|
عن جدران الفصل وسياسة الفوضى الخلاقة
راسم عبيدات
الحوار المتمدن-العدد: 1904 - 2007 / 5 / 3 - 11:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
.......في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي ، يزداد المأزق الأمريكي يوماً بعد يوم ، وقوى الممانعة والمعارضة للمشاريع الأمريكية في نمو وتصاعد كماً ونوعاً ، وتلحق ضرراً وخسائر كبيرة بشرياً ومادياً ومعنوياً بالأمريكان ، حيث الفشل في احتواء وتطويع إيران ، ومنعها عبر كل أشكال وأنواع العقوبات الإقتصادية والتجارية والدبلوماسية والسياسية من امتلاك التكنولوجيا والسلاح النووي ، بل وجدنا الإدارة الأمريكية ، واعترافاً منها بالدور الإقليمي لإيران ، وكونها أضحت قوة إقليمية ، وأحد اللاعبين الرئيسين في المنطقة ، تضطر لدعوتها لحضور مؤتمر قمة شرم الشيخ ، والذي سيعقد بشأن المسألة العراقية ، وبجدول أعمال متفق عليه ، وليس وفق الرؤيا والمقاسات والإشتراطات الأمريكية ، أما في العراق حيث فشلت مشاريع ما يسمى ، بدمقرطة العراق ، فالمقاومة تشتد وتتصاعد وتتسع ، وتزداد شمولاً وتطوراً ، وأمريكيا تزداد غرقاً في الوحل والمستنقع العراقي ، ومشاريعها على المستوى الشرق أوسطي ، من الشرق الأوسط الكبير إلى الشرق الأوسط الجديد ، والذي تحدثت وزيرة الخارجية الأمريكية " كوندليزا رايس " عن آلام مخاضها ، أثناء العدوان الإسرائيلي في الصيف الفائت على لبنان ، نكتشف أن حزب الله ، قد حول هذه الآم إلى حمّل كاذب ، ومن هنا جاء تقرير " بيكر – هاملتون " والذي وجه انتقادات لاذعة للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة ، ودعا إلى تبني إستراتيجية أمريكية جديدة ، تقوم بالأساس على التذرير والتفتيت والتجزئة والتقسيم ، وإعادة رسم الجغرافيا للكيانات الإجتماعية القائمة ، سياسة الفوضى الخلاقة من جهة ، وسياسة جدران العزل والفصل من جهة أخرى ، وسياسة الفوضى الخلاقة ، تهدف بالأساس إلى بلقنة المنطقة العربية برمتها ، وتفتيتها إقليمياً وعرقياً وطائفياً ومذهبياً ، وإحالتها إلى دويلات وجزر ، ومشايخ ، عبر إثارة النعرات الطائفية والعرقية لتمزق الأمة إلى كيانات صغرى تغرق في صراعات ومشاحنات ومواجهات ومنافسات ، تشتت وتشرذم هذا الكيان أو ذاك ، ولكي يصبح أسهل سيطرة وأطوع تسخيراً وإخضاعاً وإذلالاً ، وهذه السياسة والإستراتيجية نتلمسها بشكل واضح في العراق ، حيث يجري اختبار هذه السياسة هناك كنموذج يجري تعميمه في حال نجاحه على باقي دول المنطقة ، وكل الدلائل والمؤشرات تقول بأن العراق ، سيجري تقسيمه إلى ثلاثة دويلات ، كردية في الشمال ، وشيعية في الجنوب ، وسنية في الوسط ، على أن يصار إلى ربط هذه الكيانات ، بمعاهدات واتفاقيات وأحلاف عسكرية وإقتصادية وأمنية ، مع الإدارة الأمريكية ، وبما يمكن أمريكيا من استمرار سيطرتها وتحكمها بثروات العراق النفطية ، بأقل تكلفة ممكنة وتحديداً في العنصر البشري ، وهذه السياسة يجب أن تترافق مع إستراتيجية أمنية جديدة ، هذه الإستراتيجية الجديدة ، والتي عبر عنها السفير الأمريكي الجديد في العراق " ريان كروكر " ، تستند بالأساس ، إلى إقامة جدران عازلة ، ليس حدودية فقط ، بل وداخل المدينة الواحدة نفسها ، حيث شرع في إقامة هذا الجدار في منطقة الأعظمية في قلب العاصمة بغداد ، وبالمناسبة فالذرائع والتبريرات لإقامة مثل هذه الجدران تستند إلى أسباب ظاهرة وأخرى مخفية ، والتي تكون سبباً حقيقيا لإقامة مثل هذه الجداران ، فجدار برلين أقيم بين الألمانيتين الشرقية والغربية ، بغرض منع الهروب والتسلل ، ومنع تدفق المعلومات ، ولكن الهدف المباشر منه ، هو وقف المد الشيوعي من ألمانيا الشرقية إلى الغربية ، وبالتالي إقامة نظام شيوعي فيها موالي لموسكو ، والنتيجة كانت سقوط سور برلين وتوحد الألمانيتين ، وإسرائيل أقامت جدار الفصل العنصري والذي دمر حياة الفلسطينين والتهم مئات الآف من دونماتهم وأرضهم ، تحت يافطة وذريعة حماية إسرائيل ومواطنيها من الهجمات " الإستشهادية " الفلسطينية والدفاع عن أمنها ، ولكن السبب الحقيقي لهذا الجدار ، هو تقطيع أوصال الشعب الفلسطيني ومنع خلق تواصل جغرافي بين الأراضي الفلسطينية ، لكي تمنع أية فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ، وبمعنى آخر هذا الجدار ، هو تكريس لسياسة الأمر الواقع ، وبمثابة حدود سياسية ، بين إسرائيل وأي كيان ينشىء بموافقة فلسطينية أو بدونها ، وبالعودة لسور وجدار الأعظمية ، فالحجج والتبريرات الأمريكية لإقامته ، هي لمنع العمليات الإنتحارية ، ولحماية الطوائف من بعضها البعض ، ولكن نرى أن الأسباب الحقيقية لهذا الجدار ، ليس الأنسانية الزائدة التي هبطت على الأمريكان فجأةً ، وهم الذين دمروا العراق وارتكبوا المجازر والمذابح بحق أبناءه ، بل هي الحد من تصاعد وتنامي قوى المقاومة ، والتي تشكل منطقة الأعظمية عصبا رئيسياً لها ، وتعميق حالة الإحتراب والإقتتال المذهبي والطائفي ، تمهيدا لتقسيم البلاد وتجزئتها وتذريرها ، وبما يحكم السيطرة الأمريكية عليها ، حتى لو انسحبت القوات الأمريكية من العراق ، فرغم المعارضة الواسعة لإقامة هذا الجدار ، حتى من الحكومة العراقية المنصبة أمريكيا برئاسة المالكي ، إلا أن أمريكيا ، لم توقف بناء الجدار ، وستقوم بجر وسحب هذه السياسة على كامل المنطقة العربية ، وما نشهده في العراق وفلسطين ، مرشح أن نشهده في لبنان ، حيث أمريكيا وفرنسا ، تسعيان هناك إلى تفجير الوضع الداخلي وإغراق الساحة اللبنانية في أتون الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية والحروب الأهلية ، بغرض وضع لبنان تحت الوصاية الدولية ، ومن ثم إقامة جدران عازلة بين المناطق المسيحية والإسلامية ، والمناطق الشيعية والسنية ، والدرزية والشيعية وهكذا ، وهذه السياسة يجري سحبها لاحقا على مصر ، ففي حالة ظهور أية خلافات طائفية قبطية إسلامية بفعل فاعل ، فأن الحديث عن إقامة جدران العزل والفصل بين المسلمين والأقباط ، سيصبح مشروعا من أجل حماية الأقلية القبطية ، وهنا سنجد أمريكيا تدعو أفرادها وجماعاتها في كل البلدان العربية والإسلامية للتحرك ، تحت يافطة حماية والدفاع عن حقوق الإنسان ، والذي غالبا ما تقوم به جماعات سجلها المالي والوطني غير نظيف ، من أمثال الجلبي والسامرائي في العراق ، والعديد من مراكز الأبحاث والدراسات المأجورة في مصر ... الخ ، هذه المرامي والأهداف للسياسة الأمريكية الجديدة ، الفوضى الخلاقة والجدران العازلة والفاصلة ، هي خطيرة جدا ، لما لها من أبعاد وتداعيات ، إدخال البلدان العربية والإسلامية في أتون حروب وصراعات طائفية ومذهبية وعرقية ، هدفها إبقاء كامل المنطقة تحت النفوذ والسيطرة الأمريكية ، وبما يخدم مصالحها وأهدافها ، وبما يعيد رسم الجغرافيا العربية والإسلامية وفق هذه المصالح والأهداف ، وهذا المهم لأمريكيا والغرب ، أما القتل والذبح ، فما دام في إطار الشعوب العربية والإسلامية فلا ضير في ذلك ، فالغرب تربى وتعود وتشبع بالمفاهيم والأفكار العنصرية ، بأن العرب مجرد كم زائد لا قيمة له ، فهل تدرك أمتنا العربية والإسلامية ، أنه لا بديل عن وحدتها واستخدام كل إمكانياتها وطاقاتها في سبيل الدفاع عن وجودها وهويتها وقوميتها ، وأنا على ثقة بأن هذه الأمة إذا ما امتلكت إرادتها وقرارها المستقل السياسي والإقتصادي ، ستصبح قادرة على تجاوز محنتها وأزماتها ، وأمة عظيمة تمتلك هذه الإمكانيات والطاقات لا يمكن لها أن تبقى على قارعة الطريق والخارطة العالمية ورهناً لإرادة هذا الطرف أو ذاك .
#راسم_عبيدات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المفاوضات من أجل المفاوضات ، أومفاوضات طحن الهواء وخض الماء
-
واقع الحركة النقابية في مهمة بناء النقابات العمالية / فلسطين
...
-
المبادرات العربية والردود الإسرائيلية عليها
-
على ضوء قضية الدكتور عزمي بشارة / الجماهير العربية وقواها ال
...
-
في يوم الأسير الفلسطيني / الأسرى الفلسطينيون وملف
-
الساحة اللبنانية حبلى بكل التطورات
-
هل إقترب موعد الضربة النووية الأمريكية لإيران
-
ما سر الإهتمام الإسرائيلي الأمريكي بمبادرة السلام العربية
-
فلتان أمني تخت السيطرة ، ومصالحة وطنبة - سوبر -
-
- أولمرت - يترأس القمة العربية - ورايس - تضع جدول
-
المنطقة العربية متوقع أن تشهد صيفا ساخنا
-
هل ما زال ممكنا إعادة إصطفاف القوى المؤمنة بالخيار الديمقراط
...
-
الحكومة تشكلت والقدس غابت
-
في الذكرى السنوية الأولى لإعتقال سعدات ورفاقه
-
سيناريوهات محتمله لردود الفعل العربيه
-
التيار الديمقراطي الفلسطيني ، هل يتوحد أم يزداد شرذمه وإنقسا
...
-
الكارثه تحدق بقطاع التعليم الحكومي في القدس الشرقيه
-
العرب في القدس كم زائد سكانيا ، وبقرة حلوب ضرائبيا
-
ليس دفاعا عن الجبهه الشعبيه ، بل دفاعا عن الحقيقه
-
قراءه في خطاب الشيخ حسن نصرالله في ذكرى إستشهاد الموسوي وحرب
المزيد.....
-
بعيدا عن الكاميرا.. بايدن يتحدث عن السعودية والدول العربية و
...
-
دراسة تحذر من خطر صحي ينجم عن تناول الإيبوبروفين بكثرة
-
منعطفٌ إلى الأبد
-
خبير عسكري: لندن وواشنطن تجندان إرهاببين عبر قناة -صوت خراسا
...
-
-متحرش بالنساء-.. شاهدات عيان يكشفن معلومات جديدة عن أحد إره
...
-
تتشاركان برأسين وقلبين.. زواج أشهر توأم ملتصق في العالم (صور
...
-
حريق ضخم يلتهم مبنى شاهقا في البرازيل (فيديو)
-
الدفاعات الروسية تسقط 15 صاروخا أوكرانيا استهدفت بيلغورود
-
اغتيال زعيم يكره القهوة برصاصة صدئة!
-
زاخاروفا: صمت مجلس أوروبا على هجوم -كروكوس- الإرهابي وصمة عا
...
المزيد.....
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
-
شئ ما عن ألأخلاق
/ علي عبد الواحد محمد
-
تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|