أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - بحثا عن معنى ثقافي لتحولات سياسية عجماء















المزيد.....

بحثا عن معنى ثقافي لتحولات سياسية عجماء


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1922 - 2007 / 5 / 21 - 11:52
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


بعد عام من التوقيف، حكم على المحامي أنور البني بالسجن لسنوات خمسة، وعلى كل من ميشيل كيلو ومحمود عيسى بثلاث سنوات. وبينهما، وبعد سنة ونصف من اعتقاله، كان حكم على كمال اللبواني بـ12 عاما مخففة عن حكم بالسجن المؤبد. وهو الحكم ذاته الذي يناله في السنوات الأخيرة متهمون بالعلاقة مع "الإخوان المسلمين"، لكن مخففا عن الإعدام. القول إن الإحكام سياسية في جميع الحالات لا جديد فيه، ولا يعدو كونه اقتحاما لأبواب مفتوحة. لكن مغزاه هو الذي يفوت المقاربات الحقوقية والسياسية الشائعة: إن في تلك الأحكام عنصرا انتقاميا وإنذاريا يفوق ما فيها من عنصر عقابي متصل بتحقيق العدالة.
لكن ماذا تعني أحكام سجن "سياسية" وانتقامية؟ تعني أولا عودة الحياة العامة إلى التسمم بالضغينة والحقد. وتعني ثانيا خراب السياسة، ومع الزمن يتكرس خراب السياسة في ثقافة خراب. وتعني ثالثا أن نظام العدالة القائم أضحى مصدرا لتخريب مفهوم العدالة وقيمتها بالذات.
صدرت الأحكام بعد أيام قليلة من انتخابات "مجلس الشعب" السوري، وقبل وقت قصير من الاستفتاء على ولاية ثانية من سبع سنوات للرئيس بشار الأسد، المقرر إجراؤه في 27 أيار الجاري. أول دلالة يمكن التفكير بها لهذا التواقت أن العهد استكمل تحرير نفسه من أية مظاهر توحي باختلافه عن ماضيه التأسيسي، إن على مستوى التعامل مع المعارضين أو على مستوى بنيته الذاتية وآليات وقواعد عمله. فكأنما عاد إلى ما يسمى في لغة الكمبيوتر "برنامج التشغيل الأساسي"، أو الوضع الاستعدادي الأصلي.
وتؤشر أحكام السجن المشار إليها وأجواء الإعداد للاستفتاء الرئاسي أن العهد ماض في سياسة التمترس والارتياب بما حوله، حتى بعد انتهاء الطور الحاد من الأزمة التي أعقبت اغتيال الحريري والانسحاب من لبنان. الراجح أنه يشعر، وهو على حق في ذلك، أن أطورا أخرى في الانتظار. فثمة ملفات متعددة، منها "المحكمة الدولية" لما تطو. وثمة أوضاع إقليمية ودولية لا تقر على حال، ولا تزال بعيدة عن تشكل مستقر. ويبدو أن العهد استقر عند هذا المفصل الزمني من عمره على أن يمسك بيديه شروط استقراره الداخلية والخارجية التي بدت على وشك الإفلات من يديه في عام 2005 بالخصوص. ولعله في مواجهة ذلك استقر على خطة واحدة، هي تلك التي "يفرزها" طبعه الموروث، خطة الاستحصار، أي افتراض الحصار والتصرف بمقتضاه واستخدام البلد حصنا. الثقافة السياسية للحكم "ترتاح" لمناخات كهذه. وتناسب ذهنية القلعة المحاصرة مقتضيات التحكم بالداخل.
هنا ليس ثمة ما يسميه أهل التخطيط الاستراتيجي الخطة باء، أي خطة بديلة يمكن التحول إليها إن تبدت وجوه فشل للخطة الأساسية. ولعل غياب الخطة الاحتياطية وجه من وجوه غياب التخطيط ذاته، أو حلول "الطبع" محل الخطة. وفي الطبع لا ألف وباء. فقط شبه الآباء.
كانت سورية منذ أربعة عقود ونصف أو خمسة افتقرت إلى آليات مراجعة وإصلاح وتعديل ذاتية لنظامها السياسي، تمكنها من تطور سياسي واجتماعي متوازن. غياب الآليات هذه اقتضى فرض "الخيار" المعتمد كخيار وحيد مهما تكن نتائجه، ودون أن يكون ثمة تقييم مستقل لهذه النتائج. وسيقود ذلك إلى نتائج متطرفة، مثل المصادرة على احتكار الخيار الواحد المفروض للصواب والوطنية، ورفض وقمع أي نقد له أو اعتراض عليه؛ ومثل غياب المحاسبة وتكون مصالح خاصة فاحشة تتحصن بالمصلحة العامة، وتاليا ولادة إيديولوجية محافظة بصورة متطرفة لحماية هذه المصالح الخاصة تستمد مصطلحها ومفرداتها من العقيدة الرسمية، ومثل التدني المطرد لمستوى نخبة الحكم، سياسيا وفكريا ومهنيا وأخلاقيا، ومثل تراكم طبقات فوق طبقات من المشكلات الصعبة دون حلول، ومثل تعذر الإصلاح وخروجه من نطاق التدبر البشري. فكأن البلاد تسير في نفق ضيق مسدود. لا تستطيع التوقف، ولا الانعطاف ولا العودة.
وأخطر ما في خروج الإصلاح من التدبر البشري أن يمسي مسألة دهر ومقادير وتصريف رباني. وبالفعل يبدو أن المقادير وحدها هي التي يقع على كاهلها حل مشكلات لا تجد حلا على مستوى "التاريخ". وإن كان من صفات خاصة للمقادير، فهي عماها عن مصائر الأفراد والجماعات، واتخاذ حلولها شكل الانحلال القيامي، واشتغالها ضد الفساد و"الظلم" بالكوارث من زلازل وتدمير وطوفان و...جورج بوش، مما كان أسهب القرآن والتوراة في الكلام عليه. ويخامرنا الظن بأن أصناف الجور التي تعاني منها مجتمعاتنا أمست أكثر تعقيدا وتحجرا وعمقا، و"أنطولوجية"، من أن تكون لها حلول تاريخية وبشرية. ولعل في ذلك ما يسهم في تفسير صعود الإسلاميين الذين ينتسبون إلى مفهوم للعدالة والخلاص، وتشخيص للجور والفساد، متصل بتصور لنظام الكون وأصوله ومعانيه وغاياته.
هذا المنظور "الكوني" المتصل بقضايا المعاني والغايات يثير التساؤل عن موقع المثقفين السوريين، بالخصوص أولئك المتمتعين بحصانة أكيدة من جهة، والقادرين على منح معنى ثقافي غير ظرفي لتغيرات أحوال بلدهم من جهة ثانية. فقبل أن يكون مطلوبا من هؤلاء المثقفين القيام بدور سياسي في بلدهم، هم مدعوون إلى وضع السياسة في أفق ثقافي رحب يتصل بقضايا الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية والسلم الوطني. هذا الدور مقتصر اليوم على الاهتمام بالسياسة الظرفية، أو غائب لمصلحة ابتعاد تام عن السياسة، وأحيانا لمصلحة أجندات ثقافية جزئية، تعكس تبعية الثقافة لتمايزات المجتمع وانقسامات وعيه.
ومهما بدا ذلك غريبا فأن ما هو غائب حقيقة هو الثقافة الوطنية السورية. أعني الثقافة كصعيد عام ومفتوح لإبداع وتداول المعاني والرموز والمفاهيم والقيم حول شخصية البلد ومعناه وتكوينه وذاكرته وتاريخه ومؤسساته ونظامه ودوره. وهي المساحة الحرة التي يجري فيها تدخل المثقف في الحياة الوطنية. في غياب الثقافة الوطنية، نلتقي بوطنية غير مستنيرة منفصلة عن الثقافة، ترتد عمليا إلى إيديولوجية تعلي من شأن أهل الحكم، وبثقافة منفصلة عن الوطنية ومنقطعة التأثير على الحياة العامة.
هذا شأن أوسع من أن يقارب بسطور. حسبنا القول هنا إن الحرية روح الثقافة الوطنية، وإن انعدام الحرية وموت الثقافة شيء واحد. إحياء الثقافة الوطنية، بالمقابل، يمر حتما عبر الدفاع المتسق عن الحريات، دونما مداورة أو تأتأة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضمائر الحداثة المنفصلة والمتصلة و...المعاقة
- ملحوظات أولية في شأن اللغة والطائفية
- في العلاقة بين الأوليغارشية والطائفية
- أقليات وأكثريات: هويات ثقافية، علاقات اجتماعية، أم عمليات اج ...
- أطوار متعددة في حرب لبنانية واحدة
- نمذجة تاريخية مقترحة للنظم السياسية المشرقية
- -ميدل- إيستولوجية-: في شأن المعرفة والسلطة و.. العدالة!
- انتخابات نيابية في سورية أم موسم لصناعة العصبيات؟
- شاذ، استثنائي، وغير شرعي: المعرفة والمعارضة في سورية
- ديمقراطية، علمانية، أم عقلنة الدولة؟
- في أصول التطرف معرفيا وسياسيا، عربيا وكرديا
- اعتزال الحرب الباردة الجديدة
- عوالم المعتقلين السياسيين السابقين في سوريا
- الثقافة الوطنية والدستور كوجهين للشرعية السياسية
- عناصر أولية لمقاربة أزمة الدولة الوطنية في سوريا
- تأملات في أحوال الهوية الوطنية السورية وتحولاتها
- من الاتهام بالطائفية والتبرؤ منها إلى نقدها ومقاومتها
- في أصل -اللاتناسب- الإسرائيلي و-الإرهاب- العربي
- مقام الصداقة
- أحوال الإجماع اللبناني مقياسا للسياسة السورية حيال لبنان


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - بحثا عن معنى ثقافي لتحولات سياسية عجماء