أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سليم نجيب - القضاء المُسَيَس فى مصر ... إلى متى وإلى أين يأخذنا















المزيد.....

القضاء المُسَيَس فى مصر ... إلى متى وإلى أين يأخذنا


سليم نجيب

الحوار المتمدن-العدد: 578 - 2003 / 9 / 1 - 04:42
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


 

"العدل أساس الملك" وهو صفة من صفات الله ورجال العدالة هم ظل الله في أرضه وهم حصن العدالة ودرعها الأمين. فواجبهم أن يكونوا أمناء على تطبيق القانون والقانون في النهاية هو السياج الذي يحمي للمواطن حريته وأمنه واستقراره ويضمن سلامته وسلامة المجتمع.

إن ساحات القضاء التي رتبتها المجتمعات المتدينة لاقرار العدالة بين الناس.. العدالة المطلقة المنزهة البعيدة عن أي هوى هي رمز لقيم أي مجتمع قويم. حتى إنها اتخذت لها رمزا بامرأة معصوبة العينين تمسك بيدها ميزانا لا يختل إشارة إلى أن العدالة لا ترى سوى القانون ولا تتأثر مطلقا بأية مؤثرات خارجية سوى تطبيق القانون بكل حيدة كاملة وتجرد. ولذلك درجت المجتمعات المتحضرة على التدقيق الشديد عند ترشيحها للشخص الذي تمنحه شرف وأمانة ومسئولية الجلوس على منصة القضاء ممثلا للعدالة.

هذا هو ما تعلمناه منذ فجر شبابنا في مدرجات كلية الحقوق. ومن هذا المنطلق نرى أن الفاحص المدقق المهموم بالشأن المصري لا يسعه إلا الحزن والأسف الشديد على ما آلت ليه حالة العدالة في مصر رغم التشدق المتكرر في وسائل الإعلام بأن القضاء المصري قضاء شامخ وهو في الحقيقة "كان" كذلك في العصر الليبرالي ما قبل قيام ثورة العسكر في 23 يوليو 1952.

ويحضرني في هذا المقام أن أروي للقارئ العزيز واقعة وقعت مع شيخ قضاة مصر آنذاك المرحوم سيد باشا مصطفى حينما كان رئيسا لمحكمة النقض، فلقد امتدح وزير العدل حينذاك القضاء في مصر. فما كان من شيخ القضاة إلا أن انتقد وزير العدل بشدة قائلا له: "من يمتدح القضاء يستطيع أيضا أن يذمه وينتقده مما يعد تدخلا سافرا من السلطة التنفيذية في السلطة القضائية." وهدد بالاستقالة إن لم يعتذر وزير العدل على ما قاله وفعلا اعتذر وزير العدل. هذا هو القضاء النزيه الشامخ. رحم الله هذا العهد الليبرالي العظيم الذي أنجب لنا قضاة عظام أمثال: المرحومين (عبد الرزاق السنهوري باشا، وعبد العزيز فهمي باشا، وكامل بك لطف الله، وكامل باشا مرسي) وغيرهم وغيرهم. أين القضاء المصري الآن في هذا الزمن الأغبر من القضاء المصري أيام العصر الذهبي؟

ويحضرني أيضا في هذا المقام أن أروي للقراء الأعزاء حادثة وقعت هنا في كندا في السبعينات، كان أحد القضاة ينظر في قضية وأثناء ذلك تلقى مكتبه مكالمة تليفونية من مكتب أحد الوزراء "يستعلم!!! فقط" في أمر هذه القضية. فما كان من هذا القاضي الكندي إلا أن فجر أزمة دستورية يتهم هذا الوزير بتدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية. كما أثير هذا الموضوع في البرلمان الكندي والصحافة الكندية مما أرغم الوزير لتقديم استقالته من الوزارة. هذا هو القضاء الشامخ الذي نريده ونتمناه لمصرنا العزيزة.

لقد بدأت –منذ ثورة العسكر يوم 23 يوليو 1952- ظاهرة خضوع السلطة القضائية للتوجهات السياسية السائدة والتدخلات في أمورها رغم التأكيد المستمر على استقلال القضاء المصري والأمثلة على ذلك كثيرة فنذكر على سبيل المثال لا الحصر: محكمة الغدر، ومحكمة الدجوي، ومحكمة الشعب، ومذبحة القضاء في الستينات، تعطيل أحكام المحكمة الدستورية العليا إذ جاء حكمها على هوى التوجهات السياسية الحكومية السائدة واعتداء الغوغاء على مجلس الدولة والاعتداء الوحشي على رئيسه المرحوم الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا (عام 1954).

أما عن مهمة القاضي كما حددها القانون هي تطبيق القانون والبعد عن الأحداث السياسية والدينية. فالقاضي ليس مصلح اجتماعي أو داعية سياسي وإلا انقلبت ساحات المحاكم إلى ساحات سياسية تهريجية على نمط اجتماعات الاتحاد الاشتراكي أيام عبد الناصر. إن القاضي الذي يتدخل في السياسة أو يقبل التدخل السياسي في مهام وظيفته إنما يخالف المادة 40 من الدستور المصري.
للأسف الشديد "فان البعض" ونكرر "بعض" القضاة في مصر أصبحوا دعاة سياسيين يأتمرون بأوامر السلطة التنفيذية مثل القضاة أيام روسيا الستالينية أو أيام ألمانيا النازية أو إيطاليا الفاشية في عهد موسوليني. أين سيادة القانون الذي يتشدقون به؟؟؟ أين رمز العدالة معصوبة العينين أي لا ترى ولا تفرق ولا تتحيز ولا تتسيس بل مهمتها فقط تطبيق نص القانون.

لقد تحقق لنا ما نقوله حينما أصدر يوم 27 فبراير رئيس محكمة جنايات سوهاج حكما ببراءة كل المتهمين بقتل 20 قتيلا من المسيحيين وقتيلا واحدا من المسلمين في بلدة الكشح. فلقد حكم سيادته على المواطن المسلم مايز ابراهيم لمدة 15 سنة سجن مع الأشغال الشاقة لقتله مواطنا مسلما، كما حكم على المواطن المسلم فوزي محمد شبيب بالسجن ثلاث سنوات ونصف لحمله سلاح غير مرخص.

والسؤال الذي نطرحه "من الذي قتل العشرين شهيدا قبطيا إذن؟؟؟" هل انتحر هؤلاء الشهداء؟؟؟ هل قتلهم أنبا ويصا أسقف البلينا؟؟ أم قتلهم أقباط المهجر؟؟ أم قتلهم الخونة والعملاء من أذناب الاستعمار؟؟؟ ؟؟؟ ؟؟؟

أفيدونا يا سادة يا أفاضل هل هؤلاء الشهداء ماتوا قضاء وقدر؟؟؟ من إذن الذي قتل هؤلاء الأطفال والنساء والرجال والشيوخ؟؟؟

الحقيقة أن هذا الحكم الصادر اليوم ما هو إلا حكم سياسي قبل أن يكون حكم قضائي. فالقانون في أجازة منذ ثورة العسكر وقد قالها الوزير ومحافظ القاهرة السابق وأحد ضباط الثورة محمد سعد زايد وذلك في أواخر الخمسينيات.

إن من أمثلة القضاء الشامخ في العالم المتحضر الذي ليس له مثيل في قضاء مصر المسيس أن مثلت الأميرة آن ابنة ملكة بريطانيا أمام محكمة الجنح في بلدة سلاو بمقاطعة بيركشير في غرب لندن بتهمة إهمالها في رعاية أحد كلابها الذي هاجم طفلين في حديقة قصر وندسور. واعترفت الأميرة آن بالذنب وتم تغريمها بخمسمائة جنيه استرليني ودفع تعويض قدره مائتان وخمسون جنيها.

هذا هو مثل من أمثلة القضاء الشامخ الذي يؤكد استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية فالقاضي البريطاني هنا طبق القانون بصرف النظر عن من هي المتهمة حتى لو كانت ابنة ملكة بريطانيا. يا ترى هل توجد هذه النوعية من القضاء الشامخ في مصر العزيزة أو في سائر البلدان العربية؟ هل سيادة القانون تعلو ولا يعلى عليها من تداخلات سياسية من السلطة التنفيذية؟

إن صدور هذا الحكم الشائن من محكمة جنايات سوهاج يثبت ثبوتا قاطعا أن المؤسسات القضائية في مصر تبدو مجرد مرافق إدارية تابعة للسلطة التنفيذية. لقد ضاعت سمعة القضاء المصري في نظر العالم أجمع حتى صرنا مضغة في الأفواه. إن كل تدخل في عمل القضاء يخل بميزان العدل ويقوض من دعائم الحكم. ما قيمة نصوص الدستور وما قيمة نصوص القوانين إذا كانت الحكومات تصدرها ثم تعود لكي تهدرها.

وها هو شيخ القضاة في مصر والعالم العربي المستشار يحي الرفاعي النائب السابق لرئيس محكمة النقض ورئيس دائرتها المدنية الأولى والرئيس الشرفي لنادي القضاة ينعي في بيان أصدره في 31/12/2002 ونشر في جريدة الشعب الإلكترونية يوم 20/1/2003 وينعي فيه العدالة واستقلا القضاء في مصرنا العزيزة (للعلم هو أحد القضاة الذين تم عزلهم في عهد عبد الناصر في مذبحة القضاة منذ 31/6/1969 وحتى 21/12/1972) فيقول ضمن ما يقوله في بيانه المذكور: "انعدمت في نظر الناس قاطبة كافة ضمانات المساواة بين المواطنين أمام القانون والقضاء وهو ما انتهى إلى ضياع سمعة القضاء المصري في نظر العالم أجمع حتى صرنا مضغة في الأفواه".

ويختم سيادة المستشار يحي الرفاعي بيانه بقوله: "يقولون إننا دولة مستقلة ذات سيادة وأن لدينا قضاء مستقل ولدينا سيادة قانون ولدينا برلمان في حين انه ليس لدينا شئ من ذلك كله ولا حتى الحياء".

وبعد هذا الحكم الجائر المشين إننا أمام تهم قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد وأيضا سلب ونهب وإتلاف ممتلكات الغير.. أمام مذبحة مروعة يندى لها جبين الإنسانية جمعاء فإننا نتساءل "من إذن قتل هؤلاء الأطفال والنساء والرجال والشيوخ؟؟؟"

إننا يا سادة أمام جريمة بل جرائم إنسانية بشعة بكل المعايير الوطنية والدولية سوف يحاكم النظام عنها أمام محكمة التاريخ.

إننا نؤمن بأن الله سبحانه سيجازي كل أحد حسب أعماله التي صنعها بالجسد خيرا كانت أم شرا.


د. سليم نجيب

دكتور في القانون والعلوم السياسية/ قاضي وأحد نشطاء حقوق الإنسان/ عضو اللجنة الدولية للقانونيين/ رئيس الهيئة القبطية الكندية


514-485-1533 رقم الفاكس  

E-mail: [email protected] 

 



#سليم_نجيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نداء إلى الضمير العالمي
- نداء إلى ضمير الكتاب والصحفيين والمثقفين والمتنورين في مصر
- حقوق الأقليات وحقوق المواطنة-2
- حقوق الأقليات وحقوق المواطنة - 1
- أين ضمير مصر من المسئول عن إيقاف مسلسل خطف الفتيات المسيحيات ...
- نداء إلى سيادة الرئيس محمد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العرب ...
- المحكمة الجنائية الدولية وقضية الأقباط
- أوضاع الأقباط قبل وبعد ثورة يوليو 1952


المزيد.....




- الإمارات تشهد هطول -أكبر كميات أمطار في تاريخها الحديث-.. وم ...
- مكتب أممي يدعو القوات الإسرائيلية إلى وقف هجمات المستوطنين ع ...
- الطاقة.. ملف ساخن على طاولة السوداني وبايدن
- -النيران اشتعلت فيها-.. حزب الله يعرض مشاهد من استهدافه منصة ...
- قطر تستنكر تهديد نائب أمريكي بإعادة تقييم علاقات واشنطن مع ا ...
- أوكرانيا تدرج النائب الأول السابق لأمين مجلس الأمن القومي وا ...
- فرنسا تستدعي سفيرتها لدى أذربيجان -للتشاور- في ظل توتر بين ا ...
- كندا تخطط لتقديم أسلحة لأوكرانيا بقيمة تزيد عن مليار دولار
- مسؤول أمريكي: أوكرانيا لن تحصل على أموال الأصول الروسية كامل ...
- الولايات المتحدة: ترامب يشكو منعه مواصلة حملته الانتخابية بخ ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سليم نجيب - القضاء المُسَيَس فى مصر ... إلى متى وإلى أين يأخذنا