أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بن سعيد الفطيسي - الإمبراطورية الأمريكية واستراتيجية السيطرة على النفط الاسيوي















المزيد.....



الإمبراطورية الأمريكية واستراتيجية السيطرة على النفط الاسيوي


محمد بن سعيد الفطيسي

الحوار المتمدن-العدد: 1921 - 2007 / 5 / 20 - 10:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شكل انهيار الاتحاد السوفيتي – سابقا – وخروجه من الواجهة الدولية كقوة عظمى رئيسية وموازنة للقوة الأمريكية , فرصة ثمينة لبروز العملاق الأمريكي كقوة أحادية لا منافس لها على الإطلاق , تملك خيار السيطرة والسيادة على كل شي , بداية من الاقتصاد والسياسة مرورا بالتجارة والمعلومات والتكنولوجيا وغيرها من مقومات السيادة والسيطرة على العالم , وقد استغلت الإمبراطورية الأمريكية هذه الفرصة احسن استغلال , فاستطاعت خلال فترة زمنية قصيرة ان تصبح القوة العالمية والدولية رقم واحد ومن دون منافس , وان تطوق العالم بطوق يصعب الإفلات منه ببساطة , وكما وصفها وزير الخارجية الفرنسي السابــق هيوبـــير فيدرين بأنـها – أي الولايات المتحدة الأمريكية – قد أصبحت قوة عالمية تجاوزت مكانتها مصطلح القوة العظمي لتمتد اليوم الى ( الاقتصاد والعملة والمجالات العسكرية , وطراز الحياة واللغة , والمنتجات الثقافية الكبرى التي تغرق العالم , وتشكل الفكر , وتفتن حتى أعداء الولايات المتحدة بجاذبية آسرة ) , و أصبحت كثير من دول العالم تعتمد عليها كثير في رعاية مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية , لدرجة ان جادل كثيرون بان العولمة ليست سوى قناع أمريكي لغزو الأرض والمحيط والسماء , فوصفتها مجلـــة ديرشبيغل الألمانية – أي العولمة – بأنـــها نــوع مــن( الأصنام والأيقونات الأمريكية الآخذة في تشكيل العالم , مـــن كاتمـــندو الى كيــنشاسا , ومــن القاهرة الى كاركاس , فالعولمة ترتدي لافتة كـــتب عليها " صنع في الولايات المتحدة الأمريكية " ) ( 1 )
ولكن وكما هو معروف فان للقوة ثمنها الباهض , وللسيطرة ضريبة لابد من دفعها للاستمرار والبقاء , فإذا أرادت الولايات المتحدة الاميريكية الاستمرار والبقاء كقوة متفردة و أحادية في عالم أصبحت فيه السيطرة استراتيجية صعبة للغاية في ظل صغر المساحة الدولية بفعل التكنولوجيا والمعلومات وغزو الفضاء و العولمة فلا بد لها من ان توازن قوتها ما بين رغبات الداخل وطموحات الخارج , وببساطة ان تصبح هي نفسها الهواء الذي لابد ان تتنفسه الأحياء البشرية , أي ان تعيد رسم الجغرافيا والديموغرفيا وجميع الأيديولوجيات بشكل يلائم مساحة خريطتها الجديدة , رغم ان العديد من استطلاعات الرأي تؤكد ان نصف الجمهور الأمريكي يعتقد ان أمريكا آخذة في التقلص في قوتها ونفوذها , او التراجع الى الوراء و إعادة رسم سياستها الاقتصادية والاندماج مع الدول الأخرى من اجل خلق توازن اقتصادي ما بين قيمة الاستهلاك ومستوى الصادر وبالتالي تزايد حاجتها الــى الآخرين , ومن هذا المنطلق فان الولايات المتحدة الاميريكية لن تستطيع من خلال ( تراجع القدرة الاقتصادية والعسكرية والأيديولوجية بان تسيطر فعليا على عالم اصبح شديد الاتساع , كثير السكان , متعلما , وديموقراطيا , واصبح تجاوز العقبات الحقيقية أمام الهيمنة الاميريكية المتمثلة بروسيا وأوربا واليابان , هدفا صعب المنال لانه ذو حجم كبير , ومن اجل ذلك على الولايات المتحدة الاميريكية ان تتفاوض مع هؤلاء , وان تتراجع أمامهم أحيانا كثيرة , وان تجد حلا حقيقيا او خياليا لتبعيتها الاقتصادية التي تقض مضجعها ) ( 2 )
فهذه القوة التي نتكلم عنها هي قوة توربينية لابد لها من طاقة ودماء تضخ في عروقها كي تتجدد بها الحياة و تبدا في التحرك والنشاط وبالتالي الاستمرار فان ( قدرة المرء على الحصول على النتائج المرغوبة كثيرا ما ترتبط بامتلاكه موارد معينة , وهكذا فأننا نستخدم عند تعريف القوة تعبيرا مختصرا هو امتلاك كميات كثيرة نسبيا من عناصر السكان , والإقليم الجغرافي , والموارد الطبيعية , والقوة الاقتصادية , والقوة العسكرية , والاستقرار السياسي , فالقوة بهذا المفهوم تعني الإمساك بالأوراق الرابحة في لعبة البوكر الدولية . فإذا أظهرت أوراقا قوية , فان من المحتمل ان يطــوي الآخرون ما بأيديهم من أوراق , وبالطبع فانك ان اسات اللعب بأوراقك , او وقعت ضحية الغش والخداع , تخسر رغم قوتــك او تفشل عــلى الأقل في الحصول على النتيجة التي تريدها ) ( 3 )

أرقام خيالية وراء أسباب انهيار الاقتصاد الأمريكي :-

ان طبيعة الحياة الاقتصادية في الولايات المتحدة الاميريكية تختلف اختلافا كليا عن مثيلاتها في الدول الصناعية الكبرى , من حيث الاستهلاك المحلي من الطاقة ومستلزمات الحياة اليومية , لهذا فهي لا تستطيع ان تعتمد على نشاطاتها الاقتصادية فقط , بل هي في حاجة ماسة الى المساعدات الخارجية من اجل الحفاظ على مستوى استهلاكها كما اسلف وذكرنا , فهي بحاجة الى 1.5 مليار دولار يوميا لتغطية العجز في ميزانها التجاري الذي وصل الى 4.5 مليار دولار في عام 2001 , فإذا ( قدرنا حجم العجز التجاري الأمريكي بالنسبة الى الإنتاج الأمريكي الخام من المواد المصنعة فقط , فإننا نحصل على نتيجة مذهلة تفيد بان الولايات المتحدة تعتمد على صادرات غير أمريكية في تغطيتها لمستوردات تبلغ 10 % من استهلاكها الصناعي , وقد كان هذا العجز الصناعي 5 % فقط في عام 1955 , ويجب ان لا نتصور ان العجز يتركز على سلع ذات تقنية متدنية لان الولايات المتحدة الاميريكية تركز على إنتاج السلع ذات التقنية العالية , 000 ولكن يبقى ان نشاهد سنة بعد سنة تراجع تقدم أمريكا في جميع المجالات بما في ذلك الصناعة التي تحتل فيها مراكز الزعامة في العالم , 000 فسرعة العجز الصناعي الأمريكي تشكل واحدا من الجوانب المثيرة بالاهتمام في العملية التجارية ألان , فعشية الركود الاقتصادي عام 1929 كان الإنتاج الصناعي الأمريكي يساوي 44.5 % من الإنتاج العالمي مقابل 11.6 % لألمانيا , 9.3 % لإنجلترا و 7 % لفرنسا و 4.6 % للاتحاد السوفيتي , وقد اصبح الإنتاج الأمريكي بعد سبعين سنة اقل بقليل من إنتاج الاتحاد الأوربي او أعلى بقليل من إنتاج اليابان , ولم يعوض هذا الركود في القوة الاقتصادية , نشاطات الشركات متعددة الجنسيات الاميريكية , فمنذ 1998 صارت الأرباح التي تحولها الى أميركا اقل من الأرباح التي تحولها الشركات الأجنبية العاملة في أمريكا الى بلادها الأصلية ) ( 4 )
من هذا المنطلق يتضح لنا ان الولايات المتحدة الاميريكية تعاني كثيرا من انخفاض في ميزانها التجاري بسبب عوامل اقتصادية وسياسية وطبيعية كان أهمها على الإطلاق : -
( أ ) تراجع قيمة الصادر أمام الاستهلاك المحلي الكبير في السنوات الأخيرة , والعجز المتواصل والسنوي عن تغطية ذلك الــخلل الاقتصادي , مما يسبب للعديد من المخططين الاقتصاديين واصحاب القرار في البيت الأبيض والشركات الكبرى قلقا مخيفا لابد من أيجاد حل منطقي وسريع لإيقافه قبل ان يتفاقم 0
( ب ) زيادة استهلاكها المحلي من النفط ومشتقاته والذي يعتبر أهم عنصر من عناصر تحريك عجلة الاقتصاد والتنمية وخصوصا إذا ما علمنا ان الولايات المتحدة الاميريكية تعتمد لسد ذلك العجز على دول أخرى في حاجتها الى النفط الخام , والذي تعتمد عليه بشكل رئيسي في مجال صناعاتها الكبرى , مما سيتسبب في تراجع قوة الولايات المتحدة الاميريكية الاقتصادية والتجارية وبالتالي تراجعا في قوتها الصلبة وسيادتها العالمية , وان تجد حلا حقيقيا او خياليا لتبعيتها الاقتصادية التي تقض مضجعها وتؤرقها دائما كما اسلف وذكرنا وخصوصا في مجال تبعيتها النفطية , ( فقد كشفت إحدى هذه الدراسات ارتفاع نسبة التبعية الأمريكية للنفط الأجنبي الى مـــــــا يعادل 52% عام 2001 وتوقع ان يتفاقم هذا المعدل ليصل إلى أكثر من 66% عام 2020, كذلك فان الاستهلاك الأمريكي من النفط ســوف يرتفع بنسبة 56% مقارنة بحجم الاستهلاك الحالي ليرتفع من 10.4 ملايين برميل في الوقت الراهن الى 16.7 مليون برميل بحلول عام .2020) ( 5 )
( ج ) أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تبعها من حرب الولايات المتحدة الاميريكية علـــى أفغانستان والعراق , فأفغانستان لوحدها كلفت ميزانية الدفاع الاميريكية حسب إحصائيات قريبة , ما يقارب العشرين بليون دولار أمريكي وهو رقم لا يمكن تخيله مطلقا , ولم تكن العراق بأقل من ذلك على مستوى تلك الأرقام حيث أبلغت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) البيت الأبيض بأن ( تكلفة ضرب العراق وإلحاق الهزيمة به واحتلاله لمدة ستة أشهر تبلغ نحو 85 مليار دولار. وهناك أنباء تشير إلى أن إدارة بوش (الثاني) طلبت من الكونجرس تخصيص 95 مليار دولار لمواجهة تكاليف الحرب، وهي التكاليف التي يمكن أن ترتفع لأكثر من ذلك بكثير لأن الاحتلال الأمريكي للعراق يحتاج حسب تقديرات رئيس أركان القوات البرية الأمريكية إلى 200 ألف جندي بشكل دائم طوال فترة هذا الاحتلال. فضلاً عن أن الولايات المتحدة سيكون عليها أن تتحمل تكلفة تقديم منح ومساعدات للدول التي ستساعدها أو تقدم لها تسهيلات في الحرب ضد العراق 0
ومن هنا ندرك ان الولايات المتحدة الاميريكية مقبلة على أزمة اقتصادية , وخصوصا في مجال استهلاكها للنفط الخام ومشتقاته , وستعاني كثيرا من تفاقم العجز في ميزانها الاقتصادي والتجاري , مما سيترتب عليه مشاكل لا حصر لها على صعيد الحياة الاقتصادية والاجتماعية للشعب الأمريكي الذي تسبب ذلك العجز في انخفاض مستوى دخل الفرد بسبب ارتفاع نسبة الضرائب الاميريكية على السلع والبضائع وغيرها من مستلزمات الحياة اليومية والتي بلغت على سبيل المثال بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب على أفغانستان ما يقارب 1.35 تريليون دولار محسوبة على مدى عشر سنوات من العام 2001 0
كما وقد تفشت ظاهرة الطبقية بين أفراد المجتمع الأمريكي بشكل واضح وفاضح لدولة العدالة والمساواة الاجتماعية وذلك بسبب الامساواة في المعيشة بين أفراد المجتمع الأمريكي , كارتفاع حصة طبقة الأغنياء الذين لا يشكلون سوى ما نسبته 20 % من السكان وانخفاض في مستوى حصة الباقين , مما اضطر العديد من أفراد الشعب الأمريكي الى التظاهر لابراز مدى استيائهم من الحالة الاقتصادية والوضع المعيشي المتردي الذي آلت إليه البلد , كما وارتفعت نسبة البطالة والفقر بشكل سريع ومخيف , ( وحتى ندرك أهمية النفط للولايات المتحدة، فإن إجمالي الاحتياطيات الأمريكية من النفط لا يتجاوز 21 مليار برميل في الوقت الراهن، في حين يبلغ الاستهلاك الأمريكي الصافي نحو 17 مليون برميل يوميا، وهذا يعني أن كل الاحتياطيات الأمريكية من النفط يمكن أن تنفد خلال ما يقل عن ثلاثة أعوام ونصف العام فقط لو اعتمدت الولايات المتحدة على نفطها بالكلية. لكنها تعتمد على استيراد البترول بدلا من الاستنفاد السريع لاحتياطاتها النفطية.
وقد بلغت الواردات النفطية الصافية (الواردات من النفط مخصوما منها الصادرات من منتجاته) للولايات المتحدة نحو 10.8 ملايين برميل يوميا في المتوسط في عام 2001، في حين يدور حجم الإنتاج الأمريكي من النفط حول مستوى 6 ملايين برميل يوميا. وحتى في ظل هذا المستوى من الإنتاج، فإن الاحتياطيات الأمريكية سوف تنتهي بعد ما يقل عن عشرة أعوام، لتصبح الولايات المتحدة معتمدة على استيراد النفط بشكل كامل. وفي الوقت الراهن فإن زيادة سعر برميل النفط بدولار واحد يعني زيادة المدفوعات الأمريكية عن الواردات النفطية الصافية بمقدار 4 مليارات دولار سنويا. أما عندما ينفد الاحتياطي الأمريكي -وبفرض ثبات حجم الاستهلاك الأمريكي من النفط- فإن ارتفاع سعر برميل النفط بمقدار دولار واحد سيعني زيادة المدفوعات الأمريكية عن الواردات النفطية بأكثر من 6 مليارات دولار في العام.) ( 6 )
( وجدير بالذكر أن حجم الاحتياطيات النفطية الأمريكية يبلغ نحو 21 مليار برميل، في حين يبلغ حجم الإنتاج نحو 6 ملايين برميل يوميا، وهو معدل للإنتاج يجعل الاحتياطيات الأمريكية تنفذ تماما خلال ما يقل عن عشر سنوات. وبلغ حجم الواردات النفطية الصافية للولايات المتحدة ( وارداتها من النفط مخصوما منها صادراتها من منتجاته)، نحو 10.8 ملايين برميل يوميا في المتوسط في عام 2001. وكانت قيمة الواردات النفطية الأمريكية من النفط قد ارتفعت من 50.3 مليار دولار في عام 1998 في ظل سعر بلغ 12.3 دولار للبرميل في المتوسط، إلى 67.2 مليار دولار في عام 1999 في ظل سعر بلغ 17.5 دولار للبرميل في المتوسط، ثم ارتفعت تلك المدفوعات إلى 119.3 مليار دولار عام 2000 عندما ارتفع سعر برميل النفط في المتوسط إلى 27.6 دولار، ثم بلغت نحو 86 مليار دولار عام 2001. أي أن الزيادة في قيمة الواردات الأمريكية من النفط في مجموع أعوام 1999، 2000، 2001 بلغت 121.6 مليار دولار عما كان يمكن أن تدفعه لو استمرت أسعار النفط ومدفوعات الولايات المتحدة عن وارداتها منه عند مستوياتها عام 1998 ) ( 7 )
وبذلك تتضح لنا الأسباب والمبررات التي تدفع الولايات المتحدة الاميريكية لاتباع استراتيجية استثنائية جديدة لمعالجة الوضع المتفاقم والمتدهور لاقتصادها , - أي - إستراتيجية البحث عن مصادر النفط الخام ومنابعه في شتى أنحاء العالم لسد احتياجاتها المتزايدة من تلك الثروة الطبيعية , ولتغطية العجز في ميزانها التجاري , ولإنهاء عقود من التبعية للآخرين في شتى مجالات الصناعة والاقتصاد , فكل تلك الأرقام والإحصائيات تدق ناقوس الخطر لنهاية الإمبراطورية الاميريكية , وبالتالي فلابد من التوصل الى حل جذري لإنهاء هذه الأزمة الخانقة قبل ان تسفر عن دق مسمار النهاية في نعش هذه الدولة التي تربعت على عرش السيادة العالمية لمدة قرنين من الزمن , ولن تقبل ان تتنازل عن تلك السيادة ببساطة وسهولة 0


القارة الأسيوية و الطريق الى السيادة العالمية :-

تعتبر القارة الأسيوية من نواحي عديدة الطريق السهل والسريع للتربع على دفة الســـيادة العالمية , نظرا لما تملكه من مقومات جيوستراتيجية وجيوبولوتيكية تؤهلها لتكون الكنز الضائع للعديد من الطامحين للوصول الى دفة الهيمنة الدولية والسيادة على العالم , وعلى راس تلك المقومات التي تعطي لهذه القارة قوة سياسية واقتصادية لا نظير لها , المخزون الطبيعي من الذهب الأسود او( النفط ) القابع في بطن الأرض الأسيوية والذي ينتظر الخروج الى وجهها ليغير نوعية الحياة وكيفيتها للعديد من الدول والشعوب , فكما هو معروف بان هذه القارة تسيطر على النسبة الأكبر من مخزون النفط العالمي الذي يعتبر اليوم أهم عامل اقتصادي لتحريك عجلة الصناعة والتجارة الدولية, ومن ابرز العوامل السياسية الهامة في وقتنا الراهن , نظرا لما يشكله من قوة سياسية واقتصادية مؤثرة في تغيير وتشكيل العديد من القرارات الدولية السياسية والاقتصادية الهامة , ولما يمثله من صمام أمان للعديد من الدول في وجه المتغيرات التي قد تحصل على صعيد التحولات الاقتصادية الدولية بسبب الحروب او الكوارث الطبيعية او الاحتكار العالمي والتحكم في أسعار النفط ومشتقاته 0
( فبإلقاء نظرة على الخارطة السياسية والاقتصادية لأسيا تتضح أهمية وتعقيدات المنطقة , فهي تضم بلدا صناعيا متطورا مثل اليابان باقتصاد اكبر من اقتصاد أي بلد تاريخي في أوربا , وثلاثة بلدان قارية هي الهند والصين وروسيا , وبلدين – كوريا الجنوبية وسنغافورة – قريبين من امتلاك الإمكانيات الاقتصادية والتكنولوجية للدول الصناعية المتقدمة , وبلدين كبيرين هما الفليبين وإندونيسيا , اللذين يتآلفان من آلاف من الجزر وتتحكمان بأهم الطرق البحرية , وتايلاند وبورما وهما بلدان قديمان تعداد سكانهما يقارب تعداد سكان فرنسا او إيطاليا , وكوريا الشمالية وهي دولة شريرة تعمل على تطوير أسلحة نووية وصواريخ طويلة المدى , وتنتشر أعداد كبيرة من السكان المسلمين في ماليزيا وإندونيسيا , وهما اكثر الشعوب الإسلامية عددا فــي العــالم , واخيرا هنـــاك فيــتنام التــي برهــنت علــى شكيــمتها العسكرية ووطنيتها المتأجــجة فـــي حروب ضد فرنسا والـــولايات المتحدة
الأمريكية ) (8 ) 0
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية من أوائل الدول التي تنبهت لتلك الأهمية الجيوستراتيجية والجيوبولوتيكية للقارة الأسيوية ككل , وما ستشكله فيما بعد من قوة عالمية بسبب امـــتلاكها لذلك المخزون الهائل مـــن الـــنفط , وغيره من الموارد الطبيعية والاقتصادية الهامة , ولكون ارتباط الاقتصاد الأسيوي بالاقتصاد والتجارة الأمريكي ارتباط وثيق جدا بحيث ان الولايات المتحدة الاميريكية غير قادرة على التخلص منه ومن تبعيته الخانقة , فوجدت في استعماره واحتلاله بالطرق الدبلوماسية والتبادل التجاري أولا , وبالقوة العسكرية ثانيا الحل الخيالي لذلك الاقتصاد المنهار او المقبل على الانهيار , بحيث انه لا مناص من التعامل مع السوق الأسيوي , هذا السوق الذي يعتبر من اكبر الأسواق التجارية العالمية للتبادل التجاري , ومن اكبر المستهلكين للسلع الاميريكية , حيث ( تتزايد أهمية اقتصاد أسيا – كل يوم - بالنسبة الى الولايات المتحدة الاميريكية والعالم , - فعلى سبيل المثال لا الحصر - ففي العام 1996 كانت حصة أسيا 58 % من تجارة الولايات المتحدة الاميريكية مع مجمل أنحاء العالم , فصادرات الولايات المتحدة الى الصين نمت بمعدل نمت بمعدل 13 % في التسعينات , وتضاعفت استثمارات الولايات المتحدة فيها ثلاث مرات خلال الفترة ذاتها ) وعلى هذا الأساس تعمل الإمبراطورية الاميريكية في تعاملها مع الدول الأسيوية , باعتبار ان سيناريو أسيا هو البديل المناسب والسريع للخروج مـن تلك الأزمة , والمنقذ الذي لا مفر منه لانهيار الإمبراطورية الاميريكية , والطريق الوحيد للسيطرة والهيمنة على العالم اليوم من الناحيتين الاقتصادية والسياسية
و لالقاء النظر على الاستراتيجية الاميريكية الحديثة للسيطرة على القارة الأسيوية ككل لابد لنا من تقسيم تلك الاستراتيجية الى قسمين كما سبق وفعلنا , أولها الطرق السلمية والتدخلات الدبلوماسية تحت مسوغات التبادل التجاري والمساعدات الخارجية ونشر الديموقراطية ومنع انتشار الأسلحة النووية والمحرمة دوليا , وغيرها مــن " أحصنة طروادة " التي تتخذها الولايات المتحدة الاميريكية كستار فاضح لتلك الاستراتيجية , ولتدخل من خلالها الى تلك المنطقة كما دخلت بمثلها في أنحاء عديدة من العالم , ومن أمثلة تلك التدخلات إقرار مرسوم استراتيجية طرق الحرير في عام 1999 بهدف الاستحواذ على دعم يخدم الاستقلال الاقتصادي والسياسي لبلدان جنوب القوقاز واسيا الوسطى 0
والـقسم الثاني من تلك الاستراتيجية ينحصر في التدخلات العســكرية طـــويلة المدى او قصـيرة المــــــدى – أي – حسب الحاجة , بنفس الأعذار الواهية السابقة كنشر الديموقراطية وتحطيم عروش الديكتاتوريات وإنقاذ الضعفاء من الحكومات الجائرة والمستبدة والمحافظة على الأمن والسلم العالميين ومكافحة الإرهاب , كما حدث ذلك في أفغانستان والعراق وغيرها من الدول الأسيوية , رغم انكشاف تلك المسوغات أمام الجميع وانكشافها بشكل لا يدع لاحد أي ذرة شك ان تلك التدخلات ليست سوى مبررات للاستعمار السياسي والاقتصادي , ويشير الى تلك الاستراتيجية مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية السابق هنري كيسينجر في كتابه " هل تحتاج أمريكا الى سياسة خارجية ؟ " حيث يقــول :- انـــــه ( ينبغي على السياسة الاميريكية في أســيا ان تحرر نفسها من الشعارات السطحية و تبدا بالأفعال على أساس بعض المبادى العمــلية التالية : - 0000 ان افضل طريقة لدفاع الولايات المتحدة الاميريكية عن أسيا – عن مصالحها بوجه خاص – ضد أي تهديد معاد ترسيخ تواجد عسكري متفوق ومـــمارسة سياسة خارجية تتوافق مع الأهداف القومــــية للدول الأسيوية الرئيسية ذات الأهداف المتوافقة مع أهدافنا ) 0
ويشير كذلك الى نفس الاستراتيجية السابقة مخطط آخر للسياسة الاميريكية ولكن و بشكل اكثر صراحة ودقة آلا وهو مستشار الأمن القومي السابق في عهد الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر" زبيغينيو بريجنسكي " حيث يشير آلا ان المساعدات الخارجية الاميريكية ومسوغات نشر الديموقراطية والحرية الاميريكية في أفغانستان لم تكن سوى كذبة كبيرة أريد من خلالها استجلاب الاتحاد السوفيتي السابق الى المصيدة الأفغانية بحيث تكون مقبرته الأخيرة وبالتالي بروز الإمبراطورية الأميركية كدولة متفردة لا نظير لها ولا ند في المنطقة , فقد اعترف في مقابلة أجراها عام 1998 بان ( الرواية الاميريكية الرسمية القائلة بان المساعدات العسكرية الاميريكية للمقاومة الأفغانية قد ابتدأت بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979 , لم تكن سوى مجرد كذبة , أما الحقيقة فهي – كما يقول – هي ان الولايات المتحدة الاميريكية باشرت مساعداتها للمجاهدين الأصوليين الإسلاميين قبل ستة اشهر من الخطوة السوفيتية , و بأنه توقع وقتذاك , وقد اسر به للرئيس كارتر ان تدفع هذه المساعدات الاميريكية الاتحاد السوفيتي للأقدام على اجتياح عسكري , 00000 وعندما سئل بريجينيسكي عما إذا كان نادما على فعلته أجاب : - اندم على ماذا؟ على فكرة رائعة كفلت استجلاب الدب الروسي الى المستنقع الأفغاني , وتريدني ان اندم ؟! ففي اليوم الذي اجتاح فيه الجيش السوفيتي الحدود الأفغانية أبرقت الى الرئيس كارتر قائلا : - ألان لدينا فرصة إهداء الاتحاد السوفيتي فيتنامه الخاصة , وبالفعل فقد تكبدت موسكو طوال عشر سنوات عناء حرب لا طاقة لها على احتمالها , فتداعيت معنويات جيشها في البدء , ثم انهارت الإمبـــراطورية السـوفيتية بـرمتها ) ( 9 )
ولنبد أولا بالخيارات العسكرية " السرية " لتطبيق المنهجية الاستراتيجية الاميريكية نحو ممارسة الهيمنة والسيادة على العالم من خلال السيطرة على القارة الأسيوية او بالأحرى على مواردها الاقتصادية وخيراتها وثرواتها الطبيعية منذ مدة طويلة جدا وخصوصا خطوط ومنابع " النفط " الرئيسية في العالم , متخذين من أفغانستان والعراق , اقرب مثالين حيين لفهم أوسع و أدق لتلك المنهجية الاستعمارية للإمبراطورية الاميريكية على هذه البقعة من العالم , فأفغانستان على سبيل المثال والذي اتخذت منه الإمبراطورية الاميريكية ذريعة لغزو أسيا بعد اتهام تنظيم القاعدة بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001 , تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وتخليص الشعب الأفغاني من حكم طالبان المستبد , فقد تأكد في ما بعد ما مفاده ان الوقائع لتشير الى ان ( الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الاميريكية على أفغانستان في تشرين الأول / أكتوبر كان قد خطط لها بمعزل عن اعتداءات 11 أيلول / سبتمبر , فبدلا من ان تشكل الحرب ردا على هذه الاعتداءات إنما يبدو ان هذه الاعتداءات شكلت ذريعة تتسلح بها الولايات المتحدة لتبرر تنفيذ الخطط المعدة سابقا للقيام بتدخل عسكري , بالإضافة الى ذلك فقد تم وضع تلك المخططات المحددة بسبب عجز الطالبان عن تنفيذ شروط الولايات المتحدة المتعلقة بالأهداف الاستراتيجية والاقتصادية الإقليمية والتي كان من المقرر تنفيذها فـــي تشرين الأول / أكتوبر مـــن العام 2001 ) 000 حيث تشكل أفغانستان النافذة الأساسية التي تطل على أسيا الوسطى من جهة واكبر احتياط للطاقة من جهة ثانية ( 10 )
كما نقلت مجلة نيوزويك (Newsweek ) في مقالة عنونتها بــ " عملية درع السهب " ان الجيش الأمريكي كان يحضر للقيام بعملية في كازخستان , وتم التخطيط للعملية على غرار عملية درع الصحراء في الكويت والعراق التي أدت بنجاح الى إنشاء شبكة قاعدة عسكرية دائمة في المنطقة تابعة للولايات المتحدة , ويعود بالتحديد مرد وضع خطة الحرب الاميريكية التي رأت النور منذ العام 1989 وهدفت الى غزو أفغانستان الى اهتمامات إستراتيجية واقتصادية في أسيا الوسطى , ويعتبر المسؤولين الأمريكيين أفغانستان نافذة مفتوحة على أسيا الوسطى وبحر قزوين وبالتالي منفذ يؤدي الى سيطرة شاملة , وسجل مسؤول سابق في وزارة الدفاع الأميركية , " ايلي كراكوسكي " الذي عمل على المسالة الأفغانية في الثمانينات من القرن العشرين ما يلي : - مع انهيار الاتحاد السوفيتي أضحت أفغانستان تشكل منفذا مهما على البحر للدول المحوطة بالأرض في أسيا الوسطى , وجذب احتياط النفط والغاز الواسع في تلك المنطقة عدة بلاد وشركات متعددة الجنسيات 00 0 كل ما يحدث في أفغانستان يؤثر على باقي العالم كونها تشكل محورا استراتيجيا أساسيا ) ( 11 )
ويعتبر بحر قزوين على وجه الخصوص من أهم خطوط النفط الاستراتيجية والهامة في العالم , فالدراسة التي حررها خبيران من المع خبراء أسيا الوسطى , وهما مايكل كرواسان وبولنت اراس والتي نشرتها في لندن مطبوعات كراوسان في عام 1999 تحت عنوان " النفط وعلم السياسة الطبيعية في منطقة بحر قزوين , لتدل على الأهمية الكبيرة لهذا الخط , حيث وصفه المؤلفان بالمنطقة النفطية الغاية في الأهمية مما يجعلها هدفا للمصالح الحالية المتضاربة للدول المحيطة به ولقوى الغرب , وفي العام 1997 ذكر خبير في الطاقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي حول سياسة الولايات المتحدة الاميريكية في أسيا الوسطى ما يلي :- تقتضي سياسة الولايات المتحدة الاميريكية بتشجيع نمو طاقة بحر قزوين 000 ويكمن مرد تلك السياسة في تشجيع استقلال هذه الدول الغنية بالنفط للحد من سيطرة روسيا على نقل النفط من هذه المنطقة , وبصراحة لترويج أمن الطاقة الغربي من خلال تعدد مصادر التموين 0
ومن هنا نستشف بان الحرب على أفغانستان لم تكن سوى ذريعة واهية ترتكز على اهتمامات اكثر شمولية وتوسعية متعلقة بتعزيز الهيمنة الاميريكية من خلال السيطرة على اوراسيا واسيا الوسطى , بحيث نستطيع ان نقول بان تلك الحرب لم تكن سوى جزء من مخططات السياسة الاميريكية في أسيا الوسطى والمستمدة من إطار إمبريالي واسع والذي ترمي من خلاله دعم مصالحها العملية واستثماراتها في المنطقة وخصوصـا فـــي مجال الطاقة , ومن اجل الحؤول دون بروز منافس لها على تلك الموارد في هذه البقعة من العالم , و( تمت مناقشة هذا الواقع والتخطيط الاستراتيجي المكثف لتدخل أمريكي مستقبلي في المنطقة من خلال دراسة قدمها مجلس العلاقات الخارجية في العام 1997 , حيث تتناول هذه الدراسة بكامل التفاصيل المصالح الاميريكية في اوراسيا والحاجة لمشاركة أمريكية متواصلة وموجهة في منطقة أسيا الوسطى لتامين هذه المصالح 0000 ووفقا لذلك يجدر بالولايات المتحدة الاميريكية ان تتعامل مع القوى المحيطة الأصغر وتتحكم بها , مثل أوكرانيا و اذر بيجان و إيران و كازخستان كرد مضاد على محاولات روسيا والصين السيطرة على النفط والغاز ومعادن جمهوريات أسيا الوسطى , وهي تركمانستان و إوز باكستان و طاجيكستان و كرجيستان , وهو يلاحظ – أي الكاتب وهو مستشار الأمن القومي السابق زبيغينيو بريجينيسكي في عهد الرئيس جيمي كارتر – انه في حال بسطت أي دولة هيمنتها على أسيا الوسطى , فانه قد يشكل ذلك تهديدا مباشرا على السيطرة الاميريكية على موارد النفط داخل المنطقة وفي الخليج العربي , ويسجل المؤلف ان جمهوريات أسيا الوسطى مهمة من ناحية الأمن والطموحات لثلاثة على الأقل من جيرانها الأقرب والأكثر قوة أي روسيا وتركيا وإيـــران بالإضافة الى الصين التي تعلن اهتمــــاما متـــــزايدا بالمنطقة ) ( 12 ) 0
وهذا ما نشاهد انعكاساته هذه الأيام من خلال الحيلولة دون بروز الجمهورية الإسلامية الإيرانية كدولة نووية قوية في المنطقة , والضغط عليها للتخلي عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم او للطاقة النووية , مما قد يشكل تهديدا خطيرا على مصالح الإمبراطورية الاميريكية في المنطقة وخصوصا في الشرق الأوسط 0
أما بالنسبة للعراق وهو الشريك الآخر والضحية التالية لتلك الطموحات والأطماع الاميريكية التي حولت العراق الى بلد منهار جراء سنوات من الحصار والحرب , فهو كذلك لم يكن سوى ذريعة واهية لمحاولة السيطرة على المنطقة من خلال البؤرة العراقية وللسيطرة على ثروات العراق النفطية والتي تأتى في المرتبة الثانية بعد المملكة العربية السعودية حيث تتراوح احتياطاته ما بين 110-115 مليار برميل , و تحت ذريعة إحلال الديموقراطية وترسيخ العدالة والمساواة وتخليص الشعب العراقي من النظام " الدكتاتوري " السابق , أما الحقيقة فهي اكبر من ذلك واخطر بكثير , وقد أشار أليها لورانس ليندساي حينما كان يشغل منصب مستشار الرئيس الأمريكي جورج بوش للشئون الاقتصادية في أكتوبر من العام 2002 حيث أشار الى ان النفط ( هو الهدف الرئيسي لمساعي الولايات المتحدة لشن هجوم عسكري ضد العراق – وقد كان ذلك - يشكل صراحة غير معتادة من المسئولين الأمريكيين حول الهدف الرئيسي والحقيقي من الحملة الأمريكية العدوانية ضد العراق، بعيدا عن الأهداف الدعائية المعلنة حول نزع أسلحة العراق أو إسقاط النظام الحالي لبناء نظام ديموقراطي وغيرها من الادعاءات الأمريكية التي تدرك الإدارة الأمريكية قبل غيرها أنها غير صحيحة , ذلك أن الأسلحة المـــحظور على
العراق امتلاكها ببساطة قد نزعت فعلياً، أما إسقاط النظام العراقي فإنه لا يمكن أن يكون هدفه بناء نظام ديموقراطي في العراق، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والإدارة الأمريكية الراهنة تعمل بشكل مطرد ومنظم على تقويض الحريات المدنية في الولايات المتحدة ذاتها كما رصدت تقارير منظمات أمريكية عديدة لحقوق الإنسان كلجنة المحامين لحقوق الإنسان بنيويورك ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان، فضلاً عن أن الرئيس الأمريكي الآن يجمع سلطات غير عادية بدرجة دفعت زعيم الديموقراطيين في الكونجرس الأمريكي لوصفها بأنها سلطات ديكتاتور، ناهيك عن سلوك الإدارة الأمريكية ضد الدول المختلفة معها والذي لا يمت بصلة للديموقراطية واحترام حقوق السيادة القومية، فما نشهده الآن هو نموذج متطور للعدوانية والانتقامية وروح التطرف والفاشية ( 13 )
ورغم التكاليف الباهظة لشن الحرب على العراق والتي أشارت أليها مصادر أمريكية كثيرة كان من ضمنها وزارة الدفاع الأمريكي التي ( أبلغت البيت الأبيض بأن تكلفة ضرب العراق وإلحاق الهزيمة به واحتلاله لمدة ستة أشهر تبلغ نحو 85 مليار دولار. وهناك أنباء تشير إلى أن إدارة بوش (الثاني) طلبت من الكونجرس تخصيص 95 مليار دولار لمواجهة تكاليف الحرب، وهي التكاليف التي يمكن أن ترتفع لأكثر من ذلك بكثير لأن الاحتلال الأمريكي للعراق يحتاج حسب تقديرات رئيس أركان القوات البرية الأمريكية إلى 200 ألف جندي بشكل دائم طوال فترة هذا الاحتلال. فضلاً عن أن الولايات المتحدة سيكون عليها أن تتحمل تكلفة تقديم منح ومساعدات للدول التي ستساعدها أو تقدم لها تسهيلات في الحرب ضد العراق ) إلا ان أميركيا كانت تعلم بان مخزون العراق من النفط قد يكون عزاء لخسائرها الفادحة , ومنقذا لاقتصادها المتدهور, وحلا أخيرا لكارثة انهيار الإمبراطورية الأميركية , وضربتا قاصمة لمحتكري هذه الطاقة من الدول الأسيوية والعربية وخصوصا منظمة أوبك وإزالة لآي قدرة عربية على التحكم في صادرات النفط أو استخدام النفط سلاحا سياسيا كما حدث في حرب أكتوبر 1973 , وفي هذا السياق قال مدير المخابرات الأمريكية الأسبق ويلسي: "ان لدينا مصالح حقيقية في هذه المنطقة وفي السيطرة على آبار النفط المنتشرة بأكبر مخزون استراتيجي في العالم فيها، ولقد اعتقدنا دوما ان معيار قوة أنظمة الشرق الأوسط تكمن في أنها تستطيع ان تمنع عنا النفط في الوقت الذي تريده كما حدث في حرب أكتوبر .1973 وان الرسالة القوية والواضحة التي سننقلها هي أننا لن نسمح بمثل هذه الأعمال مطلقا، وان من يجرؤ على ارتكاب مثل هذه الأخطاء الاستراتيجية في منع النفط عن أمريكا لابد أن يعاقب وبدون تردد، وان قواتنا العسكرية ستكون جاهزة للتحرك في أي مكان في منطقة الشرق الأوسط من أجل تأمين مصالحنا الاستراتيجية".
وفي حالة ( نجاح العدوان الأمريكي في إسقاط النظام العراقي والسيطرة على الحكم في العراق بشكل استعماري مباشر أو من خلال حكومة تحركها واشنطن، فإن الولايات المتحدة سوف تعمل من اللحظة الأولى على رفع طاقته الإنتاجية إلى حدودها القصوى، - وهذه هي السياسة النفطية التي كانت الولايات المتحدة الاميريكية تأمل في بتطبيقها في العراق لولاء فلتان الأمر من يدها منذ البداية - أي أربعة ملايين برميل يوميا خلال شهور قليلة ، بينما يمكن للشركات الأمريكية أن تضخ استثمارات ضخمة وسريعة لقطاع النفط في العراق لرفع الطاقة الإنتاجية للعراق إلى مستوى مرتفع للغاية يمكن أن يصل إلى نحو ستة ملايين برميل يوميا في الأجل القصير (من عام لثلاثة أعوام)، ويمكن أن يتجاوز عشرة ملايين برميل يوميا في الأجل الطويل، مع توظيف الزيادة في الإنتاج العراقي لتخفيض أسعار النفط إلى المستوى المقبول أمريكيا أي حوالي 15 دولارا للبرميل، وتوظيف هذه الزيادة في الإنتاج وما قد يتلوها من تجاوزات لكل الدول المنتجة لحصصها من إنتاج وتصدير النفط من أجل إعادة حقن الآبار الأمريكية بالنفط لزيادة الاحتياطي النفطي الأمريكي وإطالة عمره الافتراضي الذي يقل عن عشر سنوات في ظل مستوى الإنتاج الأمريكي الراهن، وبعدها ستضطر الولايات المتحدة لاستيراد أكثر من 17 مليون برميل من النفط يوميا بافتراض ثبات استهلاك النفط في الولايات المتحدة عند مستواه الحالي. كما ستعمل واشنطن على توظيف العراق من أجل تمزيق منظمة الأوبك من خلال تفكيك كل قواعدها وبالذات نظام الحصص المعمول به في المنظمة 0
وإذا كانت الدول العربية المصدرة للنفط تخسر أكثر من 6 مليارات دولار في العام في حالة انخفاض سعر برميل النفط دولارا واحدا فقط، فإن هذا يعني أن الاقتصاديات العربية سوف تمنى بخسائر مروعة من انخفاض سعر البرميل إلى مستوى 15 دولارا للبرميل من مستواه الراهن البالغ في المتوسط نحو 32 دولارا للبرميل، لأن هذا الانخفاض سيعني خسارة الدول العربية المصدرة للنفط لنحو 102 مليار دولار من إيراداتها النفطية، بل إن دولة عربية واحدة هي السعودية التي تخسر ما يتراوح بين 2.5 ، و 3 مليارات دولار في العام في حالة انخفاض سعر برميل النفط بمقدار دولار واحد، سوف تفقد ما يتراوح بين 42.5 و 51 مليار دولار من إيراداتها النفطية إذا انخفض سعر البرميل من مستواه الراهن إلى 15 دولارا للبرميل "
وهذه الخسارة العربية هي كارثة بكل المقاييس. وسوف تكون المملكة العربية السعودية ومعها كل الدول العربية المصدرة للنفط هي أكثر من سيعاني في هذا الصدد، حيث إن اقتصادياتها ومستويات المعيشة فيها سوف تتدهور بشكل سريع بما سيعنيه ذلك من احتمالات ظهور وتصاعد اضطرابات سياسية واجتماعية قد تغير خرائط المنطقة ككل ( 13) , ولو نظرنا الى الجهات المستفيدة من تدهور حال الاقتصاديات العربية وانهيار منظمة أوبك والدول المصدرة للنفط في أسيا فلن نجد سوى الولايات المتحدة الاميريكية أولا رغم خسائرها الغير متوقعة على المستوى البشري وانفلات الأوضاع الأمنية في أفغانستان والعراق على وجه الخصوص من يدها , والمستفيد التالي هو الكيان الإسرائيلي , حيث كشفت تقارير عديدة في إسرائيل نفسها من ان ( إسرائيل ستكون من أوائل المستفيدين من سيطرة أمريكا على النفط العراقي، وستكون هذه جائزة لإسرائيل على مواقفها المتوقعة خلال الحرب ضد العراق. وبهذا، فان الحرب الأمريكية المتوقعة ضد العراق لن تحقق الحلم الأمريكي في الهيمنة على النفط العربي – فقط -، ولكن ستحقق لإسرائيل هدفها الاستراتيجي الذي لطالما تحدثت الدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية عن ضرورة ان تستفيد إسرائيل من الثروة النفطية العربية وان تقاسم العرب هذه الثروة بالاستناد الى تفوقها العسكري والتكنولوجي عليهم، وهو ما يبدو ان أمريكا ستحققه أخيرا لإسرائيل إذا نجحت في فرض سيطرتها على العراق. ان المخططات الاستعمارية الأمريكية تجاه المنطقة العربية باتت مكشوفة تماما، ومن الغريب، ان أبعاد هذه المخططات لم تعد سرا ومن المؤكد ان الأنظمة العربية باتت على إلمام حقيقي وتام بها، وهي مخططات تضع المستقبل العربي كله في غياهب المجهول لأنها تسعى الى إعادة العرب الى براثن الاستعمار الكولونيالي المباشر اللعين والإجهاز على الإرادة السياسية المستقلة للعرب، ونهب ثرواتهم الأساسية ومنبع ما لديهم من قوة اقتصادية وفي طليعتها النفط ) ( 14 )
أما بالنسبة للاستراتيجية الأخرى والتي تقوم الولايات المتحدة الاميريكية بتطبيقها على قارة أسيا ككل ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص فهي استراتيجية الحلول والمسوغات السلمية التي تترد ما بين إحلال الديموقراطية في المنطقة , ومكافحة الإرهاب والقمع وتعنيف النساء والأطفال والرجال وغيرها , وكان من أهمها على الإطلاق مشروع طريق الحرير في عام 1999 – أي – قبل أحداث 11 / سبتمبر بعامين تقريبا والذي أشرنا أليه سابقا والذي يهدف الى دعم الاستقلال السياسي والاقتصادي لدول جنوب القوقاز واسيا الوسطى , و إعلان الحرب على العراق كي يتم تحرير الشعب العراقي من النظام الديكتاتوري السابق ليهنا العراقيين بالحرية والديموقراطية والاستقلال بعد سنوات من الظلم والاستبداد – وأي – استقلال وأمان وديموقراطية نشاهدها اليوم في العراق , وفي النهاية يمكن ان تلخص الرهانات الخفية " السلمية والعسكرية " من وراء الأهداف الاميريكية للسيطرة على القارة الأسيوية ككل والشرق الأوسط بشكل خاص في كلمة واحدة وهي النفط الأسيوي ومشتقاته التي تشكل صمام الأمان للاقتصاد الأميركي في السنوات القادمة , والمخرج الأسرع من المأزق الاقتصادي الذي يلف الإمبراطورية الاميريكية برباط خانق يوشك ان تنهار على إثره اكبر إمبراطورية – عسكرية – عرفها التاريخ الحديث , وهي على استعداد لخوض معارك لا نهاية لها من اجل الاستحواذ عليه , والبقاء أطول مدة ممكنة ومهما كلفها الأمر مادامت حقوق النفط الأسيوية تصب في الخزانة الاميريكية 0



( 1 ) وليام دروزدياك , " حتى الحلفاء تسخطهم سيطرة الولايـــات المتحدة " الواشنطن بوست , عــدد 4 / نوفمبر / 1997
( 2 ) ايمانويل تود , ما بعد الإمبراطورية – دراسة في تفكك النظام الأمريكي – ترجمة : محمد زكريا إسماعيل , دار الساقي – لبنان / بيروت , ط 1 / 2003 , ص 45
( 3 ) جوزف , س , ناي – مفارقة القوة الاميريكية – ترجمة / د 0 محمد توفيق البحيري , ط1/2003 , ص 31 – 32
( 4 ) ايمانويل تود , ما بعد الإمبراطورية , مرجع سابق , ص 88
( 5 ) http://www.arabrenewal.com/index.php?rd=AI&AI0=304
( 6 ) http://taarafu.islamonline.net/arabic/in_depth/Iraq_maps/2003/article02.shtml
( 7 ) المرجع السابق
( 8 ) هنري كيسينجر , هل تحتاج أميركا الى سياسة خارجية – نحو دبلوماسية للقرن الحادي والعشرون – ترجمة / عمر الأيــوبي , دار الكـتاب العـربي , بيروت / لبنان , بدون ط / 2002 , ص 106 – 107)
( 9 ) مجلة لونوفيل اوبسرفاتور – الفرنسية – بتاريخ 15 - 21 يناير / 1998 , ص 76
( 10 ) نفيز مصدق احمد – الحرب على الحرية – معهد الأبحاث والتطوير السياسي " الأصل بالإنجليزية " الأهلية للنشر , عمان /الأردن , دون ط / 2002 , ص 89 – 90
( 11 ) ايلي كراكوفسكي - الدوامة الأفغانية – معهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمة , القدس , أبريل 2000, رقم 9
(12 ) زبيغينيو بريجينيسكي , رقعة الشطرنج الكبرى , الأولوية الاميريكية ومتطلباتها الجيوستراتيجية , ط 1 / 1999
( 13 ) http://taarafu.islamonline.net/arabic/in_depth/Iraq_maps/2003/article02.shtml
( 14 ) http://www.arabrenewal.com/index.php?rd=AI&AI0=304


كاتب وباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
سلطنة عمان



#محمد_بن_سعيد_الفطيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مطاردة الظلال وفكرة صناعة الأعداء
- القوة الاميريكية ووهم السيطرة على العالم
- الشعب الفلسطيني والسلاح الديموغرافي
- أبعاد خارج النص السياسي
- مصادر الطاقة بين السياسة والبقاء الإنساني
- الدبلوماسية القائمة على الإكراه
- علم التحليل السياسي بين الإخفاق والإهمال العربي
- العالم في مواجهة الإرهاب النووي
- ظلم الديكتاتورية أم فوضى الديمقراطية؟
- إلا حق العودة للوطن الفلسطيني
- نحو سيناريو شبيه للحرب الباردة
- الحتمية التاريخية للصراع الجيو استراتيجي على العالم
- الفوضى , الاداة التي ستنهي العالم وتدمر الحضارة
- معوقات الدبلوماسية وإدارة الأزمات الدولية
- المتسللون من خلف الخطوط الحمراء
- السياسة بين الأخلاق والقانون والإرهاب
- الظواهر السياسية الحديثة وأثرها على العلاقات الدولية
- العودة إلى جذور العهود الكلاسيكية للسياسة
- تأملات في البناء الإنساني للسياسة الدولية الحديثة
- حتى لا نسقط جميعا في عالم فوضوي


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بن سعيد الفطيسي - الإمبراطورية الأمريكية واستراتيجية السيطرة على النفط الاسيوي