أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - كورش مدرسي - الحزب الشيوعي و السلطة السياسيةِ الشيوعية العمالية و اربعة تجارب: - الجزء الثاني















المزيد.....


الحزب الشيوعي و السلطة السياسيةِ الشيوعية العمالية و اربعة تجارب: - الجزء الثاني


كورش مدرسي

الحوار المتمدن-العدد: 1911 - 2007 / 5 / 10 - 11:51
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


( ثورة اكتوبر، الثورة الايرانية 1979، تجربة كردستان ، تجربة العراق)
ترجمة: جلال محمد
فهرست:

تجربة ثورة اكتوبر

الثورة الايرانية 1979

تجربة كردستان

تجربة العراق

الهوامش

الشيوعية العمالية و اربعة تجارب

ايها الرفاق، جاء الجزء الاول مفصلا رغم اني لم اكن انوي الاسهاب فيه. ولذلك، فان ما بقي من الوقت لتقديم الجزء الثاني: "اربعة تجارب" او "ثلاثة تجارب و تجربة واحدة" هو فرصة اقل من الوقت الضروري و هذا ما يضطرني الى اختصار البحث.

قلنا ان بحث الحزب و السلطة السياسية، الحزب والمجتمع و الحزب و الشخصيات ...الخ هي مجموعة متكاملة لايمكن فصلها اومواجهة احدها بالاخر. لامعنى لاحدها دون الاخر او انها لاتحقق المعاني التي نتوخاها نحن منها. يجب تصنيفها جميعا تحت عنوان الحزب السياسي. قد تتوفر للحزب السياسي الذي يتميز بكل الخصائص المذكورة، خلال اوضاع ثورية، امكانية احتلال موقع يتمكن فيه من خلال ممارساته واعماله الثورية ومن خلال السير نحو افاق السلطة، ان يستقطب كل المجتمع و ينجح في تعبئة اكثرية الطبقة العاملة والمجتمع تحت رايته وزجه الى الميدان بالتالي.

والان ارجو ان تسمحوا لي بمناقشة التجارب الاربعة:



1- تجربة ثورة اكتوبر

ثورة اكتوبر مهمة لنا بسبب مكانتها في المجتمع، أهميتها لسنتنا وتقليدنا النضالي ولان الشيوعية العمالية تبلورت وكشفت عن وجودها من خلال الثورة المذكورة.

تم حتى الان تحليل ثورة اكتوبر من زوايا مختلفة وقد اعربت عن وجهة نظري تجاه كل الثورة وليس فقط تجاه حدث اكتوبر بالتفصيل في احدى جلسات جمعية ماركس السابقة. اما اليوم، فساتناول الموضوع من زاوية محدودة ومحددة هي: بحث الحزب و السلطة السياسية، واعود الى احدى زوايا هذه التجربة، اي الثورة و استيلاء الحزب البلشفي على السلطة السياسية .

ان ما قامت ثورة اكتوبر بحسمه، من زاوية خلافات الاتجاهات الداخلية للاشتراكية الديمقراطية الروسية، هو مسالة الخطوط و الاتجاهات التي برزت عام 1900 وخاصة في المؤتمر الثاني للحزب و خطت، مع لنين و من خلاله، نحو ميدان السياسة الروسية. هذا الخط وهذه السنة يختلفان، برايي، عن البلشفية، وقد اطلقت عليه اللنينية، لتميزه عن كل من المنشفية و البلشفية، بقي هذا الخط حتى عام 1921 ، وفي حدود 1927، تحدد مصيره وتهمش لصالح البلشفية. ما اعنيه بالبلشفية يختلف عن ما يطلقه لنين عليها، انها وعي الحزب البلشفي بذاته و قيادته لتقليد نضالي، خطه و تمايزه الذاتي، بهذا المعنى ليست البلشفية سوى منشفية راديكالية. من الممكن استبيان هذا الواقع في كل مراحل حياة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي.."1".

يبحث لنين، على الصعيد المنهجي، دور ارادة الانسان في بناء عالمه المعاصر و تغيير الواقع الاجتماعي. تبدأ اللنينية من نقطة: ماذا أريد ان اعمل؟ تبين الظروف الموضوعية او الظروف المستقلة عنا "المستقلة عن اداة التغيير" الارضية و الاساس الاجتماعي لبلوغ هذا الهدف. يجب النظر الى هذه الظروف وادراك ما اذا كانت تسمح باجراء التغيرات المتوخاة ام لا؛ فاذا كان الجواب بالنفي، عندها يجب معرفة و تحديد التغيرات التي يجب ان تطرأ على تلك الظروف.

على سبيل المثال لو كنا نطالب بالاشتراكية، يجب ان ننظر الى مدى توفر الظروف الموضوعية لتحقيقها. اذا توفرت هذه الظروف، فان تحقيق الثورة الاشتراكية او عدم تحقيقها يتوقف على ارادة الانسان. وقد بين لنين، بشكل صحيح، منذ اولى ايام ولوجه الميدان السياسي، بان الظروف الموضوعية للاشتراكية هي متوفرة من وجهة نظر الطبقة العاملة، وان غير المتوفر والمهيأ هو العنصر الذاتي، اي ذات العنصر الفعال او الفاعل في هذا التحول، اي الطبقة العاملة. ولذلك يجب اعداد الطبقة العاملة من اجل القيام بالثورة الاشتراكية، وان هذا يتم في الميدان السياسي.

من هنا يتضح كل تكتيك لنين المتعلق بالتحول الديمقراطي ونظرية دولة العمال و الفلاحين الديمقراطية و يمكن ادراك تمايزه عن الاتجاه المنشفي و البلشفي. تعتبر اللينينية، تماما مثل الماركسية، دور الممارسة الانسانية حاسما في تغيير المجتمع. ليست هناك قوانين مسبقة عمياء تمنع انجاز الثورة الاشتراكية وتجعل البشر عاجزين عن تغيير تلك القوانين بارادتهم. وان بحث لنين حول تطور الراسمالية هو تماما باتجاه ترسيخ واقع توفر الظروف المادية او الموضوعية للطبقة العاملة او الاشتراكية الديمقراطية من اجل القيام بالثورة الاشتراكية.ان بحثه عن نمو الراسمالية في روسيا ليس بصدد اثبات كون الطبقة العاملة تشكل اكثرية او اقلية المجتمع الروسي، بل انه بصدد امكانية الاشتراكية. انه،على الصعيد المنهجي، ليس سوى ادامة ابحاث ماركس "اطروحات عن فيورباخ": "لم يفعل الفلاسفة حتى الان سوى تفسير العالم ولكن المهم هو تغييره"، وان بامكان ارادة الانسان ان تصنع التاريخ. ان للتاريخ فاعلا وان الانسان هو فاعل التاريخ.

اللينينية، على الصعيد السياسي، هي ان الاشتراكية ممكنة وعملية ، يجب ان نعمل على تحقيقها. وعلى هذا المسار، يجب بناء حزب يستلم السلطة السياسية وينظم الثورة الاشتراكية. بعبارة اخرى، يعتبر التحزب السياسي، بمعناه الشامل السالف الذكر، هو المحور السياسي للينينية. تتركز كل ابحاث لنين وخلافاته الواردة في "ماالعمل" و "وظائف الاشتراكيين الديمقراطيين الروس"، نظرية "الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين"، "موضوعات نيسان" وكذلك الابحاث والمسائل التي طرحها في الفترة الواقعة بين المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي عام 1903 و ثورة اكتوبر والحرب الاهلية، حول هذا المحور ويمكن ادراكها على ضوئه. كان لنين ماركسيا راسخا ومنسجما. ان التصور الذي يزعم ان سبب انشقاق لنين عن المناشفة في المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي هو الخلاف على النظام الداخلي و تعريف العضوية في الحزب هو تصور خاطئ ومنشفي تام. من الجدير بالذكر ان البلاشفة قبلوا التفسير المذكور ايضا.

يتميز البلاشفة عن المناشفة بكونهم "البلاشفة" يفكرون بان البرجوازية عاجزة عن دفع التحولات التي يقف المجتمع على اعتابها حتى النهاية. ولذلك، على الطبقة العاملة ان تنجز هذه المهمة، الا ان الامر عندما يتعلق بمحتوى هذه التحولات تصبح الرؤية منشفية تماما بحجة ان مرحلة الثورة هي مرحلة ديمقراطية وان على المجتمع ان يعبر مرحلة تاريخية. قبلت البلشفية ايضا بقانون التكامل الاجتماعي الاعمى وضرورة طي مراحله: العبودية ، الاقطاعية ، الراسمالية و الاشتراكية . ترجع الحساسية التي نشأت لاحقا لدى الشيوعية الروسية والصينية تجاه نظريات مثل نمط الانتاج الاسيوي التي اشار اليها ماركس الى هذه الزاوية بالضبط ذلك ان ظهور مواقع مستثناة من المسار الحتمي القدري للعبودية، الاقطاعية، الراسمالية والاشتراكية قد اصاب منظومتهم الفكرية القدرية والتجريبية بالخلل.

استنادا الى النظرية البلشفية، علينا ان نلعب دورا ايجابيا في التاريخ الذي يسير نحو هدف معلوم. ان هذه الرؤية هي السبب المباشر في المواجهات التي نشبت، في المراحل المهمة ، بين لنين من جهة و الاتجاه العفوي داخل الحزب البلشفي او وعيه بذاته خلال ثورة 1905 و ثورة 1917 في موضوعات نيسان و بعد ذلك في مرحلة الحرب الاهلية. البلشفية كانت حسب تصور لنين هي اللينينة بذاتها، الا اننا عندما ننتقل الى العالم الخارجي و نلقي نظرة على وعي الحزب البلشفي بذاته وعلى قيادته نجد امامنا ظاهرتين متفاوتتين وخطين متمايزين. هذه الاختلافات قابلة تماما للملاحظة اثناء التحولات الاجتماعية؛ مثلا خلال ثورة 1905 كان منطق المناشفة و معهم تروتسكي الذي كان جزءا منهم هو اولا: ان على الطبقة العاملة و الحزب الاشتراكي الديمقراطي انجاز الثورة الاشتراكية. ثانيا ؛ الفلاحون هم اكثرية المجتمع و يشكلون قوة مضادة للثورة. ثالثا، الطبقة العاملة التي يجب عليها انجاز الثورة الاشتراكية، قليلة العدد و ليست قادرة على انجازها. لذلك يجب مساعدة البرجوازية على انجاز العملية التي يتم في سياقها ومن خلال تطور الراسمالية، ازالة العوائق الاقتصادية و السياسية التي تعرقل طريقها و تنمي الطبقة العاملة سواء على الصعيد الكمي او النوعي "مستوى تنظيمها" و تضعها في موقع يكون بمقدورها انجاز الثورة الاشتراكية. هذه منشفية لا ريب فيها، البلاشفة يقبلون هذا الطرح ايضا الا انهم يرون بان على البروليتاريا و الفلاحين و ليس البرجوازية انجاز هذه المهمة. المهم هنا ان المهام و الوظائف تبقى كما هي: ازالة العوائق امام تطور الراسمالية، التصنيع و.... ولنفس السبب بالذات، في عام 1917 وفي الوقت الذي كان يلج لينين بطروحات نيسان وضرورة الانفصال التام عن سبيل المناشفة، كان البلاشفة منهمكين بعقد مؤتمر توحيد صفوفهم مع المناشفة، ولج لنين الميدان بـ"موضوعات نيسان" مطالبا بضرورة الانفصال النهائي عن المناشفة، الا ان الحزب رفض الاطروحات الواردة في الموضوعات بوصفه تجاوزا للثورة الديمقراطية وخاصة كتاب " خطتا.." واصفا لنين بـ"المجنون" و " الشارد الذهن" القادم من الخارج.

عندما ننظر الىعلاقة الحزب البلشفي بالسلطة نرى هذا الاختلاف في كل المراحل: في 1905، شباط 1917، اكتوبر 1917، في مرحلة الحرب الاهلية، مرحلة الشيوعية الحربية، في التصدي لمتمردي كرونشتاد، والاشتراكيين الثوريين اليساريين، مواجهة المعارضة اليسارية و في مواجهة الحزب البلشفي نفسه، في كل تلك المراحل يبدو تمايز و اختلاف الخطوط واضحا و في بعض الحالات حاسما للغاية.

كان محور اهتمام لنين منصبا على استلام السلطة السياسية و تنظيم الثورة الاشتراكية باسرع وقت بوصفهاعملية مباشرة لكل تحول او ثورة ذات مطالبات و استقطابات ديمقراطية. كان لنين، مثل ماركس تماما، يؤمن بالثورة الدائمة. ولذلك فان معاني تكتيكاته تتضح في هذا السياق فقط؛ تكتيكه لاستقطاب المجتمع حول الطبقة العاملة والحزب الاشتراكي الديمقراطي ووضع الطبقة العاملة و الحزب الاشتراكي الديمقراطي في افضل المواقع على صعيد علاقتهما بالسلطة.

عندما ننظر الى ثورة اكتوبر من زاوية بحث الحزب و السلطة السياسية، نلاحظ انه كان لدى الحزب البلشفي صفا من القادة المعروفين في المجتمع و كان الحزب وكذلك قادته يتداعون مع مسائل و مطالب معينة في المجتمع. كان الحزب البلشفي، اضافة الى ذلك، الحزب الراديكالي ليسار المجتمع، بل راية الراديكالية التي لاتعرف المساومة. كان المجتمع على اعتاب ثورة اكتوبر يربط اليسار بالبلاشفة، وكان قطاعا ملحوظا من اليسار يعتبرون انفسهم جزء من ذلك الحزب في مواجهة كل الاحزاب البرجوازية. كان هذا بالضبط نقطة اختلاف مرحلة شباط 1917 واكتوبر 1917، الاختلاف الذي جعل القيام بثورة اكتوبر امرا ممكنا.

تبلورت علاقة الحزب البلشفي بالطبقة العاملة وبالجماهير، ضمن سياق تاريخي: اي خلال الموقف من الفلاحين ومسالة الارض، التمايز عن المناشفة وعن تروتسكي، التصدي للحرب، خلال التمايز عن معسكر البرجوازية والمناشفة، بل وحتى عن البلاشفة، خلال الاصرار على امكانية و ضرورة استلام الطبقة العاملة للسلطة، التمايز عن الجميع ومن ضمنهم البلاشفة، خلال الجدال على الاشتراك او عدم الاشتراك في الدوما..."3"، مقاطعة الانتخابات او الاشتراك فيها، خلال مناقشة مسالة الجهة التي استلمت السلطة، المجالس او غيرها، رفع الحزب البلشفي خلال المواقف المصيرية و الحاسمة التي واجهت المجتمع ، راية ميزته عن كل الاحزاب الاخرى .

كان الحزب البلشفي ، على اعتاب ثورة اكتوبر ، عبارة عن شبكة واسعة من الكوادر و المنظمين المتداعين ليس فقط مع مسائل يومية ملموسة جدا ، بل كان بمقدورهم ان يعملوا كجهاز واحد وان يحولوا كل موقف او سياسة للحزب، الى تغيرات ملحوظة. كانوا جهازا يمّكن الاتصال بالناس و يسهله.

تحول الحزب البلشفي ، خلال الفترة من شباط – اكتوبر 1917 الى حزب يضمن اتصال قيادته بفكر الناس و ابصارهم و اسماعهم. وكان على هذا الصعيد متساويا مع الاحزاب البرجوازية الروسية المعاصرة له و موازيا لها، فعدد الاصدارات التي كان يصدرها، نسخها، الاجتماعات و السمينارات، الخطب التي تلقى و تنظم للناس و من خلالهم، المجالس و جمعياتها العمومية كانت وسائل و ادوات الاتصال بالناس .

كان الحزب البلشفي موجودا و حاضرا في المسائل و الافاق التي استقطبت المجتمع حولها، وكان يمثل طرفا متميزا عن الكل، على سبيل المثال، كان المجتمع في 1917 مستقطبا حول مسألة الحرب، الارض والمجاعة و قد عرف المجتمع في البلاشفة مؤيدون راسخون للسلام و لتوزيع الارض، اقترنت البلشفية بهذه الاهداف الاجتماعية و ارتبطت بها.

ارتكزت ثورة اكتوبر على منظمة حزبية واسعة ترسخت جذورها عميقا في صفوف الطبقة العاملة والجيش وحتى في الارياف و كان بامكانها ان تحرك جزءا ملحوظا من الطبقة والناس وتحولت هذه القوة الى احدى الامكانيات المتوفرة لقيام الثورة.

ان ماحدث في الواقع، اثناء ثورة اكتوبر، هو ان البلاشفة و بضغط مستمر من لنين الذي كان يصر دائما على ضرورة القيام بالثورة واستلام السلطة، كانوا يخططون و يضعون البرامج لذلك وبان البلاشفة سيقومون بالثورة، لا المجالس و لا الجماهير و لا حتى العمال، بل ان الحزب البلشفي هو الذي سيقرر ذلك و ينفذه عمليا. و قد برز خلاف، عشية الثورة، حول توقيتها واسم منظمها وباسم من سيتم تنفيذها و اعلانها، هل ستقوم باسم سوفيتات بتروجراد او باسم الحزب البلشفي. كان لنين يؤيد اعلان الثورة و القيام بها و تنفيذها باسم الحزب البلشفي، وأيد تروتسكي اعلانها باسم سوفيتات بتروجراد، جاءت نتيجة التصويت لصالح رأي تروتسكي، ونفذت باسم سوفيتات بتروجراد، الا ان الجميع كان يعرف بان الحزب البلشفي هو الذي نفذ الثورة وانه هو الذي استلم السلطة و ليس سوفيتات بتروجراد.

السؤال الذي يبرز الان هو: لماذا يجب ان لا نطلق على هذه الثورة انقلابا بلشفيا؟ فالكثير من اليسارين يطلقون على ثورة اكتوبر الانقلاب البلشفي. بل ان هناك بعض من اليسار يرى بان ذاك الانقلاب هو سبب انحطاط ثورة اكتوبر و فشلها.

لم تكن الخطوة انقلابا لانها لم تكن عملا معزولا من قبل جماعة معزولة عن الناس و المجتمع في ظروف و اوضاع اعتيادية. أوضحنا في القسم الاول من هذا المبحث اختلاف الانقلاب عن استلام السلطة السياسية من خلال ثورة ينظمها حزب شيوعي. وقد ادت هذه الخطوة التي لم يسميها المجتمع انقلابا الى حدوث شرخ واستقطاب واسعين فيه والى تعبئة جزء مهم منه خلف البلاشفة خلال فترة قصيرة نسبيا.

رغم ان هذه الثورة نظمتها ونفذتها اقلية الا انها كانت اقلية تتميز بخصائص اشرنا اليها سابقا. ان نزوع هذه الاقلية نحو السلطة كان يعني نزوع جزء من المجتمع نحوها وانتصار افق معين وسياسة وهدف معينين ونوع متميز من الثورة، اي الثورة الاشتراكية، هيجت هذه الثورة المجتمع و حددت حتى اجزاءه الصغيرة مواقفها منها و علاقاتها بها سواء بالرفض او القبول. من المؤكد ان العمل الثوري للاقلية المذكورة ادى الى استقطاب المجتمع وتعبئة اكثريته خلفها. اذا تغاضينا عن هذه العوامل والمميزات، تبدو المسالة وكأن عدة قليلة من الافراد قامت في الساعات الاول من فجر احد الايام باحتلال قصر الشتاء في بتروجراد، وهذا انقلاب لاغبار عليه.

ولكن لنسأل: اذا كانت الخطوة المذكورة انقلابا، لماذا عجزت البرجوازية عن مقاومتها واخذ السلطة منها؟ لماذا تمكنت الثورة من تعبئة اكثرية المجتمع: العمال والفلاحين خلفها؟ لماذا عجزت الحرب الاهلية التي شاركت فيها كل القوى البرجوازية العالمية وكل الرجعية الروسية عن دحرها؟ لماذا انتشر تأثيرها على العالم؟ لماذا استقطبت علاقة الطبقة العاملة والبرجوازية في امريكا واوروبا وغيرت سياسة البرجوازية في اوروبا بشكل جذري؟ و لماذا و,,,

ان الواقع هو ان هذه الثورة، وبأي مقياس و معيار، كانت ثورة اقلية ولكنها لم تكن انقلابا. بالاضافة الى ذلك يكمن خلف هذه الثورة وذلك الاستيلاء على السلطة حركة او جوهرا يميزها عن الانقلاب هو ان من استولى على السلطة هو حزب خاص، شيوعي، وقد قام بهذه الخطوة في اوضاع ثورية ساهم هو في ايجادها. فالحزب البلشفي وبخصائص معينة وفي مرحلة معينة تمكن من القيام بهذا العمل. ان عناصر مثل هذه المكانة قد تناولناها بالتفصيل سابقاً.

ليست ثورة اكتوبر اول ثورة في تاريخ البشرية، ولن تكون الاخيرة. وان لكل الثورات التي حدثت مميزات محددة تميزها عن باقي الثورات، الا ان لثورة اكتوبر، بالاضافة الى ما اشرنا اليه من خصائص، تتميز بخاصية مهمة اخرى هي ان ثورة اكتوبر هي اول ثورة خطط الانسان لها. كانت الثورات و خاصة الثورات المعاصرة حتى ثورة اكتوبر ذات طابع عفوي بهذه الدرجة او تلك او انها كانت حركات تآمرية لعدة قليلة لا يمكن اطلاق اسم الثورة عليها. الا ان اكتوبر كانت خطوة واعية تم التخطيط لها مسبقا وتم تنفيذها بدقة من قبل اقلية وتحولت الى حدث و ثورة اجتماعية عظيمة، ربما اعظم احداث القرن العشرين. لم يحدث قبل هذه الثورة ان تتم مثل هذه التغيرات الجذرية وفق برنامج مخطط، فالثورة الفرنسية كانت تفتقد مثل هذاالبرنامج وكذلك كانت ثورات 1848 وكومونة باريس وثورة شباط 1917 في روسيا. ان واقع قيام حزب ما، واعيا، بوضع برنامج للقيام بالاستيلاء على السلطة في ساعة محددة ومن قبل افراد محددين وان يقوموا بتنفيذها فعلا هو حدث فريد ويحدث لاول مرة في التاريخ، وهو يكشف قبل كل شيء الخصائص العملية و الثورية لماركس و لنين في تغيير الواقع و تعلن هذه الممارسة قبل كل شيء: " بان الفلاسفة لم يفعلوا حتى الان سوى تفسير العالم الا ان المهم هو تغييره" . ان جانب يسند الى اطروحات الحزب والسلطة السياسية قد جعل هذا التغيير امرا ممكناً. وان هذه الاطروحات اوجدت هوة عميقة مابين امرء يبغي ان يقوو بانقلاب وامرء يبغي تنظيم ان ينظم ثورة شيوعية.

هناك اوجه اخرى ومهمة لهذه التجربة الا انني لن اتطرق اليها لضيق الوقت وكذلك لانني تحدثت عنها بالتفصيل في مكان اخر.

مرة اخرى يجب التاكيد على ان مايميز اللنينية عن كل المكاتب الفكرية و السنن الاجتماعية الاخرى و من ضمنها المنشفية والبلشفية هو الاصرار على استلام السلطة و الارتكاز على اليات هذا العمل في سبيل انجاز الثورة الاشتراكية. هذا ما يفسر بالضبط عدم لجوء لينين الى تجزئة الثورة الى مراحل، الامر الذي كان المناشفة و البلاشفة يلجأون اليه. ان المسألة هي تحديد العوائق الذاتية والعملية امام تنظيم ثورة اشتراكية. و لهذا السبب بالذات قام بطرح موضوعات نيسان بعد سقوط الاستبداد القيصري و نشوء السلطة المزدوجة . يذكر ان تروتسكي الذي لم يفهم ابدا منهج لنين، اعلن بعد طرح موضوعات نيسان ان لنين: "تراجع عن البلشفية"، وبنفس الدرجة التي كان البلاشفة على قدر كبير من الشك تجاه لنين، فان احدا منهم لم يفهم انسجامها الفكري، السياسي و العملي. ان بحث تحديد السمات الديمقراطية للمطاليب المتعددة والاستقطاب السياسي في المجتمع و اطروحة الدكتاتورية الديمقراطية للعمال و الفلاحين هي، من وجهة نظر لنين، وسيلة لمنع احلال اسقاط القيصرية محل الثورة الاشتراكية، وهي كذلك وسيلة لرفع العوائق الذاتية امام الثورة الاشتراكية و تقريب الطبقة العاملة و الحزب البلشفي من السلطة السياسية وليست تجزئة الثورة الى مراحل. اذا لم تكن تملك هذه الرؤية، لن تدرك لماذا يتحول "الخبز ، السلام ، توزيع الارض" الى شعار الثورة الاشتراكية و محملها في الوقت الذي يمكن تحقيق محتوى هذه المطالب في ظل دولة برجوازية.



2. الثورة الايرانية 1979

رغم انه يمكن التحدث عن الثورة الايرانية من زوايا مختلفة الا اننا سنتطرق اليها من زاوية موضوعنا لهذا اليوم فقط . ان هذه الثورة مهمة لعدة اسباب جوهرية وذلك لكونها تجربة حية لنا ولانها نموذج كلاسيكي للثورات يحدث في ايران في مجتمع حضري وراسمالي. عندما ننظر الى الثورات او التحولات الثورية، خلال عقد الستينات او السبعينات "من القرن العشرين- المترجم" نلاحظ بان اغلبها حركات تحررية ذات جوانب فلاحية، ريفية واهداف استقلالية يطغي عليها اشكال حرب العصابات. الا ان ثورة 1979 الايرانية كانت ثورة مدينية في مجتمع صناعي ومعاصر واجهت مسائل تمتد جذورها في ذات المجتمع الراسمالي ، بعكس الثورة الروسية ، مثلا، التي كانت تجسد مسائل المجتمع الاقطاعي.

يتحرك المجتمع خلال ثورة 1979 وتعتبر الطبقة العاملة احدى المكونات الرئيسية لهذا التحرك. انها مرحلة تلج فيها الطبقة العاملة الميدان بكل عنفوانها و قامتها الاجتماعية وتقصم ظهر النظام الملكي "الشاهنساهي- المترجم" وحيث يتجسد الدور الحاسم لقوة البروليتاريا الصناعية و تنظيم الطبقة العاملة و جماهير المدن الايرانية كذلك. ان من عايش هذه الثورة عن قرب، يدرك اية طاقة تبعثها الثورة وقوة جماهير المدن والطبقة العاملة عندما تدخل الميدان و يعي فعلا بانها تجربة تاريخية .

ستكون الثورة القادمة في ايران ثورة مدن بالتا




جمعية ماركس- حكمت لندن شباط 2004




#كورش_مدرسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحزب الشيوعي والسلطة السياسية - الشيوعية العمالية وأربعة تج ...
- الانتخابات الامريكية واثارها، اسقاط الجمهورية الاسلامية ، مك ...
- أثمة من يهب لنجدة جماهير لبنان؟
- حول نشاط الحزب في الخارج - ترجمة جلال محمد
- تنظيم حركة جماهيرية ضد انهيار الحياة المدنية في العراق
- اين يجب ان يتمركز البحث؟ ترجمة جلال محمد
- الحزب الشيوعي العمالي الايراني وسقوط الجمهورية الاسلامية
- الى المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي العمالي العراقي
- الائتلافات المناهضة للحرب: الأهداف المفقودة والحركات التي عر ...
- الاسلام بدون العنف والوحشية ليس باسلام


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - كورش مدرسي - الحزب الشيوعي و السلطة السياسيةِ الشيوعية العمالية و اربعة تجارب: - الجزء الثاني