أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - في تقويم حركات التغيير الديمقراطي العربية















المزيد.....

في تقويم حركات التغيير الديمقراطي العربية


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 1924 - 2007 / 5 / 23 - 12:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في ندوة تقييم حركات التغيير الديمقراطي في البلاد العربية، التي نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان (19-20 مايو 07)، لم يكن الموضوع، كما هو الحال غالبا، تحليل عطالة الأنظمة العربية والعوائق السياسية والاجتماعية والمعنوية التي تضعها في وجه التغيير، مما أصبح بديهة بالنسبة لغالبية الرأي العام العربي والأجنبي، وإنما تحليل عطالة قوى التغيير العربية والبحث عن الأسباب التي تمنعها من أن تكون أداة فعالة في الضغط من أجل الاصلاح. والواقع أن جميع الناشطين العرب يشعرون اليوم بوجود حاجة ملحة لمراجعة ذاتية تشمل خطط قوى التغيير الديمقراطي العربية وشعاراتها وأساليب عملها، بعد المرحلة العاصفة التي شهدتها الحياة السياسية في السنوات القليلة الماضية. فهناك شعور عميق بأن الآمال الكبيرة التي عقدت على هذه الحقبة من أجل الخروج من حالة الجمود، وبعث جدلية سياسية واجتماعية تعيد الشعب إلى الحياة العامة، وتؤسس لحياة سياسة ومدنية صحية وسليمة، بعد مرحلة طويلة من سيطرة السلطة الأبوية والتسلطية المفروضة من فوق، قد ضاعت جميعا، مخلفة واءها إحباطا عميقا لدى قوى التغيير وقطاعات الرأي العام الواسعة، التي راهنت عليها، حتى لو أنها لم تتجرأ على الانخراط فيها أو المشاركة بنشاطاتها.
في سياق هذا الاحباط، تدفع المراجعة النظرية البعض إلى العودة إلى نظريات قديمة كادت السنوات الماضية تقضي عليها وتتجاوزها. منها نظرية الاستثناء العربي والاسلامي الذي يسعى إلى البحث عن مصاعب الانتقال الديمقراطي في بنية الثقافة والبنية الثقافية الانتروبولوجية العربية التي تشجع على السلوك الجماعوي والشعبوي ضد فكرة الفردية. ومنها من يستعيد نظرية الأثر السلبي للدين الاسلامي، أو بالأحرى لسيطرة الفكر الديني عموما على تصور منظومة قيم ومباديء وأخلاقيات مدنية تؤسس للمواطنية. ومنها ما يشير إلى عمق البنى العصبوية القبلية والطائفية والمذهبية التي تسمم السياسة العربية. وتقدم هذه السمات الخاصة بالمجتمعات العربية كما يعتقد البعض تفسيرا للممانعة التي يظهرها الرأي العام تجاه أفكار الديمقراطية وما ترتبط بها من قيم الحرية والمساواة والعلمانية، وبالتالي لإخفاق حركات التغيير الديمقراطية في خرق جدران العزلة التي تحيط بها والتفاعل مع القوى الشعبية.
لا ينبغي بالتاكيد تجاهل هذه العوامل ولا صرف النظر عن مفعولها السلبي في تطور قوى الديمقراطية. لكنها ليست هي التي تفسر ضعف قوى التغيير الديمقراطي، ولا العطالة التي تميز الحياة السياسية لعامة الشعوب في البلاد العربية. بل يمكن القول إن هذه السمات ليست هي ذاتها إلا ثمرة اليأس والقنوط الناجمين عن الشعور الصحيح بانحسار فرص التغيير، أو على الأقل بعدم نجاح القوى الديمقراطية في بلورة مشروع واضح ومعقول، أي مقنع، للتغيير الديمقراطي في المدى المنظور. وأخشى أن يكون الخط الذي اتبعته هذه القوى في السنوات العاصفة الماضية والممارسات التي ارتبطت به قد ساهم في إضعاف صدقيتها وبالتالي في تعزيز عزلتها، أكثر مما عمل على تعزيز صدقيتها وإبراز ملامح المشروع الديمقراطي الذي يتوقف على بلورته ووضوحه ولاء الرأي العام أو أغلبه لها.
فقد اوحى تضافر عوامل داخلية، مرتبطة بصعود جيل جديد من الحكام الشباب الحائزين على ثقافة حديثة، في العديد من البلدان العربية، وخارجية، مرتبطة بتغيير البيئة الايديولوجية الدولية، مع تنامي ظاهرة التواصل بين الثقافات وتقدم فلسفة الليبرالية الجديدة على غيرها، وإقليمية، مرتبطة بتبدل واضح في استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتبنيها سياسة كسر الاحتكار المؤبد للسلطة الذي فرضته النخب الحاكمة على المجتمعات، على أمل الحصول على بعض الشعبية لمشاريع سيطرتها الإقليمية، أقول أوحى كل ذلك بأن هناك نافذة فرص حقيقية للانتقال إلى حقبة جديدة من الانفراج السياسي الداخلي إن لم يكن للدخول فعليا في مرحلة انتقال نحو الديمقراطية.
والحال لم يظهر الجيل الجديد من الزعماء قدرا أكبر من التفهم للمشاكل الاجتماعية، ولم تساعده ثقافته الحديثة في التعامل بصورة أكثر عقلانية مع التحديات الجديدة، ولا حثته على التفاعل باحترام أكبر مع قطاعات الرأي العام أو أصحاب الآراء المغايرة. ولم تساهم الضغوط الأمريكية القوية على دفع النظم التسلطية التي عاشت عقودا طويلة تحت عباءتها وفي ظلها إلى فتح فرص أفضل لتحولات ديمقراطية أو لانفراجات سياسية. وبالمثل لم تقدم المناخات الليبرالية العالمية السائدة حوافز اكبر لتكيف النخب الحاكمة مع المعايير الدولية والمغامرة بتوسيع هامش المشاركة الشعبية واحترام الحد الأدنى من حكم القانون وحقوق الانسان.
ما حصل كان العكس تماما. فقد كان جيل الشباب بحاجة إلى أن يكشر عن أنيابه بشكل أكبر حتى يضمن طاعة شعبه وخضوعه، ويردع أيضا النخب المعارضة الصاعدة في إطار نظم تعاني من تصدعات حقيقية وتتعرض إلى تحديات متزايدة. وأعطت الضغوط الأمريكية القوية التي جاءت في رداء الحرب العالمية ضد الارهاب مبررات أكبر لجميع الأنظمة القائمة لتجاوز حكم القانون وممارسة العنف ضد قوى المعارضة والاحتجاج، والعمل بجيمع الوسائل لتثبيت الحكم وإغلاق النظم كما لم تكن مغلقة في أي حقبة سابقة. وفي هذه الظروف كان من الطبيعي أن تترافق العودة إلى تبني نموذج اقتصاد السوق بشكل واضح مع بروز ظاهرة تحالف سلطة رجال الدولة مع سلطة رجال المال، وتكوين شبكات من المصالح الاحتكارية الشاملة، هي أقرب إلى نمط اقتصاد المافيات الدولية منها إلى نمط اقتصاد السوق الذي تتحكم به طبقات رأسمالية منتجة مكونة من أصحاب مشاريع حرة يشكل الحفاظ على حكم القانون واحترام الحريات السياسية شرطا ضروريا لضمان المنافسة النزيهة بين أفرادها وتأمين وحدتها في الوقت نفسه.


هكذا لم يكن التفاؤل الشديد الذي ولد من تضافر هذه العوامل مبررا بالفعل. وما بدا لفترة وكأنه فرصة تاريخية للتحول الديمقراطي تحول إلى كابوس كان أول ضحاياه قوى التغيير الديمقراطي ذاته. فقد خلق هذا التفاؤل أوهاما كبيرة لدى النخب الصاعدة والجمهور معا. وعمل تضخم التطلعات والتوقعات في التغيير على تجاهل الحقائق الموضوعية الصلبة لصالح التأكيد على العوامل الذاتية. وقاد الاعتقاد بوجود فرصة للتغيير السريع إلى الحلم في ما يشبه الانقلابات المدنية، وهو ما عبرت عنه بعض القوى بدعوتها إلى العصيان العام، أو مراهنتها على تحويل الاعتصامات المحدودة إلى ثورة مدنية على شاكلة ما حصل في بعض بلدان أوربة الشرقية. وكان ذلك على حساب بلورة استراتيجية حقيقية تأخذ بالاعتبار التشوهات والنقائص والتحديات الحقيقية التي تعاني منها مشاريع الديمقراطية العربية. وأدى التمسك بأجندة التحويل السريع إلى المبالغة في تقدير أثر الضغوط الخارجية والظروف الطارئة، على حساب الاستثمار الطويل في بناء قوى التغيير والتحويل الديمقراطي الذاتية. وكانت النتيجة درجة أكبر من الانفصال بين الفكر والواقع، وبين حركة النخبة الجديدة الديمقراطية والجماهير، وتقديما للأحلام والرغبات الذاتية على الحسابات العقلانية والحقائق الموضوعية.
وفي اعتقادي، لن تستطيع قوى الديمقراطية العربية الخروج من حالة الاحباط التي تعيشها اليوم، ولا استعادة ثقة الرأي العام والربط من جديد مع قطاعاته الأكثر وعيا واستعدادا للاستثمار في العمل الوطني، وبالتالي استعادة روح المبادرة السياسية، من دون النجاح في معالجة آثار هذه النكسة والعودة إلى منطق العمل الطويل القائم على بلورة أجندة مستقلة عن الظروف الخارجية، من دون أن تتجاهلها بالطبع، وتركيز الجهود على بناء قوى التحويل الذاتية. وهو ما يشكل تحديات كبيرة ومعادلات ليس لدينا في العديد من البلدان العربية حلولا جاهزة لها بالتاكيد.



#برهان_غليون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من هو المسؤول عن انتشار العنف الدولي؟
- انتخابات ضد الديمقراطية
- العرب من إخفاق إلى إخفاق
- الشرق الأوسط في الوقت الضائع
- في الحالة العراقية
- ما بعد القومية والاستعمار
- حوار عن الديمقراطية والعلمانية والاسلام
- أي نظام لأمن الخليج؟
- مسؤولية العرب في العراق
- الحداثة ومركزية الانسان
- نقد مفهوم الطائفية
- في أصل الفوضى والانهيار
- عن الجزيرة وعلماء الدين
- المجتمعات العربية بين طغيانين
- حروب الشرق الأوسط اليائسة
- الديمقراطية والليبرالية والعولمة
- نريد حلولا، لا ضغوط
- عودة إلى التفكير في الشرط الاستعماري
- خسارة العراق من المحاكمات الصورية
- الاستنجاد بالعنصرية لإخفاء الإخفاقات السياسية


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - في تقويم حركات التغيير الديمقراطي العربية