أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمود علي عيسى - تهمتي حب الوطن















المزيد.....


تهمتي حب الوطن


محمود علي عيسى

الحوار المتمدن-العدد: 1922 - 2007 / 5 / 21 - 11:52
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


مرة أخرى بعد مرة أقف متهماً بحب الوطن، المنفي فيه. الوطن الذي يغترب عنا، وهو في صميم قلوبنا ..
اعتقلت أمام أطفالي، نجم ذو السنوات الأربع وبحر الذي لم يكمل عامه الثاني بعد، مرتين خلال عام واحد. كانت المرة الأولى في 16/ 5/ 2006 ليل الثلاثاء، عندما انتزعني جهاز أمن الدولة من حضن أسرتي. لم يفهم أطفالي حينها ما الذي يجري أمامهم. وأعتقد أن الأمر طبيعي حتى صباح الأربعاء عندما استيقظوا دون قبلة الصباح. فأخذوا يبحثون عني في أرجاء البيت، وراء الباب ثم نبشوا خزانة الثياب فتحوا البراد. فوقف نجم في الشباك منادياً كعادته كل صباح.. أن أجلب له طيارة ..
كنت حينها مرمياً في زنزانة أعيد المشهد اليومي. حينها أدركت حجم ومدى القهر الجديد الذي لم أعرفه في السنين الثامنة التي قضيتها في السجنة الأولى .. وتمنيت لو أن أطفالي الصغار، شباب كي يعذروني وليعرفوا أنني على غياب بلا رغبة، وفي عزلة عارية، وعلى خطوات الموت أكتب أسمائهم ..
وبعد شهور أربعة وبضعة أيام التي قضيتها، أُخلي سبيلي في 25/ 9 /2006. استيقظ أطفالي صباح 26/9 على قبلة الصباح، وكأن الكابوس قد انتهى .. واخذ أطفالي يلاحقونني يخافون أن أذهب منهم وألا أعود. يخافون من الكابوس القديم أن يعود .. خفت أن يكبروا مذعورين مثلي كما كبرت .. أصرّت زوجتي أن نذهب إلى السوق ونشتري ثياب العيد للأطفال ولنا .. نام نجم مساء الأحد 22/9 محتضناً ثيابه الجديدة ..
نهض صباحاً أراد أن يلبس ثيابه الجديدة .. قالت له أمه غداً العيد .. أصرًّ قائلاً :"والله صار العيد".
كنا نجهز أنفسنا للذهاب إلى بانياس .. كانت رويدا تُودع بعض الأشياء لدى الجيران ومعها ابني بحر.. الخامسة إلا ربع قبل الفطور الأخير في رمضان وفي وقفة العيد، اقتحم منزلي عناصر عديدة، وتقدم نحوي أحدهم وعرف بنفسه الضابط " أسعد" وسط الذهول والصدمة والأسئلة، قيدوني للوراء أما ابني نجم .. الذي كان واقفاً قرب الباب بلا حراك. ويبدو أنه تلقى الصدمة.. ناديته أن يأتي فحالوا بيننا .. جاءت زوجتي ورجتهم أن يضعوا قميصاً على يدي المقيدتين للوراء، كي لا أخرج أمام أطفالي مقيداً .. كان أحساس ابني نجم في مكانه وخشيته محلها..!! أخذ العناصر يجمعون الكتب والدفاتر عن الطاولة والمكتبة وكل ما يقع تحت أيديهم وبصرهم .. أحسست أنهم يريدون اقتلاع جذوري، مارست أقصى درجة من التحكم وحاولت قدر الإمكان أن أتمالك نفسي وأبدو هادئاً، أردد في داخلي " لم تبلغ من عمرك الرابعة يا بني بعد وشهدت اعتقالي مرتين .."طلبت منهم أن يسمحوا لي أن أقبل أطفالي وزوجتي .. رفضوا !!!
وسألت نفسي: أين حرمة المنازل المصونة وأين حقوق الإنسان..؟ حين أخرج حافياً ومقيداً وبلباس النوم من منزلي يشيعني أطفالي .. الذين فقدوا الأمان باكراً وسيعيشون مذعورين مثلي .. ولماذا يُقهرون باكراً.. أمن أجل سوريا؟ ومتى كانت الأوطان تنمو على حساب أبنائها؟ ومتى كان الخطر يأتي من حَمَلَةِ أقلامها؟
وكم سيعني لأطفالي حين يكبروا، ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وحقوق الأطفال وكل المواثيق المتعلقة بما فيها الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي صادق عليه مجلس الشعب السوري في 27/ 11/ 200 أي بعد اعتقالي للمرة الثانية؟
لأنهم مازالوا مجردين من ابسط حقوقهم الإنسانية، من قبلة الصباح والمساء ومحاطين بالخوف والفزع .. يهددهم الجوع والمرض .. وأرجو أن تعذرني يا بني نجم، لعدم حضوري معك في العمل الجراحي الذي خضعت له..ً والذي طلبت تأجيله مرتين كي أكون معك، بقربك حين تدخل غرفة العمليات وتخرج بالسلامة! لك .. السلامة!!
حين تكبرون تدركون أسباب محنتكم ومحنتي لان الرأي "جناية" يا أطفالي .. وإن اعتقالي قد تم على خلفية التوقيع على إعلان دمشق بيروت الذي وقّع عليه العشرات .. أما اختياري فهو عقاب لكم من أجل سلامة سوريا! ولأن "وجهة نظر" أخطر وأهم من أصحابها ..أهم من الإنسان من الأطفال!!
وضعت في زنزانة في فرع الأمن الجنائي بحمص، حافياً ينخر البرد جسدي ويؤلمني أن كل ذلك يجري وقضيتي بين يدي "القضاء المدني" وأحسست أن "إخلاء سبيلي" كان كارثة علي وعلى أسرتي.. وماذا جرى بعد إخلاء سبيلي القانوني لأحاكم طليقاً كي اعتقل، حتى أنني لم أبلغ بقرار الاتهام لأطعن به...
أمن المعقول أن يتم تجاوز كل الأصول القانونية للتبليغ التي نقرأها في دراستنا للحقوق؟
انصب تفكيري في زنزانتي البائسة المظلمة والحزينة مثلي والتي تنضح بالآهات .. وتسكنها الآلام .. على أن قيام دولة القانون .. لها الأولوية، ولن تقوم إلا على حساب إلغاء الدولة الأمنية التي تنتهك القانون باسم حماية القانون .. وتحت رعاية أبو التعدي، قانون الطوارئ ..!
بعد يومين نقلت في صندوق سيارة أوبل ، اليدان مقيدتان للوراء وزرد السلاسل بالرجلين وبقربي كتبي ودفاتري وأشلاء جذوري وعندما تجاوزت السيارة "حمص" أحسست أن أطفالي يركضون وراءها وسط صراخ زوجتي.
وسألت نفسي هل هي مصادفة أن يعاد اعتقالي في وقفة العيد دون اكتراث بكل الأصول؟ أم أنهم عرفوا أنها المرة الأولى التي تقرر فيها زوجتي أن نحتفل بالعيد سوية؟! وعندما وصلت السيارة إلى مشارف دمشق، التفت نحو سجن عدرا الذي يسكنه أصدقاء أعزاء وسبق أن أقمت فيه طويلاً، وها أنا أعود إليه مرة ثالثة ..
أبدى عناصر الدورية امتعاضهم، لم أفهم عليهم حتى فرك أحدهم سبابته بالإبهام .. كانت السيارة حينها تدخل قصر العدل "حيث أقف الآن.. النظارة مغلقة: الدنيا عيد. وبعد أخذ ورد توجهوا إلى المعضمية " سألتهم لماذا .. قالوا الإدارة أصبحت هناك .. فلم يستقبلوني .. فعادت السيارة بنا إلى إدارة الأمن الجنائي قرب الجمارك، أنزلوني من السيارة .. فطلبوا مني أن أحمل "الكتب" لأنني لم أدفع لهم "حلوان العيد"! حملتها ويداي مقيدتان للوراء وقعت الكتب فوقعت ..تألمت كثيراً لمصير كتبي الذي يشبه مصيري .. رقّ قلب أحدهم وتناولها ..
انتظرت حتى تم قبولي الذي لم يخلو من أخذ ورد واتصالات. انتهت أخيراً بوضعي في قبو إدارة الأمن الجنائي أسلم إلى "قصر العدل" في أول يوم دوام بعد العيد .. فتحوا لي باب زنزانة واسعة نمت فيها أربعة أيام. قضيتها أتأمل الحياة واجترار الذكريات الحلّوة المرّة.. وعدد الزنازين التي سكنت والسنين والشهور والأيام التي قضيتها في السجون. وأنصب تفكيري على الاعتقال الأخير وتوصلت إلى نفس البديهات السابقة التي تؤكد أن أية أمة من الأمم لا يمكن أن تنمو وتزدهر دون حرية الاجتهاد. وأن أي مشروع ثقافي إنساني فكري وحضاري رهن بالاجتهاد سواء أكان ذلك في ثقافة الدنيا أم ثقافة الدين. وما قمع حرية التفكير والتعبير والاجتهاد إلا "جناية" على النمو الثقافي لأي أمة يقعدها عن مواكبة الجديد والتأهب لتفهم متغيرات العصر وهي كثيرة خاصة في زمن الانفجار المعلوماتي الذي نعيشه.
إن غياب حرية التعبير تؤدي غالباً إلى غياب كل ما هو حقيقي من الحب إلى الفن .. فالحرية عموماً والثقافة خصوصاً ليست مجرد ضرورة للحفاظ على حيوية التفكير لأي أمة وصون اجتهاد المجتهدين والناشطين فيها. بل هي إستراتيجية حكيمة لكل حكم رشيد يريد أن ينأى بمستقبله عن مآل الاحتضار.. وإن حرية العمل السياسي وتعددية الصحافة هما الشرطان الضروريان لممارسة حق الكرامة الذي يؤمن لكل شخص حرية "البحث عن الحقيقة".
فالحرية ليست شعاراً أو قصيدة أو أغنية أو تظاهرة أو هتاف. الحرية سلوك والأهم أن نكتب بحرية بدلاً من الكتابة عن الحرية ( ثمة بون شاسع بين الباء وعن) والأهم أن نحيا بحرية بدلاً من الكلام عن الحرية، وأن تحقيق الحرية الجماعية يبدأ من الحرية الفردية ومن إعلاء شأن الفرد واحترمه كقيمة إنسانية بذاتها، والحرية هي التفاصيل الصغيرة وليست الشعارات الكبيرة ..
لقد تغنت العرب بالرأي وأفرد له الشعراء مساحة في قصائدهم كان أبلغها قصيدة للشاعر الفذ أبو الطيب المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس حرة بلغت من العلياء كل مكان
ولربما طعن الفتى أقرانه بالرأي قبل تطاعن الأقران
هذا دأب الكبار ودأب أصحاب الكلمة الحقة، لا مكان في قواميسهم للأحكام المسبقة أو القوالب الجاهزة، بل بالجدل والجدال. ودائماً بالتي هي أحسن، أي الكلمة القادرة على فتح أفق جديد .. نسعى إلى ثقافة التفاهم والحوار، وليس إلى ثقافة فرض الرأي على الآخر. والاعتقال والمحاكمة والسجن.
إن الأحداث التي تمر كل يوم ونمر بها أحداث جسيمة، الأمر الذي راح يزعزع قيماً وأفكاراً ومنظومات أخلاقية وإنسانية وأنماط عيش وتقاليد كانت حتى وقت قريب بمثابة ثوابت وخطوط حمراء هشة، وأبنية تنهض على رمال، وإلا كيف نفهم هذا الارتداد الذميم نحو الجزئيات (الطائفية والمذهبية والعشائرية والعائلية) التي تنحدر نحوها مجتمعاتنا العربية على حساب الهوية الوطنية والقومية الجامعة؟
كيف لنا أن تستوعب أو نفهم هذا العنف الجحيمي، والموت العبثي الذي يجري في فلسطين والعراق ويطل برأسه متوعداً ومنذراً في أكثر من بلد عربي آخر .. كم مات فينا حتى باتت أخبار السيارات المفخخة والانتحاريين، والمجازر اليومية، والجثث المحروقة أخبار غير "عاجلة" ولا تثير الدهشة، بمقدار ما تثير الحزن من جهة والنفور من الوضع الكارثي الذي يذهب بنا إلى الجحيم من جهة أخرى؟
وهل ينفصل المفكر والأديب عن قضايا مجتمعه، والقضايا التي تعصف بالبلاد؟ وكيف يكون بإمكان الكاتب والمفكر أن يكون ضمير الأمة ولسان حقها وهو منذور لمزاجية الرقيب وفتاوى التكفير والتخوين وسفك الدم وكسر القلم .. ودخول القرن الحادي والعشرين من بوابات المحاكم والسجون .. والتهم الملفقة ويخرجوا بالجنازير كاللصوص والحشاشين ..يا بئس المصير .. ومع ذلك لم تفسدنا السياسة ولم تنقل إلينا عدوى الحقد والكراهية والبغضاء بحيث يمتزج الشخصي بالسياسي والخاص بالعام .. ولا نترك الأهواء تقود أقلامنا وتشكل أرائنا؛ فالإنسان أهم وأبقى من وجهة نظره، والأوطان لا يعوضها سواها..
تكرر النيابة العامة "التهم" يصف القانون النيابة العامة "بالخصم الشريف" الذي لا مصلحة شخصية أو خاصة له، فما هي المصلحة العامة في توجيه تهم مفبركة لمناضلين وطنيين ديمقراطيين؟
ليس لأنها لا تليق بنا وحسب بل ولأنها تشكل إهانة لكل مثقف وطني غيور، فكلما اجتهد وأبدى رأيه "أسقطوا عنه قوميته" ولفقوا له تهماً نائمة بين دفتي قانون العقوبات تطعن في وطنيته وتحاول النيل من سمعته. وأجد لزاماً علي كوني قد ترفعت إلى السنة الرابعة في كلية الحقوق في الدورة الفصلية الأولى لعام 2007 وأنا في السجن أن أجادلها وأشير إلى بعض الملاحظات والمفارقات:
1- بلغ عدد الموقعين على إعلان دمشق – بيروت أكثر من مئة وثلاثين شخصاً سورياً عند اعتقالنا قبل عام، في أواسط أيار عام 2006 حيث انتقى جهاز أمن الدولة عشر موقعين، ثم أطلق أربعة على خلفية سحب توقيعهم .. ولم تحرك النيابة العامة الدعوى من بدايتها تجاهنا، أو اتجاه الآخرين بعد تحريك الدعوى العامة ضدنا وهل توقيع البعض يشكل خطراً على سوريا؟ أما توقيع الآخرين برداً وسلاماً؟
وهل توقيع محمود عيسى، المجرد من حقوقه المدنية والسياسية على الإعلان أهم وأخطر من توقيع الدكتور طيب تيزيني وهو مدرس الفلسفة في جامعة دمشق وحلب ؟
لقد كان الدكتور المرحوم محمد الفاضل محقاً في قلقه الذي أبداه في شرح المادة "278" الفقرة "ب". "تعريض سوريا لخطر أعمال عدائية" منها حيث يقول حرفياً: إن هذا النص من النصوص المخيفة في التشريع الجزائي السوري، فهو إذا أساءت السلطة تطبيقه فقد يفضي إلى سلب المواطنين حرية الإعراب عن آرائهم خطابة وكتابة. ويكمل قائلاً: من السهل اليسير أن تسيء السلطة تأويل أي نص أو مقالة أو كلمة فتزعم أن من شأنها أن تؤول إلى تعكر صلات سوريا بالآخرين..
أيها السادة المستشارون: إن المسألة الآن لديكم، لان الأعمال والكتابات والخطب التي فرض من أجلها العقاب والتي تولد مثل هذه الأخطار المشار إليها في الفقرة "ب" من المادة 278 يستقل في تقدير صحة وقوعها وافتراضها قضاة الموضوع. فالقضية عندكم نرجو منكم أن تقرأوا الإعلان جيداً وتحكموا على مدى مقاربته للجنايات التي نتهم بها وما هي المخاطر المترتبة عليه. وأسألكم: لماذا أتهم أنا وزملائي بهذه التهم، الجنايات؛ علماً أن عدد الموقعين قد فاق الآلاف الآن؟ وكيف يكون توقيع البعض جناية بل وجنايات، أما توقيع الآخرين "برداً وسلاماً" ؟ وإذا كان هذا الأمر ممكناً وعادياً للجهة الأمنية التي اعتقلتنا فهل يصح الأمر لديكم؟! ولا نطلب منكم خيانة مهنتكم، بل نطلب منكم تطبيق المعايير الموضوعية بعيداً عن الكتب الأمنية .. ونطلب منكم أن تسترشدوا بالمصالح الوطنية لسوريا الآن وغداً!!
لأطفالنا ولأطفالكم، ولسوريا الآن وغداً .. وأن تخلصوا لضميركم وإنسانيتكم!!
2- هل أعلنت السلطة السورية المختصة أو غير المختصة إن هذا النص غير منحاز أو ممنوع؟ وهل أذنت للعشرات ولم تأذن لنا؟ وهل هناك ما ينظم صدور البيانات والنشر على الانترنيت؟ أم أن المسألة متروكة برمتها لمزاج الرقيب وتقديراته؟ علماً أن القاعدة الكلية تقول: "الأصل في الأشياء الإباحة".
3- يجب ألا يغيب عن بالنا أن "البلد الأجنبي" هو لبنان الشقيق والجار حيث كنا حتى الأمس القريب "شعب واحد في دولتين". ويجب ألا تحكم العلاقة بين البلدين التوترات القائمة بين السلطتين.
فالسياسات تتبدل، والساسة أهل هوى والشقاقات والخلافات مهما طالت زائلة، ينبغي ألا تحكم علاقتنا بلبنان وألا نعيد تجربة العراق في لبنان. وسنبقى طرفاً خارج الصراعات نعمل لمصلحة بلدينا وشعبينا ..
4- جاء الإعلان كمبادرة من بعض المثقفين والمفكرين المستقيلين في البلدين الشقيقين والذين يرفضون أن يحسبوا مع فريق ضد آخر. أو سلطة ضد أخرى. وجاء الإعلان بعد التدهور الحاصل في العلاقات بين البلدين والشعبين وليس قبلها. مما دفعهم إحساسهم بالقلق الشديد نحو بلديهم بالعمل قولاً وفعلاً من أجل تصحيح شامل للعلاقات السورية اللبنانية بما يلبي مصالح وتطلعات الشعبين . ويعرض الإعلان صور النضال المشترك للشعبين وللتضحيات التي تمر ذكراها هذه الأيام، والتي جسدها شهداء المرجة بدمشق وساحة البرج في بيروت في عام 1915- 1916 كما أشار الإعلان إلى التصدي المشترك خلال العقود الأخيرة للعدوان الإسرائيلي على البلدين واحتلال أجزاء من أراضيها وأن التصدي قد أثمر عن تحرير جنوب لبنان. وتمسك الإعلان ببند أساسي من مبادئ سيادة البلدين وذلك بالحيلولة دون أن يكون لبنان أو سوريا مقراً أو ممراً للتآمر على بعضهما البعض.. ولقد وضع هذا المبدأ في عام 1943 بين الرئيس الراحل شكري القوتلي من جهة والمرحوم الرئيس رياض الصلح. وأعلن عن التمسك بحق سوريا في استعادة كل أراضيها المحتلة في الجولان واستعادة لبنان أرضه المحتلة في مزارع شبعا وغيرها بكافة الوسائل المتاحة وأعلن الإعلان كذلك عن استنكاره كل أشكال التمييز والعنف الذي يمارس ضد العمال السوريين في لبنان ومطالبة السلطة اللبنانية بتعقب ومعاقبة المعتدين.
أما بالنسبة للجناية الثانية 285 " من قام في سوريا زمن الحرب أو عند توقع نشوبها بدعاوة ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية والمذهبية .." ولتطبيق هذه المادة القانونية وعقوبتها على الفعل ليصبح جرماً لا بد من توفر شرطين هما:
1- القيام في سوريا بدعاوة ترمي إلى إضعاف الشعور القومي ..
2- أن يكون هذا الفعل قد حصل في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها. ويقصد الشارع بالدعاوة هي تلك الدعاوات الشعبوية التي تهدف إلى الانتقاص من ولاء العربي لامته أو تثبيط عزيمته عن العيش المشترك مع سائر قومه العرب في دولة واحدة أو التهوين من شأن الاعتزاز بأصالة الرسالة العربية أو من خصائص المساهمة العربية في إغناء المعرفة الإنسانية والحضارة العالمية. فهل ينطبق الإعلان على هذا في شيء؟ وهل يتحمل المثقفين الوطنيين الموقعين على الإعلان مسؤولية تقرير بزمان عام 1907 أو اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 أم مسؤولية وثيقة راند التي تطالب بتقسيم العراق وسوريا والسعودية ومصر الآن؟!
أما بالنسبة لإثارة العنصرية والمذهبية فإننا نؤكد إن كل عصبية أو نعرة تستأثر بولاء المواطن دون الوطن والدولة تؤلف خطراً عليه، فما تضعف شعور المواطن وارتباطه الوطني وارتباطه الوطني والقومي ينبغي أن تعد إثارتها أو الدعوة لها جريمة يعاقب عليها القانون وإذا كان التشريع الجزائي قد وضع كما تصوره المشرع من أجل خدمة القومية العربية ضد أعدائها فهل يجوز أن يصوب إلى صدور دعاتها والمؤمنين بها والعاملين لها؟
ستدخل محاكمتنا التاريخ لأننا لا نستطيع أن نكون علمانيين وطائفيين ومذهبيين بآن واحد، كما هو دارج. عرب الانتماء والهوية نفاخر بمواقفنا الوطنية ونطالب بتحرير ما احتل من أراضينا والجولان في مقدمتها بكافة السبل المتاحة. نستلهم الفكر اليساري والإصلاحي والتقدمي والحداثي العالمي والعربي والسوري على اختلاف مدارسه وتياراته وهو استلهام خلاق لا نصي ولا مقلد، إنه يلتقي مع استرشادنا بما في جوهر الديانات والفكر الإنساني العالمي من دعوة إلى الحق والخير والعدل والمساواة. نرفض الفصل المصطنع بين الديمقراطية والوطنية، واتخاذ الديمقراطية سبيلاً لتفكيك الهويات الجامعة أو اختراق الأمن القومي العربي. فالديمقراطية الوفاقية غير الجامدة وغير الطائفية تعمل على تفكيك الاستبداد وسد ثغرة التدخل الخارجي والتمثيل النسيج الوطني. نريد ديمقراطية مؤسسة على دستور ديمقراطي يفسح المجال للديمقراطية التنافسية تدريجياً من خلال الاندماج الوطني باعتبار أن الديمقراطية الحقة هي تعاقد مجتمعي متجدد ولا تجمد عند شروط وضرورات مرحلة من مراحل التعاقد كما هو الحال في لبنان عام 1943 والذي ربما مازال قائماً بحكم غَلبة الأساس الطائفي والمذهبي في التوافق على الأساس الوطني ..
وندعو إلى اعتبار المواطنة ولا شيء آخر غيرها مصدر الحقوق ومناط الواجبات من دون تمييز بسبب الدين أو المذهب أو العرق أو الجنس أو أي اعتبار ديني أو سياسي أو اجتماعي آخر .. ومن أبرز مظاهر المواطنة الكاملة هي تساوي الفرص من حيث المنافسة على تداول السلطة وتفويض من يتولاها وكذلك الحق في الثروة العامة التي لا يحق لأي كان أن يدعي فيها حقاً خاصاً. ويذكر ماكيفر في كتابه "تكوين الدولة" أن مبدأ المواطنة هو أهم اكتشاف تحقق في أوربا وبفضله تحولت الصراعات المدمرة في أوربا والحروب الأهلية بين الشيع إلى صراع سلمي بسبب تحول الدولة إلى مؤسسة تقف على مسافة واحدة من كل مواطنيها. وإن وجود آلاف الأكراد المجردين من الجنسية السورية بيننا يحول دون المساواة التامة أمام القانون، وهذا يعرقل من البداية إمكانية قيام وحدة وطنية سليمة في ظل وجود أوضاع وشروط تنتقص من المساواة في المواطنة في بلدان تدعي العلمانية ..
سئل الشاعر العربي الفلسطيني محمود درويش عن الوضع العربي الحالي أجاب: "مثل الزفت". ويمكن الجزم أن "إسرائيل " أكثر ارتياحاً في "صداقاتها العربية" من الذين يتحدثون عن "روابط الأخوة"، وإن التسامح الذي يبدو تجاه العدو المحتل لأرضنا والاستعداد الدائم من أجل التواصل معه في الوقت الذي يضن فيه التسامح مع شعوبها وفيما بينها .. نردد مع سعد الله ونوس: علينا أن نصاب بداء الأمل، "إننا محكومون بالأمل"، ونرجو أن تزول الخلافات بين البلدين الشقيقين لبنان وسوريا وأن يتحول الخوف والحزن في شوارع بيروت ودمشق إلى طاقة لإعادة بناء الأخوة بين العاصمتين الشقيقتين والشعبين. ولا يمكن قيام مجتمع وطني ديمقراطي مزدهر ما لم يكن لرأي المواطن وزنه ولحقوقه حرمة ولكرامته مكانة.



#محمود_علي_عيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توضيح وادّعاء... من سجن دمشق المركزي


المزيد.....




- -جريمة ضد الإنسانية-.. شاهد ما قاله طبيب من غزة بعد اكتشاف م ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تفقد إحدى عجلاتها خلال الإقلاع
- زوجة مرتزق في أوكرانيا: لا توجد أموال سهلة لدى القوات المسلح ...
- مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- مظاهرات في عدة عواصم ومدن في العالم دعمًا لغزة ودعوات في تل ...
- بعد مناورة عسكرية.. كوريا الشمالية تنشر صورًا لزعيمها بالقرب ...
- -زيلينسكي يعيش في عالم الخيال-.. ضابط استخبارات أمريكي يؤكد ...
- ماتفيينكو تؤكد وجود رد جاهز لدى موسكو على مصادرة الأصول الرو ...
- اتفاق جزائري تونسي ليبي على مكافحة الهجرة غير النظامية
- ماسك يهاجم أستراليا ورئيس وزرائها يصفه بـ-الملياردير المتعجر ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمود علي عيسى - تهمتي حب الوطن