أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خالص عزمي - جدار عدو الحرية















المزيد.....

جدار عدو الحرية


خالص عزمي

الحوار المتمدن-العدد: 1906 - 2007 / 5 / 5 - 11:29
المحور: حقوق الانسان
    


لم أنس قرب الاعظـمية موقفــــي
والشمــــــــــس دانية تريد أفولا
وعن اليمين أرى مــــــروج مزارع
وعن الشمـــــــال حدائقا ونخــيلا
الرصافي

ليس هذا الوصف الشعري هو الخلاب وحسب ؛ بل هو ايضا الواقع الذي زهت به الاعظمية على مر عصورها ؛ فقد كانت حتى لحظة الغزو الشرير ؛ عنوانا بارزا في صفحـــات المحبة ؛ والرأفة ؛ والتعاطـــف والتسامـــح والانفتاح ؛ ولو كان الامر غير ذلك لما ضمت بين جوانحها عشرات من الشخصيات و العوائــــــل ومن من كل الملل والنحل والقوميات والاعراق ؛ بل ولتغدو مصيفا ومشتى لعشاق الهدو والطبيعة الجميلة ؛ او اؤلئك الذين اعتبروها وأطباؤهم مشفى مفتوحا ؛ ومتنزهات نقاهة لا تحتاج الى اية اجرآءات لدخولها والتمتع بهوائها النظيف وسحر بساتينها و شواطئها الزاهية الممرعة .
ان سر حرية الاعظمية يكمن في تسامحها على مختلف الاصعدة ؛ فحينما تجد الآباء اليسوعيين يتجولون في نهاية الصليخ بين البساتين وشواطيء دجلة بكل امان ؛ تلتقي بعوائل يهودية كآل عبوديا ودلالي وتفاحة وهي تتمشى على كورنيش الاعظمية بطمأنينةومحبة ؛ وحينما يأخذك بصرك الى بيت جمال بابان في شارع طه ؛ يتلقاك بيت الجواهري او عبد الرزاق محي الدين او بهجت الاثري او عمر نظمي او حكمت سليمان اوبهاء النقشبندي ... الخ بكثير من التحنان ومن خلال جيرة مترابطة او ضيافة كريمة او لقاء ودي . عمائم وعقل وسدائر وجراويات وغتر ؛ .......سفور وحجاب .... تختلف الأزياء والأشكال على مد البصر ؛ من سبع ابكار ؛ والصليخ؛ والحارّه؛ والنصة حتى مرسى السفينه ؛ ولكن الروح عراقية ...متحابة ... متآلفة ... متسامحة .
جدوا لي طائفة واحدة لم يسكن احد ابنائها الاعظمية ؛ لقد جلت في صفحات اسرها كافة ؛ فلم اجد من تلك العوائل من تطير من سكناها ! فقد ظلت الاعظمية ملاذا للهدوء والسلام ووالتآزر والتواصل .
لهذا فقد استقطبت عددا كبيرا من ابرز الشخصيات السياسية كرؤساء الوزراء ؛ والوزراء ؛ والادباء والقضاة والشعراء ورجال الدين والفنانين والاطباء والمهندسين والاقتصاديين والاكادميين والعلماء
والعسكريين البارزين والمعلمين ... الخ بل ان مقابر الخيزران تتباهى بالكثيرين من الذين دفنوا في تربتها ؛ وشواهدهم ما زالت تشير اليهم بالفخر والاعتزاز .
اذن ما هي الاسباب الحقيقية لعزلها وحصارها وخنق انفاسها الطليقة بهذا الجدار المسخ ؛ عدو الحرية ؟!! هل هو ذلك التلاحم المصيري بين ابنائها الذي عرفت به ابدا ؟!!

منذ اللحظة الاولى لنزول الاحتلال ارض العراق ببوارج وطائرات ودبابات اللاشرعية ؛ حمل معه ادوات التفرقة المصنعة في معامل الطائفية والاثنية والعرقية والتخلف وقدمها هدية الى مجلس الحكم على طبق سمي ب( قانون ادارة الدولة للفترة الانتقالية ) . ففي هذا القانون ( تجاوزا ) تلمس ؛ احرفا مسمومة تعلن بوضوح عن خطة تمزيق الشعب وتدمير الدولة .واذا خانتك رؤيتك القانونية في فحص تلك النصوص و الاسانيد ؛ فما عليك الا معاودة النظر في مجمل الافعال التي جرت على ارض الواقع لتتأكد تماما ؛ من ان كل ما جرى و يجري من احداث مأساوية لم يألفها الشعب العراقي من قبل ؛ انما هي تطبيق تنفيذي لنصوص ذلك القانون سيْ الصيت .

ان بناء هذا الجدار العازل وغيره مما بني وسيبنى ؛ انما يهدف الى اسباب كثيرة لعل من اهمها : ـ
اولا ــ منهجية الفوضى المنظمة: ـ اي تلك التي خطط لها مسبقا ؛ لكي لاتكون عشوائية عبثية ؛ وانما تعمل عل تفكيك المجتمع ابتداءا ؛ وتحصره في موقع منعزل قريب من مفهوم السجن ؛ تتقوقع فيه فئاته على ذاتها ؛ فتتعطل قدراته ؛ وتتوقف مطامحه ؛ ويسوده الاحباط ؛ وعندها تصبح خطط المحتل في المداهمة والحجز او التعذيب والتصفية سهلة ميسورة لا تعتورها اية عوائق .

ثانيا ــ التقسيم والتباعد عن طريق العزل القسري : ـ وهو جزء من كل ؛ لقد برز هذا الهدف المتدني اول ما ظهر في قانون ادارة الدولة على عهد مجلس حكم ( بريمر ) ؛ ليتحول بمعونة ( النشامى ) الى ارضة تنخر في المجتمع ؛ ولم يكتف المحتل ( وجوقته ) بذلك التدميرفي لحمة الشعب الواحد ؛ بل راح يظهره على نطاق التشرذم والفصل العنصري والطائفي على مختلف الاصعدة ؛ ولأن هذا الـــعزل الاجتماعي يحتاج الى مظاهر جلية تذكرنا بهذا الوباء الآخذ بالانتشار ؛ فكان لابد من بناء جدران صخرية يرتطم بها العراقي صباح مساء تنبهه الى واقع التفكك والتناحر الطائفي والعرقي .

ثالثا ـ التهجير ـ لايستطيع الكل تحمل خنق الحرية والحركة ؛ ولهذا فقد يلجأ الكثيرون وبخاصة الافذاذ والعلماء والخبراء ؛الى الهجرة خارج دائرة سلب الارادة ؛ بحثا عن نطاق آخر من العيش الآمن البعيد عن الخوف ؛ وما بناء الجدران على هذا المقياس ؛ الا دورة اخرى من الانهاك والتفتيت للعراقيين من جهة ؛ والى ما سيحصده المحتل واللائذين به ؛ من مردود اقتصادي او مادي آخر يتأتى من الخلل في التوزان السكاني ازاء حاصل الثروة الوطنية .

رابعا ــ اعطاء الدرس القاسي لكل منطقة تدافع عن مواقفها الوطنية بعامة ؛ ووجودها وكيانها بخاصة ؛ لكي تدرك بان جدران العزل سيكون مصيرها ؛ اضافة الى ما ستعانيه من تلك الاساليب الدموية المتنوعة في معالجة اي لون من الدفاع عن الكرامة والارض والعرض .

خامسا ـ يجب ان لايغربن عن البال ؛ الدافع الاقتصادي الذي اشرنا اليه ؛ فقد ورد في الاخبار ان شركات امريكية هي التي تقوم ببناء الجدران لقاء مقاولات عالية العطاء تغطيها المليارات ؛ تزحف كالثعابين من شمال العراق الى جنوبه باكثر من حجة وسبب ؛ وما جدار الاعظمية الذي يقال ان طوله 4,5 كيلو متر وبقواطع سمنتية يبلغ وزن الواحد منه اكثر من ستت اطنان ؛ الا مقدمة ( سلطة ) قبل وجبة الطعام الدسمة التي اقرها المحتل و( بطانته ) لتكون جاهزة التناول قبل ساعة الرحيل المحتمة .

سادسا ـ ان ابقاء اسرائيل وحيدة في بناء جدار الفصل العنصري في هذا القرن ؛ والاستمرار في النيل منها في المحاكم والمحافل الدولية من جراء هذا الفعل الشنيع ؛ انما هو امر يتوجب تغطيته بالتعميم ؛ فبناء جدران اخرى في الاعظمية ثم في الزعفرانية والبياع والشعلة والبلديات .... الخ والانتقال بعدئذ الى باقي المدن والقرى العراقية ؛ سيحول الانظار عن ذلك الجدار العنصري الى مواقع اخرى يباح لاجهزة الاعلام المختلفة الاسراف في التحدث عنها كثيرا . وعندها يصبح الجدار الاسرائيلي واحدا من كل ؛ بدلا من ان يكون الاوحد في هذا العصر . ان اسرائيل تقول في تبرير بناء جدارها ؛ هو لمنع العدوان ( الفلسطيني ) عليها ؛ في حين ان المحتل الامريكي يناقض ذلك ؛ بادعائه بان بناء جدار الاعظمية انما هو لحماية ابنائها من الارهاب الذي يتعرضون اليه ؟!! فاذا كان الامر كذلك فلماذا لايبني المحتل جدارا حول مواقع العدوان لا العكس ؟!!
ان محتلا يتكون جيشه ومرتزقته من اكثر من مأتي الف فرد ؛ ويتحصن بمئات الطائرات والدبابات والدروع واصناف الاسلحة الحديثة كاقوى جيش في العالم ؛ ثم يلجأ الى بناء جدران تحميه من مجرد افراد تدرعوا بالايمان بحب الوطن والدفاع عنه ؛ لهو نفير يعلن باعلى صوت عن انسحاب من ساحة المعركة ؛ مخلفا وراءه الاندحار والفشل الذريع .
يمكن لجدار الاعظمية البليد ؛ ان يفصل الازقة والطرقات والبيوت والعمائرعن بعضها البعض لزمن قصير ؛ لكنه لن يستطيع ابدا ان يفصل القلوب المتحابة ؛ولا الاصرة المترابطة والجيرة الحميمة . ان الشيء الوحيد الذي يفعله هذا الجدار ؛ هو تعميق جذور الثأر في صدور اؤلئك الذين لا يصبرون على ضيم . وستبقى الاعظمية كما كانت ابدا طليقة وفردوسا للحرية .

لم يبقْ الا الصمُ والبكـــــمُ
من الصخور ِ يقيمـها الأثمُ
تعلو على اعتاب ِ طاهــرة ٍ
ينيرُ ارجاءها ؛ الفن ُ والعلم ُ



#خالص_عزمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات خاصة عن جسر مكسور الجناح
- محاولة في اصلاح ما خربه الاحتلال 22
- محاولة في اصلاح ما خربه الاحتلال 1 2
- محصلة الحرب المشؤومة
- *موريتانيا كما شاهدتها
- من مناهل مجالس بغداد الادبية
- تل الحروف المتفحمة
- والقصف الوحشي مستمر
- حجاب المرأة والحرية الشخصية
- أدب القضاة -20
- في هوى بغداد
- أدب القضاة رسائل وتعليقات
- قصيدتان
- وكان يقودها انتحاري
- هل ان الشعب العراقي هو المسؤول ؟
- -يحكى أن - 5
- الوطنيون ووحدة المصير
- النعامة المرعوبة
- - 2 - موجز لبعض ما كتبت عن العراق في عام
- (موجز لبعض ما كتبت عن العراق في عام ( 1


المزيد.....




- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس في الشرق الأوسط
- سويسرا تمتنع في تصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم ا ...
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...
- البرلمان العربي يستنكر عجز مجلس الأمن عن تمكين فلسطين من الح ...
- الكويت: موقف مجلس الأمن بشأن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ي ...
- قائمة الدول التي صوتت مع أو ضد قبول الطلب الفلسطيني كدولة كا ...
- لافروف يعلق على اعتقال شخصين في ألمانيا بشبهة -التجسس- لصالح ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خالص عزمي - جدار عدو الحرية