أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرضا المادح - زقاق في الحيدرخانة














المزيد.....

زقاق في الحيدرخانة


عبدالرضا المادح

الحوار المتمدن-العدد: 1922 - 2007 / 5 / 21 - 08:20
المحور: الادب والفن
    


كانت الشمس تبعث بخيوط الدفء لتنسج المرح بين الشجيرات المتشابكة على سفح جبل متين قرب قرية بازي. توزع المقاتلون الانصار على شكل مجاميع صغيرة. حركة الرفاق موزعة بين الحراسة فوق تلة بارزة وجمع الحطب لاعداد الافطار. دخان مواقدهم يختلط برائحة الشاي والخبز المشوي على الصاج في باحات القرى. اكياس النايلون التي يحرصون عليها من التمزق، تمتليء كل مساء بما تجود به أيدي العوائل الفلاحية تعاطفا ً مع المقاتلين الاشدّاء. اتسعت احدى الحلقات بالمشوقين للمزاح وسماع اخبار قرية چمسيدة التي قضوا ليلتهم الاخيرة فيها. تردد في الوادي صوت نقـّار الخشب وكأنه صلية رشاش كلاشنكوف، ليمزق سكون الفضاء. مدّ ابو وحيدة يديه فوق لهب الموقد ليبدد لسعات برد الصباح، الذي مازال يقاوم زحف الشمس نحو الوادي الفسيح لبرواري بالا. رطوبة الارض والاحجار القاسية التي اتخذوها كراسي لهم، تجبرهم على تغيير اوضاع جلساتهم او الوقوف بين الحين والاخر. رمت ام هيفاء بعض من قطع الاخشاب لتزيد من سعير النار.
اقترب سلام ( م ) من المجموعة منتشيا ً كالطاووس والبسمة تعلو وجهه، ليبادرهم بتحية الصباح فيردوا عليه مع بعض العبارات لخلق ارضية للمناوشات الكلامية.
ـ شنو اليوم طالع تلمع...!؟
سأله مهند وهو يدير وجهه بعيدا ًعن الدخان الابيض المتصاعد من الاغصان الرطبة وهي تطقطق من شدة اللهب.
ـ اليوم السالفة مو خالية...!
اضاف ابو كريم ( الفـَلايـَة ).
اجاب سلام وهو حذر من ردّة الفعل:
ـ والله... صديقتي انطتني صابونه.
ـ هــــا...هــا...هــا...هــــا...
ضجّ الرفاق من حوله بالضحك وتعالت التعليقات ولم تهدأ إلا بارتشاف الشاي الدافيء من الاقداح الزجاجية التي تلوّنت بصفائه.
ـ اللي يسمعك يگول صدگ عندك صديقة...!
اضاف ابو رجاء وهو يهيء نفسه لتبديل الحرس.
اخذت الاحاديث وذكريات المدن تتسلل مابين الشفاه.
ـ كنـّا خمسة رفاق، استقر بنا الحال مؤقتا ً في فندق بغداد، الواقع في احد ازقـة محلة الحيدرخانة. انهكنا البحث كل مساء عن مكان للمبيت. كنـّا نمرّ على الفنادق جميعا ً من ساحة السعدون حتى باب المعظم، فلا نجد مكانا ً. في احدى المرات، واصلنا البحث حتى جانب الكرخ، لتستقر اجسادنا المنهكة على اسرة متهالكة في فندق قديم قرب علاوي الحلة، بعد ان تجاوز الليل منتصفه، وهذا ماخدمنا لان تقديم قائمة النزلاء من قبل اصحاب الفنادق لرجال الامن يتم قبل الثانية عشر ليلا ً.
توقف ابو انتصار عن الحديث قليلا ً لياخذ نفسا ً عميقا ً من سيكارته. اقترب مهند اكثر ليصغي للمتحدث بأهتمام.
ـ حصل اربعة رفاق واحد بعد الاخر، على عمل في معمل للنجارة في كرادة مريم، وبقيت وحيدا ً انتظر دوري. كان يتملكني الشعور بالوحدة والضجر طول النهار، رغم اني كنت اقضي وقتي متعمدا ً من الصباح حتى المساء، في اسواق شارع النهر وشارع الرشيد المزدحمة. هاجس الاعتقال يلاحقني في كل زاوية ومن كل نظرة مريبة.
ـ متى كان ذلك.؟ استفسر مهند.
ـ في بداية ربيع عام 1979، حيث كان يلف بغداد الرعب والحزن والمستقبل الغامض ، فلم نتذوّق طعم الربيع، ولم نلحظ ثوبه يتجدد في ساحات وحدائق العاصمة.
ـ ايام صعبة مرّت علينا، فقد كان الشيوعيون ابناء المحافظات الهاربون من بطش النظام، يفترشون الحدائق العامة في الليل، ويتوسدون مسطبات محطة القطارات، وينامون في المعامل الاهلية خلسة من اصحابها.
اضاف ابو عراق والمشاهد تلك حية في ذاكرته. ثم اكمل ابو انتصار حديثه:
ـ في احد الصباحات تاخرت قليلا ً، وقررت ان اخذ نظرة من شرفة الفندق، على بيوت الشناشيل القديمة والزقاق المؤدي اليها.
كانت اعمال تجديد الفندق من الخارج جارية لايام. حركة الناس في الزقاق لاتنقطع. عند الظهيرة تزداد الحركة باتجاه مطاعم شعبية ذات اكلات رخيصة. السيارات في شارع الرشيد لاتكف عن الضجيج. جامع الحيدرخانة يضفي على المنطقة هيبة فن عمارته. اسند احد العمال سلم خشبي طويل الى جدار الفندق، وبدا بالتسلق ببطء ماسكا ً بيده علبة صبغ كبيرة، تدلت على حافتها فرشاة عريضة خاصة لطلاء الجدران. الشمس تواجه الفندق فتميز بوضوح بين اللون الجديد واللون القديم الذي فقد خاصيته.
بعد توقف قصير بسبب رد التحية واصل ابو انتصار حديثه:
ـ دلف في الزقاق من شارع الرشيد، شاب وسيم الطلعة بطقم ثياب جديد وكأنه متوجه لحفلة زفافه. قسمات وجهه تعبر عن ابتسامة دائمة. ربما كان غارقا ً باحلام لقاء الحبيبة في مكان ما. اقتربت خطواته من السلم، وفجأة هوت علبة الصبغ لتصطدم بالارض محدثة ً جلبة ً، امتزجت مع صرخة المفاجأة من ذلك الشاب. انبعثت من العلبة نافورة طوقت الشاب وبدلته الانيقة، لتوزع امتداداتها على الجدران وارض الزقاق، وكل ما استطاعت الوصول اليه. كتمت ضحكتي، لتمتزج بشعور الاسى على ذلك المسكين.
وهنا صرخ مهند مقهقها ً والدهشة ارتسمت على قزحيّـتي عينيه:
ـ ملعون .. كيف تتجرأ وتضحك عليـّه...!؟
ـ ماذا تقصد...!؟
ـ ان ذلك الشاب هو انا.
ـ هل تمزح...!؟
ـ لا...لا... انا جاد. كنت في ذلك الصباح البس تلك البدلة لأول مرة، وهي هدية من اخي...!
ـ ياللمفارقة...! بعد كل هذه السنين نلتقي هنا حول الموقد لنتعارف وبهذه الطريقة الغريبة...!
كان الحدث مثار اعجاب الجميع. رفع سلام يده ملوحا ً بكأس الشاي:
ـ بصحة البدلة...!
فرفع الرفاق كؤوسهم لينعشوا صدورهم، ولتستمر حكايا الموقد الدافئة.
.........................................
13 05 2007



#عبدالرضا_المادح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عباس الفَوري
- الحجّار
- الخبّز وعبدُالله *
- مَشهدْ
- جرافّة الموتى
- هل فقد الجواز العراقي مصداقيته وشرعيته...!؟
- حقائق إضافية حول - قصة الشيعة في العراق-
- هل سيُسقط صدام حكومة المالكي...؟
- الوهم
- درب التبانه
- مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي والتطبيق
- مشروع النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي ملك الشعب
- بجرّة قلم ألغى العلم
- !... ألقطط ألسمان وألشحمة ألنفطية


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرضا المادح - زقاق في الحيدرخانة