباب الخاصة به الدولية والداخلية، أستمر الاتحاد السوفيتي بإرسال القوة العسكرية إلى البحر المتوسط، إذ أرسل بعد مرور شهر واحد على قيام الثورة ما مجموعه 106 غواصات و35 مدمرة، بغية تعزيز الأمن الخارجي لحركة التحرر في العراق و لبنان والعربية المتحدة. كان موقف الاتحاد السوفيتي هذا، كما تشير الوثائق السرية البريطانية، سبباً أرأسياً في أنشقاق دول الحلف الأطلسي، حول ماهية الإجراءات العملية الواجب إتخاذها من قبله أزاء الوضع الجديد الذي نشأ على ضوء الثورة العراقية.
 
 
 


[1] - د. علاء نورس، ثورة 14 تموز في تقارير الدبلوماسين البريطانيين، ص.52، مصدر سابق.
[2] -المصدر السابق، ص.53-54.
[3] - من برقية السفارة البريطانية في أنقرة إلى وزارة الخارجية. مستل من، الوثائق البريطانية، ج. 1 ،ص. 92. والرسالة كشفت عن رؤيتها لثورة تموز وتنم عنالموقف المسبق عندما اتهمتها إنها صنيعة دول أجنبية.
[4] - راجع قحطان أحمد سليمان، السياسية الخارجية العراقية من 14 تموز 1958إلى 8 شباط 1963، ص.102، رسالة ماجستير غير منشورة. كذلك العراق في الوثائق البريطانية 1958-1959، ت. خليل إبراهيم حسين، في 4 أجزاء، بيت الحكمة، بغداد 2000. وسنطلق عليه لاحقاً الوثائق البريطانية .
[5] - لقد أعترفت البلدان العربية بالحكومة الجديدة بناءً على طلب وزير خارجية حكومة الثورة الذي " استدعى سفراءها وممثليها ظهر يوم 16 تموز وتحدث إليهم عن الاخوة والصلات القومية المشتركة التي يغذيها النسب والدم والتاريخ والأدب والمصالح المشتركة، ثم خاطبهم واحداً واحداً، وطلب ابلاغ تحياته إلى رؤسائهم والاعتراف بالجمهورية العراقية، وطلب من بعضهم تذكير رؤسائهم بصلاته القديمة مع حركات التحرر العربية في شمال أفريقيا ". مستل من قحطان سليمان، المصدر السابق ، ص.102 .
[6] - في البدء أعترفت حكومة الثورة بـ ج.ع.م. إذ " أرسل مجلس السيادة العراقي بعد 3 ساعات من قيام الثورة برقية إلى الرئيس جمال عبد الناصر تعلن اعتراف العراق بـ ج.ع.م. وبعد 3 ساعات من ذلك أعترفت ج.ع.م. بالنظام الجمهوري في العراق" ليث الزبيدي، ثورة 14 تموز، ص. 207، مصدر سابق.
[7] - سمع الرئيس عبد الناصر بقيام الثورة في العراق عندما كان متوجها بالباخرة في طريقه إلى الاسكندرية بعد إنتهاء زيارته ليوغسلافيا، فقفل راجعاً إلى بلغراد وتوجه سراً إلى موسكو حيث اجتمع بالقيادة السوفيتية يومي 17و18 تموز، وقد استحصل منهم وعداً بمساعدة الثورة العراقية. وهذا الوعد سبق للقيادة السوفيتية أن أوصلته لقاسم عن طريق الحزب الشيوعي العراقي، كما مر بنا سابقاً وبشيء من التفصيل في الكتاب الأول، من ماهيات السيرة، صص.443-358، مصدر سابق. ومن الجدير بالذكر أن محمد حسنين هيكل، سنوات الغليان، ج.1، صص.285-394، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة 1988، يعيد إنتاج الوقائع ويلوي أعناق الحقائق، المقترنة بالأماني المرغوبة، لتتلائم والرؤية المصرية للصراعات السياسية في المنطقة.
[8] - فيما يلي نص رسالة الاعتراف الرسمي بالجمهورية العراقية والتي نشرت في الصفحة الأولى من جريدة البرافدا : " إن حكومة الاتحاد السوفيتي، مسترشدة بشكل لا يقبل التغيير بمبادئ حق الشعوب في تقرير مصيرها واحترامها بشكل بالغ للتطلعات الوطنية لشعب العراق، تعلن بموجب ذلك اعترافها الرسمي بحكومة الجمهورية العراقية. وتعبر الحكومة السوفيتية عن أملها بأن تأسيس الجمهورية العراقية سوف يساهم في تعزيز السلم العالمي وتطوير العلاقات الودية بين الاتحاد السوفيتي والعراق. وترغب اشعوب الاتحد السوفيتي في أن يتمكن الشعب العراقي من تقوية الاستقلال الوطني لبلاده وان يحقق كل نجاح في التطور الاقتصادي والثقافي لوطنه...". مستل من ، الوثائق البريطانية، ج. 1، ص. 108، مصدر سابق.
[9] - مستل من د. علاء نورس، ص. 57، مصدر سابق. ويشير البيان السوفيتي إلى الاقتراح الذي سبق وأن عارض به مبدأ ايزنهاور، حيث اقترح في شباط 1957 مشروعاً بديلاً يصدر عن الدول الأربعة الكبرى بشأن الشرق الأوسط ذو ستة نقاط. وكان منها وقف تزويد دول المنطقة بالسلاح وعدم التدخل في شؤونها. بيد أن شيئاً من هذا لم يتحقق، بسبب رفضه من الدول الغربية الكبرى.
[10] - سامي خالد، دور الدعم الأممي في أنتصار الثورة،ص. 143، ث.ج. العدد 144، تموز 1983. للمزيد راجع، تاريخ السياسة الخارجية للاتحاد السوفيتي 1945-1976، جزءان، دار التقدم موسكو 1980.
[11] - مستل من سامي خالد. ص.144 المصدر السابق.
[12] - مستل من إسماعيل العارف، أسرار ثورة، ص. 234، مصدر سابق. وذكر، في ص.245، أن الجنرال غريشكو معاون وزير الدفاع شرح استعدادتهم لحماية ثورة تموز بالقول:" أصدر إليَّ وزير الدفاع مالينوفسكي أمراً بتسلم قيادة جبهة القفقاس المجاورة لكل من إيران وتركيا. وكان عليَّ حسب الأمر أن أهيئ جيوش الجبهة للقتال خلال 72 ساعة. ونكون مستعدين للتدخل إذا حصل إعتداء على الثورة العراقية من قبل دول حلف بغداد. ثم عقب مالينوفسكي قائلاً: لم نكن نعرف طبيعة الثورة في العراق ولكننا تأكدنا أنها ثورة وطنية ضد الاستعمار والامبريالية ما دامت قد قضت على الطبقة الحاكمة الموالية للغرب في العراق, وقد أخذنا على عاتقنا مسؤولية معاونتها مهما يكن الثمن. وقد زاد يقيننا عندما زارنا الرئيس عبد الناصر فجأة بعد الثورة ".
[13] - د. مؤيد الونداوي، وثائق ثورة، ص. 167. راجع نص الرسالة المذكورة في الوثائق البريطانية، ج.1، ص. 180-183. التي يستهلها بلغة واعدة: " في هذه اللحظة التاريخية يقترب العالم من حافة كارثة حربية، وإن أقل خطوة من اللامبالاة قد تستلزم نتيجة يستعصي حلها... وفي الوقت الذي يحوم فيه التهديد بالتدخل في العراق والدول الأخرى من المشرق العربي والتي تدافع عن حريتها وإستقلالها... والتهديد الذي يحوم حول العراق والدول العربية الأخرى يمكن أن يؤدي إلى حدوث نتائج خطيرة وغير منظورة للغاية... إن الاستنتاج الذي أود التأكيد عليه بشكل خاص، هو أن طريقة حل الصراع الذي برز... يعتمد الآن عليكم يا سيادة رئيس الوزراء وعلى رئيس الولايات المتحدة ...". مصدران سابقان.



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من تاريخية الجمهورية الأولى: واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة ...
- من تاريخية الجمهورية الأولى: واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة ...
- من تاريخية الجمهورية الأولى:واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة ا ...
- مرثية الروح.. في وداع الدكتور عطا الخطيب
- 14 تموز_ العطاء الدائم، مقابلة
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري : ثورة 14 تموز وا ...
- من وثائق الجمهورية الأولى النيرة، تموز 1958- شباط 1963 ، 2-
- من رسائل عبد السلام عارف الى عبد الكريم قاسم
- وثيقة تاريخية: وصايا عبد الكريم قاسم أثناء الحرب الفلسطينية ...
- قراءة في: ثورة 14 تموز وإخراجها القسري من الحياة:
- مقابلة صحفية للدكتور عقيل الناصري
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز(5-5) - ...
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز 4-5
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز 3-5
- دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز 2-5
- دراسات في تاريخية التغيير الجذري في 14 تموز 1-5
- محاولة تقديرية لجرد أسماء الضباط الأحرار في العراق
- عبد الكريم قاسم... رؤية ما بعد الثامنة والأربعون
- عرض مكثف لمحاضرة المرأة – الرجل.. السلطة كحق تاريخي مخوّل
- تموز14: الضرورة والماهية 4-4


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عقيل الناصري - من تاريخية الجمهورية الأولى: - ثورة 14 تموز وردود الفعل الإقليمية والدولية الأولى: 1-4