أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد فؤاد - روائي مغربي هولندي يصدر -رسائل من مدينة محاصرة-: اليوم أدركت أني أودّع لبنان الهادىء















المزيد.....

روائي مغربي هولندي يصدر -رسائل من مدينة محاصرة-: اليوم أدركت أني أودّع لبنان الهادىء


عماد فؤاد

الحوار المتمدن-العدد: 1913 - 2007 / 5 / 12 - 07:09
المحور: الادب والفن
    


تخيّلوا معي الآتي: كاتب روائي شاب، يقرر أن يسافر إلى إحدى العواصم كي يتعلّم لغة جديدة هناك، ويتفرّغ لكتابة روايته الجديدة بعيداً من روتين الحياة الذي ألفه في مدينته الأوروبية الخانقة. بعد وصوله بأسابيع إلى المكان الذي قرر أن يفرّ إليه، يجد نفسه محاصراً داخل المدينة التي وقعت فجأة تحت نيران حرب يشنّها عدوّ في الجوار، فيصحو من النوم ليجد نفسه تحت سماء مزينة بالقنابل والصواريخ التي تسقط على الأحياء السكنية والمدنيين العزّل، على مسمع من العالم أجمع، فماذا يفعل كاتبنا الشاب؟!



الإجابة نجدها في كتاب جديد صدر حديثاً في هولندا للكاتب المغربي الأصل الهولندي الجنسية "عبد القادر بنعلي"، أحد أبرز الكتّاب الجدد من ذوي الأصول العربية الذين يتصدّرون المشهد الروائي الجديد في هولندا، إلى أسماء أخرى عديدة من جيل الهجرة الثاني، مثل الكتّاب المغاربة "حفيظ بوعزة"، "مصطفى ستيتو"، و"نعيمة البزّاز"، والشاعر الفلسطيني الأصل "رمزي ناصر". ولد "بنعلي" لأبوين مغربيين ورحل مع عائلته إلى مدينة روتردام الهولندية وهو في سنّ الرابعة، واشتهر بروايته الأولى "زواج على البحر" (صدرت عام 1996 في أمستردام) وكتبها مباشرة في اللغة الهولندية، ثم براويته الثانية “ما تنتظره طويلاً”، التي نال عليها جائزة "ليبريس" في الآداب، مما يؤكد أهميته بين كتّاب الرواية الجدد في اللغة الهولندية.

في كتابه الجديد "رسائل من مدينة محاصرة" ‘Berichten uit een belegerde stad’ الصادر لدى ‘De Arbeiderspers’ (أمستردام، 2006)، يكتب "بنعلي" يومياته إبّان الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان بعد خطف "حزب الله" جنديين إسرائيليين من على الحدود المشتركة بين البلدين. كان "بنعلي" يعمل في بيروت على مشروعه الروائي الجديد عندما كانت إسرائيل تلقي قنابلها فوق سماء لبنان. وبخلاف الآخرين الذين سارعوا إلى الرحيل، قرر هو أن يمدّد إقامته رغم مطالبة والديه وأصدقائه له بالمغادرة الفورية، مبرراً ذلك في كتابه بقوله: "كانت الحرب بالنسبة إليّ ككاتب فرصة لن تعوّض، ذلك لأني كثيراً ما قرأت عن الحروب، لكنّي كنت أحياها وألمسها عن قرب للمرة الأولى في حياتي". يكتب "بنعلي" وقائع يومياته في بيروت بحسّ الروائي، من دون أن يتخذ موقفاً معيناً ينحاز فيه إلى فريق دون آخر، وهذا ما يوضحه في أحد الحوارات الصحافية التي أجريت معه بعد صدور الكتاب: "لم يكن عليّ أن أنحاز إلى أحد الطرفين، لم أشعر أني ككاتب مطالَب بفكرة الانحياز، حاولت في يومياتي أن أصنع حكاية لمدينة وجدتُ نفسها بين ليلة وضحاها فريسة لجيش يدمّرها بترسانته الحديثة والمتطورة من الأسلحة".



في مقدمة الكتاب الذي صدر في 128 صفحة من القطع المتوسط، وهي رسالة حب إلى بيروت، يحاول الكاتب أن يرصد تحوّلات المدينة التي أتاها في الصيف وكانت جنّة مزدحمة بالسائحين والمصطافين، وكيف تحولت أيام الحرب إلى مدينة تتقلّص يومياً مع نزوح الآلاف من سكانها العزّل، هرباً من نيران الجيش الإسرائيلي، مشيراً إلى أنه حين سمع ما صدر عن الحكومة الإسرائيلية عقب إعلان "حزب الله" عن نجاحه في خطف الجنديين الإسرائيليين، من أنها سوف تعمل على معاقبة "حزب الله" وقادته، لم يفهم ماذا تعني كلمة "عقاب" التي وردت في هذا السياق السياسي، مضيفاً: "العقاب الذي كنت أفهمه قبل أن آتي إلى بيروت هو المعنى الذي نتعامل به مع الأطفال، حين نضعهم في غرفة مغلقة عقاباً لهم على عدم طاعتنا". لكن "بنعلي" يكتشف في بيروت أن فهمه كان قاصراً جداً لكلمة عقاب، حين شاهد على شاشات التلفزيون قنابل إسرائيل وهي تنهمر على مطار بيروت الدولي صبيحة يوم الخميس 13 تموز 2006، وتدمّر أجزاء كبيرة منه، فيكتب آراءه ومواقفه من الحرب، ويرصد المقاومة التي لمسها من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ وهم يذهبون إلى أعمالهم كل صباح تحت سماء تمطرهم بالقنابل والمنشورات الداعية إلى النزوح من المدينة. وعلى الرغم من السخرية التي تغلّف يوميات الكاتب الشاب في بيروت المحاصرة، لا نعدم لحظات من الأسى تسيطر عليه وعلى جمله، فيقول: "جئت هنا للمرة الأولى في تشرين الثاني 2005، وكررت الزيارة في شهور تالية، اليوم فقط أدركتُ أني هذا الأسبوع ودّعت لبنان الهادئ الذي رأيته سابقاً، وخصوصاً بيروت التي عرفتها من قبل. ثمّة زمن انتهى، استمتعتُ به قليلاً، بيروت التي كانت تفكر وتتحرك وتحاول بناء شيء ما، التي كانت تحثّ الآخرين على المجيء إليها، وتحاول أن تكون مدهشة ودافئة، وخصوصاً، مدينة من الممكن أن تجد فيها كل شيء، الجميع كان يريدها على ما هي عليه، بيروت التي كانت واحة خضراء في الشرق الأوسط، أضحت الآن مزروعة بالخراب".

في إحدى صوره الكاريكاتورية، يقدّم "بنعلي" صورة شديدة السخرية عن وزير الدفاع الإسرئيلي: "عمير بيرتس الذي تظهر قبضته على العملية كلها، هاجر في العام 1956 من المغرب إلى إسرائيل، هو مثلي إذاً من أصل مغربي. نحن الإثنان من جيل الهجرة الثاني، أنا في هولندا وهو في الوطن اليهودي، ربما لو بقي بيرتس في موضع ما من جبال الأطلسي، لكنا التقينا هذا الصيف في المغرب، ربما كنت اشتريت منه سجادة أو قرأت كتابه، أو بعت أنا له سجادة، أو قرأت له بضع صفحات من أحد كتبي. الآن هو جالس في تل أبيب يحيط به قادته العسكريون، فهكذا رأيته أمس في التلفزيون بشاربيه وعينيه المغربيتين السعيدتين. قادته العسكريون يهملون وجوده تماماً، فيما يحاول أن يرسم ملامح القوة وإيهام البعض بأنه الرئيس بينهم، لكنك تستطيع بسهولة أن تشاهد الخجل وهو يمسك بتلابيب وجوده بينهم، ها هو الرجل السياسي الذي وصل إلى صدرة المكان الذي ليس له".

لا ينسى "بنعلي" أن يضع يده على مشاكل لبنان أثناء الحرب: "إلى جانب الاقتصاد السيىء والبنية التحتية التي دُمرت تماماً، أصبحت لدى لبنان مشكلة أخرى؛ ألا وهي اللبنانيون الفارون من جحيم الحرب، هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم في عداد القتلى لكنهم لا يزالون يتنفّسون قليلاً، أستعيد ذكرى رؤيتي لوجوه المتحمّسين لما فعله "حزب الله" والذين شاهدتهم قبل أيام في جوار إحدى المدارس المهدّمة، فلا أرى في وجوههم ملامح هؤلاء الذين يريدون الموت. أرى في عيون الأطفال طاقة ورغبة في التمتع بالحياة".

يتساءل الروائي كثيراً خلال يومياته عن سبب إصراره على البقاء في بيروت التي تحترق كل يوم أكثر وأكثر أمام ناظريه، فتارة يقول إنها فرصة لن تتكرر أمامه ككاتب عليه أن يخبر كل شيء ويجرّب كلّ شيء، وطوراً يبدو وكأن الضعف بدأ يتمكّن منه، فيبدأ التفكير في الفرار على غرار جميع الرعايا الأجانب الذين أجْلتهم سفاراتهم عن بيروت في رحلات منظّمة، لكنه سرعان ما يقرر البقاء، يقول: "تسألني صديقة لماذا لا أرحل؟ ليس لديّ جواب، وعدت نفسي أن أبقى هنا حتى أيلول المقبل. وعد أخذته على نفسي وأريد أن أفي به، فهنا قرّرت أن أتعلم اللغة العربية، وهنا قرّرت أن أنتهي من كتابي الجديد، لماذا إذاً أتمسك بمثل هذا الوعد في ظلّ هذه الحرب؟! من الممكن أن أذهب إلى دمشق وأقيم هناك في المعهد الهولندي حتى يتحسّن الوضع في بيروت. زوج صديقتي يقول لي إن الوضع لن يستمر أكثر من عطلة نهاية الأسبوع، فأشعر ببعض الراحة. لا أريد أن أرحل من هنا. مذيعة الراديو الهولندي سألتني مساء أمس ما إذا كان لديّ ملجأ كي أختبئ فيه أثناء القصف الإسرائيلي أم لا. لم أفهم جيداً ماذا تقصد بكلمة "مخبأ"، لكن لو نمت الليلة فسوف أصنع لنفسي ملجأ، ملجأ في رأسي، فلا أملك غير هذا".



#عماد_فؤاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عين بلجيكية على العراق: حين تصور العدسة ضحايا الديموقراطية
- حركة ترجمة الأدب العربي إلى الهولندية: ثغر لا تحصى والإسلامي ...
- حرير .. المجموعة الرَّابعة لعماد فؤاد تصدر في بيروت
- في الظِّل الغامق لامرأةٍ لا تشبهنا
- ديوان تقاعد زير نساء عجوز


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد فؤاد - روائي مغربي هولندي يصدر -رسائل من مدينة محاصرة-: اليوم أدركت أني أودّع لبنان الهادىء