|
فصلين رحيل 3
هلال العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 1910 - 2007 / 5 / 9 - 10:35
المحور:
الادب والفن
نسمات ربيعية تحني رؤوس سنابل القمح . باتجاه معاكس لها . والظلام بدأ يترسب على بقايا الضوء . بعد أن غابت الشمس . انحنت مع امتداد الحقل المنساب على وسادة البيت الطيني . بيت قديم . تآكلت جدرانه بسيل مطر الشتاء . تعفن جميع من فيه إلا فتاة جميلة خرجت منه . نمت أشياءها خلف فستان لائق . تورمت . أصبحت أكثر إثارة . تفيض بنشاط لا مثيل له خلف جدرانه . حدثته عن اسمها وميلادها وكيف أصبحت كبيرة .. حملت بين يديها إناء حليب بقرتهم . سالت منه قطرات على معصمها الرقيق . إخوتها الصغار يساعدونها بحمل بيض دجاجهم الذي ينبش المزابل من الصباح وحتى الظلام . بفضول .. تعفنت أمها داخل بيتهم وهي حية . ماتت . فورثت عنها حنان أخوتها والبقرة الحلوب وحقل قمح صغير . والدها يعود ثم يهجرهم . حبه لعالمه جعله يغيب لشهور وسنين . تقاسم شخصه كفتي ميزان . أيها يرجح تراه يتنصل عن الأخرى . تجد ابنته بكل صباح انه قد تجرد من كل شيء وترك وصيته لترعى أختها وأخيها . تنساه لغيابه . حضنها أتسعهم لسنين .. تعيد بكل عام تبديل البيض بالحاجيات الجديدة للعيد : أواني المطاط . أردية . مناظر للطبيعة لتغلف الجدران الداخلية للدار . وهكذا . تلفازهم المغمور بالغبار يغص ببحة المذيع وهو يعلن عن أنباء وقوع ضحايا جدد بانفجار استهدفهم . لا تعرف كيف تتألم . تبكي لوحدها . يكبر حلمها تحت فستان جميل . زاهي . كوردة وسط البساط الأخضر . نصف يومها تمضيه بعالم مزدحم بالأتربة ومخلفات الأبقار وذرق الطيور ومكافحة الآفات في البيت والحقل . ترى متى ترجح كفة شخص بيتهم الطيني ليعود الأب فيزيح عنها عبء الحياة . شظفها . ترى إلا يدرك بأنه من المحتمل سقوط البيت على الصغار وهم نيام .؟ يلعبون . يأكلون قطع الخبز المنقوع بالحليب . مواليد جدد صرخوا صرختهم الأولى بربيع تلك السنة . فقس بيض الطيور وكبر عجل بقرتهم . والعيد اقترب . البيت الطيني يشهد تبدلات فصول السنين . حصاد السنابل . انتظام الكائنات مع شروق وغروب كوكب الشمس . كتلة النار . الملتهبة . يتحدى عواصف الثلج المطر والضباب والريح . لتعقبها أشعة الشمس الحارة . يزداد هرمه بكل عام . يتآكل . أماكن الجسد عندها تزداد نموا ونضجا . بيضتان باليوم . ثلاثة . أرررربع . الحليب يسفح من إناء الحلب . احتقن ضرع بقرتهم . العشب نما بتشابك في الحقول . القط والفئران ومحاولات الافتراس . لا تنتهي . الدود ينشط . والنمل والصراصير والجرادة وأبي دقيق وفرس النبي والرعاشات والخنفساء الكاروب والدعسوقة والمن والنحل والذباب القمل والزنابير . وأنواع أخر من الحشرات انتشرت بذاك الحقل المنساب على وسادة البيت الطيني . اختبأت يرقاته من منقار الدجاجة التي طالما طاردتها ، حتى أكلت بيوم ما حبة المصيدة المدفونة بالتراب فأطبقت على عنقها قيـق ..قيـق .. قيـق . قق . ماتت مخنوقة . قق . ليل كحله القمر الذي يختفي بين الغيوم بين لحظة وأخرى . أصوات الضفادع . حان موسم التزاوج . رائحة الفطر تغزو الدار . تعفنت الأشياء . ذبحت البقرة بعد أن أمرضها فطر سام . توزع لحمها على القرية بموسم الحصاد . مخمورين بقيلولة ظهيرة . اشتد الحر . انتحرت النسمات الباردة . الربيعية . عند أعتاب النهار القائظ . مزارع البطيخ . قطعان البقر . أسراب البعوض . نهيق الحمير . دبق الحر . تراب معجون بالعرق . نهار يمتد فوق السراب . الأشياء المعدنية تكوي لامسيها . زفير الحيوانات لا ينضب . والصبية يسبحون في النهر . عند الشاطىء وهم عراة . يقذفون الأشياء الملونة بالماء . وشهههههه جب . . يمارسون لعبة الشعيرة . فيغطسون وهم فاتحين عيونهم بحثا عن ماقذفهوه . تحمر عيونهم . يخرج الماء من الأنوف والأذان . ثم التعلق بأذناب الأبقار للعبور إلى الضفة الأخرى . لذة العوم . بلا جهد . يتحسسون جلود الأبقار بأطرافهم . شيء ما يدفع أجساهم باتجاه السطح . يخرجون من الماء فتقرصهم ذبابة الكلب قرب الشاطىء . يحكون . يحكون بأظفارهم المملوءة بالتراب وبيوض الديدان الدبوسية . حتى يسيل دمهم من جلودهم .. يسبحون مجددا . يفزون من فراشهم ليلا حين يحلمون أنهم يسبحون . يسكن الألم حين يهرشون مكان هجرة الديدان ليلا . لزوجة ودفء . وهكذا .. أكوام التراب . تلال طينية . بقايا بيت طيني منهار بعدما انكسر العمود الخشبي من وسط الدار . نخرت ألياف خشبه آفة الأرضة . بفكوك قاضمة . حولته نسيجا هشا . رخو لا يحتمل ثقل السقف .. فوقع تحت الجدران التي سقطت فوقه . هوى . عاد الأب يحمل هدايا العيد : فستان لائق ، أواني المطاط . أردية . مناظر للطبيعة لتغليف الجدران الداخلية للدار . لكنه لم يجد احد . ركض ليلحق بهم بعدما عرف أنهم رحلوا . فتبعثرت الحاجيات الجميلة بعدما سقطت من يده . اشتراها من عمله طيلة تلك الفترة كهدية لحنان وإخوتها الذين رحلوا إلى مكان بعيد . بعيد .. 23 نيسان، 2007 / العراق .
#هلال_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اشارات
-
فصول رحيل
-
رحيلي الثالث
-
رحيلي الثاني
-
رحيل
المزيد.....
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
-
مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف
...
-
-بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|